عبادة التفكر

عبادة التفكر

عبادة التفكر

عبادة عظيمة غفل عنها الكثيرون ، إنها عبادة التفكر والتأمل ، فقد أمر الله سبحانه بالتفكُّر والتدبر ، وأثنى على المتفكِّرين بقوله: ﴿ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ آل عمران 191 . ونعى سبحانه على الغافلين عن النظر والتدبر في كونه، فقال عز وجل: ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ ءَاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى القُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ الحج:46، يقول الإمام ابن القيم حين يصف التفكُّر وعظيم شرفه: "تفكُّر ساعة خير من عبادة سنة؛ فالفكر هو الذي ينقل من موت الفطنة إلى حياة اليقظة  ومن المكاره إلى المحاب، ومن الرغبة والحرص إلى الزهد والقناعة، ومن سجن الدنيا إلى فضاء الآخرة...". قال وهب بن منبه: "ما طالت فكرة امرئ قط إلا فَهِم، وما فَهِم إلا علم، وما علم إلا عمل" فما تفكر امرئ إلا علم وما علم امرؤ إلا عمل ولو تفكر الناس في عظمة الله ما عصوا الله عز وجل ، لأن الفكر مرآة تريك حسناتك وسيئاتك، قال الشاعر :

نُزْهَةُ الْمُؤْمِنِ الْفِكَرْ   لَذَّةُ الْمُؤْمِنِ الْعِبَرْ

رُبَّ لاهٍ وَعُمْرُهُ       قَدْ تَقَضَّى وَمَا شَعَرْ

ولذلك كان التفكر من أفضل العبادات ، لأنه يورث الحكمة ويحيى القلوب، ويغرس فيها الخوف والخشية من الله عز وجل. وفي القرآن الكريم آيات يمتدح الله بها من أحيا عبادة التأمل في قلبه وتفكّر في آيات الله، حيث قال الله تعالى: (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَـٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) آل عمران 191، ومن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله رجل ذكر الله خاليا ً ففاضت عيناه " رواه البخاري ومسلم. 

 ودلت السنن والآثار على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من تفكر وتدبر.. عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( تفكروا في خلق الله , ولا تفكروا في الله عز وجل ) وعن الحسن قال: تفكر ساعة خير من قيام ليلة. وقيل: كان لقمان يطيل الجلوس وحده، فكان يمر به مولاه فيقول: يا لقمان إنك تديم الجلوس وحدك فلو جلست مع الناس كان آنس لك، فيقول لقمان: إن طول الوحدة أفهم للفكر ، وطول الفكر دليل على طريق الجنة. وعن عمر بن عبد العزيز أنه بكى يوماً بين أصحابه ، فسئل عن ذلك فقال: " فكرت في الدنيا ولذاتها وشهواتها فاعتبرت منها بها ، ما تكاد شهواتها تنقضي حتى تدركها مرارتها، ولئن لم يكن فيها عبرة لمن اعتبر إن فيها مواعظ لمن ادكر.

وأنفع الفكر ، الفكر في الآخرة ، وفي آلاء الله ونعمه ، وأمره ونهيه وبأسمائه وصفاته، فإذا فكرت في الآخرة ودوامها ، وفي الدنيا وفنائها ، أثمر ذلك الرغبة في الآخرة ، والزهد في الدنيا، وكلما فكرت في قصر الأمل وضيق الوقت ، أورث الجد والاجتهاد ، لأن الفكر في الدنيا وفيما لا يعنى ، باب كل شر، والصيام من جملة الأسباب المعينة على التفكر، ومن هنا قال البعض: إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة ، وخرست الحكمة ، وقعدت الأعضاء عن العبادة. قال الشافعي: فكر قبل أن تعزم، وتدبر قبل أن تقدم. وكان ابن مسعود يقول لأصحابه: أنتم في زمان خيركم المسارع في الأمر وسيأتي على الناس زمان خيرهم المتوقف لكثرة الشبهات.

 توقف يا أخي ساعة وتفكر، من أنت، ومن خلقك، وإلى أين المصير، أراحل أنت أم مقيم، وإذا كنت مرتحلاً، فإلى أين أإلى جنة أم إلى نار؟ تفكر في الموت والقبور والآخرة، كان الإمام أحمد يقول: " من لم يردعه ذكر الموت والقبور والآخرة، فلو تناطحت الجبال بين يديه لم يرتدع " . تفكر.. فأنفاسك تعد، ورحالك تشد والتراب من بعد ذلك ينتظر الخد قال تعالى : ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ آل عمران: 185 . جلس عمر بن عبد العزيز يوماً متفكراً متأملاً ثم قال: قبور خرقت الأكفان ومزقت الأبدان، ومصت الدم  وأكلت اللحم.. ترى ما صنعت بهم الديدان؟! محت الوجوه، وكسرت الفقار وأبانت الأشلاء، ومزقت الأعضاء .. ترى أليس الليل والنهار عليهم سواء، أليس هم في مدلهمة ظلماء، كم من ناعم وناعمة، أصبحت وجوههم بالية وأجسادهم عن أعناقهم نائية ، قد سالت الحدق على وجوههم دماً صديداً، ثم لم يلبثوا والله إلا يسيراً، حتى عادت العظام رميماً.. ثم قال: ليت شعري كيف ستصبر على خشونة الثرى، وبأي خديك سيبدأ البلى؟ تفكر في أحوال المسلمين، فإن من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، واجعل الهموم هماً واحداً، هو هم الآخرة.. وقد يطول بك العجب عندما ترى انشغالك بكرة القدم، أو بالسينما والمسرح، أو بسماع الأغاني ، أو بمتابعة الموضات ، في الوقت الذي تجرى فيه المذابح الجماعية للمسلمين هنا وهناك، والكثرة منهم لا تجد رصيفاً آمناً تسكنه، تفكر فربما تشكر النعمة التي تعيشها ، وربما تستحي عندما ترى تقصيرك وتفريطك، فأعداء الأمس هم أعداء اليوم وهم لا يفرقون بين مسلم وكافر ﴿ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ﴾ آل عمران: 118، تفكر في نفسك وفي عظيم نعمة الله عليك ﴿ وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ الذاريات:21 وكفي بنعمة الإسلام نعمة، فهل أدينا شكر هذه النعم؟ اللهم أعنا على ذلك .  

 

دروس وخطب

نقدم بين يديكم مجموعة من الدروس والخطب والمواعظ 

واسال الله ان يتقبل منا جميعا