حكم جميع أنواع الوسواس
كيد الوسواس في أمر الطهارة والصلاة
لقد خرجوا بذلك عن اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخيل إلى أحدهم أن ما جاءت به السنة لا يكفي حتى يضم إليه غيره ، فجمع لهم بين هذا الظن الفاسد والتعب الحاضر ، وبطلان الأجر أو تنقيصه ، ولا ريب أن الشيطان هو الداعي إلى الوسواس ، فأهله قد أطاعوا الشيطان ولبوا دعوته ، واتبعوا أمره ورغبوا عن اتباع سنة رسول الله وطريقته ، حتى إن أحدهم ليرى أنه إذا توضأ وضوء رسول الله أو اغتسل كاغتساله ، لم يطهر ولم يرتفع حدثه ، ولولا العذر بالجهل لكان هذا مشاقة للرسول صلى الله عليه وسلم فقد كان رسول الله يتوضأ بالمدع وهو قريب من ثلث رطل بالدمشقي ويغتسل بالصاع وهو نحو رطل وثلث .
والموسوس يرى أن ذلك القدر لا يكفيه لغسل يديه وصح عنه عليه السلام أنه توضأ مرة مرة ولم يزد على ثلاث بل أخبر أن من زاد عليها فقد أساء وتعدى وظلم
فالموسوس مسيء متعد ظالم بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم
فكيف يتقرب إلى الله بما هو مسىء به متعد فيه لحدوده !
ذم الوسواس
إن الله سبحانه جعل الشيطان عدوا للإنسان يقعد له الصراط المستقيم ويأتيه من كل جهة وسبيل كما أخبر الله تعالى عنه أنه قال : ] لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين [ الأعراف 17 وحذرنا الله عز وجل من متابعته وأمرنا بمعاداته ومخالفته فقال سبحانه : ] إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا [ فاطر .6 وقال : ] يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة[ الأعراف 27 . وأخبرنا بما صنع بأبوينا تحذيرا لنا من طاعته وقطعا للعذر في متابعته وأمرنا الله سبحانه وتعالى بإتباع صراطه المستقيم ونهانا عن إتباع السبل فقال سبحانه : ] وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله [ الأنعام 153 .
وسبيل الله وصراطه المستقيم هو الذي كان عليه رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وصحابته بدليل قوله عز وجل : ] يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم[ يس .3 وقال : ] وإنك لعلى هدى مستقيم [ الشورى 67 . وقال : ] إنك لتهدي إلى صراط مستقيم [ فمن اتبع رسول الله في قوله وفعله فهو على صراط الله المستقيم وهو ممن يحبه الله ويغفر له ذنوبه ، ومن خالفه في قوله أو فعله فهو مبتدع متبع لسبيل الشيطان غير داخل فيمن وعد الله بالجنة والمغفرة والإحسان .
الوسوسة طاعة للشيطان
إن طائفة الموسوسين قد تحقق منهم طاعة الشيطان حتى اتصفوا بوسوسته وقبلوا قوله وأطاعوه ورغبوا عن اتباع رسول الله وصحابته حتى إن أحدهم ليرى أنه إذا توضأ وضوء رسول الله أو صلى كصلاته فوضوؤه باطل وصلاته غير صحيحة ويرى أنه إذا فعل مثل فعل رسول الله في مواكلة الصبيان وأكل طعام عامة المسلمين أنه قد صار نجسا يجب عليه تسبيع يده وفمه كما لو ولغ فيهما أو بال عليهما هر ثم إنه بلغ من استيلاء إبليس عليهم أنهم أجابوه إلى ما يشبه الجنون ويقارب مذهب السوفسطائية الذين ينكرون حقائق الموجودات والأمور المحسوسات وعلم الإنسان بحال نفسه من الأمور الضروريات اليقينيات وهؤلاء يغسل أحدهم عضوه غسلا يشاهده ببصره ويكبر ويقرأ بلسانه بحيث تسمعه أذناه ويعلمه بقلبه بل يعلمه غيره منه ويتيقنه ، ثم يشك هل فعل ذلك أم لا وكذلك يشككه الشيطان في نيته وقصده التي يعملها من نفسه يقينا بل يعلمها غيره منه بقرائن أحواله ومع هذا يقبل قول إبليس في أنه ما نوى الصلاة ولا أرادها مكابرة منه لعيانه وجحدا ليقين نفسه حتى تراه متلددا متحيرا كأنه يعالج شيئا يجتذبه أو يجد شيئا في باطنه يستخرجه كل ذلك مبالغة في طاعة إبليس وقبول وسوسته ومن انتهت طاعته لإبليس إلى هذا الحد فقد بلغ النهاية في طاعته ثم إنه يقبل قوله في تعذيب نفسه ويطيعه في الإضرار بجسده تارة بالغوص في الماء البارد وتارة بكثرة استعماله وإطالة العرك وربما فتح عينيه في الماء البارد وغسل داخلهما حتى يضر ببصره وربما أفضى إلى كشف عورته للناس وربما صار إلى حال يسخر منه الصبيان ويستهزيء به من يراه ، قلت ذكر أبو الفرج بن الجوزي عن أبي الوفاء بن عقيل أن رجلا قال له أنغمس في الماء مرارا كثيرة وأشك هل صح لي الغسل أم لا فما ترى في ذلك فقال له الشيخ اذهب فقد سقطت عنك الصلاة قال وكيف قال لأن النبي قال رفع القلم عن ثلاثة المجنون حتى يفيق والنائم حتى يستيقظ والصبي حتى يبلغ ومن ينغمس في الماء مرارا ويشك هل أصابه الماء أم لا فهو مجنون
قال وربما شغله بوسواسه حتى تفوته الجماعة وربما فاته الوقت ويشغله بوسوسته في النية حتى تفوته التكبيرة الأولى وربما فوت عليه ركعة أو أكثر ومنهم من يحلف أنه لا يزيد على هذا ثم يكذب ، قلت وحكى لي من أثق به عن موسوس عظيم رأيته أنا يكرر عقد النية مرارا عديدة فيشق على المأمومين مشقة كبيرة فعرض له أن حلف بالطلاق أنه لا يزيد على تلك المرة فلم يدعه إبليس حتى زاد ففرق بينه وبين امرأته فأصابه لذلك غم شديد وأقاما متفرقين، وقد بلغ الشيطان منهم أن عذبهم في الدنيا قبل الآخرة ، وأخرجهم عن اتباع الرسول وأدخلهم في جملة أهل التنطع والغلو وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ، فمن أراد التخلص من هذه البلية فليستشعر أن الحق في إتباع رسول الله في قوله وفعله وليعزم على سلوك طريقته عزيمة من لا يشك أنه على الصراط المستقيم وأن ما خالفه من تسويل إبليس ووسوسته ويوقن أنه عدو له لا يدعوه إلى خير إنما يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب السعير وليترك التعريج على كل ما خالف طريقة رسول الله كائنا ما كان فإنه لا يشك أن رسول الله كان على الصراط المستقيم ومن شك في هذا فليس بمسلم ومن علمه فإلى أين العدول عن سنته وأي شيء يبتغي العبد غير طريقته ، ويقول لنفسه ألست تعلمين أن طريقة رسول الله هي الصراط المستقيم فإذا قالت له بلى قال لها فهل كان يفعل هذا فستقول لا فقل لها فماذا بعد الحق إلا الضلال وهل بعد طريق الجنة إلا طريق النار وهل بعد سبيل الله وسبيل رسوله إلا سبيل الشيطان فإن اتبعت سبيله كنت قرينه وستقولين يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين .
ولينظر أحوال السلف في متابعتهم لرسول الله فليقتد بهم وليختر طريقهم فقد روينا عن بعضهم أنه قال لقد تقدمني قوم لو لم يجاوزوا بالوضوء الظفر ما تجاوزته ، قلت هو إبراهيم النخعي ، وقال زين العابدين يوما لابنه يا بني اتخذ لي ثوبا ألبسه عند قضاء الحاجة فإني رأيت الذباب يسقط على الشيء ثم يقع على الثوب ثم انتبه فقال ما كان للنبي وأصحابه إلا ثوب واحد فتركه ، وكان عمر رضي الله تعالى عنه يهم بالأمر ويعزم عليه فإذا قيل له لم يفعله رسول الله انتهى حتى إنه قال لقد هممت أن أنهى عن لبس هذه الثياب فإنه قد بلغني أنها تصبغ ببول العجائز فقال له أبي مالك أن تنهى فإن رسول الله قد لبسها ولبست في زمانه ولو علم الله أن لبسها حرام لبينه لرسوله فقال عمر صدقت ، ثم ليعلم أن الصحابة ما كان فيهم موسوس ، ولو كانت الوسوسة فضيلة لما ادخرها الله عن رسوله وصحابته وهم خير الخلق وأفضلهم ، ولو أدرك رسول الله الموسوسين لمقتهم ولو أدركهم عمر رضي الله تعالى عنه لضربهم وأدبهم ولو أدركهم الصحابة لبدعوهم وها أنا أذكر ما جاء في خلاف مذهبهم على ما يسره الله تعالى مفصلا
الوسوسة في النية في الطهارة والصلاة
النية هي القصد والعزم على فعل الشيء ومحلها القلب لا تعلق لها باللسان أصلا ولذلك لم ينقل عن النبي ولا عن أصحابه في النية لفظ بحال ولا سمعنا عنهم ذكر ذلك
وهذه العبارات التي أحدثت عند افتتاح الطهارة والصلاة قد جعلها الشيطان معتركا لأهل الوسواس يحسبهم عندها ويعذبهم فيها ويوقعهم في طلب تصحيحها !فترى أحدهم يكررها ويجهد نفسه في التلفظ بها وليست من الصلاة في شيء وإنما النية قصد فعل الشيء فكل عازم على فعل فهو ناويه لا يتصور انفكاك ذلك عن النية فإنه حقيقتها فلا يمكن عدمها في حال وجودها ومن قعد ليتوضأ فقد نوى الوضوء ومن قام ليصلي فقد نوى الصلاة ولا يكاد العاقل يفعل شيئا من العبادات ولا غيرها بغير نية ، فالنية أمر لازم لأفعال الإنسان المقصودة لا يحتاج إلى تعب ولا تحصيل ولو أراد إخلاء أفعاله الإختيارية عن نية لعجز عن ذلك ولو كلفه الله عز وجل الصلاة والوضوء بغير نية لكلفه ما لا يطيق ولا يدخل تحت وسعه وما كان هكذا فما وجه التعب في تحصيله وإن شك في حصول نيته فهو نوع جنون فإن علم الإنسان بحال نفسه أمر يقيني فكيف يشك فيه عاقل من نفسه ، ومن قام ليصلي صلاة الظهر خلف الإمام فكيف يشك في ذلك ولو دعاه داع إلى شغل في تلك الحال لقال إني مشتغل أريد صلاة الظهر ولو قال له قائل في وقت خروجه إلى الصلاة أين تمضي لقال أريد صلاة الظهر مع الإمام فكيف يشك عاقل في هذا من نفسه وهو يعلمه يقينا بل أعجب من هذا كله أن غيره يعلم بنيته بقرائن الأحوال فإنه إذا رأى إنسانا جالسا في الصف في وقت الصلاة عند اجتماع الناس علم أنه ينتظر الصلاة وإذا رآه قد قام عند إقامتها ونهوض الناس إليها علم أنه إنما قام ليصلي فإن تقدم بين يدي المأمومين علم أنه يريد إمامتهم فإن رآه في الصف علم أنه يريد الإئتمام ، قال فإذا كان غيره يعلم نيته الباطنة بما ظهر من قرائن الأحوال فكيف يجهلها من نفسه مع اطلاعه هو على باطنه فقبوله من الشيطان أنه ما نوى تصديق له في جحد العيان وإنكار الحقائق المعلومة يقينا ومخالفة للشرع ورغبة عن السنة وعن طريق الصحابة ، ثم إن النية الحاصلة لا يمكن تحصيلها والموجودة لا يمكن إيجادها لأن من شرط إيجاد الشيء كونه معدوما فإن إيجاد الموجود محال وإذا كان كذلك فما يحصل له بوقوفه شيء ولو وقف ألف عام ، قال ومن العجب أنه يتوسوس حال قيامه حتى يركع الإمام فإذا خشي فوات الركوع كبر سريعا وأدركه فمن لم يحصل النية في الوقوف الطويل حال فراغ باله كيف يحصلها في الوقت الضيق مع شغل باله بفوات الركعة ثم ما يطلبه إما أن يكون سهلا أو عسيرا فإن كان سهلا فكيف يعسره وإن كان عسيرا فكيف تيسر عند ركوع الإمام سواء وكيف خفى ذلك على النبي وصحابته من أولهم إلى آخرهم والتابعين ومن بعدهم ، وكيف لم ينتبه له سوى من استحوذ عليه الشيطان أفيظن بجهله أن الشيطان ناصح له!! أما علم أنه لا يدعو إلى هدى ولا يهدي إلى خير!! وكيف يقول في صلاة رسول الله وسائر المسلمين الذين لم يفعلوا فعل هذا الموسوس أهي ناقصة عنده مفضولة؟ أم هي التامة الفاضلة ؟ فما دعاه إلى مخالفتهم والرغبة عن طريقهم ، فإن قال هذا مرض بليت به ، قلنا نعم سببه قبولك من الشيطان!! ولم يعذر الله تعالى أحدا بذلك ، ألا ترى أن آدم وحواء لما وسوس لهما الشيطان فقبلا منه أخرجا من الجنة ونودي عليهما بما سمعت وهما أقرب إلى العذر لأنهما لم يتقدم قبلهما من يعتبران به، وأنت قد سمعت وحذرك الله تعالى من فتنته وبين لك عداوته وأوضح لك الطريق فمالك عذر ولا حجة في ترك السنة والقبول من الشيطان ، قلت قال شيخنا ومن هؤلاء من يأتي بعشر بدع لم يفعل رسول الله ولا أحد من أصحابه واحدة منها فيقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم نويت أصلي صلاة الظهر فريضة الوقت أداء لله تعالى إماما أو مأموما أربع ركعات مستقبل القبلة ثم يزعج أعضاءه ويحني جبهته ويقيم عروق عنقه ويصرخ بالتكبير كأنه يكبر على العدو ، ولو مكث أحدهم عمر نوح عليه السلام يفتش هل فعل رسول الله أو أحد من أصحابه شيئا من ذلك لما ظفر به إلا أن يجاهر بالكذب البحت ، فلو كان في هذا خير لسبقونا ولدلونا عليه فإن كان هذا هدى فقد ضلوا عنه وإن كان الذي كانوا عليه هو الهدى والحق فماذا بعد الحق إلا الضلال ، قال ومن أصناف الوسواس ما يفسد الصلاة مثل تكرير بعض الكلمة كقوله في التحيات ات ات التحي التحي وفي السلام أس أس وقوله في التكبير أكككبر ونحو ذلك ، فهذا الظاهر بطلان الصلاة به وربما كان إماما فأفسد صلاة المأمومين وصارت الصلاة التي هي أكبر الطاعات أعظم إبعاد له عن الله من الكبائر ، وما لم تبطل به الصلاة من ذلك فمكروه وعدول عن السنة ورغبة عن طريقة رسول الله وهديه وما كان عليه أصحابه ، وربما رفع صوته بذلك فآذى سامعيه وأغرى الناس بذمه والوقيعة فيه !فجمع على نفسه طاعة إبليس ومخالفة السنة وارتكاب شر الأمور ومحدثاتها وتعذيب نفسه وإضاعة الوقت والإشتغال بما ينقص أجره وفوات ما هو أنفع له وتعريض نفسه لطعن الناس فيه وتغرير الجاهل بالإقتداء به ، فإنه يقول لولا أن ذلك فضل لما اختاره لنفسه وأساء الظن بما جاءت به السنة وأنه لا يكفي وحده وانفعال النفس وضعفها للشيطان حتى يشتد طمعه فيه وتعريضه نفسه للتشديد عليه بالقدر عقوبة له وإقامته على الجهل ورضاه بالخبل في العقل كما قال أبو حامد الغزالي وغيره ، الوسوسة سببها إما جهل بالشرع وإما خبل في العقل!! وكلاهما من أعظم النقائص والعيوب!!!
وقد روى مسلم من حديث عثمان بن أبي العاص قال قلت يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي يلبسها علي فقال رسول اللهضلى الله عليه وسلم : ( ذاك شيطان يقال له خنـزب فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثا ) ففعلت ذلك فأذهبه الله تعالى عني
النهي عن الإسراف في ماء الوضوء والغسل
روى أحمد في مسنده من حديث عبدالله بن عمرو أن رسول الله مر بسعد وهو يتوضأ فقال لا تسرف فقال يا رسول الله أو في الماء إسراف قال نعم وإن كنت على نهر جار
وفي جامع الترمذي من حديث أبي بن كعب أن النبي قال إن للوضوء شيطانا يقال له الولهان فاتقوا وسواس الماء ، وفي المسند والسنن من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال جاء أعرابي إلى رسول الله يسأله عن الوضوء فأراه ثلاثا ثلاثا وقال هذا الوضوء فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم وفي كتاب الشافي لأبي بكر عبد العزيز من حديث أم سعد قالت قال رسول الله يجزىء من الوضوء مد والغسل صاع وسيأتي قوم يستقلون ذلك فأولئك خلاف أهل سنتي والآخذ بسنتي في حظيرة القدس متنزه أهل الجنة وفي سنن الأثرم من حديث سالم بن أبي الجعد عن جابر بن عبدالله قال يجزىء من الوضوء المد ومن الغسل من الجنابة الصاع فقال رجل ما يكفيني فغضب جابر حتى تربد وجهه ثم قال قد كفى من هو خير منك وأكثر شعرا وقد رواه الإمام أحمد في مسنده مرفوعا ولفظه عن جابر قال قال رسول الله يجزىء من الغسل الصاع ومن الوضوء المد وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها كانت تغتسل هي والنبي من إناء واحد يسع ثلاثة أمداد أو قريبا من ذلك وفي سنن النسائي عن عبيد بن عمير أن عائشة رضي الله عنها قالت لقد رأيتني أغتسل أنا ورسول الله من هذا فإذا تور موضوع مثل الصاع أو دونه نشرع فيه جميعا فأفيض بيدي على رأسي ثلاث مرات وما أنقض لي شعرا
وفي سنن أبي داود والنسائي عن عباد بن تميم عن أم عمارة بنت كعب أن النبي توضأ فأتي بماء في إناء قدر ثلثي المد ، وقال عبدالرحمن بن عطاء سمعت سعيد بن المسيب يقول إن لي ركوة أو قدحا ما يسع إلا نصف المد أو نحوه أبول ثم أتوضأ منه وأفضل منه فضلا قال عبدالرحمن فذكرت ذلك لسليمان بن يسار فقال وأنا يكفيني مثل ذلك قال عبدالرحمن فذكرت ذلك لأبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر فقال وهكذا سمعنا من أصحاب رسول الله .
وقال إبراهيم النخعي : كانوا أشد استيفاء للماء منكم وكانوا يرون أن ربع المد يجزىء من الوضوء ، وهذا مبالغة عظيمة فإن ربع المد لا يبلغ أوقية ونصفا بالدمشقي وفي الصحيحين عن أنس قال كان رسول اللهيتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمدادا وفي صحيح مسلم عن سفينة قال كان رسول اللهيغسله الصاع من الجنابة ويوضئه المد
وتوضأ القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق بقدر نصف المد أو أزيد بقليل وقال إبراهيم النخعي إني لأتوضأ من كوز الحب مرتين ، وقال محمد بن عجلان الفقه في دين الله إسباغ الوضوء وقلة إهراق الماء ، وقال الإمام أحمد كان يقال من قلة فقه الرجل ولعه بالماء
وقال الميموني كنت أتوضأ بماء كثير فقال لي أحمد يا أبا الحسن أترضى أن تكون كذا فتركته
وقال عبدالله بن أحمد قلت لأبي إني لأكثر الوضوء فنهاني عن ذلك وقال يا بني يقال إن للوضوء شيطانا يقال له الولهان قال لي ذلك غير مرة ينهاني عن كثرة صب الماء
وقال لي أقلل من هذا الماء يا بني ، وقال إسحاق بن منصور قلت لأحمد نزيد على ثلاث في الوضوء فقال لا والله إلا رجل مبتلى ، وقال أسود بن سالم الرجل الصالح شيخ الإمام أحمد كنت مبتلى بالوضوء فنزلت دجلة أتوضأ فسمعت هاتفا يقول يا أسود يحيى عن سعيد الوضوء ثلاث ما كان أكثر لم يرفع فالتفت فلم أر أحدا ، وقد روى أبو داود في سننه من حديث عبدالله بن مغفل قال سمعت رسول اللهضلى الله عليه وسلم يقول : سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء ، فإذا قرنت هذا الحديث بقوله تعالى : ] إن الله لا يحب المعتدين [
وعلمت أن الله يحب عبادته أنتج لك من هذا أن وضوء الموسوس ليس بعبادة يقبلها الله تعالى وإن أسقطت الفرض عنه فلا تفتح أبواب الجنة الثمانية لوضوئه يدخل من أيها شاء ، ومن مفاسد الوسواس أنه يشغل ذمته بالزائد على حاجته إذا كان الماء مملوكا لغيره كماء الحمام فيخرج منه وهو مرتهن الذمة بما زاد على حاجته ويتطاول عليه الدين حتى يرتهن من ذلك بشيء كثير
الوسواس في انتقاض الطهارة لا يلتفت إليه
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا فلا يخرج من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا وفي الصحيحين عن عبدالله بن زيد قال شكي إلى رسول الله الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة قال لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا وفي المسند وسنن أبي داود عن أبي سعيد الخدري أن رسول اللهقال إن الشيطان يأتي أحدكم وهو في الصلاة فيأخذ بشعرة من دبره فيمدها فيرى أنه قد أحدث فلا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا ولفظ أبي داود إذا أتى الشيطان أحدكم فقال له إنك قد أحدثت فليقل له كذبت إلا ما وجد ريحا بأنفه أو سمع صوتا بأذنه فأمر عليه الصلاة والسلام بتكذيب الشيطان فيما يحتمل صدقه فيه فكيف إذا كان كذبه معلوما متيقنا كقوله للموسوس لم تفعل كذا وقد فعله
ويستحب للإنسان أن ينضح فرجه وسراويله بالماء إذا بال ليدفع عن نفسه الوسوسة فمتى وجد بللا قال هذا من الماء الذي نضحته لما روى أبو داود بإسناده عن سفيان بن الحكم الثقفي أو الحكم بن سفيان قال كان النبي إذا بال توضأ وينتضح وفي رواية رأيت رسول الله بال ثم نضح فرجه وكان ابن عمر ينضح فرجه حتى يبل سراويله وشكا إلى الإمام أحمد بعض أصحابه أنه يجد البلل بعد الوضوء فأمره أن ينضح فرجه إذا بال قال ولا تجعل ذلك من همتك واله عنه وسئل الحسن أو غيره عن مثل هذا فقال اله عنه فأعاد عليه المسألة فقال أتستدره لا أب لك أله عنه
داء الوسوسة هل له دواء ؟
إن له دواء نافع وهو الإعراض عنها جملة كافية ، وإن كان في النفس من التردد ما كان - فإنه متى لم يلتفت لذلك لم يثبت بل يذهب بعد زمن قليل كما جرب ذلك الموفقون , وأما من أصغى إليها وعمل بقضيتها فإنها لا تزال تزداد به حتى تُخرجه إلى حيز المجانين بل وأقبح منهم , كما شاهدناه في كثيرين ممن ابتلوا بها وأصغوا إليها وإلى شيطانها الذي جاء التنبيه عليه منه صلى الله عليه وسلم بقوله : " اتقوا وسواس الماء الذي يقال له الولهان أي : لما فيه من شدة اللهو والمبالغة فيه كما بينت ذلك وما يتعلق به في شرح مشكاة الأنوار , وجاء في الصحيحين ما يؤيد ما ذكرته وهو أن من ابتلي بالوسوسة فليستعذ بالله ولينته . فتأمل هذا الدواء النافع الذي علّمه من لا ينطق عن الهوى لأمته . واعلم أن من حُرمه فقد حُرم الخير كله ; لأن الوسوسة من الشيطان اتفاقا , واللعين لا غاية لمراده إلا إيقاع المؤمن في وهدة الضلال والحيرة ونكد العيش وظلمة النفس وضجرها إلى أن يُخرجه من الإسلام . وهو لا يشعر ( أن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا ) فاطر / 6 . وجاء في طريق آخر فيمن ابتلي بالوسوسة فليقل : آمنت بالله وبرسله . ولا شك أن من استحضر طرائق رسل الله سيما نبينا صلى الله عليه وسلم وجد طريقته وشريعته سهلة واضحة بيضاء بينة سهلة لا حرج فيها ] وما جعل عليكم في الدين من حرج [ الحج / 78 , ومن تأمل ذلك وآمن به حق إيمانه ذهب عنه داء الوسوسة والإصغاء إلى شيطانها . وعن عائشة رضي الله عنها : " من بلي بهذا الوسواس فليقل : آمنا بالله وبرسله ثلاثا , فإن ذلك يذهبه عنه " .
وذكر العز بن عبد السلام وغيره نحو ما قدمته فقالوا : دواء الوسوسة أن يعتقد أن ذلك خاطر شيطاني , وأن إبليس هو الذي أورده عليه وأنه يقاتله , فيكون له ثواب المجاهد ; لأنه يحارب عدو الله , فإذا استشعر ذلك فر عنه , وأنه مما ابتلي به نوع الإنسان من أول الزمان وسلطه الله عليه محنة له ; ليحق الله الحق ويبطل الباطل ولو كره الكافرون .
وفي مسلم بحديث رقم 2203 من طريق عثمان بن أبي العاص أنه قال: إن الشيطان حال بيني وبين صلاتي وقراءتي فقال : ذلك شيطان يقال له خنزب , فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثا , ففعلت فأذهبه الله عني .
وبه تعلم صحة ما قدمته أن الوسوسة لا تُسلط إلا على من استحكم عليه الجهل والخبل وصار لا تمييز له , وأما من كان على حقيقة العلم والعقل فإنه لا يخرج عن الاتباع ولا يميل إلى الابتداع . وأقبح المبتدعين الموسوسون . ونقل النووي - رحمه الله - عن بعض العلماء أنه يستحب لمن بلي بالوسوسة في الوضوء , أو الصلاة أن يقول : لا إله إلا الله فإن الشيطان إذا سمع الذكر خنس ; أي : تأخر وبعد , ولا إله إلا الله - رأس الذكر وأنفع علاج في دفع الوسوسة الإقبال على ذكر الله تعالى والإكثار منه ... ) انتهى كلام ابن حجر الهيتمي رحمه الله .
حالات تعاني من الوسوسة وتطلب الخلاص من ذلك
أنا فتاة أعاني من وسوسة شديدة جدا عند البدء بالوضوء، وفي أثنائه، حيث الوساوس تكون غالباً في النية وعند البسملة، وعند التكبير للصلاة ؛ حيث لا أستطيع التكبير فأفكر في النية وفي الآيات حتى أضطر لقطعها وإعادتها وهكذا، مع وجود وساوس وتهيئات دائمة وشديدة في خروج قطرات البول وخروج الريح وخاصة عند الصلاة، أفيدوني جزيتم خيرا. علما بأني أحاول تجاهل خروج البول والريح فأصلي بشك: هل صلاتي صحيحة؟ هل لي أن آخذ حكم السلس لهما؟
العلاج : ما دام الأمر على ما وصفت فلا تلتفتي إلى هذه الوساوس وأعرضي عنها، ولو ظننت أن وضوءك قد انتقض أو أنه قد خرج منك شيء، ووضوءك وصلاتك صحيحة ولو مع هذا الشك. وعليك أن تجاهدي نفسك في علاج هذا الوسواس بـ بالاستعاذة من الشيطان، والمداومة على الأذكار، وقطع الاسترسال مع حبائل الشيطان ومكائده وخواطره وهواجسه وكثرة الدعاء واللجوء إلى الله تعالى، واستصحاب القاعدة الفقهية العظيمة: "اليقين لا يزال بالشك"، فما ثبت بيقين لا يرتفع إلا بيقين؛ دليل ذلك ما صحَّ عن عبد الله بن زيد بن مسلم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه أخَرجَ منه شيء أم لا؟ فلا يخرج من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً"، فمن كان متيقناً أنه توضأ، ثم شك هل أحدث أم لا؟ لم يلتفت إلى هذا الشك، وبنى على ما هو متيقن منه، لو استصحبت هذه القاعدة وعملتِ بها لتخلصتِ من وساوسكِ.
الحالة الثانية : أنا الفتاة التي أرسلت لك بالأمس عن الوسواس.. جزاك الله خيرا على الرد.. ولكن مازلت أواجه صعوبة أثناء التكبير للصلاة، فأحس بأني لابد أن أركز في التكبير وأفكر فيه وإذا لم أفكر وكبرت بسرعة فإني أعتقد أن تكبيرتي بطلت ؛ لأني لم أخلص النية، ولم أقصد هذه التكبيرة، بل التي بعدها التي لابد أن أشعر بأنها هي، لذلك أقطعها وهكذا. وأيضا عند الوضوء يعود نفس التفكير ولكن عند البسملة، وهل إذا تجاهلت وسميت مرة وأكملت وضوئي وصلاتي يصح ذلك؟
العلاج : عليك أن تتجاهلي هذه الوساوس والخواطر، ووضوؤك وصلاتك صحيحة بلا إشكال
كيفية علاج الوسواس في الوضوء
الفتوى : الحمد لله ، أولاً: عليك أن تستعيذي بالله من الشيطان الرجيم، وأن تستعيني بالله سبحانه، واطلبي منه أن يعافيك من مرضك، واقرئي آية الكرسي عندما ترقدين في فراشك للنوم، وقولي: (باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم) ثلاث مرات صباحاً، وثلاث مرات مساء، وارقي نفسك بقراءة سورة الإخلاص والمعوذتين ثلاث مرات، وتنفثين بكفيك عقب كل مرة، وتمسحين بهما ما استطعت من بدنك عند النوم، بادئة برأسك ووجهك وصدرك، وادعي الله أن يذهب ما بك من بأس، فقولي: (أذهب الباس رب الناس، واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما)، وكرري ذلك ثلاثاً، وادعي أيضاً بدعاء الكرب، فقولي: (لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم)، وإذا فرغت من الوضوء أو الغسل من حيض أو جنابة فاعتمدي أنك قد طهرت ودعي عنك الوسواس، ولا تكرري فإنه من الشيطان، وبذلك ينقطع عنك بإذن الله.
اقطع الشك باليقين ولا تستسلم للوسواس
الفتوى : الوساوس التي تعتري العبد مردها إلى كيد الشيطان بالمؤمنين ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : "الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة " رواه أحمد وأبو داوود. والوسوسة من الشيطان فعلى العبد أن يبعدها عن نفسه بالذكر والاستغفار ، لأن الشيطان يخنس عند الذكر ويبتعد عن العبد عند الاستعاذة . والمقياس الذي تسير عليه ولا تلقي بَالاً لغير ذلك هو رؤيتك للمني على بدنك أو ثوبك لقوله صلى الله عليه وسلم " عندما شكا إليه رجل أنه يجد في صلاته شيئاً أيقطع الصلاة " قال: " لا حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً " متفق عليه . فما دمت لم تر شيئاً فلا شيء عليك ولا يجوز لك الانسياق خلف الوساوس والأوهام،، والله أعلم .
على الموسوس أن يطرح ما خيل إليه ويبني على ما تيقنه
السؤال: السلام عليكم ما علاج الوسواس في الصلاة مثل تخيل خروج مايشبه الريح؟
الفتوى: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
الوسواس في الصلاة أو في غيرها من العبادات هو محاولة من الشيطان أن يفسد على المسلم عبادته، أو يخيل إليه أنها فاسدة ليحرمه من لذة العبادة، وليبث في قلبه إحباطاً لعله بذلك يترك العبادة كلياً .
ودواء الوسواس هو تجاهله تماماً والإعراض عنه وعدم إصلاح ما وسوس الشيطان للإنسان أنه مفسد لصلاته أو عبادته. ومن ذلك المسألة التي ذكرتها، فلا تلتفت إلى ما يتخيل لك من خروج الريح امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين أنه شكا إليه رجل أنه يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم "لا تنصرف حتى تسمع صوتاً أو تجد ريحاً"
الوسواس القهري : ماهيته - علاجه
السؤال: ماهو الوسواس القهري؟ وما علاجه؟ أقصد وسوسة الماء والنجاسة والوسوسة عند الصلاة وإعادة الصلاة والوضوء وتكرار الآيات في الصلاة؟
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الوسواس القهري مرض يعتري الشخص ، يأتي له بصورة أفعال وأفكار تتسلط على المريض وتضطره لتكرارها ، وإذا لم يكرر الفعل أو يتسلسل مع الفكرة يشعر المريض بتوتر ، ولا يزول هذا التوتر إلا إذا كرر الفعل ، وتسلسل مع الفكرة . وبعد أن يتطاوع الوسواس يعاوده الدافع للفعل ثانية . ولا يزول المرض بهذا بل يتمكن منه .
فهو إذاً المبالغة الخارجة عن الاعتدال ، فقد يفعل الأمر - مكرراً له - حتى يفوت المقصد منه مثل أن يعيد الوضوء مراراً حتى تفوته الصلاة ،أو يكرر آية، أو نحو ذلك حتى يسبقه الإمام بركن أو أكثر ، وقد يتمكن منه الوسواس فيترك العمل بالكلية ، وهذا هو المقصد الأساس من تلك الوسوسة .
الشيطان له الدور الأكبر في الوسوسة، فعن ابن عباس رضي عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن أحدنا يجد في نفسه- يعرِّضُ بالشيء - لأن يكون حممة أحب من أن يتكلم به فقال : الله أكبر الله أكبر الله أكبر ، الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة " رواه أحمد وأبو داود.
وقد يكون لعوامل أُخَر دور في إصابة المرء بالوسوسة كعامل نفسي أو تربو ي أو شيء حدث أو موقف كان له أثر قوي في نفسه من أمر ما. ( وفي مثل هذه الحالة يعرض الشخص المريض على طبيب نفسي (مسلم).
ولتغلب العبد على الوسواس الذي يصيبه في عبادته و أفكاره عليه أن يصدق في الالتجاء إلى الله تعالى : ويلهج بالدعاء والذكر ليكشف عنه الضر ويدفع عنه البلاء ، وليطمن قلبه .
قال تعالى : ] أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلاً ما تذكرون [ النمل . وقال تعالى : ] الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب [ الرعد .
ومما يندفع به الوسواس الاستغفار، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن للشيطان لمة بابن آدم وللملك لمة ، فأما لمة الشطيان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق ، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق ، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله فليحمد الله، ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ثم قرأ ] الشيطان يعدكم الفقر ويأمر كم بالفحشاء[) رواه الترمذي .
وعن عثمان بن أبي العاص قال: يا رسول الله : إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي فقال رسول الله ضلى الله عليه وسلم : ( ذاك شيطان يقال له خنـزب ، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه، واتفل عن يسارك ثلاثاً. قال : ففعلت ذلك فأذهبه الله عني ) رواه مسلم .
وغرض الشيطان من تلك الوسوسة - كما بينها حديث عثمان - أن يلبس على العبد صلاته ويفسدها عليه، وأن يحول بينه وبين ربه، فيندفع هذا الكيد بالاستغفار والاستعاذة .
قال ابن القيم : " ولما كان الشيطان على نوعين : نوع يرى عياناً وهو شيطان الإنس، ونوع لا يرى وهو شيطان الجن، أمر سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يكتفي من شر شيطان الإنس بالإعراض عنه والعفو والدفع بالتي هي أحسن، ومن شيطان الجن بالاستعاذة بالله منه " أ.هـ
قال تعالى : ] وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم [ الأعراف 200 قال ابن كثير في تفسيره : فأما شيطان الجن فإنه لا حيلة فيه إذا وسوس إلا الاستعاذة بخالقه الذي سلطه عليك، فإذا استعذت بالله والتجأت إليه كفه عنك ورد كيده ) اهـ
ومن الأمور النافعة- كذلك في علاج الوسوسة استحضار القلب والانتباه عند الفعل وتدبر ما هو فيه من فعل أو قول ، فإنه إذا وثق من فعله وانتبه إلى قوله وعلم أن ما قام به هو المطلوب منه كان ذلك داعياً إلى عدم مجاراة الوسواس ، وإن عرض له فلا يسترسل معه لأنه على يقين من أمره ومن ذلك في الوضوء مثلاً: أن يتوضأ من إناء فيه قدر ما يكفي للوضوء بلا زيادة، ويجاهد نفسه أن يكتفي به، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بأقل منه . وفي باب التطهر من النجاسة يحاول رش المحل الذي يعرض له فيه الوسواس بالماء، ويقنع نفسه أن ما يجده من بلل هو من أثر الماء لا من البول. وفي الصلاة يجتهد في متابعة الإمام ، حتى ولو خيل إليه أنه لم يأت بالذكر المطلوب ، وإذ قرأ الإمام ينصت له، ويقرأ معه الفاتحة إن كان ممن يرى وجوب قراءتها على المأموم في الصلاة الجهرية…. وهكذا يحاول اتخاذ حلول عملية، يدرب نفسه عليها شيئاً فشيئاً. والله أعلم .
ما يفعله الإنسان لعلاج الوسوسة في الصلاة
السؤال : ما هو أفضل ما يقرأ أو يدعو به الإنسان للاستعاذة بالله من وسوسة الشيطان والتخلص من الأفكار التي يشوش بها على المؤمن وخاصة خلال الصلاة؟
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن أفضل ما يطرد الوسوسة والشواغل في الصلاة : الإحسان في الوضوء وإتمامه على الوجه المأمور به وأن يأتي بالنوافل ويشتغل بقراءة القرآن والذكر قبل صلاة الفريضة.
وأن يجتهد العبد قدر استطاعته في أن يكون ذهنه وفكره حاضراً وأن يطمئن في صلاته وأن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم قبل قراءة الفاتحة في الركعة الأولى: قائلاً : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين … الخ وأن يدعو الله بقلب خاشع أن يدفع عنه وسوسة الشيطان وإذا ما حصلت له وسوسة في صلاته فإنه يستعيذ بالله ثم ينفث على يساره في موضع رجله اليسرى ثلاثاً فإنه يذهب ما به إن شاء الله .
المصاب بالوسوسة في الطهارة
السؤال: إنني أعاني من كثرة الغسل عند الوضوء حيث أحتاج أكثر من ساعتين في قضاء الحاجة والوضوء وهذا هدر للوقت والعقل والجهد ، حتى إنني راجعت طبيبا نفسيا لأجل المشكلة ، إنني إذا ما جلست مكان إنسان آخر لا بد أن أمسح كل ملابسي حتى أشعر بأنني أصبحت طاهرا وجاهزا للصلاة ، إنني أعاني من هذه المشكلة كثيرا أرجو الإجابة أو اسم كتاب أو أن دعاء أدعو به لأتخلص من هذه الهواجس القاتلة .
الجواب: هذا نوع من الأمراض النفسية يعرف بالوسواس القهري ، وهي أفكار تتسلط على الإنسان في أي جانب ، وتلازمه مع أنه معترف بخطئها ، وعدم صوابها ، وعلاج ذلك يكون بأمور : أولا : أحسن الظن بالله تعالى ، وأكثر من الدعاء والتضرع إلى الله بأن يشفيك ويعافيك من هذا الوسواس .
ثانيا : عود نفسك على تحقير هذه الوساوس ، وعدم الالتفات لها ، وضع كمية مناسبة من الماء في إناء دون التوضؤ من الصنبور مباشرة ، وألزم نفسك بالوضوء من هذا الإناء فقط ، وقل لنفسك : ليس هناك ماء ، سوى الذي في هذا الإناء ، واكتف بما فيه ، ولا تعد غسل العضو أكثر من ثلاث مرات ، حتى لو قال لك الشيطان إن وضوءك غير صحيح ، فهذه مجرد وساوس من الشيطان لا حقيقة لها .
ثالثا : كذلك الأمر بالنسبة لمسألة مسح الملابس من مكان إنسان آخر ، فلا بد أن تحقر هذه الوساوس ، وأن تلزم نفسك بعدم المسح ، وتدربها على ذلك مهما كانت الوساوس .
رابعا : عليك أن تعلم أن القاعدة الفقهية أن اليقين لا يزول بالشك ، فإذا تيقنت شيئا ، فلا تلتفت بعد ذلك للشكوك ، وإذا فعلت فعلا فلا تلتفت إلى أي شك يأتي بعد هذا الفعل ، فإذا غسلت يدك ، فلا تلفت بعد غسله ولو بلحظات إلى شك يقول لك إنك لم تغسل يدك
والشك لا يلتفت إليه إذا كان بعد الفراغ من العبادة ، وكذلك إذا كان الإنسان كثير الشكوك فإنه لا يلتفت إليها .
امرأة مصابة بالوسواس في الطهارة
السؤال: امرأة ابتلاها الله بوسواس في الطهارة والشعور بعد الوضوء بمدافعة الخبث فكيف علاجها والخلاص من هذا الوسواس ؟.
الجواب: دواء الوسواس هذا بكثرة التعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، ولا سيما قراءة المعوذتين ، فإنه ما استعاذ مستعيذ بمثلها : ( قل أعوذ برب الفلق ) وهذا يتضمن الاستعاذة من شر الشيطان لأنه من مخلوقات الله ، وفي سورة الناس : ( قل أعوذ برب الناس ) .
فدواء ذلك بكثرة التعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، اللجوء إلى الله تبارك وتعالى ، والعزيمة الصادقة ، بحيث لا يلتفت الإنسان لما يرد على قلبه من الوساوس .
مثلاً توضأت مرة واحدة أو مرتين أو ثلاثاً فلا تلتفت إلى وسوسة الشيطان ، حتى لو شعر الإنسان في نفسه أنه لم يتوضأ مثلاً ، أو أنه أهمل شيئاً من أعضائه ، أو أنه لم ينو فلا يلتفت لهذا الشيء ، وكذلك لو أنه في صلاته شعر أو وقع في نفسه أنه لم يكبر للإحرام لا يلتفت لذلك ، يمضي في صلاته يكملها .
ولو أوقع الشيطان في قلبه التشكيك في الله أو ما أشبه ذلك لا يهمه ، لأنه ما تألم من هذا الشك إلا لإيمان في قلبه ، فغير المؤمن لا يهمه شكَّ أو لم يشك ، لكن الذي يتألم من هذه الشكوك والوساوس مؤمن ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة : ( ذلك صريح الإيمان ) أخرجه مسلم رقم 132 ، يعني : أن ما يلقي الشيطان في قلوبكم من مثل هذه الأمور صريح الإيمان أي خالصة ... جعله خالص الإيمان ، لأن هذا الذي ورد على قلبه الشك لا يطمئن لهذا الشك ولا يلتفت إليه ويتألم منه ولا يريده ، والشيطان لا يأتي إلا القلوب العامرة حتى يدمرها ، فالقلوب الدامرة لا يأتيها ، لأنها دامرة , قيل لابن عباس أو ابن مسعود : إن اليهود يقولون نحن لا نوسوس في صلاتنا . قال نعم : وما يفعل الشيطان بقلب خراب !!فوصيتي لها أن تعرض عن هذا كله ، وهي سوف تتألم أول الأمر ، سوف ترى أنها صلت بغير طهارة أو صلت بغير تكبيرة الإحرام ، أو ما أشبه ذلك ولكنها سوف تستريح بعد ذلك ، ويزول عنها ذلك الشك والوسواس بإذن الله .