العقيدة والعبادات

العقيدة والعبادات

العقيدة والعبادات

سنة الله في خلق الخير والشر

قد يقال  :  كيف  يكون الله رحمن ورحيم ، وقد خلق هذه الشرور التي نعاني ؟ وما علموا أن الله كله رحمة وكله خير، وأنه لم يأمر بالشر والفحشاء ، ولكنه سمح بذلك لحكمة ﴿ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ﴾الأعراف 28 ، فالله لا يأمر إلا بالعدل والخير ولا يرضى إلا بالطيب ، والشر  من مقدورات الله  فنجد في بعض المخلوقات شراً  كالحيات والعقارب. والأمراض والفقر والجدب  فهذه بالنسبة للإنسان شرا  لأنها لا تلائمه، أما نسبتها إلى الله فهي خير  فمن سم الحيات يخرج الترياق    ومن الميكروب يصنع اللقاح   فأفعال الله سبحانه  كلها خير وحكمة ، وليس فيها شر بإطلاق، وإن كانت شراً على بعض الخلق ، فذلك بسبب كسبهم واختيارهم  لأن الله لم يقدرها إلا لحكمة  عرفها من عرفها ، وجهلها من جهلها ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ﴾ فالله ربُّ العالمين ، ومن كمال الربوبية وشموليتها ، أن يكون الربُّ رباً لكلِّ شيء  وخالقاً لكل شيء ، خيرا وشرّا، ولكي تظهر قدرته لخلقه ، فإنه قادر على أن يخلق الشيء وضده ، وليس ذلك لأحد سواه ، فكما أن الله تعالى قادر على أن يخلق الخير، وعلى تصريفه كيف يشاء وحيث يشاء ، وقادر أيضا على أن يخلق الشر وعلى تصريفه كيف يشاء وحيث يشاء ، وبما أن الدنيا دار عملٍ واختبارٍ وبلاء   فإن من لوازمها ، أن يخلق الله تعالى الخير والشر، كما قال تعالى : ﴿ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ﴾ أما لماذا ترك الله الظالم يظلم ، والقاتل يقتل والسارق يسرق ؟ لأن الله أرادنا أحرارا ، ولا معنى للحرية دون أن يكون  الاختيار بين المعصية والطاعة ، والله قادر أن يقهرنا على الطاعة قهرا وبذلك يسلبنا حرية الاختيار.

ولكن الله تركنا نخطئ ونتألم ونتعلم، وهذه هي الحكمة في سماحة الشر، لأن الخير في الوجود هو القاعدة ، وأن الشر هو الاستثناء ، فالصحة هي القاعدة والمرض استثناء ، والأمن والسلام قاعدة والحروب  استثناء ، وبما أن المخلوق ، يحتاج لمن يجلب له الخير، ويدفع عنه الشر، فلا يستقيم شرعاً ولا عقلاً أن يجد الخير عند خالقه ، والشر عند غيره ، لأن الحق يُعرف قدره بمعرفة ضده من الباطل   فلا نعرف نعمة الصحة ، إذا لم نعرف المرض ولم نجربه  ولا نعرف نعمة الشبع ، إذ لم نعرف الجوع ولم نجربه ، وهكذا فإننا لا نعرف الشيء على حقيقته ، إلا إذا عرفنا ضده ، فمثلاً الله تعالى غفور رحيم ، ومن لوازم هذا ومقتضياته ، وجود الشر والإثم ، الذي يجعل الإنسان  يطلب الرحمة والمغفرة من ربه ، ليغفر له ويرحمه   والله تعالى المنتقم الجبار  وهذا من لوازمه ومقتضاه وجود الظالمين   الذين ينتقم الله منهم ، وقد اقتضت حكمة الله  أن العبد لا يعرف فضل الله عليه   إلا عندما يرى من ابتلي بفقد ما منَّ الله به عليه ، وقد يُطغي الخير  صاحبه  ويُنسيه أن له رباً يُعبد كما قال تعالى : ﴿ كَلا إِنَّ الإنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ﴾ ، فيأتي الشر ليُذكره ، بطلب المغفرة والرحمة من الله ، وهذا مطلب يُحبه الله ، وكم من شرٍّ يُبتلى به المرء ليندفع به شرٌ أكبر ، وهو لا يدري كخرق الخضر للسفينة  وقتله للغلام ، وكم من مرة نُبتلى بشرٍّ  ، ثم ندرك   أن هذا الشرَّ كان فيه خيرا  فينتقم الله من شرٍّ بشرٍّ آخر فيسلط الظالمين بعضهم على بعض كما جاء في الحديث :( إن الله لينصر هذا الدين بالرجل الفاجر  وبأقوامٍ لا خلاق لهم ) . فيدفع الله بهم ، ظلماً أشد وفجوراً أكبر، فيندفع بشر القتل والقتال ، شراً أكبر وفتنة أكبر ، ليعم الأمن والأمان ، والخير والسلام!

ومن النفوس من لا ينفع معها الخير ، لأنه يزيدها طغياناً وتجبراً ، وقد يهذبها الشرّ ويؤدبها ، ويُعيدها إلى رشدها وصوابها ، كما في القصاص بالنسبة للمجرمين الخارجين عن حدود الله   فالشر في كثير من صوره يكون بلاءً لأهل الخير  فيكون طهوراً وكفارة لذنوبهم وخطاياهم ، وكان من لوازم وجود الجنة والنار وجود الخير والشر، والحق والباطل ، والظالم والمظلوم  ليذهب كل فريق إلى ما أُعد له من نعيم مقيم ، أو عذاب أليم مهين ، فهذه بعض الحكم من خلق الله تعالى للشر، وما يعلمه الله تعالى ، ونحن لا نعلمه ، أكثر وأكثر﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً ﴾ ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾

 لماذا خلق الله الشر ؟ مع قدرته على إبدال كل شر خيراً ؟ فالله إذا خلق  الخير فقط ولم يخلق الشر، فإن ذلك قد يشير إلى نقص في قدرته تعالى ، لأنه يعني قدرته على خلق الخير فقط أما خلق الشر فإنه يعجزه وتعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ، لأنه على كل شيء قدير ، ﴿ ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ﴾ ولذلك فلا غرابه في وجود المنافقين بين المؤمنين ، والخونة بين المخلصين ، والعاجزين بين القادرين ، ولا غرابه في الفقر بعد الغنى ، والصحة بعد المرض والعكس    والعز بعد الذل والعكس والعداوة بعد المحبة والعكس والحر بعد البرد والعكس لأن الله لا يسأل عما يفعل وجاز في حقه أن يعذب من عصاه ، وأن يثيب من أطاعه ، وإذا علمنا أن الله على كل شيء قدير، فلا يبقى أمامنا إلا أن نقول سبحان الله الذي خلق كل شيء ، وهو العالم بكل شيء  والقادر عليه .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

العقيدة اليهودية

 إن لليهود مصدران يوحيان إليهم بأهداف وجودهم ، ومنهج وصولهم إلى تحقيق أهدافهم هما : (التوراة والتلمود) أما التوراة : فهي كتابهم السماوي الذي حرَّفوه والتلمود : كتابٌ يجمع حِكَمَ حُكمائهم ووصايا قادتهم ، وهو أشد قداسةً عندهم من التوراة . وأبرز عبارة وردت في التوراة : " وكلَّم الربُ إسرائيل قائلاً : سأنزل يا إسرائيل واضع السيف في يدك ، وأقطع رقاب الأمم واستذللها لك " . وأبرز قول في التلمود : " الأمميون هم الحمير الذين خلقهم الله ليركبهم شعب الله المختار ، وكلما نفق حمار منهم ركبنا حماراً آخر "  أما الكُبالا : وهو كتاب يتوارثه اليهود منذ القدم يعالج التصوف اليهودي عن طريق السحر ، الذي يمثل شطراً من الطقوس الدينية الخفية ، التي يمارسها اليهود الصهاينة خشية اطلاع أحد من الشعوب الأخرى عليها ، لما فيها من التفنن للكيد لتلك الشعوب  

حيث يتحدث هذا الكتاب عن استنـزاف الدم البشري واستخدامه في ممارسة هذه الطقوس ، فيؤتى بالضحية من غير اليهود ، ويوضع في برميل ، ويوخز بالإبر من كل جانب حتى ينـزف الدم تماماً من الضحية ، ويعبئ في قوارير ، ويذهب به إلى الحاخام ، ثم يعجن أو يضاف إلى الدقيق ، فيخرج عجيناً مخلوطاً بالدم البشري ، ويخبز ويؤكل في ليلة عيد الفصح ، هذا الأمر يعد تقرباً لإله اليهود .

وهذه العقيدة المحرَّفة لها مفهوم خاص عن الإله ، وأنبيائه ، وتصور خاص عن البعث ، واتجاه خاص في مبادئ الأخلاق وأسس الاجتماع الإنساني  . 

واليهود يعدون أنفسهم من جنس مميز على سائر أجناس بني البشر فيزعمون أنهم شعب الله المختار، وأنهم أصحاب مميزات جنسية وعقلية وحضارية لم تتوافر لسائر بني البشر ، ويستند اليهود في هذه العقيدة ، إلى نصوصٍ في توراتهم المحرفة وتلمودهم الموضوع ، وهي من أهم عقائد اليهود التي يؤمنون بها ويبنون سياساتهم وعلاقاتهم عليها ، ومعناها عندهم : أن الله سبحانه وتعالى ، قد وعد بني إسرائيل أن يملكهم أرضاً ، لكي يقيموا عليها دولة لهم ، تجمعهم من التشرد والشتات . وقد اختلفوا فيما بينهم حول تحديد حدود هذه الأرض الموعودة  فمنهم من قال : إنها أرض فلسطين ، ومنهم من قال: بأنها من النيل إلى الفرات .   

والعقيدة اليهودية المحرفة ، تنص على الإرهاب واستخدام العنف بطريقة غير مشروعة  وإن الدارس للتاريخ المعاصر للصهيونية يجد أن الكيان الصهيوني قد تبنى الإرهاب على مستوى الأفراد والدول على حدٍ سواء ، وفي عدم معرفة اليهود لله تعالى الأثر الكبير على سلوكهم وعدوانهم ، فمن كان بالله أعرف كان لله أخوف ، وكتبهم مليئة بالاستهزاء والانتقاص من حق الله تعالى  ومن اعتدى على الله فمن باب أولى أن يعتدي على خلق الله .

ونجد وصفهم لرسل الله تعالى وأنبيائه – عليهم السلام –  ما يعد احتقاراً وعدواناً عليهم ، ومن اعتدى على أنبياء الله تعالى فلن يتردد أو يتأخر في العدوان على غيرهم من البشر . واعتقاد اليهود بأنهم شعب الله المختار وتميزهم العنصري ، يجعلهم يسوِّغون كل عمل إرهابي في حق غيرهم لأنهم هم الأسياد  وما عداهم خدم لهم ، واعتقادهم بأرض الميعاد يجعلهم يستبيحون احتلال أراضي المسلمين ، وطردهم وقتلهم لإخراجهم منها  وقد تسببت هذه العقيدة في حروب دامية وصراعات طويلة  بينهم وبين المسلمين ، ويهود اليوم هم الخلف السيئ لمن سلف   وإننا نجد هؤلاء الخلف ينطلقون من تراث السلف ، فوراء كل جريمة يرتكبونها نبوءة مزعومة تسوِّغها لهم .

قال هرتزل : ( إن هدف الحركة الصهيونية هو تنفيذ النص الوارد في الكتاب المقدس ، بإنشاء وطن قومي يهودي في فلسطين ) .

وقال بن غوريون : ( قد لا تكون فلسطين لنا من طريق الحق السياسي أو القانوني ، ولكنها حق لنا على أساس ديني ، فهي الأرض التي وعدنا الله ، وأعطانا إياها من الفرات إلى النيل) .

ولعل أشد ما دونته نبوءاتهم المحرفة ، تحريضاً لليهود على التوسع العدواني الظالم هو : ( كل مكان تطؤهُ أخامص أرجلكم لكم أعطيته ) فهم مرتبطون عقدياً بكل أرض سكنوا فيها ، من أرض الآباء والأجداد مثل كل فلسطين وسورية والعراق  ومصر ، ولقد قال بن غوريون في تسويغ عدوان (1956م) : ( إنه يوطد أمن إسرائيل ، ويحميها من العدو ، ويحرر أرض الأجداد من الغاصبين ) . ولما اعترض أحد الوزراء على احتلال الجولان ، وعلَّل اعتراضه بعدم وجود روابط توراتية ، رد عليه (إيجال آلون) قائلاً : ( إن الجولان قطعة من إسرائيل القديمة   لا تقل أهمية عن الخليل ونابلس ) وقال مناحيم بيجن : سنة 1968 : ( إن الأراضي العربية المحتلة هي أراضٍ إسرائيلية حررتها إسرائيل من الحكم الأجنبي غير الشرعي ) . حتى السور العنصري والذي حول المناطق الفلسطينية الحالية إلى معتقل كبير للفلسطينيين ، استخرجوا له أسطورة تنص على أن القدس هي (الملكوت الذي سيحكم العالم ، وستحيط بها المرتفعات ، حتى لا تصل إليها قوى الظلام ، وستعلو جدرانُها ؛ حتى يعود التوازن إلى العالم ) . إذن وراء كل مجزرة ومذبحة وجريمة يهودية نبوءة توراتية مزيفة ، أو محرفة ، وليس على الآخرين سوى أن يرضخوا لإرادة الشعب المختار ، لأنها – وببساطة – إرادة الله في زعمهم .

والعقيدة اليهودية المحرفة يربون عليها أطفالهم ، وقد أثمرت هذه التربية  ، ما نراه من إرهاب عبر شاشات التلفزة على مرأى ومسمع العالم كله ، ليشهد العالم على إرهابهم وعدوانهم المتأصِّل في نفوسهم ، والدليل على ذلك الممارسات الإجرامية  واللا إنسانية التي تقترفها أيدي أبناء اليهود على أرض فلسطين المحتلة ، منذ سبعين سنة وحتى الآن .

 وعيب الشعب اليهودي ، يكمن في أن أفراده يرون العالم بعيون عنصرية ، ويرون أنفسهم في هذا السياق ، أفضل الشعوب على الأرض ، وهذه العنصرية المتعمقة في جذور أفراد المجتمع اليهودي، والتي توارثتها أجياله عبر التاريخ ، تحول بشدة دون ذلك ، لأنها متمكنة من ضمائرهم ، ومسيطرة على حواسهم ، ومتحكمة في أفعالهم وسلوكهم ، إزاء أهل فلسطين على وجه الخصوص والعرب والمسلمين على وجه العموم . ولا أبالغ إذا قلت، بأن يهود المجتمع الإسرائيلي، لا يسعدهم ويسرهم أكثر من قتل وتعذيب أهل فلسطين . 

ولهذا فإن من الأمور الثابتة عند اليهود الإحساس بحتمية الحروب للوجود الإسرائيلي؛ فالحروب هي بمنـزلة أسطورة تدخل في إطار البنية العامة للعقيدة الصهيونية ، وقد جُمعت قوانين الحرب في " العهد القديم " في سفر التثنية ، وهي تحدد لهم أسلوب الاستيلاء على المدن ، وأسلوب التعامل مع أهل البلاد ، ففي الحرب الهجومية ، أباحت الشرائع اليهودية قتل الذكور البالغين فقط من العدو ، وسلب أموالهم ، وفي الحرب الدفاعية أباحت لهم إبادة العدو كله ، أي قتل جميع النفوس المعادية ، والاستيلاء على جميع الممتلكات  .

ووفقًا لأحكام الشريعة اليهودية التي تستبيح حياة الأجنبي ، ماله وعرضه ودمه ، فقد جاء في كتاب وزعته قيادة الجيش الإسرائيلي على الجنود فتوى حاخامية مستوحاة من تلك الشريعة تجعل من قتل العرب رجالاً كانوا أو نساءً ليس مسموحاً به فقط ، ولكنه واجب ديني 

 وقد استلهم اليهود من التوراة والتلمود ، سياستهم في البطش والعنف ، ومنها استقوا القوانين التي يتسلمها القادة الإسرائيليون كمصدر وحي ، وكشريعة مقدسة ؛ فتتحول كل جريمة يقترفونها ، لتصبح شرعية وقانونية ، من أجل تحقيق وعد الرب ، ولا مجال لأي كلام يقال بعد عمليات التقتيل الوحشية والجماعية ، التي يقومون بها في الأراضي التي يحتلونها ، وما جري في غزة خير شاهدٍ على ذلك ، ولو أردنا استقصاء النصوص الدالة على الجوانب العدوانية في الكتب المقدسة لليهود لوجدنا الكثير الكثير من ذلك ، ولو أردنا ذكر الأدلة على تأثير هذه النصوص في العقلية اليهودية الإسرائلية لوجدنا الكثير من الاعترافات من رجال الدين والساسة والعسكريين مما يؤيد ذلك ، وما خفي أعظم ، وإذن فلا عجب إذا رأينا هذه الوحشية التي تصدر عن هؤلاء اليهود في غزة لأنهم ينطلقون في ذلك من نصوص مقدسة ، وعليه فأعمالهم الإرهابية مبررة من قبل دينهم المحرف . فلماذا لا ننطلق نحن لجهادهم انطلاقاً من ديننا الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه .

 

 

 

 

 

 


 

 

 

 

 

خطبة عيد الفطر

الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا لله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد .الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا

كل الناس يستقبل العيد ، لكن ليس كل الناس  يدرك أن العيد الحقيقي في انتصار المجاهدين في ميادين الجهاد ، إن العيد في واقعه ، ليس عيد المتآمرين على أمتهم ، وبلادهم وإنسانيتهم إنما هو عيد أولئك الذين تثقل كواهلهم  هموم الأمة  وتملأ قلوبهم ، خشية الله وتقود تصرفاتَهم أخلاق الرجولة المؤمنة ، فلا يلتفت إلى هنا وهناك  ولا يُسْتَعْبَدْ من قبل هؤلاء أو أولئك  .

يا  عيد أقبلت والمأساة ما برحت ترجو الخلاص وخيط القهر ممدود

وأمتي لم تزل يا عيـدُ في كمدٍ  قتلٌ ونهبٌ وإحراقٌ وتشريــد

وأمتي لم تزل في الذلّ غارقـةً  بيعٌ وحبـسٌ وإرغامٌ وتعبـيـد

 جاء العيد ومن أبناء الأمة من يذوقون من البؤس ألوانا، ويتجرَّعون من العلقم كيزاناً، يأتي العيد وفي قلوبهم هلع، وفي أعينهم خوف وفزع   وفي أجسادهم ألم ووجع ، دماؤهم شلالات وجثثهم متناثرة في الطرقات ، بيوتهم مهدومة ونساؤهم مكلومة ، أنهكهم الجوع والعطش  وقلة الدواء وكثرة اللأواء ، وضعف النصير في اليوم العسير جاء العيد وفي فلسطين ، شعب يعاني من التهجير والنفي واغتصاب الأملاك والأعراض، ومن القتل والأسر ، وسائر صنوف الأذى ، من عدو لا عهد له ولا ميثاق ، ولا أمانة ولا شرف   

جاء العيد والعدو يمارس أبشعَ صور الظلم والقهر والتخويف والإرهاب ، ويفرض ألوان الحصار   ويقتل الرجال والنساء والصغار   ويهدف إلى إبادة المسلمين، وتصفيتهم جسدياً  وإرهابهم نفسياً، بمذابح جماعية لم يشهد التاريخ لها مثيلاً. جاء العيد ونحن بحاجة إلى من يوقف وحشية هذا الإرهاب وبشاعته، ويطارد رجاله وقادته   

ماذا يعني العيد في ظل القتل والسحل والتشريد لأبناء أمتنا ؟ ما قيمة العيد والأقصى يدنس في كل وقت وحين ؟ والأدهى من ذلك عندما نتصافح يوم العيد نقول لبعضنا ، والعيد القادم والأقصى مفكوك أسره ، والأمة محررة من قيودها وسجانيها ، لطالما قلنا ذلك وجاء العيد تلو العيد وبقي الأقصى أسير ، والأمة مقيدة ولم تستجب لداعي الجهاد والنفير .

إن هذا اليوم يوم عيد وسرور لمن صحت نيته  وقُبِلَ صيامه وقيامه  يوم عفوٍ وإحسانٍ لمن صَبَرَ وَغَفَر ، فيه تتوزّعُ الصدقات ، ويتزاور الأهل والأصدقاء ، فيه يُطلبُ من المسلم ، وهو يستعد للعيد لتأمين مستلزمات أهله ، أن يُضيفَ إلى ذلك استعداداً آخر أكرم عند الله  وهو التفريج عن كُرْبةِ من حوله  وأن يذكُرَ وهو يقبل أولاده   ويأنس بزوجته ، يتامى لا يجدون ابتسامه الأب وأيامى لا يجدن حنان الزوج . ليتَذكَرْ المسلم   أن العيد ليس لمن تمتع بالشهوات  ولبس الجديد  وقلبه مظلم  معلق  بالباطل والزور والبهتان والفجور وليس العيد لخائنٍ غشاش ،كذّاب مغتاب نمْام ، يسعى بين الناس بالأذى والفساد ليس العيد لمتكاسل مرتاب ، لا يعمل لأمته ودينه  ولا لنفسه وبلاده ، ليس العيد لمن طغى وبغى  وأعرض وتكبر ، وآثر الحياة الدنيا ، ليس العيد لمن عق والديه ، وقطع أرحامه . لقد شُرعً العيدُ  ليجدد فيه المسلمون ، عهد الصفاء والإخاء ، ولا يليق فيه الخصام والانقسام  والغل والبغضاء ، ولا الحقد والحسد والإيذاء . وليس العيد ، لمن  تزود بطيب الطعام والشراب وهو فاقد لزاد التقوى وهو خير زاد قال تعالى: ﴿وتزودوا فان خير الزاد التقوى وليس العيد لمن تباهى باللباس الجديد  وهو عارٍ من لباس التقوى قال تعالى : ﴿ ولباس التقوى ذلك خير فليتصافح  المسلمون في هذا  اليوم  وليُحيي بعضُهم بعضا  وليتبادلوا التهاني  في سرورٍ وانشراح .

كيف السرور وأرض المسلمين لظى كيف الهناء وأقصى الشرق موؤد

والأرض ترجُفُ من عُهرٍ ومن دَنسٍ  أما الديـار فتنـصيرٌ وتهـويـد

اللهم إنا قد فارقنا صيام شهرنا وقيامه  على  تقصير  وأدينا فيه من حقك قليلٌ من كثير فلا تردنا يا ربنا خائبين ولا من رحمتك آيسين واجعل عملنا مقبولا وحظنا من هذا الشهر المبارك موفورا وتوفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وكل عام وأنتم بخير .

 

 

 

 

خطبة عيد الفطر

قال تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا    يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازا عَظِيمًا ﴾ 71 الأحزاب . الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا لله الله أكبر ، الله أكبر ولله الحمد ، الله أكبر كبيرا ، والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا ، الحمد لله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، شرع التكبير في العيد   لقوله تعالى : ﴿ ولتكبروا الله على ما هداكم ﴾  وما قال الله اكبر  ولو رددها بلسانه ألف مرة ، من يغش المسلمين ويؤذيهم ، وما قال الله أكبر من يطيع المخلوق ويعصي الخالق ، ولو رددها بلسانه ألف مرة  وما قال الله اكبر من أكل أموال الناس ، وأخذ ما ليس له وهو يعلم ولو رددها بلسانه ألف مرة ، لأنها فقدت مضمونها ، وهان أمر الله عنده ، فهان على الله ، وما قال الله اكبر من لم يصل رحمه ،أول كلمة قالها النبي عليه الصلاة والسلام كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم : أرسلني بصلة الأرحام    هذه الصلة التي ربطها بالإيمان   قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه ) متفق عليه عن أبي هريرة ، وثواب هذه الصلة ، معجل في الدنيا   ونعيم في الآخرة ،قال بعض العلماء : ما من خطوة بعد الفريضة أعظم أجراً من خطوة إلى ذي رحم    لقول النبي عليه الصلاة والسلام : ( ليس شيء أُطيع الله فيه أعجل ثواباً من صلة الرحم ) البيهقى عن أبى هريرة  والعيد مناسبة أساسية لإصلاح ذات البين قال تعالى : ﴿ فاتقوا الله واصلحوا ذات بينكم ﴾ الأنفال  ونحن في العيد، في يوم الجائزة، قال عليه الصلاة والسلام: ( إذا كان يوم الفطر وقفت الملائكة في أفواه الطريق، فنادوا يا معشر المسلمين اغدوا إلى رب كريم رحيم، يمن بالخير ن ويثيب عليه الجزيل ، لقد أُمرتم بقيام الليل فقمتم، وأُمرتم بصيام النهار فصمتم، وأطعتم ربكم فاقبضوا جوائزكم، فإذا صلوا العيد نادى منادٍ من السماء ، ارجعوا إلى منازلكم راشدين، فقد غفر لكم ذنوبكم كلها، ويسمى ذلك اليوم في السماء بيوم الجائزة ) . ونحن نفرح بالعيد ومن المسلمين مَنْ لَاْ يَعْلَمُ بِمِقْدَاْرِ مُعَاْنَاْتِهِ إِلَّاْ الله،  يُعَاْنِيْ مِنْ تَفْجِيْرَاْتٍ مُتَوَاْلِيَة ، وَأَحْزَاْنٍ مُتَتَاْلِيَة ؛ مَاْ بَيْنَ دِمَاْءٍ تُرَاْقُ، وَبُيُوْتٍ تُهَدَّمُ ، يَتَسَلَّىْ أَبْنَاْؤُنَاْ بِأَصْوَاْتِ الأَلْعَاْبِ ، وَيَبَاْتُ أَبْنَاْؤُهُم ، عَلَىْ أَصْوَاْتِ الْمَدَاْفِعِ ، وَأَزِيْزِ الْطَّاْئِرَاْتِ  حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت ، نسأل الله أن يفرّج كربهم في العيد تتصافى القلوب، وتتصافَح الأيدي، ويتبادَل الجميعُ التهانيَ  كأنَّما العيد فرصةٌ لكلّ مسلمٍ ليتطهَّر من درن الأخطاء، فلا يبقى في قلبِه إلا بياضُ الألفة ونور الإيمان إذَا التقى المسلمان في يوم العيد وقد باعدت بينهما الخلافاتُ أو قعدت بهما الحزازات فأعظمُهما أجرًا البادئ أخاه بالسلام ، فلنغتنم هذه الفرصة لنجدد المحبة وتحل المسامحة والعفو محلّ العتب والهجران ، من الأقارب والأصدقاء والجيران ولنذكر قول النبي عليه السلام : (وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزاً) مسلم

الخطبة الثانية

الحمد لله كثيرا، والله أكبر كبيرا اللهم أفرحنا بالعيد، وارزقنا الجديد ومتعنا بالعيش الرغيد؛ فله الحمد لا نحصي ثناء عليه كما أثنى هو على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ جعل العيد من شعائره المعظمة ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾الحج 32 ، الحمد لله واشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، الذي أمر بالتوسعة على الأهل والولد في يوم العيد، حتى يعلم الناس أن في دين الإسلام فسحة ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين ، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد ، افرحوا في هذا اليوم العظيم؛ فإن الفرح به عبادة، وبروا والديكم، وصلوا أرحامكم  وأحسنوا إلى جيرانكم، وأدخلوا السرور على أهليكم وأولادكم وأشعروهم بأن العيد عيدهم، ولا تنسوا إخوانكم المضطهدين والمحرومين في كل مكان من صالح دعائكم، وجزيل عطائكم، وأتبعوا رمضان بصيام ست من شوال وأحسنوا فإن الله يحب المحسنين.. أعاده الله تعالى علينا وعليكم وعلى المسلمين باليمن والإيمان والسلامة والإسلام، وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.

 

 

 

طلب الهداية

الهِدَايَةُ مطلبٌ شرعيٌّ ، أمرَنا اللهُ  بالسَّعي إليها ، وحثَّنا على تحقِيقِهِا في وقت اضطَرَبَت فِيهِ الأَفكَارُ وَتَاهَتِ العُقُولُ، وَحَارَتِ الأَفهَامُ وَزَلَّتِ الأَقدَامُ، وَنَطَقَ السُّفَهَاءُ وَتَولىَّ الأَصَاغِرُ ، وَتَعَالَمَ الجُهَلاءُ وَاجتَرَأَ كُلُّ مَن هَبَّ وَدَبَّ عَلَى شَرعِ اللهِ، وَتُكُلِّمَ فِيهِ بِغَيرِ عِلمٍ وَلا حُجَّةٍ، حتى كَاد الناس يَضِلُّونَ بَل ضَلَّ مَن ضَلَّ ، حتى اصبحت الهداية ، ضَرُورَةٌ يَحتَاجُ إِلَيهَا كُلُّ مَن في الأَرضِ  ، وهي بمشيئة الله  ولا يمكن لعبد أن يهتدي إلا أن يشاء الله ، ولكن الله عز وجل جعل مقاليد أمور العبد الاختيارية بيد العبد ، والله عز وجل لا يهدي الكافر ، ولا يهدي الظالم ، ولا يهدي الكاذب ، حتى يعود الله  قال تعالى ﴿ كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾  وقال تعالى : ﴿ ولَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ إن الإعراض عن ذكر الله ، والإدبار عن هدى الله  وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من موجبات امتناع الهداية ، بسبب التقصير في طلبها   أما من سعى واجتهد في طلبها  فإنه يوفق إليها ، والله يقول في الحَدِيثِ القُدسِيِّ الَّذِي رَوَاهُ مُسلِمٌ: "يَا عِبَادِي كلكم ضال إلا من هديته ، فاستهدوني أهدكم ) وهذا يدل على رغبة ابن آدم في الهداية إن طلبها من الله ، فإذا رغب فيها وفقه الله ، لأن الإنسان هو الذي يهتدي ، وهو الذي يضل ، يهتدي مختاراً ، ويضل مختارا ً، دون أي إجبار ، فالهدى والضلال من الإنسان نفسه ، لأنه فعل من أفعاله ، كسائر الأفعال الاختيارية ، بصريح الآيات القرآنية قال تعالى : ﴿ فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ﴾ الإسراء 15. و قال تعالى : ﴿ فإن أسلموا فقد اهتدوا ﴾ آل عمران . نفهم من الآيات أن الله رتب الحساب على أعمال الناس قال تعالى : ﴿ من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها ﴾ فصلت 46 . فلو أن الله هو الذي يهدي الإنسان ، وهو يضله ، وليس الإنسان نفسه ، فإن حساب الله للناس ، وتعذيبهم على الضلال حسب فهمهم  ظلم ، لأنه حساب لهم على شيء لم يفعلوه ، والله منـزه عن الظلم  فالإنسان هو الذي يضل و يهتدي ومحاسبته على ذلك عدلٌ ، لأنها محاسبةُ على فعله هو . أما الآيات التي تدل على نسبة الهداية والضلال إلى الله ، فذلك يعني أن الله خلق الهداية والضلال من العدم و ليس أن الله هو الذي باشر فعل الهداية ، مثال ذلك قال تعالى :﴿ قل الله يهدي للحق ﴾ يونس 35  وقال: ﴿ من يهد الله فهو المهتد﴾ الإسراء 97 . هذه الآيات وأمثالها في القرآن الكريم ، لا تعني أن الله باشر الهداية ـ إنما تعني أن الله خلق الهداية ، كما لا يقال إن الهداية اسندت إلى الله ، لأن هناك قرينه تصرف الأشياء عن الفعل إلى الخلق ، وهي الآيات التي تسند الهداية إلى الإنسان قال تعالى :  ﴿ وما أضلنا إلا المجرمون ﴾ الأعراف 38  أما الآيات التي اقترنت فيها الهداية والضلال بمشيئة الله ، فهذه تفيد بأنه لا يهتدي أحدٌ جبراً عن الله ، أو يضل جبراً عنه ، وليس معناها أن إرادة الله هي التي فعلت الفعل قال تعالى :﴿ ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ﴾ النحل 93 . فإضلال الله لشخص معناه : أن هذا الشخص آثر الغي على الرشاد ،وسعى إليه فناله ،قال تعالى :﴿ فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين ﴾ الصف 23. وقال : ﴿ ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم لتولوا وهم معرضون ﴾الأنفال 23. فمعنى يضل من يشاء ، لا يعدو قوله تعالى : ﴿ يضل الله به الفاسقين الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه﴾ البقرة 26 . ولا يوجد موجود إلا بمشيئة الله ، وقد أثبت الله مشيئته في فعل العباد ، قـال تعـالى : ﴿ ولو شاء الله ما فعلوه ﴾ الأنعام 137. وأثبت مشيئته في فعله فقال تعالى: ﴿ ولو شئنا لأتينا كل نفس هداها ﴾ السجدة 13. فلا يقع شيء في السماوات ولا في الأرض إلا بمشيئة الله . أما مشيئته في الهدى والضلال ، فلا بد أن نعرف أن هناك آيات مطلقة وآيات مقيدة ، فالمطلقة كقولـه تعالى :﴿  يضل من يشاء ويهدي من يشاء ﴾ النحل 93 . أما المقيدة كقوله تعالى : ﴿ والله لا يهدي القوم الكافرين ﴾ البقرة 64 . هنا يحمل المطلق على المقيد فنقول : هل يعين الكافرين به على التقوى ؟ لا يعينهم . ولذلك حدد من يشاء هدايته ، وهو من لا يكفر به ، ولا يظلم ولا يفسق ولا يعصيه قال تعالى : ﴿ والله لا يهـدي القـوم الفـاسقين ﴾ التوبة 80 . ﴿ والله لا يهـدي القـوم الظالمـين ﴾ آل عمران 86 . ﴿ إن الله لا يهدي من هو كاذبٌ كفار﴾ الزمر 3 . في هذه الآيات ، حدد الله من يشاء هدايته وعليه نفهم أن هداية الله ، تكون بالعمل على طريق الخير ، فمن استمع لله ، وآمن به ، وأقبل عليه وعلى منهجه ، تكون المعونة له من الله ، أم من لا يؤمن ولا يستمع ولا يُقْبل على منهجه فكيف يُعينه ؟ لا يمكن ذلك . فإذا رأيت في القرآن آيات مطلقة وأخرى مقيدة ، فاحمل المطلق على المقيد ، إنه يهدي من يشاء  فمن هم الذين يشاؤهم ؟ إنهم المؤمنون المقبلون عليه ، المصدقون بمنهجه ، أما الذي يكفر ، فلا يعينه الله على الهداية ، بدليل أن الله أعطاه حرّية الاختيار، ومن نقطة الاختيار هذه قال تعال : ﴿ وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر﴾ الكهف 29. بين لنا طريق الهدى وطريق المعصية ، ثم ترك لنا أن نختار طاعة الله ورحمته ، أو معصيته وعذابه ، ولم يكره على أي منها ، لأن المكره على شيءٍ لا يُعاقب عليه . وإن قيل : إذا كان الله كتب على الإنسان المعصية فلماذا يعذّبه ؟ فمن يقول ذلك لماذا لا يقول : إذا كان الله قد كتب الطاعة فلماذا يُثيب عليها ؟ إن من يقول ذلك ولا يقول هذا ، يريد أن يوجد لنفسه منفذاً ليخلص من ذل ذلك المغرم

  

خطبة عيد الأضحى

الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا لله

الله أكبر الله أكبر ولله الحمد .

الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا  .

لولا أن حقوق العبودية ، توجب على المسلم    أن يفرح ويبتهج ، في الأيام التي شرع الله فيها ذلك، لما وجد الفرح إلى نفسه سبيلا، إذ كيف يركن إلى أجواء الفرح ، وهو يشاهد المشاهد المؤلمة والمفزعة ، والحزينة المفجعة ، التي تصك الآذان صباح مساء ، جاء العيد ، ومن أبناء الأمة من يذوقون من البؤس ألوانا ، ويتجرَّعون من العلقم كيزاناً ، جاء وفي قلوبهم هلع، وفي أعينهم خوف وفزع ، وفي أجسادهم ألم ووجع  دماؤهم شلالات ، وجثثهم متناثرة في الطرقات   بيوتهم مهدومة ،ونساؤهم مكلومة ، أنهكهم الجوع والعطش ،وقلة الدواء ، وضعف النصير في اليوم العسير ،جاء العيد وفي فلسطين     شعبٌ يعاني من التهجير ، والنفي واغتصاب الأملاك والأعراض، ومن القتل والأسر ، وسائر صنوف الأذى ، من عدو لا عهد له ولا ميثاق ، جاء العيد والعدو يمارس أبشعَ صور الظلم والقهر والتخويف والإرهاب ، ويفرض ألوان الحصار ، ويقتل الرجال والنساء والصغار   ويهدف إلى إبادة المسلمين، بمذابح لم يشهد التاريخ لها مثيلاً.     

ماذا يعني العيد في ظل القتل والتشريد ؟ ما قيمة العيد والأقصى يدنس في كل حين ؟

والأمة مقيدة ولم تستجب لداعي الجهاد والنفير   ليكون العيد الحقيقي في انتصار المجاهدين في ميادين الجهاد ، وليس عيد المتآمرين على أمتهم ، وبلادهم وإنسانيتهم ، إنما العيد ، عيد أولئك الذين تثقل كواهلهم  هموم الأمة ، وتملأ قلوبهم ، خشية الله وتقود تصرفاتَهم أخلاق الرجولة المؤمنة .

في العيد ، يُطلبُ من المسلم ، وهو يستعد   لتأمين مستلزمات أهله ، أن يُضيفَ إلى ذلك استعداداً آخر أكرم عند الله ، وهو التفريج عن كُرْبةِ من حوله ، وأن يذكُرَ وهو يقبل أولاده ، ويأنس بزوجته ، يتامى لا يجدون ابتسامه الأب ، وأيامى لا يجدن حنان الزوج   ليتَذكَرْ المسلم ، أن العيد ليس لمن تمتع بالشهوات ولبس الجديد ، وقلبه مظلم معلق  بالباطل والزور والبهتان والفجور ، وليس العيد لخائنٍ غشاش ،كذّاب مغتاب نمْام   يسعى بين الناس بالأذى والفساد ، ليس العيد لمتكاسل مرتاب ، لا يعمل لأمته ودينه ، ولا لنفسه وبلاده ، ليس العيد لمن طغى وبغى  وأعرض وتكبر ، وآثر الحياة الدنيا ، ليس العيد لمن عق والديه ، وقطع أرحامه . لقد شُرع العيدُ ، ليجدد فيه المسلمون ، عهد الصفاء والإخاء ، ولا يليق فيه الخصام والانقسام ، والغل والبغضاء ، ولا الحقد والحسد والإيذاء . وليس العيد ، لمن  تزود بطيب الطعام والشراب وهو فاقد لزاد التقوى وهو خير زاد قال تعالى: ﴿وتزودوا فان خير الزاد التقوى ﴾ وليس العيد لمن تباهى باللباس الجديد ، وهو عارٍ من لباس التقوى قال تعالى : ﴿ ولباس التقوى ذلك خير ﴾ فليتصافح  المسلمون في هذا  اليوم ، وليُحيي بعضُهم بعضا ، وليتبادلوا التهاني ، في سرورٍ وانشراح

إن هذا اليوم يوم الخيرات ، وموسم الربح والعطيات ، فلقد أنزل الله على رسوله يوم عرفة (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )   

 فكان نزولها للمسلمين عيداً ، فاههنأوا بما أنعم الله عليكم ، وأقيموا شعائر الله بصلاة عيد الأضحى والتضحية ، امتثالاً لأمر الله ﴿إنا أعطيناك الكوثر فصلي لربك وانحر﴾  واعملوا بسنة نبيكم في الأضاحي ، فما عُبد الله في هذه الأيام بشيءٍ أفضل من إراقة الدماء  

ولتكن الأُضحية خاليه من العيوب ، ومن أجود النعم . قال تعالى : ﴿ لن تنالوا البرَّ حتى تنفقوا مما تحبون ﴾ وقد جعل الله علامة محبة العيد طاعة الله ، واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم   قال تعالى : ﴿ قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفورٌ رحيم ﴾ آل عمران 31 .

 وقال صلى الله عليه وسلم : ( إنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأُمور فإن كل محدثةٍ بدعه وكل بدعةٍ ضلاله ) . وإن من البدع القبيحة ، والعادات السيئة في الأعياد ، زيارة النساء للقبور ، علماً بأنه لم يثبت قط أن النبي  صلى الله عليه وسلم زار قبراً ، بل قال في عيد الأضحى ، أول ما نبدأ به في يومنا هذا   أن نصلي ثم نرجع فننحر ، من فعل ذلك فقد أصاب سنتنا . فما أجمل التضحية وما أعظم شأنها ، إنها رمز الصبر والمصابرة ، وعلامة الأمن والأمان .

 وما أحوج المسلمين اليوم ، إلى الاعتصام بحبل الله ، في هذه الظروف ، التي يعاني فيها المسلمون ، أشدّ أنواع البطش والاضطهاد   في أماكن مختلفة من العالم .

 إن أيام العيد أيام تسامح وسرور ، فأطعموا الطعام ، وصلوا الأرحام ، وأكرموا الأرامل والأيتام ، وتزاوروا وتصافحوا ، يَذهبُ الغل من قلوبكم ، اجعلوا من يوم عيدكم ، سبباً للتصافي والتواصل ، واعطفوا على الفقراء والمساكين ، وتواصلوا وتواصوا بالحق والصبر  

وكل عام وأنتم بخير .

                     

   

 

 

 

الحث على الطاعة بعد رمضان

ها نحن نودع رمضان ، ربح فيه من ربح ، وخسر فيه من خسر ، فمن وفقه الله فيه ، من صيامٍ وقيامٍ وقراءة قرآن ، وعملٍ صالحٍ ، ندعو الله أن يتقبَّل ما كان منه ، وأن يُديمه عليه بعد رمضان ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ﴾، استودعنا رمضان أعمالنا بخيرها وشرها، ولا ندري أيكون رمضان شاهداً علينا بالخيرات، راحلاً عنا بالحسنات، أم شاهداً علينا بالتقصير والانغماس في الشهوات ولقد صدق القائل :

ما بال شهر الصومِ يمضي مسرعاً   وشهورُ باقي العام كم تتمهّلُ

ها قد رحلت أيا حبيبُ وعمرنا    يمضي ومن يدري أَأَنتَ ستقبلُ

فاغتنموا أيام أعماركم قبل فوات الأوان ، ما دمتم في زمن الإمكان ولقد أحسن القائل :

من فاته الزرع في وقت البدار    فما  تـــــــــراه يحـــــصـد إلا الهــــمَّ والنــــدمـا

بئس لمن لا يعرفون لله حقاً إلا في شهر رمضان حتى إذا ما انقضى هجروا المساجد والصلوات والذكر والدعوات ، ولقد أحسن من قال :  

يا من عبدتم ربكم في شهركم  حتى العبــادةَ بالقَبولِ تُكَلَّلُ

لا تهجروا فعلَ العبادةِ بعـدَه     فلعلَّ ربي مـــا عبدتم يقبلُ

والمؤمن إذا انقضى رمضان ، لا ينقضي عمله، فقد قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم : ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِين ﴾  فما جعل الله لعمل المؤمن أجلاً إلا الموت ، فالأعمال الصالحة في كل وقت وكل زمان ، فاجتهدوا في الطاعات، وإياكم والكسل والفتور، فإن لم تستطيعوا العمل بالنوافل   فلا يجوز أن تتركوا الفرائض والواجبات ، ولا أن تقعوا في المحرمات ، فالله الله بالاستقامة والثبات في كل الأوقات ، لأنك يا عبد الله لا تدري متى الموت يلقاك ، فاحذر أن يأتيك وأنت عاكف على المعاصي والملذات ، واحرص على أعمال البر والخيرات ، وتذكر في يوم عيدك يوم الوقوف بين يدي رب السموات .

مرَّ وهيب بن الورد على أقوام يلهون ويلعبون في يوم العيد فقال لهم: "عجباً لكم إن كان الله قد تقبل صيامكم فما هذا فعل الشاكرين ، وإن كان الله لم يتقبل ، فما هذا فعل الخائفين".فكيف لو رأى ما يفعله أهل زماننا من اللهو والإعراض، بل مبارزة الله بالمعاصي في أيام الأعياد .

إن بقاء المسلم ودوامه على العمل الصالح بعد رمضان ، علامة قبول له عند الله ، وإن تركه للعمل الصالح بعد رمضان ، وسلوكه مسالك الشيطان دليل على الذلة والهوان ، والخسّة والدناءة والخذلان   وكما قال الحسن البصري : " هانوا عليه فعصوه ولو عزوا عليه لعصمهم " . وإذا هان العبد على الله لم يكرمه أحد قال تعالى : ﴿ ومن يهن الله فما له من مكرم ﴾ الحج 18. وها هي الأمة تودّع رمضان، لكنها لم تودِّع مآسيها الدامية ، وآلامها المبرحة، وهي تمر اليوم بمحن عظيمة، وجراح عميقة، ترى جراحها في كثير من بلدان العالم الإسلامي ، حربٌ شرسة لتنحية الإسلام، وتجفيف منابعه من أعداء الإسلام  متجاوزين كل الحدود والأعراف .

اسأل الله أن يوفقني وإياكم لما يحبه ويرضاه، إنه سميعٌ مجيب .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

خطبة عيد الأضحى

 شرع الله لأمة الإسلام عيد الأضحى وعيد الفطر قال تعالى:﴿ لِكُلّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا﴾  الحج34 منسكاً أي: عيداً كما قال ابن عباس   وقد شرع الله له طاعات مختصة بالمكان أو الزمان، فيوم عرفة عيد لحجاج بيت الله الحرام، واجتماع لهم ، يتضرعون لله عز وجل، ويقومون بفعل ما شرع لهم من القربات والطاعات، عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: قال أصحاب رسول الله : ما هذه الأضاحي يا رسول الله؟ قال: سنة أبيكم إبراهيم ، قالوا: فما لنا فيها يا رسول الله؟ قال: بكل شعرة حسنة) رواه ابن ماجه ومن لم يحج ، شرع الله له صلاة عيد الأضحى في جمع المسلمين، وشرع له صيام عرفة   الذي يكفر السنة الماضية والآتية، وشرع له مقابل قربانُ الحجاج وذبائحهم ، الأضحية مع الذكر وفعل الخيرات، عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله قال: (ما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحب إلى الله عز وجل من هراقة دم ، وإنه ليأتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها، وإن الدم ليقع من الله عز وجل بمكان ، قبل أن يقع على الأرض فطيبوا بها نفسا) رواه الترمذي وابن ماجه ، وعن ابن عباس رضي الله عنها عن النبي قال: (ما عمل ابن آدم في يوم أضحى أفضل من دم يهراق إلا أن يكون رحماً يوصل) رواه الطبراني   وعن أبي سعيد الخدري عن النبي قال: (يا فاطمة، قومي إلى أضحيتك، فاشهديها، فإن لك بكل قطرة من دمها ، ما سلف من ذنوبك) قالت: يا رسول الله، ألنا خاصة أهل البيت، أو لنا وللمسلمين؟ قال: بل لنا وللمسلمين) رواه الطبراني والبزار .

أما الأضحية ، فالشاة تجزئ عن الرجل وأهل بيته ، وتجزئ البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة، ولا يجزئ من الضأن إلا ما تم له ستة أشهر، ولا من المعز إلا الثني ، وهو ما تم له سنة، ولا من الإبل إلا ما تم له خمس سنين، ولا من البقر إلا ما تم له سنتان ويستحب أن يتخير الأضحية سمينة صحيحة، ولا تجزئ المريضة البين مرضها ولا العوراء  ولا العجفاء، وهي الهزيلة، ولا العرجاء البين ضلعها، ولا العضباء التي ذهب أكثر أذنها أو قرنها، وتجزئ الجمّاء والخصي ، والسنة نحر الإبل قائمة معقولة اليد اليسرى، والبقر والغنم على جنبها الأيسر متوجهة إلى القبلة ، ويقول عند الذبح: بسم الله وجوباً، والله أكبر استحباباً اللهم هذا منك ولك، ويستحب أن يأكل ثلثاً ، ويهدي ثلثاً ، ويتصدق بثلث، لقوله تعالى:﴿ فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْقَـٰنِعَ وَٱلْمُعْتَرَّ ﴾الحج:36، ولا يعطي الجزار أجرته منها. ووقت الذبح بعد صلاة العيد باتفاق، واليوم الذي بعد ذلك فيه خلاف، والراجح أنه زمن للذبح مع فوات فضيلة.

إن العيد من شعائر الإسلام العظيمة ومن منافعه العظمى، التواصل بين المسلمين والتزاور، وتقارب القلوب، وانطفاء نار الأحقاد والضغائن والحسد. فاقتدار الإسلام على جمع المسلمين في مكان واحد لأداء صلاة العيد ، آية على اقتداره على أن يجمعهم على الحق، ويؤلف بين قلوبهم على التقوى، فلا شيء يؤلف بين المسلمين سوى الحق؛ لأنه واحد، ولا يفرق بين القلوب إلا الأهواء لكثرتها، فالتراحم والتعاون والتعاطف صفة المؤمنين فيما بينهم، كما روى البخاري ومسلم من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) ، واعلموا أن العيد ليس لمن تزين ولبس الجديد، ولا من خدمته الدنيا وأتت على ما يريد، لكن السعيد في العيد من فاز بتقوى الله تعالى، وكتب له النجاة من حرّ النار لشديد، وفاز بجنة الخلد التي لا ينقص نعيمها ولا يبيد.

 ومن الواجب أن نفرح في العيد لأنه فرض   مهما ألم بالأمة من المآسي والأحزان  فأيام العيد أيام فرح ، وأكل وشرب ، ولقاء بين الأقارب ، وأيام صلة الأرحام ، وأيام الاقتراب من الواحد الديان ، تعم فيها المسرات ، وتلبى فيها الحاجات .  

وليتذكر كل منا وهو يجتمع بأسرته يوم العيد أطفالاً يتامى، ونساءً أيامى، لا يجدون ابتسامة الأب، وحنان الأم ، ليتذكر جموعاً من إخوانه المسلمين في فلسطين ، حيث البطولة والشجاعة ضد أعداء الله ورسوله والمؤمنين ،وانتفاضتهم حول المسجد الأقصى الجريح، ويحتاجون إلى الدعم مادياً ومعنوياً، وليعلم كل مسلم أن العمل على تحرير المسجد الأقصى من براثن اليهود،  مسئولية المسلمين جميعاً ، في الوقت الذي نرى أعداء الله ، على اختلاف توجهاتهم ، مجمعون على حرب الإسلام والكيد لأهله، فكونوا على وعيٍ وحذرٍ وفطنة من الأخطار التي تهدد الأمة من أصحاب الشرك والوثنية ، ودعاة الصهيونية واليهودية ، وأنصار التثليث والنصرانية   وأهل الفساد والإباحية ، الذين يشنون الحرب على الإسلام، ولسان حالهم   يقول: "دمروا الإسلام، أبيدوا أهله، واقضوا على تعاليمه واطمسوا أنواره" .

وعلى المسلمين في هذا اليوم ، تجنب البدع القبيحة ، والعادات السيئة في الأعياد  كزيارة النساء للقبور ، إذ لم يثبت قط أن النبي صلى الله عليه وسلم  زار قبراً في العيد ، وما أحوج المسلمين اليوم  إلى الاعتصام بحبل الله ، والالتزام بسنة رسول الله ، في هذه الظروف ، التي يعاني فيها المسلمون ، أشدّ أنواع البطش والاضطهاد في أماكن مختلفة من العالم ، فأطعموا الطعام ، وصلوا الأرحام ، وأكرموا الأرامل والأيتام ، وتزاوروا وتصافحوا ، يَذهبُ الغل من قلوبكم ، واجعلوا من يوم عيدكم   سبباً للتصافي والتواصل ، واعطفوا على الفقراء والمساكين ، وتواصلوا وتواصوا بالحق والصبر .

وكل عام وأنتم بخير .

 

 

خطبة عيد الفطر

الله أكبر الله أكبر ، الله أكبر لا إله إلا لله

الله أكبر الله أكبر ولله الحمد . الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا  .

كان النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، يفرح في العيد في مكة، وفي المدينة، وفي الغزو، وفي كل الأحوال ولم يُنقل أن المسلمين ، حوَّلوا عيدًا من الأعياد إلى مأتم أو حزن، بسبب أي حال من الأحوال ، وإنما كانوا يفرحون بالعيد، وقد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يربِّي أصحابَه ، ويعلِّمهم على الفرح بالعيد والاستبشار به ، والقدرة على الجمع بين الفرح والسرور ، مع الجد في الحياة واحتمال المسؤوليات  على أنه أساس الأمر وجوهره ، أما هذه الأيام فقد  جاء التعبير في العيد ، عما تعانيه الأمة ، بالمجافاة وإنكار الاستبشار ، كما جاء في شعر المُتَنَبِّي  محاكياً شعراء الجاهلية من قبل ، بتحويل العيد إلى مناسبة لتذكُّر الآلام والأحزان، وقصيدته المشهورة التي مطلعها :

عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ  بِما مَضى أَمْ بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ وظل شعراء العصر من بعده ينسجون على منواله متناسين قوله سبحانه :﴿ وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ﴾ الشعراء 224 . فما كانت الفرحة بالعيد ، فرصة لتذكير الناس بالأخطاء والذنوب الموجودة عندهم، أو تكدير الفرحة باستدعاء ذكريات وآلام في العيد  لإبعاد الصفاء والرضا عن الناس ، وبدلاً عن أن يكون العيد فرصة لنتبادل مشاعر الفرح والسرور والمعاني الجميلة، أصبحنا نتحدَّث عن معاناة الأمة وآلامها ، بدلاً عن المعاني الجميلة التي يمكن أن نستذكرها، والعيد فرصة لاستذكار ما يدعو إلى التفاؤل ، من صنوف الخير والبر والجود والكرم والإحسان ، وهذا لا يعني التقصير في الإحساس بمعاناة الآخرين، ومجرد التذكير بالأحزان لا يغيِّر من الواقع شيئًا، لأن التعاطف والتفاعل بالقول أو بالفعل أو بالمشاركة العقلية أو الحضورية، هو ما نحتاج إليه ، مع الاعتدال في الفرح ، ولولا أن حقوق العبودية ، التي توجب على المسلم ، أن يفرح ويبتهج ، في الأيام التي شرع الله فيها ذلك، لما وجد الفرح إلى نفسه سبيلا، إذ كيف يركن إلى أجواء الفرح ، وهو يشاهد المشاهد المؤلمة والمفزعة ، والحزينة المفجعة ، التي تصك الآذان صباح مساء ، وكيف تتم الفرحة ؟ ومن أبناء الأمة من يذوقون من البؤس ألوانا  ويتجرَّعون من العلقم كيزاناً ، كيف ؟ وفي قلوبهم هلع، وفي أعينهم خوف وفزع ، وفي أجسادهم ألم ووجع ، دماؤهم شلالات  وجثثهم متناثرة في الطرقات ، بيوتهم مهدومة ونساؤهم مكلومة ، أنهكهم الجوع والعطش وقلة الدواء ، وضعف النصير في اليوم العسير  كيف تتم الفرحة ؟ وفي فلسطين شعبٌ يعاني من التهجير ، والنفي واغتصاب الأملاك والأعراض، ومن القتل والأسر ، وسائر صنوف الأذى ، من عدو لا عهد له ولا ميثاق ، كيف تتم ؟ والعدو يمارس أبشعَ صور الظلم والقهر والتخويف والإرهاب ، ويفرض ألوان الحصار  ويقتل الرجال والنساء والصغار ، ويهدف إلى إبادة المسلمين، بمذابح لم يشهد التاريخ لها مثيلاً. فماذا يعني العيد في ظل القتل والتشريد ؟ وما قيمة العيد والأقصى يدنس في كل حين ؟ والأمة مقيدة لم تستجب لداعي الجهاد والنفير ، فالعيد الحقيقي في انتصار المجاهدين في ميادين الجهاد ، وليس عيد المتآمرين على أمتهم ، وبلادهم وإنسانيتهم ، إنما عيد أولئك الذين تثقل كواهلهم همومُ الأمة ، وتملأ قلوبهم خشيةُ الله ، وتقود تصرفاتِهم أخلاقُ الرجولة المؤمنة ، في هذا اليوم ، يُطلبُ من المسلم   وهو يستعد لتأمين مستلزمات أهله ، أن يُضيفَ إلى ذلك استعداداً آخر أكرم عند الله  وهو التفريج عن كُرْبةِ من حوله ، وأن يذكُرَ وهو يقبل أولاده ، ويأنس بزوجته ، يتامى لا يجدون ابتسامه الأب ، وأيامى لا يجدن حنان الزوج ، وليتَذكَرْ المسلم ، أن العيد ليس لمن تمتع بالشهوات ولبس الجديد ، وقلبه مظلم معلق بالباطل والزور والبهتان والفجور ، وليس العيد لخائنٍ غشاش ،كذّاب مغتاب نمْام  يسعى بين الناس بالأذى والفساد ، وليس العيد لمتكاسل مرتاب ، لا يعمل لأمته ودينه  ولا لنفسه وبلاده ، ليس العيد لمن طغى وبغى  وأعرض وتكبر ، وآثر الحياة الدنيا ، ليس العيد لمن عق والديه ، وقطع أرحامه . فما شُرع العيدُ  إلا ليجدد فيه المسلمون ، عهد الصفاء والإخاء ، ولا يليق فيه الخصام والانقسام   والغل والبغضاء ، ولا الحقد والحسد والإيذاء . وليس العيد ، لمن  تزود بطيب الطعام والشراب وهو فاقد لزاد التقوى وهو خير زاد قال تعالى: ﴿وتزودوا فان خير الزاد التقوى ﴾ وليس العيد لمن تباهى باللباس الجديد ، وهو عارٍ من لباس التقوى قال تعالى : ﴿ ولباس التقوى ذلك خير ﴾ فليتصافح  المسلمون في هذا  اليوم ، وليُحيي بعضُهم بعضا ، وليتبادلوا التهاني ، في سرورٍ وانشراح ، في هذا اليوم ، يوم الخيرات ، وموسم الربح والعطيات ، كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد جعل الله علامة محبة العيد طاعة الله ، واتباع سنة رسول الله r قال تعالى : ﴿ قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفورٌ رحيم ﴾ آل عمران 31 . وعلى المسلمين في هذا اليوم ، تجنب البدع القبيحة ، والعادات السيئة في الأعياد  كزيارة النساء للقبور ، إذ لم يثبت قط أن النبي  r زار قبراً في العيد ، وما أحوج المسلمين اليوم  إلى الاعتصام بحبل الله ، والالتزام بسنة رسول الله   في هذه الظروف ، التي يعاني فيها المسلمون ، أشدّ أنواع البطش والاضطهاد في أماكن مختلفة من العالم ، فأطعموا الطعام  وصلوا الأرحام ، وأكرموا الأرامل والأيتام  وتزاوروا وتصافحوا ، يَذهبُ الغل من قلوبكم  واجعلوا من يوم عيدكم ، سبباً للتصافي والتواصل ، واعطفوا على الفقراء والمساكين  وتواصلوا وتواصوا بالحق والصبر .

وكل عام وأنتم بخير .

                     

   

 

 

 

 

خطبة الاستسقاء

الله أكبر الله أكبر الله أكبر

الحمد لله مقسم الأرزاق   ومقدر الآجال , الذي خلق فسوى , فقدر وهدى وأخرج المرعى , وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله ، قال تعالى : ﴿ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها﴾ من تأمل أحوال العالم , وجد كل صلاح في الأرض سببه توحيد الله وعبادته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم , وكل شر في العالم وفتنة وبلاء وقحط وتسليط عدو وغير ذلك ، سببه مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم والدعوة إلى غير الله . ومن تدبر هذا حق التدبر  وجد هذا الأمر كذلك في خاصة نفسه وفي غيره عموما وخصوصا ولا حول ولا قوة إلا بالله ، وإن الناظر في تاريخ الأمم ليجد أنه ما من أمة خالفت منهج الله الذي ارتضاه لعباده ، إلا أخذهم الله بشديد العقوبات ، جزاء وفاقا ولا يظلم ربك أحدا  وإن واقع المسلمين اليوم يئن ويتوجع من النكبات والبلايا التي تصيبه من هدم وتدمير وتسلط الأعداء عليهم والمجاعات والنقص في الأموال ، وما حصل هذا إلا بعدما تخلى المسلمون عن دينهم فارتضوا الذل والهوان لمخالفتهم أمر الله واستبدال الطاعة بالمعصية

يقول الله تعالى : ﴿ وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ﴾ فالسبب معروف، والعلاج لذي اللب مكشوف، فلن نخرج من هذه الأزمة التي نحن فيها إلا بالتوبة النصوح إلى الله ، عل الله أن يبدل حالنا، ويغفر زلاتنا، وينزل علينا من بركات السماء ويخرج لنا من خيرات الأرض ، وما ابتعد الناس عن التقوى والإيمان إلا بلوا بالمصائب والنكبات ومنع القطر من السماء : ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِـم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ﴾ الأعراف 6 ، وقال تعالى:﴿ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا﴾ الجن 16، وما دواء العصيان إلا التوبة وما دواء القحط إلا الاستغفار : ( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً ويُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكِمْ جِنّاتٍ وَيَجْعَلْ لًكُمْ أَنْهَاراَ ﴾ نوح ، قال أبو جعفر الباقر   : "كان في الأرض أمنان من عذاب الله، وقد رفع أحدهما وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما الأمان الباقي فالاستفغار ؛ فتمسكوا به لأن الله   يقول : ﴿ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ الأنفال33

نستغفر الله  نستغفر الله  نستغفر الله ، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً فأرسل السماء علينا مدراراً ، اللهم اسقنا الغيث  ولا تجعلنا من القانطين ،اللهم إن بالعباد والبلاد ، والبهائم  والخلق من الضنك ما لا نشكوه إلا إليك . اللهم أنبت لنا الزرع . وأدر لنا الضرع ، واسقنا من بركات السماء وأنبت لنا من بركات الارض ، اللهم ارفع عنا الجهد ، والجوع والعري  واكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه غيرك  اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا ، فأرسل السماء علينا مدرارا ، اللهم أغثنا  اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا .  

 

 

 

القضاء و القدر

القضاء والقدر أو الجبر والاختيار أو حرية الإرادة . وباعتبار القضاء والقدر اسماً واحدا لمسمىً واحد ، لم يوجد في أبحاث المسلمين إلا بعد وجود المتكلمين الذين كان لهم في ذلك رأيان : أحدهما حرية الاختيار والثاني الإجبار ، وكان النقاش في هذا المسمى ، إن مسمى القضاء والقدر معنى جاء في الفلسفة اليونانية ، وبرز أثناء الجدال الذي كان يحصل بين المسلمين والكفار ، الذين كانوا يتسلحون في الفلسفة اليونانية ، وهو معنى يتعلق بالعقيدة  وكان لا بد من إعطاء رأي الإسلام في هذا المعنى   فالمعتزلة أعطوا فيه رأيا وهو حرية الاختيار ، ورد عليهم الجبرية وأعطوا فيه رأيا آخر وهو الإجبار  ورد أهل السنة على الجميع وخرجوا برأي ثالث  تبنى على أساسه المسألة ، وهو موضوع الثواب على الفعل والعقاب عليه ، وهل العبد ملزم على القيام بالفعل خيرا أم شرّا أو مخَيَّرٌ فيه ؟ وهل له اختيار القيام بالفعل أو تركه أو ليس له الاختيار؟  إن الإنسان يعيش في دائرتين ، أحدهما يسيطر عليها ، وهي التي تقع في نطاق تصرفاته   وضمنها تحصل أفعاله التي يقوم بها بمحض اختياره  والأخرى تسيطر عليه ، وهي التي يقع هو في نطاقها  وتقع ضمن هذه الدائرة ، الأفعال التي لا دخل له بها ، سواء أوقعت منه أو عليه .

والإنسان في نطاق هذه الدائرة مسيَّر ، كالأعمال التي تقع على غير إرادةٍ منه ، فقد أتى على هذه الدنيا على غير إرادته ، وسيذهب عنها على غير إرادته ، ولا يمكن أن يخلق لنفسه لون عينيه ولا حجم جسمه ، وإنما الذي أوجد ذلك كله هو الله تعالى .

وهناك أفعال ليست في مقدور الإنسان ولا قِبَلَ له بدفعها ، ولا يقتضيها نظام الوجود ، وهي التي تحصل من الإنسان أو عليه جبراً عنه ، ولا يملك دفعها ، فلو حملت الريح ناراً من طبيعتها الحرق  ووضعتها على بيدر قش من طبيعته الاحتراق  كان حمل الريح قضاء ، والخصائص التي في النار  والقش قدرا ، فقد التقى القضاء والقدر فكان احتراق بيدر القش فقيل ( قضاء وقدر )

أما إذا باشر الإنسان هذا العمل باختياره ، كان هو فاعل الفعل ، لا القدر الموجود في الشيء   فإذا  قام بإحراق بيدر القش ، كان هو فاعل الإحراق ، لا النار التي تحرق بالخاصية المقدرة بها  وعليه يحاسب الإنسان على فعلة الإحراق ، لأنه هو الذي باشر بالقدر عملاً معيناً باختياره  

وعليه فإن القدر لا يفعل شيئا بدون فعل فاعل  وكذلك القضاء لا دخل له في أفعال الإنسان التي يقوم بها باختيارٍ منه ، وكما لو سقطت طائرة أو تدهورت سيارة فقتل الركاب ، هذه الحوادث تسمى قضاء وقدرا ، لأن الله هو الذي قضى الفعل ، وليس للعبد اختيار ، لذا لا يحاسبه الله على ذلك ، مهما كان حجم الضرر أو النفع   ولا يثاب ولا يعاقب ، وعلى الإنسان أن يؤمن بذلك وأنه من الله .

أما الأفعال التي تقع في الدائرة التي يسيطر عليها الإنسان   فإن الأعمال التي تصدر منه أو عليه ضمن هذه الدائرة باختياره وإرادته ، فهو يأكل ويشرب ويسافر متى يشاء   هذه الأفعال وما شابهها يثاب عليها إن كانت مما يستحق الثواب  ويعاقب إن كانت مما يستحق العقاب ، وهذه الأفعال لا دخل لها بالقضاء ، ولا دخل للقضاء بها .

أما القدر : وهو إيجاد الأشياء طبقاً لعلمه الأزلي  فإنه لا يحتج علينا بهذا العلم ، لأن علم الله علم انكشاف ووضوح   وليس علماً ملزما ، لأن الإنسان لا يعلم ما في علم الله   لأن علم الله صفة قائمة بذاته ، فكما أن ذاته لا يمكن إدراكها  فصفة علم الله لا يمكن إدراكها ، وهذا يتضح من قوله تعالى : { إن تنصروا الله ينصركم } . جعل نصر الله   متوقفا على نصر الإنسان لنفسه مع الله أي ينصر الله   بطاعته سبحانه واتباع ما أمر به .

إن الله قادر على أن يجعل الإنسان في المعصية  لكنه لا يفعل بدليل قوله تعالى :{وأما ثمود فهديناهم } أي أرشدناهم إلى طريق الخير   فماذا فعلوا ؟ { فاستحبوا العمى على الهدى } أي اختاروا هم العمى على هدى الله إلى طريق الخبر .

وقال عليه السلام ( اعملوا فكلٌ مُيّسرٌ لما خلق له ، فمن كان من أهل السعادة فسيصير إلى عمل السعادة ، ومن كان من أهل الشقاوة فسيصير إلى عمل الشقاوة ، ثم  تلا قوله تعالى : { فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى ، وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى) الليل 10 .   فمن كان عنده استعداد للخير وجهه الله إلى طريق الخير ، ومن أعرض فالله غني عن العالمين  وقال تعالى:{ولو شئنا لرفعنا بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه}الأعراف 176 . فإذا ما قلت لإنسان صَلِ أجاب إذا كان يريد الله لي أن أصَلِّ صلَّيت ، نقول لهذا وأمثاله بأن فعل الصلاة مرهون بهداهم أو ضلالهم قال تعالى :{إن شر الدواب عند الله الصمُّ البكم الذين لا يعقلون ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضين}الأنفال 22 .

إن كل خطأ يقع فيه الناس يلقون فيه اللوم على القضاء والقدر ، والمفروض أن يعودوا باللوم على أنفسهم ، لأنهم رفضوا أن يأخذوا بالنتائج ، فالله خلق العقل وأنزل القرآن   وبين الأوامر والنواهي ليعمل الناس على ضوئها ، رجلاك التي جئت بها إلى المسجد بها أيضاً يمكن أن تذهب إلى  الخمّارة لو سرت  يميناً لسارت ولو سرت شمالاً لسارت وأنت لست مجبوراً على السير إلى جهة معينه   إنما تسير بعقلك وبإرادتك وجوارحك وبما بينه الله في القرآن قال تعالى:﴿ فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفيرٌ وشهيق  وقال:﴿ وأما الذين سعدوا ففي الجنة ﴾ هود 106-107   أرجع السعادة والشقاء للناس . فمن احتج بالقضاء والقدر أو احتج بالقدر على فعل المعصية فقد أعظم على الله الفرية  

وفي ذلك دلالة على أن الإنسان هو الذي يفعل ذلك . والله لا يتدخل لأمر يريده ، وهذا واضح في قوله تعالى: ﴿ لو شاء لهدى الناس جميعا ﴾ ولو شاء لفعل كذا وكذا ، ولكنه ترك الإنسان يفعل الخير أو الشر باختياره .

وقد يسأل سائل : أين نحن من قوله تعالى : ﴿ يهدي الله لنوره من يشاء ﴾ قد يكون المعنى أن الله يهدي من يشاء  يختاره الله فيهديه ، كما اختار الرسل والأنبياء ، لكن هناك معنى آخر نأخذه من المعنى اللغوي ، إن الضمير في يشاء يعود إلى أقرب عائد لأنه صلة الموصول ، فهو يعود إلى من   أي يختار الله لنوره من يشاء الهداية لنفسه ، فإذا شاء الهداية هداه الله ، وإذا شاء المعصية ، انغمس فيها قال تعالى :

﴿ كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ﴾ المطففين 14  

أما الكتابة واللوح المحفوظ الذي ذُكر في كثير من الآيات  فهي تعبير عن علم الله الأزلي كما في قوله تعالى : { في لوح محفوظ } أي في علم الله تعالى ، وقوله : { وعندنا كتاب حفيظ } أي اللوح المحفوظ ، وفيه جميع الأشياء المقدرة    وقوله تعالى : { وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين }هود 6 . أي في علم الله تعالى .    

فإذا ما أمعنت النظر في الآيات القرآنية التي جاءت في القدر   سواء ورد فيها لفظ القدر صريحاً أو بلفظ الكتابة ، فإنها تؤدي معنى واحد  وهو أنه لا يقع في هذا الوجود شيء لا في الأرض ولا في السماء إلا وقد سبق أن قدره الله وسجله عنده ، وأن ما قدره وسجله ، لا بد أن يقع ولا مفرّ من وقوعه . وإذا كان القدر كناية عن علم الله والكتابة عن علم الله ، فإنه لا مجال للقول بأن الإنسان مجبر على القيام بأعماله ، لأن علم الله لا يجبر العبد على القيام بالعمل  لأن الله علم أنه سيقوم بالعمل مختاراً ، ولم يكن قيامه بالعمل بناء على العلم ، بل كان العلم الأزلي أنه سيقوم بالعمل  وما كان قيامه بالعمل ، مبنياً على الكتابة في اللوح المحفوظ   وعلى القدر الذي قدر عليه ، بل كان صادراً من العبد بإرادته هو  واختياره هو ولا دخل للقدر بذلك ، بدليل محاسبة الله للعباد على أعمالهم وأنها مقدرة عليهم  إلا أن الله رفع عنهم ما استكرهوا عليه أي ما اجبروا على القيام به  لقول رسول الله ( ص ) : ( رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) .

وقد يقول قائل : إن الإنسان يفعل الفعل بإرادة الله ، فما معنى هذه الإرادة ؟

إرادة الله أنه يترك العبد يفعل الفعل مختاراً  فإرادة الله ليس فيها معنى الإلزام للعبد ، فإما أن يختار الخير أو يختار الشرّ   فالله هو الآمر الناهي ويستطيع أن يمنع أحداً من القيام أو الجلوس  ولكنه بإرادته ترك من شاء قام ومن شاء جلس  فمن قام بإرادته ومن جلس بإرادته . بهذا نفهم أن إرادة الله تترك الإنسان يفعل الفعل مختاراً فإما أن يختار الخير أو الشرّ   ومن هنا يأتي العدل الإلهي في إثابة المطيع وفي معاقبة العاصي على فعل الشرّ . 

 لذا قال الحسن بن علي عندما سأله الحسن البصري عن القضاء والقدر قال : من حمَّل ذنبه على ربه فقد فجر ، إن الله لا يُطاع استكراها   ولا يُعصى بغلبة ، فإن عمل الناس بالطاعة ،لم يحل بينهم وبين ما عملوا ، وإن عملوا بالمعصية   فليس هو الذي أجبرهم ، ولو أجبرهم على الطاعة لأسقط الثواب ، ولو أجبرهم على المعصية لأسقط العقاب ، ولو أهملهم لكان عجزاً في القدرة ، فإن عملوا بالطاعة فله المنة  وإن عملوا بالمعصية ، فله الحجة عليهم .

إن الإيمان بالقضاء والقدر عقيدةٌ من العقائد الإسلامية   التي أُسست على الإيمان بالله ، وبنيت على المعرفة الصحيحة لذاته وصفاته ، فقد جاء فيما يجب الإيمان به  أن الله تعالى مُتصفٌ بالعلم والإرادة والقدرة ، وأنه فعالٌ لما يُريد ، وعلى هذا الأساس قامت عقيدة الإيمان بالقضاء والقدر   وكان لها الأثر البالغ في حياة المسلمين ، الذين لم يعرفوا الكسل ولا التواكل ، وآمنوا أن الإنسان حينما يسير أو يعمل فهو في قضاء الله وتحت قبضة يده ، وأنه المحاسب له على عمل الخير  فيبتغي رضوان الله في كل أعماله فيكون مؤثراً فاعلاً في هذه الحياة .

 إن الأمة التي تفهم معنى القضاء والقدر وفعل الإنسان ، أمةٌ تأتي بالعجائب ، فتنفض عنها غبار الكسل والذل والخمول   فتجاهد وتحرر أرضها ونفسها من الفساد والضلال  مستهديةً بما أمر الله  وتاركةً ما نهى عنه ومعتمدةً عليه  ومؤمنةً بأن النصر والقوة منه ، وأن عليها العمل والجد   وأن الأسباب مرتبطة بالمسببات ، فلا نصر من غير إعداد وتضحيةٍ وجهاد ، ولا رفعة من غير عمل وبناء وجد ، ولا نهضةً من غير إيمان بالله وفكرٍ مستنير .

 

 

الهدى والضلال

يخلط بعض الناس بين مشيئة الله ومشيئة العبد في الهدى والضلال، ولتوضيح المسألة نتحدث عن نقطتين؛ أولاهما في حرية العبد في اختياره، وثانيتهما في التوفيق بين مشيئة الله ومشيئة عبده.

 أولاً: حرية العبد في اختياره للهدى والضلال:

قضية مشيئة العبد وإرادته من أولى القضايا التي شغلت الفكر الإسلامي في مراحله الأولى، فظهر في البيئة الإسلامية تياران متعارضان، «تيار الجبرية» يقول بالجبر وسلب العبد مشيئته وإرادته، وأنه كالريشة في مهب الريح، والذي أخذ هذه المقولة من يهود الشام.. و«تيار القدرية» الذي يقول بنفي مشيئة الله ونفي القدر، واشتهر عنهم قولهم: لا قدر والأمر أنف، وأنعم الله على الأمة بأن هيأ لها بعض الولاة والأمراء في عهد الدولة الأموية من أمر بقتل حاملي لواء هذين التيارين درءاً للفتنة.

وإذا تلاعب الشيطان بفكر البعض في واقعنا المعاصر وأوهمه أن العبد ليس له حرية في الاختيار، أو أنه مجبور على الأفعال.

وللرد على هؤلاء نقول: إن الله تعالى جعل الجنة للمهتدين والنار للضالين؛ مما يدل بوضوح على أن الإنسان هو المسؤول عن الضلالة والهدى، واستثنت الشريعة بعض الحالات من المسؤولية كالصبي والمجنون والمكره وعدم وصول الدعوة؛ { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً } 15الإسراء ، ولو أجبر الله الإنسان على الهداية أو الضلال لما كان للثواب والعقاب من معنى.من هنا ينبغي أن نقرر أن حرية الإنسان في مشيئته؛ لما أمده الله به من إرادة وحرية، وقدرة على الفعل، وما خلقه له من القوى والملكات، وجعل الله ذلك مناط تكليفه واختياره .

وبين القرآن للإنسان طريق الهدى ورغب فيه، وطريق الضلال ورهب منه؛ { أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ  وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ } 10 البلد.

فقد أثبت القرآن للعبد المشيئة والاختيار؛ { إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً } الإنسان.

فتثبت هذه الآية وغيرها حرية الإنسان واختياره، ومشيئته للهدى والضلال، وأنه بهذه المشيئة والاختيار يستطيع أن يشكر ويستطيع أن يكفر، وقد نطق القرآن الكريم بإسناد الفعل إلى العبد في كثير من آياته، مثل قوله تعالى: { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ } 46 فصلت .

فالهدى يتم باختيار الإنسان، والله سبحانه وتعالى خلق له أسبابه، وذلك يتم بتوفيقه للهدى إن هو اختار هذه الأسباب، قال تعالى: { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ } 36 النحل:36 . قال صاحب الظلال: ففريق استجاب؛ {فَمِنْهُم منْ هَدَى اللَّهُ } وفريق شرد في طريق الضلال؛ { وَمِنْهُم منْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ } وهذا الفريق وذاك كلاهما لم يخرج على مشيئة الله، وكلاهما لم يقسره الله قسراً على هدى أو ضلال، إنما سلك طريقه الذي شاءت إرادة الله أن تجعل إرادته حرة في سلوكه، بعد ما زودته بمعالم الطريق في نفسه وفي الآفاق.

كذلك ينفي القرآن الكريم بهذا النص وهْم الإجبار الذي لوح به المشركون، والذي يستند إليه كثير من العصاة والمنحرفين.

والعقيدة الإسلامية واضحة في هذا الجانب، فالله يأمر عباده بالخير وينهاهم عن الشر، ويعاقب المذنبين أحياناً في الدنيا عقوبات ظاهرة يتضح فيها غضبه عليهم، فلا مجال بعد هذا لأن يقال: إن إرادة الله تتدخل لترغمهم على الانحراف ثم يعاقبهم عليه الله! إنما هم متروكون لاختيار طريقهم، وهذه هي إرادة الله، وكل ما يصدر عنهم من خير أو شر، من هدى ومن ضلال، يتم وفق مشيئة الله على هذا المعنى الذي فصلناه . ونخلص من هذا كله إلى أن الإنسان كائن حر مختار في هداه وضلاله، قادر على الفعل، وأنه محاسب ومجازى على اختياره وفعله، والله تعالى لا يجبر أحداً على الهداية أو على الضلال، بل يوجه الرسالة للجميع، فمن استجاب زاده نوراً على نور، ومن رفض عاقبه عقاباً شديداً.

فإرسال الرسل من الله، وبيان الشريعة على الله، ومد يد العون والمساعدة من الله دون إكراه أو جبر، أما الاستجابة من عدمها فمن الإنسان بمحض اختياره.

ثانياً: التوفيق بين مشيئة الله ومشيئة العبد للهدى أو الضلال: مادام الإنسان كائناً حراً مختاراً في هداه وضلاله، قادراً على الفعل، محاسباً ومجازى على اختياره وفعله، ومادام الله تعالى لا يجبر أحداً على الهداية أو الضلال، فكيف نجمع بين ذلك، وبين ما يقرره صريح القرآن من إرجاع كل شيء في الوجود إلى الله عز وجل، ومنه الهدى والضلال؟ أو بعبارة أخرى: كيف نوفق بين مشيئة الله ومشيئة العبد للهدى أو الضلال؟ نقول: إن الله عز وجل أسند الهدى والإضلال إلى مشيئته سبحانه في كثير من الآيات، منها قوله تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } 4إبراهيم  .

والواقع أن هذه وأمثالها نصوص عامة لا بد وأن تحمل على النصوص المقيدة، فليست مشيئة الله للهداية والإضلال بأحوال خاصة وأسباب معينة، وهذه الآيات المقيدة تبين لنا من يشاء الله تعالى هدايته ومن يشاء إضلاله، وهذا إجمال يحتاج إلى تفصيل ، لقد ربط الله عز وجل في كثير من الآيات بين مشيئة العبد للهدى والضلال، ومشيئته سبحانه وتعالى لهما. والله سبحانه لا يشاء إلا العدل، والرحمة، فهداية الله سبحانه لعباده أو إضلالهم إنما تقوم على أساس ترتب المسببات على أسبابها، والنتائج على مقدماتها، كما دل على ذلك كثير من الآيات، ومنها قوله تعالى: { يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ } 27إبراهيم ، يبين سبحانه وتعالى في هذه الآية أن سبب إضلاله لبعض عباده هو ظلمهم. وفي ذلك يقول ابن القيم: «تكرر في القرآن جعل الأعمال القائمة بالقلب والجوارح سبب الهداية والإضلال، فيقوم بالقلب والجوارح أعمال تقتضي الهدى، اقتضاء السبب لمسببه والأثر لأثره، وكذلك الضلال، فأعمال البر تثمر الهدى، وكلما ازداد منها هدى، وأعمال الفجور بالضد، أن الله سبحانه يحب أعمال البر فيجازي عليها بالهدى والفلاح، ويبغض أعمال الفجور ويجازي عليها بالضلال والشقاء»  وقد يقال: إذا كان الله منح عبده الحرية والاختيار فما معنى قوله تعالى: { وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } 29 التكوير ، لكنا نقول: إن معناها أن الإنسان لا يشاء شيئاً إلا إذا كان في حدود مشيئة الله وإرادته، فمشيئة البشر ليست مشيئة خارجة عن حدود مشيئة الله، والله قد شاء للإنسان أن يختار أحد الطريقين: طريق الهداية، أو طريق الضلالة، فإذا اختار الطريق الأول، ففي نطاق المشيئة الإلهية، وإذا اختار الطريق الثاني ففي نطاقها أيضاً، وكل الآيات التي جاءت على هذا النحو فمعناها لا يتعدى ما ذكرناه. وقد يقال أيضاً: لقد جاء في القرآن الكريم: { وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلكِن يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } 93 النحل .

 وفي النهاية : إن الله يضل من يشاء إضلاله، ويهدي من يشاء هدايته، وإذا كان الله يضل ويهدي فليس للعبد حرية الاختيار، والواقع أن الهداية والإضلال نتائج لمقدمات، ومسببات للأسباب، فكما أن الطعام يغذي، والماء يروي، والسكين تقطع، والنار تحرق، فكذلك هناك أسباب توصل إلى الهداية، وأسباب توصل إلى الضلال، فالهداية إنما هي ثمار عمل صالح، والضلال إنما هو نتائج عمل قبيح. فإسناد الهداية والإضلال إلى الله من حيث إنه وضع نظام الأسباب والمسببات، لا أنه أجبر الإنسان على الضلال والهداية. وحينما نرجع إلى الآيات القرآنية نجد المعنى بيناً وواضحاً، لا لبس فيه ولا غموض فالله يقول: { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } 69 العنكبوت ، وقال : { وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ } 17محمد . فهداية الله للناس بمعنى لطفه بهم، وتوفيقهم للعمل الصالح، إنما هي ثمرة جهاد للنفس وإنابة إلى الله، واستمساك بإرشاده ووحيه ، وهذا يعني أن الهداية والإضلال والتي هي فعل الله عز وجل، تقع جزاء لفعل العبد من اختياره وسلوكه طريق الهدى، أو اختياره وسلوكه طريق الضلال. إذن فلا تناقض بين مشيئة العبد واختياره وبين مشيئة الله وتقديره، لأن الهداية والإضلال اللتين هما فعل الله عز وجل تقع جزاء لفعل العبد من اختياره وسلوكه طريق الهدى، أو اختياره طريق الضلال.. فاللهم خذ بأيدينا إلى طريق هداك وجنبنا طريق الضلال.

إذا كتب علينا فلم يحاسبنا ؟

قيل للإمام جعفر الصادق :" إذا كان الله كتب علينا فلم يحاسبنا ؟ فقال : أراد الله بنا أشياء وأراد منا أشياء ، أخفى ما أراد بنا وتركنا ما اراد منا ، فاحتججنا بما أراد بنا وتركنا ما اراد منا " فما أراده بنا طواه عنا  وما اراده منا أظهره لنا ، فالعبد مسير في كل أمر لا يحاسب عليه ، ومخيّر في كل أمر يحاسب عليه ، ولا يظلم ربك أحدا ، فلا تلومن ربك ولا أقدار الله ، إذ لا يستطيع أحد أن يقيم الحجة على الله ﴿ قل فلله الحجة البالغة ﴾ ومن يقول : إن كان الله قدّر علي أعمالي فلمَ يحاسبني عليها ؟ نجيبه بأن أعمال البشر موجودة عند الله بعلمه النهائي   ولكنها ليست مكتوبة عليهم جبرا ً، كثير من الناس يقع في هذه الورطة، قدري الطاعات  جبري المعاصي، يحتج بالقدر على العصيان  يقول : ما حيلتي في دفع ما قدّر الله عليّ  يحتج على معاصيه بالقدر ، "جاءوا إلى عمر بن الخطاب بشارب خمر ، فقال : أقيموا عليه الحد ، قال : والله يا امير المؤمنين ! إن الله قدّر عليّ ذلك فقال : أقيموا عليه الحد مرتين  مرّة لأنه شرب الخمر ، ومرّة لأنه افترى على الله ، وقال : ويحك يا هذا ، إن قضاء الله   لن يخرجك من الاختيار إلى الاضطرار "   

فالكتابة سبقها عِلم الله ، بما كان وبما سوف يكون ، وهذا يَعني أن الله قَدَّر وكَتَب على الْخَلْق ، ما علِم سبحانه وتعالى ، أنهم سوف يَعملونه ، وقد سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن العَمَل ، وهل هو فيما كُتِب ومَضى أو فيما يُستقْبَل ؟ فأخْبَر أن العمل فيما كُتِب  قيل : يا رسول الله ، أرأيت ما يعمل الناس اليوم ، ويَكدحون فيه ، أشيء قُضي عليهم ومضى فيهم من قَدَر قد سَبق ، أو فيما يَستقبِلون به مما أتاهم به نبيهم ، وثبتت الحجة عليهم ؟ فقال : لا ، بل شيء قُضي عليهم  ومضى فيهم ، وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل: ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾ رواه مسلم، ولما سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ) فيمَ يعمل العاملون ؟ قال : كُلٌّ مُيَسَّر لما خُلِق له) رواه البخاري ومسلم ، فلا تتهم الله في شيء قضاه الله لك ،  ، لذلك قال سيدنا عليُّ :" الرضا بمكروه القضاء ، أرفع درجات اليقين" فالاحتجاج بالقدر يكون على المصائب لا على المعايب ، بل الإنسان مأمور به ، قال صلى الله عليه وسلم : ( استعن بالله ولا تعجز   ولا تقل لو فعلت كذا لكان كذا وكذا ، فإن لو تفتح عمل الشيطان ، ولكن قل قدّر الله وما شاء الله فعل ) فالقدر لغز كبير حار في فكه أذكياء العالم ، وما وصلوا بعد الإبحار فيه إلا إلى الحيرة ، وكثيرٌ منهم تزندق ، وكثير خرج من الملة ، لأن القدر سرٌّ من اسرار الله متعلّق بعلمه وحكمته ، فما علينا إلا أن نسلِّم لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا ذكر القضاء فامسكوا ) وقال الشافعي : " ومن الدليل على القضاء وحكمته ، بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق " فمن يقول : سأدخل الجنة بغير عمل ، غير معقول ، لأن الله ربط الأقدار بالأسباب ، ولا يمكن أن نفصل السبب عن القدر ، قال الجيلاني رحمه الله : " ادفع أقدار الحق بالحق للحق " مثلاً كمن يموت من الجوع ، فهل هذا مقدّر ام لا ؟ وكيف يدفع هذا القدر ، يدفعه بالأكل فإذا أكل دفع الجوع ، فقد قدِّر له أن يأكل فيدفع الجوع ، فيكون قد دفع أقدار الحق بالحق للحق ، ولو لم يأكل يدخل النار ويقال له : لم تدفع قدر الجوع بقدر الشبع       

وعندما نتكلم بالقدر ، نحاول أن نتلمس الخطوط العريضة ، ونُرْجِع ما لا نفهمه إلى حكمة الله عز وجل ، روي أن نبياً من الأنبياء ، كان يجلس بجانب بئر ماء ، جاء فارس ، شرب من البئر ، فوقعت منه صرة فلوس جنب البئر ، فجاء راعي غنم ، وجد الصرة فقال : يا بشراي ، أخذ الصرة وانصرف ، وجاء رجل عجوز شرب من البئر وجلس ليستريح ، ولما افتقد الفارس المحفظة  رجع إلى البئر ، فوجد الشيخ عند البئر فقال له : أين المحفظة ، فقال له أية محفظة ، فقال له أتنكر ذلك ، أعطني المحفظة ، فقال له : ليست معي ، ولما أصر على الرفض ، قطع راسه بالسيف ، حصل ذلك والنبي يراقب أن  من أخذ المحفظة الراعي ، وهذا ما أخذها وقطع راسه ظلما ، هذا النبي مع ما معه من العلم ، توجه إلى الله ليحل هذا الإشكال   فك له هذا الإشكال ، في مسألة لا يعرفها  فما هو الذي لا يعرفه ؟ فقال له : ابو الراعي كان معه مال ، وكان ابو الفارس مفتريا  فأخذ منه الفلوس ، فرددت المال إلى صاحبه أما الرجل الذي قُطع رأسه ، فقتل ابا الفارس فاقتصصت " فكل مسالة هكذا لا تصل لها إلا بكتاب منير ، والكتاب المنير فيما يتعلق بالقضاء والقدر لا يعرفه أحد .    

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مفهوم القضاء والقدر

 وهو أفعال العباد التي تقع في الدائرة التي تسيطر عليه ، والخاصيّات التي يحدثها في الأشياء . أما الإيمان بالقضاء والقدر خيرهما وشرهما من الله ، فهو الإيمان بأن أفعال الإنسان التي تحصل جبراً عنه ولا قبل له بدفعها  والخاصيّات التي تحدث في الأشياء ، هي من الله  وليست من العبد   ولا دخل له فيها ، فلو حملت الريح ناراً من طبيعتها الحرق ، ووضعتها على بيدر قش من طبيعته الاحتراق ، كان حمل الريح قضاء ، والخصائص التي في النار  والقش قدرا ، فقد التقى القضاء والقدر فكان احتراق بيدر القش ، فقيل قضاء وقدر ، أما إذا باشر الإنسان هذا العمل باختياره ، كان هو فاعل الفعل لا القدر الموجود في الشيء ، وبذلك تخرج الأفعال الاختيارية عن بحث القضاء والقدر  لأن هذه الأفعال ، حصلت من الإنسان أو عليه باختياره . ولا يجوز أن يحتج المسلم بإرادة الله وقدره ، على الذنوب والمعاصي   التي يأتيها العبد مريداً لها  وهو يعلم أن الله قد حرَّمها على عبادة  وكرهها لهم ومنهم ، وأنزل بذلك كتبه وبعث رسله  بخلاف المصائب التي تصيب الإنسان ، ولم يكن قد تسبب فيها بترك طاعة أو مخالفه سنه  لأنه لم يكن بإرادة منه واختيار  وإنما هو مجبور على ذلك  فالعقول وما فيها من ذكاء أو غباء ، والأجسام وما تكون عليه من طول أو قصر   والزمان الذي يولد فيه الإنسان ، والبيئة التي ينشأ في ظلها والحياة والموت والصحة  والمرض ذلك لا يد للإنسان فيه ، وهو ليس محل مؤاخذه  ولا موضع حساب . وقد تعهد الله بإعطاء الأجر للمؤمن الذي تحلُّ به المصيبة ولم يكن قد تسبب بها   فقال r في ما روى البخاري : ( ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا همٍّ ولا حزنٍ  ولا أذى ولا غمٍّ ، حتى الشوكة يشاكها ، إلا كفَّر الله بها من خطاياه ) .

أما الجانب الآخر من الأعمال التي يقوم العبد نفسه بفعله ، مختاراً غير مجبر فالإنسان يُسأل عن هذا الفعل ، لأنه يقع في الدائرة التي يسيطر عليها الإنسان .

سأل الحسن البصري ، الحسن بن علي مستفهماً عن القضاء والقدر فأجاب :

" من حمل ذنبه على ربه فقد فجر ، إن الله لا يطاع استكراها ولا يُعصى بغلبة  فإن عمل الناس بالطاعة ، لم يحل بينهم وبين ما عملوا ، وإن عملوا بالمعصية   فليس هو الذي أجبرهم ، ولو أجبرهم على الطاعة لأسقط الثواب ، ولو أجبرهم على المعصية لأسقط العقاب  ولو أهملهم لكان عجزاً في القدرة ، فإن عملوا بالطاعة فله المنة ، وإن عملوا بالمعصية فله الحجة عليهم "

 

 

 

 

 

المشـيئة

لم يوجد موجود إلا بمشيئة الله وقد أثبت الله مشيئته في فعل العباد قـال تعـالى  :

  ]ولو شاء الله ما فعلوه[الأنعام 137.   ومشيئته في فعله فقال تعالى:) ولو شئنا لأتينا كل نفس هداها ( السجدة 13. فلا يقع شيء في السماوات ولا في الأرض إلا بمشيئته . أما مشيئته في الهدى والضلال  فلا بد أن نعرف أن هناك آيات مطلقة وآيات مقيدة فالمطلقةكقولـه تعالى : ) يضل من يشاء ويهدي من يشاء ( النحل 93 .

أما المقيدة كقوله تعالى : ) والله لا يهدي القوم الكافرين ( البقرة 64 . هنا يحمل المطلق على المقيد فنقول هل يعين الكافرين به على التقوى ؟ لا يعينهم .  ولذلك حدد من يشاء هدايته وهو من لا يكفر به ولا يظلم ولا يفسق ولا يعصيه قال تعالى : ) والله لا يهـدي القـوم الفـاسقين ( التوبة 80 .) والله لا يهـدي القـوم الظالمـين ( آل عمران 86 .) إن الله لا يهدي من هو كاذبٌ كفار ( الزمر 3 .  في هذه الآيات حدد الله من يشاء هدايته  وعليه نفهم أن هداية الله تكون بتذليل العقبات والعمل على طريق الخير . فمن استمع له وآمن به وأقبل عليه وعلى منهجه تكون المعونة له من الله ، أم من لا يؤمن ولا يستمع ولا يُقْبل على منهجه فكيف يُعينه ؟ لا يمكن ذلك . فإذا رأيت في القرآن آيات مطلقة وأخرى مقيدة فاحمل المطلق على المقيد إنه يهدي من يشاء ، فمن هم الذين يشاؤهم ؟ إنهم المؤمنون المقبلون عليه المصدقون بمنهجه  أما الذي يكفر فلا يعينه الله على الهداية بدليل أن الله أعطاه حرّية الاختيار ومن نقطة الاختيار هذه قال تعال : ) وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ( الكهف 29. بين لنا طريق الهدى وطريق المعصية ، ثم ترك لنا أن نختار طاعة الله ورحمته أو معصيته وعذابه والمكره على شيءٍ لا يُعاقب عليه . وإن قيل : إذا كان الله كتب على الإنسان المعصية فلماذا يعذّبه ؟ فمن يقول ذلك لماذا لا يقول : إذا كان الله قد كتب الطاعة فلماذا يُثيب عليها ؟ إن من يقول ذلك ولا يقول هذا يريد أن يوجد لنفسه منفذاً ليخلص من ذل ذلك  المغرم .

 

 

 

الإيمان بالله

 إن الأيمان بالله ، من عناصر العقيدة الإسلامية الأساسية ، ندعوه بأسمائه   ونصفه بصفاته ، غير مشبهين صفاته بصفات المخلوقين ، ولا مؤولين لها ولا معطلين ، مع الاعتقاد الراسخ   بأن الله ليس كمثله شئ ، وبالعجز الكامل عن إدراك كنه ذاته تعالى  أو كنه صفاته الذاتية على حد سواء كما نؤمن بوحدانيته ، ونفي الشريك في ربوبيته وعبوديته . وعدم الكلام عن ذات الله تعالى والتفكير فيها ومحاولة إدراك كنهيها   ومعرفة حقيقتها ، لما ثبت شرعاً النهي عن ذلك ، لاستحالة ذات الله عقلاً  ولأنه لا تدركه الأبصار ، فكان لا بد لكل إنسان حتى يدركه ، أن يُقِرَّ من داخل عقله وقلبه ، بأن لهذا النظام منظماً   وأن للسماء والأرض خالقاً ، وأن الأثر يدل على المسير . وقد سئل رسول الله (ص) كيف رأيت ربك ؟ فأجاب قائلاً (نورٌ أنى أراه)  .  

وقد وضع السلف الصالح معياراً دقيقاً لذلك فقالوا :" كل ما خطر ببالك فإنه هالك ، والله بخلاف ذلك "  

وسئل أبو بكر الصديق بما عرفت ربك ؟ فقال : "عرفت ربي بربي  ولولا ربي ما عرفت ربي  فقيل له : فكيف عرفت ربك ؟ قال : العجز عن إدراك الإدراك إدراك ، والبحث عن ذات الله إشراك" .

وإذا ما سألك سائل أين الله ؟ فقل له أين أنت ؟ حتى تعلم أين الله  فالله ليس بجسمٍ ولا صوره ولا معدودٍ ولا محدود ، ولا متبعضٍ ولا متجزئ ولا متلونٍ ولا متكيف ، لا يسأل عنه بمتى كان ؟ لأنه خالق الزمان  ولا يسأل عنه بأين هو ؟ لأنه خالق المكان فكل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك ، هو الأول لا شئ قبله   الآخر لاشيء بعده ، الظاهر لا شئ فوقه  الباطن لا شئ تحته ، كلُّ شئٍ قائم به  وكل شئ خاشع له ، عزُّ كل ذليل  وغني كل فقير ، وقوة كل ضعيف ، من تكلم سمع قوله  ومن سكت علم سرّه  ومن عاش فعليه رزقه ، ومن مات فإليه منقلبه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير . وقيل للإمام علي هل رأيت ربك ؟ قال: "وكيف أعبد مالا أرى ؟ فقيل له كيف رأيته ؟ قال : إذا كانت العيون لا تراه بمشاهدة العيان ، فإن القلوب تراه بحقيقة الإيمان ، سبحانك ربي يا من تنـزه عن الشريك ذاته ، بالبر معروف   وبالإحسان موصوف ، علم ما كان  وعلم ما يكون ، وعلم ما لا يكون  لو كان كيف كان يكون "  

  سأل بعض الماديين الإمام أبو حنيفة   "هل أبصرت ربك ؟ قال : سبحان ربي لا تدركه الأبصار ، قال هل أحسسته بأحد حواسك ؟ قال أبو حنيفة سبحان ربي ليس كمثله شئ  فقال السائل : إن لم تكن أحسسته ولا أبصرته فمن أين تثبت أنه موجود ، قال الإمام : يا هذا هل أبصرت عقلك ؟ قال : لا قال: هل سمعت عقلك ؟ قال : لا قال هل أحسسته ببعض حواسك ؟ قال : لا فقال له الإمام : أأنت عاقل أم مجنون ؟ قال : أنا عاقل فقال له الإمام : فأين عقلك ؟ قال : موجود ، فقال له الإمام :كذلك الله جل جلاله موجود " .

 ما اجمل وأروع وأسلم هذه العقول التي عرفت فأصدرت حكمها صدقاً وعدلاً .

 

 

 

 

الهداية طلب كل مؤمن

يطلب المؤمن الهداية من الله طمعاً في الجنة والنجاة من النار وهي نوعان : هداية دلالة : وهي للناس جميعاً ، هداية معونة : وهي للمؤمنين المتبعين لمنهج الله    لقد هدى الله كل العباد هداية دلالة ، أي دلهم على طريق الخير وبينه لهم  فمن أراد أن يتبع طريق الخير اتبعه   ومن أراد أن لا يتبعه تركه ، والهداية العامة هذه هي أساس البلاغ عن الله ، لأن الله بيّن لنا في منهجه بافعل ولا تفعل ما يرضيه وما يغضبه   ثم أوضح لنا الطريق الذي نتبعه لنهتدي   والطريق الذي لو سلكناه حق علينا غضب الله وسخطه . وهنا سؤال : هل كل من بيّن الله له طريق الهداية اهتدى ؟ بالطبع لا ، اسمع إلى قوله تعالى : ﴿ وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون ﴾ فصلت 17 . أوضح الله لنا أن من عباده من لا يأخذ طريق الهداية بالاختيار الذي أعطاه الله له ، فلو أرادنا جميعاً مهديين ما استطاع أحد أن يخرج على مشيئته ، لكنه سبحانه خلقنا مختارين لنأتيه عن حب ورغبة بدلاً من أن يقهرنا على الطاعة والله يعين الذين اتبعوا طريق الهداية ويحببهم في الإيمان والتقوى   ويحببهم في طاعته قال تعالى : ﴿ والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم ﴾ محمد 17 . فهذه هي هداية المعونة التي لا تحق إلا لمن آمن بالله واتبع منهجه  واقبل على هداية الدلالة وعمل بها ، لأن الله لا يعين من يرفض هداية الدلالة  بل يتركه يضل ويشقى .

أما من جاءهم الهدى وابتعدوا عن منهج الله وخالفوه فإن الله يتخلى عنهم ويتركهم في ضلالهم  اقرأ قوله تعالى : ﴿ ومن يَعْشُ عن ذكر الرحمن نُقَيّضْ له شيطاناً فهو له قرين ﴾ الزخرف 36 . لقد دلهم على طريق الهداية ولكنهم أحبوا طريق الغواية والمعصية واتبعوها قال تعالى : ﴿ وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى ﴾ قد يقول قائل : كيف يقول الله انه هداهم ثم استحبوا العمى على الهدى ؟  هداهم هنا جاءت بمعنى دلّهم ، فالذين استجابوا وآمنوا أعانهم الله وأنجاهم . وقد أوضح لنا في آية أخرى هداية المعونة قال تعالى : ﴿ والذين اهتدوا زادهم هدى  وآتاهم تقواهم ﴾ محمد 17 . ودلالة المعونة هذه لا تحق إلا لمن آمن بالله واتبع منهجه ، والله لا يعين من يرفض هداية الدلالة وهي اتباع طريق الخير   ومن لا يفعل ذلك يتركه الله يضل ويشقى .

جاء في القرآن قول الله لرسوله : ﴿ إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ﴾ القصص 56 . نفى في هذه الآية عن رسول الله أن يكون هاديا لكنه قال في آية أخرى : ﴿ وإنك لتهدي إلى صراطٍ مستقيم ﴾ الشورى 52 ، عند قراءة هذه الآيات علينا أن نعلم بأن الجهة منفكه أي أن ما نفى في آية غير ما أثبت في الأخرى .  ولكنّ النفي والإثبات ورد في آية واحدة في القرآن وذلك بمناسبة قذف حفنة من الحصى في وجه جيش قريش في غزوة بدر قال  تعالى : ﴿ وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ﴾ الأنفال 17 . فكيف رمى رسول الله مع أن الله قال : ﴿ وما رميت ﴾ هنا الجهة منفكه ، فالذي رمى هو رسول الله ، والذي أوصل الحصى بحيث يُصيب كل مقاتل في جيش قريش هي قدرة الله  . وعليه عندما قال الله إنك لتهدي أي أن الرسول بتبليغه للقرآن وبيانه لمنهج الله قد دلَّ كل الناس على الصراط المستقيم وبينه لهم . وأما قوله انك لا تهدي أي انك لا توصل الهداية إلى القلوب . لأن الله هو الذي يهدي القلوب ويزيدها هدى وإيماتاً ولذلك أطلقها قضية إيمانية عامة في قوله تعالى : ﴿  قل إن الهدى هدى الله﴾  . فالله يهدي الجميع بمعنى يدلهم  فالذين آمنوا به وأحبوه يعينهم وينجيهم

لأنهم عرفوا تقوى الله ،  ومن هنا نقول لمن يقول ما دام الله يهدي من يشاء فما ذنب الذي لم يهتد ؟ إن الله يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيم ، أي يبيِّن الطريق إلى الهداية بمعنى يدل على طريق الخير فمن أخذ بها يعينه الله على هذه الهداية ويكون من المهتدين0 ومن لم يأخذ بها يكون من الضالين .

 

     

تحية المسجد

تستحب لمن دخل المسجد لحديث أبو قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا دخل أحدكم المسجد فليصل سجدتين من قبل أن يجلس ) البخاري ومسلم ، وإن دخل وقد حضرت الجماعة لم يصل التحية لقوله صلى الله عليه وسلم ( إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة ) مسلم . وهذا دليل على أنه إذا أقيمت الصلاة فلا يجوز الدخول في نافلة ، وإذا أقيمت الصلاة وهو في النافلة قطعها؛ لأن الفريضة أهم منها ، ولو نوى الفريضة وتحية المسجد أو الراتبة وتحية المسجد حصلا جميعاً بلا خلاف ، وإذا دخل المسجد وشرع في صلاة التحية أو السنة الراتبة وأقيمت الصلاة قبل إتمامها فاقطعها وادخل مع الإمام في صلاة الفريضة، لأنها تكفي عن تحية المسجد لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) ولأن المقصود أن لا يجلس المسلم في المسجد حتى يصلي ما تيسر من الصلوات فإذا وجد ما يقوم مقام التحية كفى ذلك كالفريضة وصلاة الراتبة ونحو ذلك ، ومن دخل المسجد والمؤذن يؤذن، فالمشروع في حقه أن يجيب المؤذن، ويؤخر تحية المسجد ليدرك أفضلية الإجابة، إلا إذا دخل المسجد يوم الجمعة والإمام يخطب فيسن له أن يصلي ركعتين تحية المسجد، ويخففها ويكره له تركها لحديث: (فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) البخاري ومسلم ، وحديث: (فليركع ركعتين وليتجوز فيهما) البخاري ومسلم ،  والراجح من أقوال العلماء أن تحية المسجد، وسنة الوضوء، تفعل في أوقات النهي لأن القاعدة‏ تنص على ‏أن " كل صلاة ذات سبب فلا نهي عنها "
ما حكم من صلى راتبه الظهر وصلاة تحية المسجد بنيه واحده..! تسمى هذه الحالة :

التشريك في النية , وليس المقصود بالتشريك أن ينوي غير وجه الله تعالى من ثناء الناس ومدحهم وما شابه , وإنما المقصود بالعمل الواحد قربتين , وكلتاهما لله عز وجل . وفيها صورٌ :

1- سنة نافلة مع السنن أو مع الفرض :

في هذه الحالة تحصل له إحدى العبادتين بنيتها وتسقط عنه الأخرى , فمن ذلك إذا دخل شخص المسجد وقد أقيمت صلاة الفجر مع الجماعة فإنه ينوي الفريضة , وتسقط عنه تحية المسجد , لأن تحية المسجد تحصل بأداء الفريضة نوى التحية أو لم ينوها لأن المراد شغل البقعة بالعبادة ، قال ابن حجر : وقد يحصل غير المنوي لمَدْرَكٍ آخر كمن دخل المسجد فصلى الفرض أو الراتبة قبل أن يقعد فإنه يحصل له تحية المسجد نواها أو لم ينوها لأن القصد بالتحية شغل البقعة وقد حصل    

وخلاصة الأمر : أن النوافل قائم أمرها على التوسعة , لذلك يجوز الجمع بين أكثر من نيّة في صلاة واحدة كتحية المسجد وسنة الوضوء مع السنة القبلية , لأنها غير مقصودة بذاتها , وتصح النيّة المزدوجة وكل هذا إذا ضاق الوقت والأولى أن تصلى كل صلاة منفردة بنيتها . ولا يصح الجمع بين السنن الراتبة مع بعضها , لأن كل واحدة من هذه السنن صلاة راتبة مقصودة لذاتها ولها وقت محدد .

أما التشريك بين عبادتين مقصودتين بذاتها كالظهر وراتبته، فلا يصح تشريكهما في نية واحدة، لأنهما عبادتان مستقلتان لا تندرج إحداهما في الأخرى.  ومن هذا يعلم أن جمع العبادتين بنية واحدة جائز بشرط أن تكون إحداهما غير مقصودة لذاتها كتحية المسجد مع فرض أو سنة أخرى، أما إذا كانتا مقصودتين لذاتهما مثل الراتبة مع الفرض أو راتبة أخرى فلا يصح جمعهما بنية واحدة .

حكم الزيادة في الركعات في الصلاة

 روى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلن صلى الظهر خمسا فقيل له :( أزيد في الصلاة ؟ فقال : وما ذاك قال : صليت خمسا  فسجد سجدتين بعدما سلّم ) إذا قام الإمام إلى ركعة خامسة ناسيا ، وجب على المأمومين تنبيهه ليرجع  فإن لم يرجع ظناً منه أنه على صواب  لم يجز للمأموم الذي يعلم أنها الخامسة أن يتابع الإمام ويقوم معه ، لأنه بذلك يكون قد زاد ركعة في الصلاة عالماً عامداً  وهذا مبطل للصلاة . بل يجلس المأموم ويتشهد ثم يسلم أو ينتظر الإمام ويسلم معه . وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن إمام قام إلى خامسة فسبح به فلم يلتفت لقولهم ، وظن أنه لم يسه فهل يقومون معه أم لا ؟

فأجاب : "إن قاموا معه جاهلين لم تبطل صلاتهم ، لكن مع العلم لا ينبغي لهم أن يتابعوه ، بل ينتظرونه حتى يسلم بهم ، أو يسلموا قبله ، والانتظار أحسن" . مجموع الفتاوى  (23/53) .

في صلاة التراويح سهى الإمام وبدل من أن يصلي ركعتين صلى ثلاث ثم سلم وسجد سجود السهو ، ثم قام وصلى واحدة لاعتقاده أنها تصبح ركعتان مع الركعة الزائدة في الركعتين الأوليتين ، ما الحكم ؟ وما ذا يجب على المأمومين إذا سهى الإمام؟ إن سجد الإمام للسهو قبل أن يأتي بركعة منفردة أصاب لأنه ثبت في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام : لكل سهو سجدتان بعد ما يسلم . رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه من حديث ثوبان رضي الله عنه ، وأخطأ في إتيانه بركعة مُنفردة ظانّـاً أنها تَجبُر ما تقدّم ، لأن السهو خطأ ولا يُبنى عليه ، لأن النبي صلى الله عليه وسلن قال ‏:‏ ‏( ‏صلاة الليل مثنى مثنى‏ ) ‏‏.‏ فإذا زاد المصلي على ذلك فقد أتى بما ليس عليه أمر النبي صلى الله عليه وسلن فإذا قام إلى الثالثة في صلاة التراويح ناسياً ثم ذكر أن يرجع ويتشهد ، ويسجد للسهو بعد السلام ،  ونص الإمام أحمد – رحمه الله – على أنه إذا قام المصلي في الليل إلى الثالثة فكما لو قام إلى ثالثة في الفجر، أي كما لو قام من يصلي الفجر إلى ثالثة ، ومن المعلوم أن من قام إلى ثالثة في صلاة الفجر ، وجب عليه الرجوع لئلا يزيد على المفروض‏ .‏ وقد بين الفقهاء رحمهم الله هذا في باب صلاة التطوع‏.‏

وأما قياس هذا على من قام عن التشهد الأول ، وقال إنه لا يرجع إذا استتم قائماً ‏.‏ فلا وجه لقياسه؛ لأن القيام عن التشهد ترك لواجب جاءت السنة بجبره بسجود السهو وهو ترك لا يزيد الرجوع إليه إلا خللاً في الصلاة ، لا حاجة إليه لأنه يجبر بسجود السهو، أما من قام إلى زيادة فهو استمرار في زائد غير مشروع‏ .‏   

 

 هدي رسولنا في صلاة الاستسقاء

 كان رسولنا عليه الصلاة والسلام يتفاعل مع الظواهر الكونية، فله مع كُلٍّ منها هدي ، وهدي الرسول مع الغيث؛ تعليمًا للجاهل، وتذكيرًا للعالم ، وتفاؤلاً بنـزول الغيث فقد صحّ عنه  أنه كان يدعو الله مرارًا ، ويلحّ عليه أن ينـزل الغيث، يدعوه في صور شتّى، ولم يكن يقتصر على صلاة الاستسقاء فحسب  كحالنا نحن ولا حول ولا قوة إلا بالله. يقول ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد في هدي خير العباد: "ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه استسقى من وجوه:

الوجه الأول : يوم الجمعة على المنبر أثناء الخطبة، وقال: (اللهم أغثنا) ثلاثًا، أخرجه البخاري ومسلم. الوجه الثاني: وَعَد الناس يومًا يخرجون فيه إلى المصلّى ، فلما طلعت الشمس خرج متواضعًا مُتَبذّلاً مُتخَشّعًا. وهذه صلاة الاستسقاء المعروفة .

الوجه الثالث: أنه  استسقى على منبر المدينة استسقاءً مجرّدًا في غير يوم جمعة ، ولم يُحفظ عنه  في هذا الاستسقاء صلاة . الوجه الرابع: أنه استسقى وهو جالس في المسجد، فرفع يديه ودعا الله عز وجل، فحُفِظ من دعائه حينئذ: (اللهم اسقنا غيثًا مُغِيثًا مَرِيعًا طَبَقًا عاجلاً غير رائِث نافعًا غير ضار) رواه أبو داود بسندٍ صحيح من حديث جابر بن عبد الله، ومعنى مَرِيعًا: أي ذا خَصَابةٍ ومَرَاعةٍ.

وروي انه لما شكا الناس قحوط المطر أمر بمنبر وقعد عليه وكبر وحمد الله واثنى عليه ثم قال : إنكم شكوتم جدب دياركم واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم ، وقد أمركم الله أن تدعوه ، ووعدكم أن يستجيب لكم ، ثم قال : ( الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم ، ملك يوم الدين ، ، لا إله غ لا الله يفعل ما يريد ، اللهم أنت الله ، لا إله إلا أنت الغني ، ونحن الفقراء ، أنزل علينا الغيث ، واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغاً إلى حين .. ) .  وهذا يدل على أنه يُستحبّ لنا أن نهتدي بهدي الرسول عليه الصلاة والسلام وندعو الله بنـزول الغيث في شتّى الأوقات التي تُرجى فيها الإجابة ، كالدعاء في السجود وفي وقت السحر ، وبين الآذان والإقامة ونحوها.

 أما لماذا لا نُسقى ولا نُمطر ؟  قال تعالى : { وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا } . والمعنى : أن عدم سقي ذلك الماء الغدق ، يكمن خلفه : عدم الاستقامة على الطريقة.. ومظاهر عدم تلك الاستقامة ، لا نحتاج أن نُماري فيها أو نجادل ، لكي ندلل على وجودها ، إلاّ اللهم إذا كنّا نريد أن نخدع أنفسنا ، ونظنّ أنّ خداعنا سيجوز ويمضي على عَلاّم الغيوب جلّ جلاله  

فها هي بعض القنوات الفضائية التي تقوم ببثّ وعرض مفاسدها  وها هو ذي الربا الذي هو حربٌ مُعلنةٌ على الله وعلى دينه ، مقترنٌ مع منع الزكاة على وجهها الذي شرعه الله ، مع ورود الخبر الصادق بأنه ما ( منع قوم الزكاة إلاّ ومُنعوا القطر من السماء ) . وصلاة الاستسقاء ، لا تكفي لضمان تحقيق الهدف من تلك الصلاة ، وهو رضا رب العالمين , وإنزاله الغيث علينا مدرارا ، بل يتعيّن أن يكون مقترنا ، بما كان سلفنا الصالح يفعلونه عند يتأخر عليهم المطر وينوون الإخبات إلى الله عز وجل واستسقائه . فقد كانوا يخرجون عن المظالم ، ويُقررون الإقلاع عن المنكرات التي استجدت في حياتهم ويغلب على ظنهم أنها هي التي أسخطت رب العالمين عليهم فعاقبهم بما عاقبهم به من حبس رحمته عنهم .

 

 

 

  عيد بأي حال عدت

 كل الناس يستقبل العيد ، وليس كل الناس  يدرك أن العيد الحقيقي في الإسلام يكون بإقامة دولة الإسلام ، التي يرى الناس في ظلها نموذجاً للمجتمع المسلم ، والأمة المسلمة  التي تقوم على عقيدة الإسلام وشريعته  وأخلاقه ومفاهيمه .

إن العيد في واقعه الإسلامي ، ليس عيد الّلاهين عن أمتهم وبلادهم وإنسانيتهم ، إنما هو عيد أولئك الذين تثقل كواهلهم هموم الأمة ، وتملأ قلوبهم  خشية الله ، وتقود تصرفاتهم ، أخلاق الرجولة المؤمنة   التي  نتحرك على صعيد العبودية لله   ونزن الأمور بموازين الهدى ، الذي لا يطيقه ضعفاء النفوس , والتي تلبي الدعوة إلى الاستجابة لله والرسول :  ]يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم [ الأنفال 24  يأتي العِيدُ هَذَا العَامَ، والفِتَنٌ تَمُوجُ بِأُمَّةِ الإِسلامِ  فِتَنٌ مَا زَالُ بَعضُهَا في البِدَايَةِ، وَبَعضُهَا قَارَبَت عَلَى النِّهَايَةِ، وَأُخرَى مَا زَالَت عَلَى أَشُدِّهَا وَلا يُدرَى مَا اللهُ صَانِعٌ فِيهَا، وَثَمَّةَ فِتَنٌ قَدِ انعَقَدَ في السَّمَاءِ غَمَامُهَا، وَثَارَ في الأَرجَاءِ عَجَاجُهَا وَقَتَامُهَا، وَيُوشِكُ إِنْ لم يُرَاجِعِ النَّاسُ دِينَهُم أَن يَزِيدَ ضِرَامُهَا، إِنَّهَا فِتَنٌ يُخَطِّطُ لَهَا أَعدَاءٌ ظَاهِرُونَ مِنَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالمُلحِدِينَ، وَيُنَفِّذُهَا مُنَاوِئُونَ للإسلام وَمَن لَفَّ لَفَّهُم، وَيَتَلَقَّفُهَا جَاهِلُونَ بِعَوَاقِبِ الأُمُورِ، نسمع الأخبار عن   مَنَاظِرَ تَقشَعِرُّ مِنهَا الجُلُودُ، وَمَشَاهِدَ تَنخَلِعُ لها القُلُوبُ، مُظَاهَرَاتٌ وَحُشُودٌ، وَعَسَاكِرُ وَجُنُودٌ، وَمَدَافِعُ وَطَائِرَاتٌ، وَرَشَّاشَاتٌ وَرَاجِمَاتٌ وَدِمَاءٌ تَسِيلُ، وَبُكَاءٌ وَعَوِيلٌ، وَلاجِئُونَ وَمُشَرَّدُونَ  وَمُؤَيِّدُونَ وَمُعَارِضُونَ، وَنَاصِرُونَ وَمُخَذِّلُونَ.

فكيف لنا أن نفرح وهذه الهموم متراكمة، وهذه المشكلات باقية، كيف نشعر أننا في عيد.. وفلسطين تصرخ وتئن ؟. كيف نشعر أننا في عيد وأقصانا  يُهّود ويهدد بالهدم ؟.

كيف السرور وأرض المسلمين لظى   كيف الهناء وأقصى الشرق موؤد

والأرض ترجُفُ من عُهرٍ ومن دَنسٍ    أما الديـار فتنـصيرٌ وتهويد

كيف نفرح بالعيد والتباغض والتآمر والحصار الظالم والتجويع مازال مفروضاً علي أهلنا في قطاع غزة .  كيف نفرح بالعيد وإننا من جديد أمام تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ ، تفرق وتشتت وتمزق وخطط بُيتت بليل ، وتنفذ علي ارض الواقع لنهب الثروات

كيف نفرح بالعيد وأرض الإسلام والمسلمين تُنتقص من أطرافها؟. كيف نفرح بالعيد والخلاف الحاد قائم بين أبناء الشعب الواحد

كيف نفرح بالعيد وهم يشعلون حملات العداء والعنصرية والتمييز ضد الإسلام والمسلمين ؟. فنراهم يـُسيئون لرسولنا صلى الله عليه وسلم   ويدنسون قرآننا  ويستبيحون شرائعنا وشعائرنا وهويتنا وذاتيتنا. نراهم يكرسون شرعتهم الوضعية تتحكم في رقابنا. يزورن الحقائق  ويصوَّرون الجهاد، والدفاع عن العقيدة  والنفس، والعقل، والعرض والمال، والوطن، بأنه إرهاب. بينما غزوهم لبلاد المسلمين والتدخل في شؤونهم عمل مشروع ، ومتمشٍ مع الشرعية الدولية.

كيف نفرح بالعيد وأعدائنا يتدخلون في كل صغيرة وكبيرة من شؤوننا ، وعزل من شاءوا والإتيان بمن شاءوا من المستبدين ودعمهم. 

إننا نستقبل العيد ونحن نعلم علم اليقين أن الخير في هذه الأمة، وأن النصر لها، لكنه مرهون بتغيير ما بأنفسنا حتى يغير الله ما بنا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَال ﴾ الرعد11 . تلك من سنن الله تعالي في كونه، ولن تجد لسنة الله تبديلاً، ولن تجد لسنة الله تحويلا.

ها قد عدت يا عيد؟ والأحلام مسروقة والآمالُ مشنوقة والوجوه شاحبة، والعيون باكية  والضحكات ميتة، والفرحة مبتورة، والأحلام مسروقة، والآمالُ مشنوقة على جدرانِ انكساراتنا عدت وما زلنا غرباء في أوطاننا..غرباء في ديارنا  عدتَ يا عيد وفي القلبِ ما فيه من الأحزان، وفي النفسِ ما فيها من الهموم..تسكننا إحباطاتنا  وتكسرنا جراحنا، ويفرقنا شتاتنا..عدتَ يا عيد ونحن كما نحن غارقون في فوضى الهزيمة ، وقد حق لأبي الطيب المتنبي، في قبره، أن يسخر منا ومن حالنا وهو يرى أننا ما زلنا حتى اليوم نعاني حيرته ونردد صرخته التي أطلقها منذ نحو ألف ومئة عام، وما زال صداها مدويا دون أن تجد الرد الشافي أو الجواب المقنع، حين تساءل متهكما ساخرا من حاله وحال أمته :

عيد بأي حال عدت يا عيد    بما مضى أم لأمر فيك تجديد؟

ومع ذلك، ورغم كل ما سبق، لا نريد بالتأكيد أن نفسد على المعيدين فرحتهم أو نسد شهيتهم ونقلب بهجتهم حزنا وأسى، لأن ظروفا قاسية فرضت عليهم، أو على الغالبية منهم، ولم تكن من اختيارهم ولا كانوا سببا فيها،بل نقول للجميع ، ونرجوا من الله عز وجل أن يعيد علينا هذا العيد  وقد تحررت الشعوب المؤمنة بحقها في الحياة والحرية والاستقلال   وأن لا تهزم مهما طال ليل الظلم ، ومهما استبد الظالمون ، لأن مصير الطغاة المحتلين إلى زوال مهما طال ظلم المعتدين.

اللهم إنا قد فارقنا صيام شهرنا وقيامه  على  تقصير  وأدينا فيه من حقك قليلٌ من كثير ، فلا تردنا يا ربنا خائبين ، ولا من رحمتك آيسين ، واجعل عملنا مقبولا ، وحظنا من شهر رمضان موفورا  وتوفنا مسلمين ، وألحقنا بالصالحين ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وكل عام وأنتم بخير .

 

 

 

كسوف الشمس

ثبت في الروايات الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله ، لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك ، فادعوا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا".ثم قال :"يا أمة محمد   والله ما من أحد أغَيرُ من الله أن يزني عبدُه أو تزني أمتُه ، يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً )  لقد أستشكل ذلك كثير من الناس لأن علم الفلك قرّر للكسوف والخسوف أسباباً فلكية معروفة فالكسوف يحدث لتوسط القمر بين الأرض والشمس فيحجب ضوء الشمس عن الأرض ، والخسوف يحدث بسبب توسط الأرض بين الشمس والقمر فيحجب ضوء الشمس عن القمر فيظلم وبناء على ذلك يمكن معرفة مواعيد الكسوف والخسوف بدقة بالغة باستخدام الحسابات الفلكية وهذا بزعمهم يعارض قوله صلى الله عليه وسلم" آيتان من آيات الله يخوف بهما عباده". فلماذا هذا الاستشكال ؟ إنه ناشئ عن الخلط في الحقائق الدينية الهامة ، فالمؤمن يتيقن أن كلَّ سبب ومسبّب خاضعٌ لإرادة الله تعالى ومخلوق بقدرته سبحانه ، فإذا وقع شئ غريب حدث عند المؤمن الخوف لقوة أعتقاده بأن الله تعالى يفعل ما يشاء وأنه ذو العظمة الباهرة التي لا نهاية لها وذلك لا يمنع أن يكون ثمة أسباب أدت إلى تلك الحادث الغريبة التي خرقت النظام المعتاد .

كمثل من ضبط الساعة ذات الجرس المنبه كي يرن جرسها في وقت معين ، فهل يمتنع عن الإستيقاظ والإنتباه لكونه يعلم ذلك من قبل ؟

كذلك علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه التغيرات جعلها الله لحكمة عظيمة ألا وهي العظة والذكرى … فهل من مدكر .

هناك أحكام شرعية تتعلق بهذه الظاهرة هي مشروعية صلاة الكسوف وقد أتفق العلماء على أنها سنة مؤكدة لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم إياها كما أتفق العلماء على أنها ركعتان وأختلفوا في عدد الركوع فمنهم من قال بركوع واحد وركوعين وتارة قال ثلاث ركوعات وأربع لكن العلماء رجّحوا العمل برواية الركوع الواحد الأمر المعهود في الصلاة .

الأمر التاني : خطورة فاحشة الزنا وفظاعة قبحها عند الله تعالى حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم خصَّها بالذكر في هذا الموقف المفزع .

الأمر الثالث : لما شاع بين الناس أن الشمس كسفت بسبب موت إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستشعر النبي صلى الله عليه وسلم إلا الحقيقة العلمية في أمر كوني فلم يلتفت إلى عزاء ولا إلى معنى فيه تعظيم لشأنه صلى الله عليه وسلمكما هو حال الناس هذه الأيام مع زعمائهم .

فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك أعظم الناس أمانة وأعظمهم صدقاً ، فقد إستعلى على هذه الإعتبارات التي تطغى على الإنسان وأعلن للعالم هذه الحقيقة  {إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته}. الأمر الأخير : الحض على الدعاء والتضرع لدى رؤية المخاوف والإلتجاء إلى الله بالدعاء والإستغفار . وقد وردت الإشارة إلى أن الذنوب سبب للبلايا والعقوبات العاجلة في الدنيا وأن التوية والإستغفار سببان للمحو يرجى بهما زوال المخاوف .    

 

قيام الليل

صلاة الليل نافلة مؤكدة ندب إليها القرآن ومدح أصحابها، وحث عليها النبي صلى الله عليه وسلم وأقلها ركعة الوتر على الصحيح من أقوال أهل العلم، لما ورد في الصحيحين عن النبي  صلى الله عليه وسلم أنه قال: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة) وفي السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: ( الوتر حق، فمن شاء أوتر بسبع، ومن شاء أوتر بخمس، ومن شاء أوتر بثلاث، ومن شاء أوتر بواحدة  )  .

وفي صحيح البخاري أنه قيل لابن عباس: هل لك في أمير المؤمنين معاوية فإنه ما أوتر إلا بواحدة؟ قال: أصاب إنه فقيه.

وأما أكثر ركعاتها: فالسنة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم  أنه لم يزد على إحدى عشرة ركعة، كما في الصحيح عن عائشة أم المؤمنين قالت : ( مَا كانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يزيدُ في رمضانَ ولا في غيرِهِ علَى إحدَى عشرةَ ركعةً ) رواه الجماعة .

  وثبت صلى الله عليه وسلم  أنه صلى بعد الوتر ركعتين، والأولى المحافظة على هذا العدد، فمن أراد الزيادة فلا بأس، ويدل على ذلك دليلان:

الأول: عموم قوله صلى الله عليه وسلم : (صلاة الليل مثنى مثنى) ولم يحصرها بعدد.

الثاني: عمل الصحابة، فقد صلى الصحابة عشرين ركعة خلف أبي بن كعب في خلافة عمر رضي الله عنهم جميعاً، روي ذلك في الموطأ وغيره.

وأما عن أفضل الأوقات لصلاة الليل فهو الثلث الأخير من الليل ليوافق النزول الإلهي، كما قال صلى الله عليه وسلم : (ينـزل ربنا تبارك وتعالى في كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ ومن يسألني فأعطيه؟ ومن يستغفرني فأغفر له؟) رواه البخاري ومسلم.

ذلك هو أفضل الأوقات لمن علم من نفسه أنه سيقوم من آخر الليل، وأما من خاف أن لا يستيقظ فالأفضل أن يصلي ويوتر قبل أن ينام، كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في سنن الترمذي وغيرها.

وأما وقت صلاة قيام الليل: فتجوز في أيِّ وقت منْ بعد صلاة العشاء وحتى أذان الفجر  ويستحبُّ تأخيرُها إلى الثلث الأخير من الليل.

 

حكم الجمع في المطر

 ما أن يشتد البرد وينـزل المطر، حتى يبدأ المصلون بالمطالبة بالجمع بين صلاتي المغرب والعشاء، وبين صلاتي الظهر والعصر، ويعترض البعض على التساهل في أمر الجمع، بحجة ضعف المطر وقلته، وعدم حصول المشقة عند الحضور للمسجد، ويثار الجدل اكثر في الجمع بين الظهر والعصر، ويدافع كل عن وجهة نظره، حسب المذهب الذي ينتمي اليه ورؤيته لهذه المسألة، كما يطرح للنقاش موضوع الجمع في غير المسجد، وهل يجوز لمن لا يحضر للمسجد ان يجمع بسبب المطر؟ ومتى يحق للمريض الجمع؟ وكيفية ذلك، هذه التساؤلات نجيب عليها بما يلي : - يصح الجمع بسبب المطر ولو كان خفيفا، واقله ان يبلل الثياب وهذا عند جمهور الفقهاء - عدا الحنفية - لقول ابن عباس رضي الله عنهما: ( صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم  بالمدينة الظهر والعصر جميعا والمغرب والعشاء جميعا ) (مسلم 1/491)، ويُحمل هذا على الجمع لعذر المطر، وكان ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم يجمعون في المطر.  واما الحنفية فإنهم لا يجيزون الجمع لأي عذر، لأن الجمع عندهم جائز فقط بين الظهر والعصر في عرفات جمع تقديم وبين المغرب والعشاء في مزدلفة جمع تأخير للحاج.

و يصح الجمع إذا كانت الريح شديدة والبرد قارسا ولو لم يكن معه مطر على ما ذهب اليه الحنابلة، ودليلهم اقوى من غيرهم، فقد يكون البرد مع الريح اشد على المصلين من المطر، وقد روي عن عبدالله بن عمر قوله: كان رسول  صلى الله عليه وسلم ينادي مناديه في الليلة المطيرة او الليلة ذات الريح ( صلوا في رحالكم ) (البخاري 2/13 ومسلم 1/484)، ولم يجز المالكية والشافعية الجمع للريح او البرد، محتجين بأن ذلك لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم  مع وجود الريح والبرد.

وأمّا الإمام حنبل فقد أجاز الجمع بين المغرب و العشاء فقط ، تقديماً و تأخيراً بسبب الثلج والبرد الشديد و الجليد و المطر والذي يقدر البرد والريح وشدتهما هو الإمام وله ان يستشير بعض المصلين قبل الصلاة، ويؤخذ بالاعتبار في شدة البرد والريح اختلاف البلدان، فما يكون معتادا في بلد، قد يكون غير معتاد فيصح الجمع، وقد اخذنا بمطلق الجمع في البرد والريح ولو كان معتادا في بلد، فلربما كان اغلب العام فيكاد يكون اصلا وعزيمة والجمع رخصة.    وكذلك يجوز الجمع لوجود الثلج، فقد جوز جمهور الفقهاء - عدا الحنفية - الجمع بسبب المطر لقول ان عباس رضي الله عنهما: ( جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر ) وفي رواية: ( من غير خوف ولاسفر ) مسلم 1/491. ولا شك في أن الثلج اشد على المصلين من المطر فيقاس عليه بالأولى، ويمكن قياس الثلج بالأولى على الطين والوحل ايضا. وقد أجاز بعض الفقهاء الجمع لهما، وكذلك البرد الشديد يجوز الجمع بسببه، واذا كان مع البرد ريح فهذا  أجوز من البرد وحده، وطول المدة لا يغير من الحكم شيئا فما دامت علة الحكم وحكمته موجودة، وهي الثلج او البرد والمشقة، فرخصة الجمع قائمة، وينبغي ان يؤخذ في هذا الصدد، اختلاف البلدان، فما يكون مشقة بسبب البرد قد لا يكون كذلك في بلد آخر لاعتيادهم هذا البرد، فتكون رخصة الجمع لبلد دون آخر. والحكم  إنما يدور مع علته، وعلة الجمع: الثلج او البرد، او الريح مع البرد للمشقة، فإذا وجدت كانت رخصة الجمع قائمة.

 

 

 

الحج رحلة عبادة مباركة

لما فرغ إبراهيم عليه السلام من بناء الكعبة هو وولده إسماعيل ، أمره الله أن ينادي بالناس بالحج  قال تعالى : ﴿ وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامرٍ يأتين من كل فجٍ عميق  ليشدوا منافع لهم ﴾ الحج 27 . 

والحج مفروض على التراخي ، ولكنه يستحب للمكلف المستطيع أن يعجِّل بأداء الحج لقوله  صلى الله عليه وسلم: ( من أراد الحج فليعجل ، فإنه قد يمرض المريض وتضل الراحلة وتكون الحاجة ) .

والاستطاعة تتحقق بالقدرة الصحيحة التي تمكنه من السفر ، والانتقال وأداء الأعمال ، والقدرة المالية التي تكفل له الزاد والراحلة ، زيادة عن حاجة من يعولهم أتناء غيابه ، وأمن الطريق  بحيث يأمن الحج على نفسه وماله ، وعدم وجود مانع من الذهاب إلى الحج ، كالحبس والاعتقال  أو المنع الذي تمارسه الدول لغاياتٍ تنظيمية . والمسلمون الذين يتمكنون من أداء هذه الفريضة  على موعد مع الحج إلى بيت الله الحرام ، وذلك يكون بالنية والإحرام من مواقيته ، مع التجرد من لبس المخيط ، ومن كل صنوف الزينة والترف ، والطواف بالبيت ، والسعي بين الصفا والمروة وهما من شعائر الله ، وعلى موعد مع مناجاة ربهم وهم واقفون بجبل عرفات ، يدعونه ويستغفرونه  ثم الوقوف بالمشعر الحرام بالمزدلفة ، ورمي الجمرات ، وسوق الهدي ، وهذه المناسك ، تلقاها المسلمون جيلاً بعد جيل عن الرسول صلى الله عليه وسلم حيث أُخذت عنه المناسك ، وكلها تحقق معنى العبودية لله ، فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : (خذوا عني مناسككم ) .

إن على الحج أن يؤدي المناسك استجابةً لأمر الله  وتفانياً في الخضوع والطاعة له ، لأن الله احتفظ بسرِّ بعض التكاليف ، فلم يبينه ولم يشر إليه بأي إشارة تظهره أو تدل عليه ، ليمحص مدى الإيمان والتصديق في النفوس .

إن لفريضة الحج بالذات ، أركان وسنن ليس للنفوس حظ فيها ، ولا للعقل تفسير سوى الانقياد لأمر الله ، لإظهار الرق والعبودية له  وامتثالاً لطاعة الله لما أمر به . أعجبني ما قاله الغزالي في الإحياء ، وقد لفت الأنظار إلى منهج الحج ، في التربية النفسية في رمي الجمار قائلاً : " أقصد به الانقياد للأمر إظهاراً للرق والعبودية  وانتهاضاً لمجرد الامتثال من غير حظٍ للعقل والنفس فيه ، ثم أقصد التشبيه بإبراهيم عليه السلام ، حيث عرض له إبليس في ذلك الموضع ليفتنه بمعصية  فأمره الله أن يرميه بالحجارة طرداً له وقطعاً لأمله ، فإن خطر لك أن الشيطان عرض له وشاهده فلذلك رماه ، أما أنا هذه الأيام فليس يعرض لي الشيطان ، إن مجرد هذا الخاطر من الشيطان ، وهو الذي ألقاه في القلب ، ليخيل إليَّ ، أن رمي الحصى فعلٌ لا فائدة منه ، وأنه يضاهي اللعب ، فاطرده بالرمي رغم أنفه ، مع العلم انك في الظاهر ترمي الحصى إلى العقبة ، وفي الحقيقة ترمي به وجه الشيطان  وتقصم به ظهره ، إذ لا يحصل إرغام أنفه ، إلا بامتثالك أمر الله ، تعظيماً له بمجرد الأمر من غير حظ للنفس والعقل فيه " .

إن في تكليف الحج بأركانه وسننه ، والاستجابة المطلقة من النفس في أدائها ، دون استفسار لفحوى أمرٍ أو استكشافٍ لمعنى شعيرة ، أو استوضاحٍ للغرض من ركن أو سنة ، إن في ذلك مثلٌ للصدق والإخلاص وكمال الأخلاق . 

إن الحج على موعد لزيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم المثول تلقاء الحجرة النبوية بخشوع وتأمل فيما لا يحصى من مآثره وفضائله وآثار جهاده ، التي أنارت جزيرة العرب ثم عمت الدنيا .

وإنه على موعد مع جهاد النفس ، فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ، يفد المسلمون من مشارق الأرض ومغاربها للقاء في البقاع المقدسة  والأماكن المطهرة ، يأتون إليها رجالاً وركباناً ليشهدوا منافع لهم ، ويتدارسوا شؤونهم   ويرسموا خطوط مستقبلهم ، علماً بأن واقع المسلمين خلاف ذلك  .

إن على الحجاج أن يؤدوا هذه الفريضة في رفق  ويتوافدوا عليها في شوق ، وقد امتلأت نفوسهم بالإيمان ، وأجسامهم بالقوة والنشاط ، ففي الحج عمل كلُّه نشاط يجدد القوة ، فمن الطواف إلى السعي إلى الهرولة ، عمل يبعث الهمة ويعود الإنسان على الامتثال والصبر والطاعة ، والخشونة وتقوية العزيمة ، وحط الرحال وسرعة الترحال  وضبط النفس ، والتخلص من زخارف الدنيا ومتاعها وزينتها إلى حين .  وما من شك أن رحلة الحج ، لأفضل ما عرف الإنسان من رحلات ، لما فيها من متع روحية   وذكريات عزيزة تقوى الإيمان ، وتصل الحاضر بالماضي البعيد  فيها يشاهد الحجاج الأماكن المقدسة ، التي مشى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاش فيها الصحابة والتابعون ، وشهدت انتصارات الإسلام في أيامه الأولى ، كما يطأ الحاج الأرض التي وطأها المسلمون الأوائل ، ويمر بالبقاع التي مروا بها ، ويقطع المسافات التي قطعوها متخيلاً مقدار تحملهم لمشقة الطريق  فيدرك أنهم فتيةً آمنوا بربهم ، فصنع الإيمان في نفوسهم المعجزات ، وجعل منهم طاقة فعّالة وقوة لا تقهر ، ويا ليتهم  يسلكوا الطريق الذي سلكه أولئك الأبطال الأطهار ، لرفع كلمة التوحيد وإعزاز دين الله .

إن الحج يعطي معنىً واضحا ، للمساواة بين المسلمين أمام الخالق سبحانه ، وهل يمكن أن نجد مظهراً لوحدة العقيدة ، أبهى من مظهر الحجاج وهم يجتمعون على الحب والإخاء في الله  والتعاون على الخير ، لا فرق بين جنس وجنس  ولا بين غنيٍ وفقير ؟ .  إن الملفت للنظر في أمر مواطن الحج ، الرجولة والزي البسيط المشعر بالمساواة الشاملة ، فلا كبير ولا صغير ، ولا تفاوت في اللباس بين أمير وحقير ، وفي هذا رد للناس إلى البساطة ، ليعزفوا عن السرف ، والتفاضل بالأموال والجاه العريض .  وفي الحج منافع كثيرة أشارت إليها الآية القرآنية : ﴿ ليشهدوا منافع لهم ﴾ إن هذه المنافع ليست التجارة وحدها كما توهم البعض ، ولكنها كل ما يهم المجتمعات الإسلامية ، التي ينبغي لها أن تجعل من الحج مؤتمر اجتماع وتعارف وتعاون  والتي جعلت منه فريضة تتميز بأن تلتقي فيها الدنيا والآخرة ، كما تلتقي فيها ذكريات العقيدة  علماً بأن الناحية الاقتصادية جزء بارز من أعمال ذلك المؤتمر الإسلامي الكبير . وأخيراً ما هي علاقة الحج بالقدس ؟ في الحديث الذي أخرجه البيهقي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :  (من أهل بالحج والعمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام ، غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ووجبت له الجنة ) . معلومٌ أن الرسول  صلى الله عليه وسلم حينما قال ذلك لم تكن القدس في سلطان المسلمين ، ولم يكن المسجد الأقصى متعبد للمسلمين ، ولكنه في مخطط العليم الخبير ، أن تدخل القدس في حوزة المسلمين ، وقد مهد لذلك بإسراء الرسول إليها ، ثم الإعلام بأن المسلمين سيحرمون بالحج أو العمرة من المسجد الأقصى ، يوم تكون القدس عزيزة بسلطانهم . إن القصد ليس مجرد الترغيب في الإحرام بالحج أو العمرة من المسجد الأقصى  بل إن القصد أبعد من ذلك واعمق ، إنه ضرورة تكتيل الجهود والكفاءات  والقوى والعقول الإسلامية للتخطيط والعمل على تخليص القدس من أيدي الأعداء . إذا كان الحجاج صادقين مخلصين ، فليغتنموا الفرصة  ويتشاوروا في شئون المسلمين ، وما أصاب ديار الإسلام من الغزو والاغتصاب  والذِلَّة والمهانة والاحتقار ، والعمل على تخليص القدس والأقصى من الاغتصاب .

لقد كان المسلمون أمة واحدة ، يوم أن كان يقودها دينها ، وكان حكامها هم المنفذين لشريعة الإسلام ، ولكن الأمر اختلف في عصر الفساد والتدّجيل  حيث تفرقت الكلمة  وانتهكت الحرمات ، ودنست الكرامات   فأصبح المسلمون يعيشون في ظلال المهانة  والإذلال والضياع والمتاهات ، وكأن آيات الله نزلت للقراءة على الأموات لا للتقيد بأحكامها والالتزام بها . قال تعالى : ﴿ فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم  ﴾.        

شوائب الصوفية

نشأ التصوف عند الوثنيين القدماء ، في أحضان طائفةٍ محرومةٍ من فقراء الهنود  الذين ألصقوا الشعوذة بالدين ، وكذلك الشأن في بلاد فارس ، فقد بعث الترف والحرمان فيها ، ما بعثه في جارتها الهند ، من الدعوة لتحقير الدنيا ، ونعيمها واعتزال الناس ، فحملت التصوف الهندي بحرمانه ، حتى فتحها المسلمون  .

وعندما اعتنقت هذه الأمم الإسلام ، خرجت عن دينها ، إلى دين الفاتحين   وقد كانت رواسب العادات والتقاليد الصوفية ، في أخلاق وطباع بعضهم  الذين أخذوا من تعاليم الإسلام ، ما يلائم طبيعتهم  وغفلوا عن الجوهر ، فأخذ الإسلام طابع الأعاجم في كل شيءٍ عندهم ، حتى إنه ليتميز من الإسلام الصحيح ، بما اقترن به في الجو الأعجمي ، من تعطيل الإدراك ، وتخدير العقول  والترخص في الفضائل  والتلهي بالخيال ، والولوع بالخوارق ، وقد أدرك عمر بن الخطاب ، ما يؤول إليه الأمر في تلك الديار ، فكان يحذِّرُ قومه بقوله : إياكم وأخلاق الأعاجم .

لقد تعلَّم المسلمون كثيراً ، من الفلسفات غير الإسلامية ، كاليونانية والافلاطونية الجديدة ، ومعها عقائد الديانات الفارسية والهندية ، من الأمم الضالة  وأدخلوها في الإسلام باسم التصوف ، وأطلقوا اسم التصوف ، على كثيرٍ من العقائد ، والطرق الأجنبية  التي لا أصل لها في الكتاب والسنة .

وقد ارتكب بعض الصوفية ، جنايةً لا يستهان بها  حين دعوا الناس إلى العزلة  والرضا بالدون من العيش باسم الدين ، وصرفوا الناس عن حقيقة الإسلام ، عند ذلك بدأت الصوفية ، تأخذ مكانها في المجتمعات الإسلامية ، ثم بدأت نتيجة لذلك ، مفاهيم غير إسلامية ، تستعمل في حياة المسلمين مثل : الفناء في الله  والحلول في الله ، والاتحاد بالله ، وفي الوقت نفسه ، بدأت طرقٌ غير إسلامية   في التفكير والسلوك والحياة ، تظهر في المجتمعات الإسلامية  كطرق الدراويش   والمساكين والزهاد ، الذين ركزوا على ترديد الأوراد والأحزاب ، التي ابتدعها الشيوخ ، ليصرفوا الناس بها عن تلاوة القرآن ، وتدبر معانيه كانت هذه الطرق  تمثل اتجاهً غير إسلامي ، في الهروب من الحياة العادية ، للمسلم العادي ، وفي إهمال تعاليم الإسلام في الحياة ، وفي تربية أجيال النشىء من أبناء المسلمين   تربية منحرفةً عن المسارات الإسلامية . ثم تدرج هؤلاء الناس في تحرير أنفسهم  عن قيود الإسلام ، حتى أن بعضهم قال : بإسقاط الفرائض ، ولا علاقة للتصوف بالشريعة ، وما على الصوفي أن يقيد نفسه بالقانون وأحكام الشريعة  وإن أتباع الصوفية ، لا يعنيهم من الدين سوى المناسك ، والإسلام في نظرهم ، لا يعدو الزاوية والمسبحة . وقد فرقوا بين الدين والدولة ، وقالوا هذا شيء وذاك شيء آخر ، أما فهم الإسلام ، على أنه عقيدة ترخص في سبيلها المهج الأرواح ، فهذا ما لا تتسع له أفهامهم ، ولا يجول بخاطرهم .

واتجه قسمٌ منهم إلى البحث ، عن المعرفة في الذوق والشوق ، والمشاهدة والمكاشفة ، وغير ذلك من أفانين التصوف ومبتكراته ، وقد شكلت أحوال الدراويش ، وادعاءات بعضهم ، بأنهم جزء من ذات الله تعالى ، كابن الفارض وابن العربي ، وكذلك قطبيتهم - القطب هو الدرويش الذي زعم الصوفيون أنه يمثل أحد أقطاب الكون - فقد شكلت محتوى طرقهم ، وأنظمتهم في التربية الصوفية ، التي لم تلتزم بالوصف الإسلامي ، للتفكير والسلوك والحياة والتربية  فكانت مزاعم الحلاج مثلاً ، وهو يمثل الشخصية الصوفية القيادية ، براهين واضحة ، على بعد التصوف عن نطاق الإسلام ، وكان قد زعم في حياته أنه حل في الله واتحد معه .

لقد قادت الصوفية ، أفكار اللاهوت المسيحي واليهودي ، ومقولات الفلسفة اليونانية ، وزرعتها كبذور غير إسلامية ، في التربية الإسلامية ، التي كانت من قبل نقية ، كما بدأت الصوفية نحو فصل الإسلام النقي عن حياة المسلمين وتفكيرهم . إن الإسلام صريح في إنكار الصوفية ، ولم يطلب من المسلمين ، أن يكونوا صوفيين ، أو أن يمارسوا التصوف ، فلا القرآن ولا السنة يدعو إلى التصوف  ومن الثابت الصحيح ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( قوله : (لا رهبانية في الإسلام ) وما قيل بأن رسول الله   كان صوفي النزعة ، وأنه كان في حياته يتكلف الزهد  ويروض نفسه على الجوع والحرمان ، ذلك غير صحيح ، فما كان عليه السلام من المتكلفين ، فهم أساءوا فهم بساطة العيش ، وأخطئوا الحكم على فطرة الحياة  التي كان يحياها النبي عليه السلام ، كما لم يثبت أن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأئمة الإسلام الكبار من بعدهم ، مارسوا الصوفية أو الزهد بالمعنى الصوفي . لقد بني الإيمان في الإسلام ، على مفردات الإيمان  وأركان الإسلام ، التي رسمها الوحي ، وعلى أساسها  لا مجال لأي مسلم ، أن يعزل نفسه ، عن المسلمين الآخرين ، أو يعزل المسلمين الآخرين ، عن المجتمع الإسلامي ، وليس لأي مسلم  من وجهة نظر الإسلام ، الحق في أن يحتجز أتباعه ، ويقصر نشاطهم على الذكر ، وترديد أغاني التصوف لهم ، أو أن يمنعهم من أداء واجباتهم الأخرى ، في حياتهم اليومية  ليجرد نفسه من أداء واجبات الحياة ، كما رسمتها شريعة الإسلام  

وينطبق هذا القول ، على الزهد والتنسك ، الذي جعلت الصوفية منه المحور الأساسي ، الذي تدور عليه تعاليمهم ، معتمدين على أحاديث موضوعة ، في فضل الزهد والزهاد ، حتى انخدع بها بعض فقهاء المسلمين ، ممن لم يعنوا بتحقيق الأحاديث وتخريجها فهذا الغزالي في كتابه الإحياء ، ساق أحاديث في باب الزهد ،لم يصح شيءٌ منها عند رجال الحديث . إن أكثرية الأمم ، التي خامرها المتصوفون ، وعاث فيها الزهاد ، استحلت الرضا بالتوافه ، وحرمت التطلع إلى عظائم الأمور ، وهجرت من العقيدة صلب الحياة ، وأرست أوتادها ،حول أوراد الشيوخ وأذكارهم ، وغفلت عن حقوق الله ، التي تتمثل كاملةً ، في رعاية مصالح الأمة ، حتى أصبح حرص الصوفي على تنسيق لحيته ، وإرخاء عذبته ، وحمل مسبحته ، أكثر من حرصه على التطلع ، إلى حمل السلاح للجهاد ، ناسياً أن بلاداً إسلامية تحتل .

إن الزهد عند الصوفية ، يتمثل في ترك الدرهم والدينار ، والتجرد من العمل والكسب ، وعدم المبالاة بما حوله ، والإعراض عن الطيبات من الرزق  ومع هذا فإن نهم الصوفية ، الزاهدين في الطعام   تراهم في حفلات الموالد ، عند تقديم الموائد ، يأتون على ما فيها من الأخضر واليابس  ليس من الإسلام ، أن يكون المسلم ، عاطلاً عن العمل ، ولا يبالي بما حوله ، ويهمل واجباته  .

 إن مثل هذا التصوف ، ليس من الإسلام في شيء أبدا ، إنما التصوف في حقيقة الأمر ، عبارةً عن حب الله ورسوله الصادق ، بل الولوع بهما ، والتفاني في سبيلهما ، وذلك يقتضي ألا ينحرف المسلم ، عن إتباع أحكام الله ورسوله .

لقد عمد بعض الصوفية ، إلى الظهور بالخوارق ، في الأوساط الإسلامية ، تحت ستار الولاية ، وقالوا لا تتحقق ولاية بغير كرامة ، وأنها نتيجة العمل بالكتاب والسنة . أما معنى الولاية عندهم ، فهي تسخير قوى الكون للولي ، بقوةٍ روحانية  وتكون مظاهرها  بإطالة الشعر ، ولباس المرقع ، والتشرد في الأرض . ثم قسموا الولاية لأنفسهم ، على أساس الكرامات ، إلى مراتب في الولاية أعلاها القطب مما لا داعي له ، لأن الكرامات لو كانت دليل صلاح وتقوى ، لكان الصحابة والتابعون لهم بإحسان ، أحق بها من هؤلاء المتمشيخين المتأخرين ، الذين تنسب إليهم الكرامات بغير حساب .

إن كل ما يقال في الكرامات ، هو من قبيل الادعاء والشطح ، وهي أمراض لأعراضٍ نفسيةٍ معقدةٍ ، على أن ادعاء الصوفية في باب الكرامات  لا يقف عند حد ،  وشعارهم في ذلك قولهم : كل ما كان معجزةً لنبي ، جاز أن يكون كرامةً لولي ، وللصوفية في معاملة أتباعهم ، تقاليد بنيت على إذلال المريدين ، وإخضاعهم لأغراض الشيوخ  فقد أوجبوا عليهم الطاعة المطلقة ، والانقياد الأعمى ، فلا يجوز لمريد أن يعترض على شيء مما يفعله شيخه ، إضافة إلى تقبيل يد الشيخ   والوقوف له ، والسير خلفه ، وتقديمه على نفسه وولده . ويعتمد بعض الصوفية على نوع من العلم الغيبي  يطلقون عليه - اسم العلم اللدني - يدَّعون تلقيه عن الله بلا واسطة .

وموضوع هذا العلم : الفيوضات والتجليات والكشف والكرامات ، والتحقق بهذا العلم معناه الولاية ، وهي عندهم تسخير قوى الكون ، وفق إرادتهم ، والتصرف في الموجودات ، بالاسم الأعظم  والقدرة على إتيان الكرامات والخوارق  والنطق بالسريانية ، وهي عندهم لغة الملائكة وأهل الجنة .

ومن فروع هذا العلم : استخدام الطلسمات والحروف والأرقام ، في شفاء الأمراض ، وكتابة التعاويذ . وأصل هذا العلم عندهم ، يرجع إلى الخضر  صاحب موسى عليه السلام ، لأنه في نظرهم إمام الأولياء والمساكين .

وللشيوخ وعجائب أحوالهم ، حكاياتٌ وأراء كما نسمع من طي الأرض لهم في سياحاتهم  حتى عرف بعضهم بأهل الخطوة ، ومن الدعاية لشيوخ الطريقة  وما أُحيطوا به ، من جو الكرامة والقداسة , حتى أن السذَّج ، يخشعون لذكراهم ويتندرون بحكاياتهم وكراماتهم ، وإذا ما اعترضت ، هبوا في وجهك يحذرونك ، وكأنك أتيت منكراً . ولقد حذَّر العلماء من هؤلاء الناس ، فقالوا : إذا رأيت رجلاً يطير في الهواء ، أو يمشي على الماء  أو يقطع المسافة البعيدة في طرفة عين ، فلا تغترَّ به  فهناك بعض العوام ، ممن لا يعرف لهم صلاح قد تظهر على أيديهم بعض الخوارق   فلا تسمى كرامة  بل معونةً من الله ، ولا يسمى صاحبها ولياً ، لأن الله لا يتولى إلا الصالحين . إن فريقاً من الصوفية ، قد بلغ درجة الإسراف في إسناد معجزاتٍ وقصص  ، نصت الكتب الصحيحة على كذبها ، كقصة صخرة بيت المقدس ، التي زعموا أنها انطلقت تعدو خلفه يوم عُرج به ، حتى أمسكها جبريل ، فظلت معلقة بين السماء والأرض . ومن الشطحات الصوفية ، التي تدل على فساد نظرتهم إلى الرسول الأمين ، وخروجهم عن حدود الحقيقة  عندما يجعلون محمداً صلى الله عليه وسلم أصل الوجود ، والسبب في كل موجود ، ولعلهم تأثروا في ذلك بالفلسفة اليونانية ، التي تجعل لكل قوة من القوى إلهاً تقوم به ويا ليتهم تمثلوا ما ذكره المناوي ، فيما يرويه عن أحمد وأبو داود أن رجلاً قال للمصطفى ( أنت سيد قريش  فقال له : السيد الله ، قال : أنت أعظمها طولاً وأعلاها قولاً ، فقال صلى الله عليه وسلم :  يا أيها الناس قولوا بقولكم ، ولا يستهوينكم الشيطان ، أنا عبد الله ورسوله ) .

لقد بقيت كتب الصوفية في طي النسيان ، حتى جاء المستشرقون ، ينقبون عن مادة جديدة للفتنة ، ويثيرون الخلاف بين المسلمين من جديد  فوجدوا ضالتهم في آثار الصوفية ، فاهتموا بها ، حتى أنه يمكن القول ، بأن بحوث التصوف الحديثة وكتاباته ، ترجع كلها إلى عمل المستشرقين ، ولما حذقوا هذه العلوم وغيرها ، تكلموا فيها  وصاغوا نظرياتهم المعادية  للإسلام والمسلمين وتبعهم تلامذتهم من أبناء المسلمين ، على هذا النهج ، جهلا بأغراض الاستشراق .

إن محاربة المعتقدات الجاهلية ، أمرٌ لا بد منه  لتطهير المجتمع المسلم ، من شوائب الشرك وبقايا الضلال ، ولا بد من الإعراض ، عما يقال عن الأسباب الخفية المزعومة ، التي يلجأ إليها ويروجها عادة ، سدنة المعابد ، ومحترفو الدجل الذين يدّعون معرفة الغيب عن طريق اتصالهم بالجن .

لقد حارب الإسلام هذا النوع من الدجل ، الذي لا يقوم على علم ، ولا هدى ولا كتاب مبين ، قال تعالى : ﴿ قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله ﴾ النمل 65 .  وقد أُشرك معهم في الإثم ، الذين يجيئونهم ويسألونهم  ويصدقونهم في أوهامهم وتضليلهم  فقال صلى الله عليه وسلم   (من أتى عرافاً فسأله عن شيء فصدقه بما قال ، لم تقبل له صلاةً أربعين يوماً ) رواه مسلم

     

 

الصــلاة أهم الأركان

قال تعالى : ﴿ وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين ﴾ البقرة 43 .

 الصلاة من أهم أركان الإسلام ، وأساس  العبادة   وهي تمثل الصلة بين العبد وربه، وهي أساس حياة المؤمن ، لا يتركها أبدا ، ولا يستحق المفرط فيها احتراما  لا من الخالق ، ولا من المخلوق ، وفي الصلاة يتجه الناس إلى الله وحده بالعبادة ، وبهذا يرتفعون عن عبادة العباد ، وعبادة الأشياء  ويحنون جباههم لله  لا للعبيد ، وهذا هو مصدر قوة الإيمان ، وعامل من عوامل تربيته الشخصية وجعلها ربانية التصور والشعور والسلوك .

إنها ترجمةٌ حية وتجسيد عملي ، لعبودية الإنسان لله سبحانه وتعالى ، لأن الإنسان فيها لا يسجد إلا لمن يعتقد وجوده وعظمته ، وبذلك جُعلت عماد الدين ، وهي صفة للنفوس المتفتحة ، تعرج أرواحهم عليها وبها ،كل يوم خمس مرات إلى الملأ الأعلى ، أما النفوس المغلقة ، التي سادها الغباء والجهل ،وغشيتها الظلمات ، فهي أبعد من أن تتجه إلى الله في الصلاة ، التي تُعد طهارةً معنوية ، من رجس الحياة ، ومفاسد الترف ،ولا قيمة لمجتمع لا يصلي ، بل لا قيمة للوجود كله  ما لم يخشع لله في صلاةٍ عابدة .

 إن كل ما يُزْعِجُنا في هذه الحياة الدنيا ، إنما ينـزاحُ عن القلب ، بركعات خاشعة  ولذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إذا دهمتهم الخطوب  فزعوا إلى الصلاة ، واتجهوا إلى الله، ومن ذا يقدر على كشف الضُّرِ سواه ، وكل وحشةٍ يستشعرها المؤمن في دنياه ، ينبغي أن يلتمس لها الأنس في رحاب الله .والصلاة أعظمُ طاقةٍ لتحريرِ الفردِ والجماعة ، وقد كانت وسيلة النصر الأولى  ولذلك أقامها الرسول صلى الله عليه وسلم بوحي من الله في ميادين القتال.

 إن إقامة الصلاة ، هي مفرق الطريق بين الهدى والضلال ، فلا خير فيمن لا يصلي ،لأنه عبد لنفسه وعبد لشهواته ، ولا ثقة فيه لأنه قطع ما بينه وبين ربه ، فكيف يصل ما بينه وبين الناس ،ومن لا خير له في ربه ، فلا خير له في أُمته ومهما تظاهر تارك الصلاة ، بالتمسك بالإيمان  وادعاء التقوى ، فإنه كذبٌ ونفاق ، إن هذا وأمثاله ، يجب أن يبعدوا عن مواقع العمل الهامة لأنهم لا يحتكمون إلى ربهم ، بل إلى شهواتهم  . أراد عمر يوما أن يبحث عن قائدٍ لجيشه في حرب الروم ، فانتدب أكفأ القادة  وأحزم الولاة  من خلال خشوعهم في الصلاة ، ثم من خلال مواهبهم في الحياة  فهذا  النعمان بن مُقْرِنْ   قائد معركة نهاوند المشهورة ، لم يكن عمر يعرف اسمه  لكنه حين دخل المسجد ، رأى رجلاً يصلي صلاة خاشعة ، فامتلأ قَلْبُه إعجاباً به  وامتلأت نَفْسُه ثقة فيه ، فقال عمر من هذا فقيل له النعمان بن مقرن فقال عليّ به ، فلما مثل بين يديه قال له: قد انتدبتك لأمر عظيم ، فقال يا أمير المؤمنين إن كنت تريدني لجمع الصدقات ، فأني لا أصلح لذلك ، فقال له عمر: بل أردتك للاستشهاد ، ثم ولاه إمارة الجيش ، وكانت أول أعماله في المعركة ، أن طلب من جنده أن يرفعوا أيديهم قائلا لهم : أيها الناس إني داعٍ فأمنوا قال: اللهم ارزق النعمان استشهاداً في سبيلك ، تَفْتَحُ به على المسلمين فقالوا : آمين ، ثم ألتحمُ مع العدو حتى تحقق النصر، ولكنه ربح ثمن ذلك ، أن أستشهد  في تلك الموقعة ، تلك هي آثار القيادة المؤمنة المصلية ،لم يدع اللَّه أن ينجو من الموت ولم يتطلع لمغنم زائف  أو سمعه تافه ، إنما طلب الاستشهاد في سبيل اللَّه .  ولعظم الصلاة كان رسول اللًّه صلى الله عليه وسلم لا يلهيه عنها حرب ولا سلم ، وكان إذا حضر وقتها   قام كأنه لا يعرف أهله ولا يعرفونه ، وكانت آخر كلمه نطق بها قبل أن يلتحق  بالرفيق الأعلى  فقد سُمع وهو يحرك  شفتيه ، يقول الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم ، وكان إذا صلى وحده أطال ، وإذا صلى بالناس اعتدل ، وكان يقول : من أم فليُخفْفْ . وكان كلُّ أمره سهولةً ويسرا .

 ومن آثار الصلاة ، تهذيب النفس ، وتزكية الروح ، والارتفاع عن الدنايا ، أما تلك الحركات السريعة في صلاة كثيرٍ من الناس  وقلبهم مشغول وأمرهم شتات  فلا تزكى منهم نفساً ، ولا  تنقي ضميرا ، ولا تنهى عن منكر  بخلاف الصلاة التي يريدها الله من عباده ،صلاة تمحو من النفس الوقت وشواغله ، والحياة وصوارفها ، فلا نفكر فيها ونحن بين يدي ربنا  الذي أنعم علينا بهذا التكليف .

 وما أجمل أن نأخذ النشء بها في الصغر، ليشب على الطهارة والنقاء. وما أجمل أن تحتفي المدارس بها ، أداءً عملياً في أوقاتها ، لينصهر الشباب في جوها  ويتعودوا أداءها ، فان أكثرهم لا يعرف إليها سبيلا ، وما أجمل أن يكون الرؤساء والقادة  على اختلاف مواقعهم ، مصلين عابدين ، حتى يقتديَ بهم مَنْ حولهم  لأن فريضة الصلاة من الفرائض ، التي تعتبر وسيلةً من وسائل التطهر  ورافداً من روافد الخير والفضيلة ، فإذا أزهرت الفضيلة في غير بيئة التدين ، تكون فضيلةً مصطنعةً براقة خادعه ، تُطَبَقُ حين تتفق مع مصالح أصحابها ، وتُتْرَكُ حين تعارضها . فالعبادة الحق هي التي تطهر النفس ، وتزكي الخُلُقْ ، وتحقق في مجتمع الإيمان  طهراً ونبلاً وارتبطـاً بالله ، في الشدَّة والرخاء . قال تعالى : ﴿ وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ﴾ العنكبوت 45. فلا قيمةَ لعبادةٍ لا تزكي  نفس صاحبها ، ولا تطهر سلوكه قال صلى الله عليه وسلم: (من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعداً )  أحرجه ابن معبد في كتاب الطاعة والمعصية من حديث الحسن مرسلاً بإسنادٍ صحيح .

وما أحوج الإنسان إلى عمل ، يُبْعده عن الفحشاء والمنكر ، ويطهره من الدنس والرجس  ويدخله في عالم قدسي ،كله إيمان وصفاء وكمال  ولا شيء يؤدي إلى هذا  التكامل كالصلاة المقبولة صلاة يتخللها خشوع وخضوع ، وبكاءٌ من خوف الله . قال تعالى : ﴿ قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون ﴾ المؤمنون 2. إن صلاة غالبية الناس ،عاديه ميكانيكية ،لا يلتذون بها ،ولا ينالون فيها فرح الاتصال بالله  علماً بان الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا جاء وقت الصلاة  يقول : ( أرحنا بها يا بلال ) فطوبى لأولئك الذين خشعوا في صلاتهم ، وبكوا على ذنوبهم  شوقــا إلى لقاء الله ،طوبى لهم وحسن مآب  والحذر من التهاون في الصلاة ، أو تأخيرها عن أوقاتها ، أو التكاسل في إقامتها أو السهو عنها ، أو المراءاةِ فيها  فقد ذم الله المنافقين ،حيث وصفهم فقال: ﴿ إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا ﴾ النساء 147 .  فمن حافظ على الصلاة ، في جميع الأوقات وواظب على الجمع والجماعات  وأداهنَّ بخشوع وخضوع ، استنار قلبه ، وتهذبت نفسه  وحسنت مع الله والناس معاملته ، وحيل بينه وبين المحرمات ، أما من خلت صلواتهم من التذلل والخضوع  يسارعون في أدائها وهم عنها غافلون لا يعرفون لها معنى ، ولا يعقلون لها سرا  ولا يشعروا بحلاوة الطاعة ، ولذة المناجاة ، ملكتهم الوساوس ، وامتلأت قلوبهم بشواغل الدنيا ، فقد حذَّرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن المرء ليس لـه من صلاتــه إلا ما عقل منها . أما من عميت أبصارهم ، وتحجرت ضمائرهم  فأضاعوا الصلاة ، واتبعوا الشهوات ، وأهملوا أوامر الله  وغفلوا عن  واجب الشكر، ولم يخافوا جبروت الله   ولا سوء الحساب ، ولا نار العذاب    هؤلاء نسوا الله فأنساهم أنفسهم ، وقال فيهم : ﴿ فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون ﴾ الماعون 5 . فيا أيها المتهاون في الصلاة المضيع لأوقاتها ، المتبع لشهواته وملذاته ، ماذا ترجو من هذه الدنيا الفانية ، وماذا تؤمل من دارٍ، نعيمها زائل وهمها دائم ، فلم لا تحافظ على صلاتك ، وتكون مع الفائزين . قال تعالى في الحديث القدسي ( يا ابن آدم تفرغ لعبادتي ، أملأ صدرك غنى ، وأسد فقرك ، وإن لم تفعل ، ملأت صدرك شغلاً ، ولم أسد فقرك )0  ولعظم مكانة الصلاة عند الله  فإنها أول ما يحاسب العباد عليها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.( أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة فان صلحت صلح سائر عمله ، وان فسدت فسد سائر عمله ) رواه ابن عساكر والطبراني .

وقد توعد الله من يُضَيِّعْها أو يتكاسل عنها ، أو أداها على غير الوجه المطلوب فيها ، بالطرد من حظيرته ، والإبعاد من رحمته ، والحرمان من جنته  ففي الحديث عن النبي عليه السلام (لا تترك الصلاة متعمداً فإنه من ترك الصلاة متعمداً فقد برئت منه ذمة الله ورسوله ) رواه أحمد بسند صحيح . وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون من  الأعمال تركه كفر غير الصلاة ، وقال عليه السلام في شان المنافقين ، الذين أظهروا الإسلام  وأخفوا الكفر والطغيان (العهد الذي بيننا و بينهم الصلاة فمن ترك الصلاة فقد كفر) رواه الحاكم .

واخبر الله تعالى أن من ترك الصلاة عاقبته سقر التي لا تبقي ولا تذر قال تعالى : ﴿ ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ﴾ المدثر 42 .

 فبادر يا أخي المسلم ، إلى الصلاة في أول أوقاتها حتى تكون من المفلحين ، وراعي فيها إتمام الركوع  والسجود والخشوع ، وإياك والتكاسل عنها ، فإن ذلك  يورث النفاق . ويسبب الهلاك  والأفضل أن تُؤدى في أوقاتها ، ومع الجماعة  ومن حافظ على الجماعة ، فقد أعد الله له الثواب العظيم ، والأجر  الكبير، وَبَشَّرَ  المشائين إلى المساجد في الظُلَمِ بالنور التام يوم القيامة ، والذي تعلق قلبه في المساجد ، يحشره الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله .  وقد أعد الله ثواباً عظيماً، لمن أداها جماعة في المسجد فقال صلى الله عليه وسلم: (من صلى لله أربعين يوماً في جماعه يدرك التكبيرة الأولى ،كتبت له براءتان  براءة من النار وبراءة من النفاق) .

أخي المسلم ، إليك بعض الأحكام الفقهية المتعلقة بالصلاة :

شروط الصلاة : لها تسعة شروط وهي .. الإسلام  ،  العقل  ،  التمييز    الطهارة    ستر العورة  ،  اجتناب النجاسة  ،  العلم بدخول الوقت  ،  استقبال القبلة  ،  النية بالقصد  . أركان الصلاة :  أربع عشره وهي .. القيام مع القدرة  ،  تكبيرة الإحرام    قراءةُ الفاتحة  ، الركوع  ،  الرفع من الركوع ، روى البخاري عن حذيفة : انه رأى رجلاً يُصلي لا يتم ركوع الصلاة ولا سجودها فقال له حذيفة : ما صليت ولو مت وأنت تصلي هذه الصلاة  مت على غير فطرة محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، ثم الاعتدال السجود  ،  الرفع من السجود    الجلوس بين السجدتين    الطمأنينة في الجميع    الترتيب  ،  التشهد الأخير    الجلوس للتشهد الأخير    التسليمة الأولى  . أما المبطلات  :  فثمانية هي .. الكلام العمد    الضحك    الأكل والشرب    كشف العورة    الانحراف عن جهة القبلة  ،  العبث الكثير    حدوث النجاسة . وأخيراً الواجبات :  ثمانية هي .. التكبيرات غير تكبيرة الإحرام  ،  قول سمع الله لمن حمده للإمام  وللمنفرد ربنا ولك الحمد  ،  تسبيح الركوع    تسبيح السجود  قول رب اغفر لي بين السجدتين  ،  التشهد الأول لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله وداوم عليه وسجد سجود السهو حين نسيه  الجلوس للتشهد الأول .   

 

العقيدة الإسلامية

والفرق بين العقيدة والحكم الشرعي

من حق العقيدة علينا ، أن نشبعها بحثاً ، حتى يبقى الإنسان مميزاً بالإيمان القوي ، والعقل السليم  والمعرفة الصحيحة ، وأن تبقى رايةُ الإيمان بأصول وأركان الدين في الإسلام  مرفوعة وظاهرة  وأدلتها قوية وواضحة ، وثمراتها في سلامة الأفراد وعزَّة الأمة متحققة .      

إن الضلال والفساد ،لم يستطيع أن يسود بلادنا  إلا في غيبة الإيمان الصحيح ، وإننا لنلمح عودة الجاهلية الأولى ، تطارد عقيدة التوحيد ، في أكثر من ميدان ، لذا كان واجباً على كل مسلم يؤمن بالله ، أن يُرَّكز على موضوع العقيدة ،حتى تترسَّخ في قلوب الناس  لحاجتهم إلى الإيمان والعقيدة ، فلا غنى لهم عن الإيمان بالله ، وعبادته بحال من الأحوال  ومن هنا لم تخل أمةٌ وجدت على وجه الأرض ، من عقيدة ودين ، مصداقاً لقوله تعالى: {وإن من أمةٍ إلا خلا فيها نذير}فاطر 24  . أما الإيمان : فهو التصديق بما جاء به الرسول  صلى الله عليه وسلم مما علم من الدين بالضرورة أو ما أشبهها من الأدلة القطعية . وقد فسره النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر عندما سأل جبريل النبي صلى الله عليه وسلم قال : (فأخبرني عن الإيمان ؟ قال : أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره ) أخرجه مسلم . وهذا التفسير هو تعريف العقيدة .

أما الإسلام : فهو الامتثال والانقياد لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم مما علم من الدين بالضرورة أو قام عليه الدليل القطعي ، وقد جاء تفسير الإسلام في حديث جبريل .  (وقال يا محمد أخبرني عن الإسلام ؟ قال : أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا ) أخرجه البخاري .

وهذه هي الأركان التي بني عليها الإسلام .

وقد وجد علم التوحيد لبيان العقيدة ، وإقامة الأدلة القطعية على صدقها وصحتها . وهذا العلم هو : إفراد المعبود بالعبادة ، مع اعتقاد وحدته  والتصديق بها ذاتاً وصفات وأفعالا . وقد اشتهر بعلم التوحيد ، لأن مبحث الوحدانية أشهر مباحثه ، ويسمى علم الكلام كما ذكره  الباجوري في حاشيته على الجوهرة  

وقد وردت تسمياتٍ عدة لعلم التوحيد وهي ثلاثة : علم العقيدة وعلم الكلام وأصول الدين .

أما علم العقيدة : فهو الذي يبحث فيما يجب على الإنسان أن يعتقده ويؤمن به ويقيم عليه الدليل اليقيني ، كما يطلق أيضاً على المبادئ الدينية نفسها التي ثبتت بالدليل اليقيني . وعلم الكلام : وهو الذي يبحث في العقائد ، بالأدلة العقلية والردِّ على المخالفين ، وأخيراً أصول الدين : وهو يطلق على المبادئ العقدية التي ثبتت بالأدلة اليقينية .

أما مصادر المعرفة في العقيدة الإسلامية : فهي عالم الغيب وعالم الشهادة .

أما عالم الشهادة : فإنه يطلق على الأشياء المادية  التي اتصلت بها حواسنا  وشهدناها شهوداً حسِّيا .  وعالم الغيب : يطلق على الأمور الغائبة عن شهودنا ، وعالم الحس فينا ، فالروح مثلاً إن لم نحس بها إحساساً ظاهراً ، فإننا قد آمنا بها  استدلالاً بآثارها فينا  كالكهرباء والجاذبية التي ندركها من آثارها ، أما طريق معرفة كلٍّ منهما  فإن عالم الغيب يمكن الوصول إلي معرفته معرفةً حقيقية بالوحي الإلهي الذي جاء به الرسل  ويصل إلينا عن طريق الخبر الصادق المتواتر .

وأما عالم الشهادة فطريق الوصول إلى معرفته  بالتأمل والتفكر والنظر العقلي  والتجربة والمشاهدة . إن الأيمان بالله ، من عناصر العقيدة الإسلامية الأساسية  ندعوه بأسمائه ، ونصفه بصفاته ، غير مشبهين صفاته بصفات المخلوقين ، ولا مؤولين لها ولا معطلين ، مع الاعتقاد الراسخ ، بأن الله ليس كمثله شيء  وبالعجز الكامل عن إدراك كنه ذاته تعالى  أو كنه صفاته الذاتية على حد سواء ،كما نؤمن بوحدانيته ، ونفي الشريك في ربوبيته وعبوديته .

ويحرم الكلام عن ذات الله تعالى والتفكير فيها ، ومحاولة إدراك كنهيها ، ومعرفة حقيقتها  لما ثبت شرعاً النهي عن ذلك ، لاستحالة ذات الله عقلاً  ولأنه لا تدركه الأبصار   فكان لا بد لكل إنسان حتى يدركه ، أن يُقِرَّ من داخل عقله وقلبه ، بأن لهذا النظام منظماً ، وأن للسماء والأرض خالقاً  وأن الأثر يدل على المسير .

سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف رأيت ربك ؟ فأجاب قائلاً : ( نورٌ أنى أراه ) . وقد وضع السلف الصالح معياراً دقيقاً لذلك فقالوا : "كل ما خطر ببالك فإنه هالك   والله بخلاف ذلك " .

وسئل أبو بكر الصديق بما عرفت ربك ؟ فقال : "عرفت ربي بربي ، ولولا ربي ما عرفت ربي  فقيل له : فكيف عرفت ربك ؟ قال : العجز عن إدراك الإدراك إدراك ، والبحث عن ذات الله إشراك" .

وإذا ما سألك سائل أين الله ؟ فقل له أين أنت ؟ حتى تعلم أين الله ، فالله ليس بجسمٍ ولا صوره  ولا معدودٍ ولا محدود ، ولا متبعضٍ ولا متجزئ  ولا متلونٍ ولا متكيف ، لا يسأل عنه بمتى كان ؟ لأنه خالق الزمان ، ولا يسأل عنه بأين هو ؟ لأنه خالق المكان  فكل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك ، هو الأول لا شيء قبله ، الآخر لا شيء بعده  الظاهر لا شيء فوقه ، الباطن لا شيء تحته  كلُّ شيء قائم به ، وكل شئ خاشع له ، عزُّ كل ذليل ، وغني كل فقير، وقوة كل ضعيف  من تكلم سمع قوله ، ومن سكت علم سرّه  ومن عاش فعليه رزقه ، ومن مات فإليه منقلبه ، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير .

وقيل للإمام علي هل رأيت ربك ؟ قال: "وكيف أعبد مالا أرى ؟ فقيل له كيف رأيته ؟ قال : إذا كانت العيون لا تراه بمشاهدة العيان ، فإن القلوب تراه بحقيقة الإيمان  سبحانك ربي يا من تنزه عن الشريك ذاته ، بالبر معروف   وبالإحسان موصوف ، علم ما كان  وعلم ما يكون ، وعلم ما لا يكون ، لو كان كيف كان يكون " . وقيل للإمام مالك : ما معنى قوله تعالى الرحمن على العرش استوى ؟ فقال :" الاستواء معلوم  والكيف مجهول ، والسؤال عنه بدعه ، والإيمان به واجب ، فمن الله الرسالة  وعلى الرسول البلاغ  لأنه تعالى كان ولا مكان ، وهو على ما كان  قبل خلق المكان  لم يتغير عما كان " .  ما اجمل وأروع واسلم هذه العقول ، التي عرفت فأصدرت حكمها عدلاً وصدقاً .

سأل بعض الماديين الإمام أبو حنيفة : "هل أبصرت ربك ؟ قال : سبحان ربي لا تدركه الأبصار ، قال هل أحسسته بأحد حواسك ؟ قال أبو حنيفة سبحان ربي ليس كمثله شيء ، فقال السائل : إن لم تكن أحسسته ولا أبصرته فمن أين تثبت أنه موجود ، قال الإمام : يا هذا هل أبصرت عقلك ؟ قال : لا قال: هل سمعت عقلك ؟ قال: لا قال هل احسسته ببعض حواسك ؟ قال : لا فقال له الإمام : أأنت عاقل أم مجنون ؟ قال : أنا عاقل فقال الإمام : فأين عقلك ؟ قال : موجود ، فقال الإمام :كذلك الله جل جلاله موجود " .

إن الإيمان من أفضل الأعمال ، وأشرف الوسائل التي يتوسل بها إلى الله ، للحصول على مرغوب  أو النجاة من مرهوب ، فقد رضيه الله وسيلةً إليه  وأثنى على المتوسلين به في قوله تعالى: ﴿ ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار ﴾ آل عمران 16 .  والوسيلة : هي التقرب إلى الله تعالى بعمل صالح  طلباً للقرب منه  وهي مندوبٌ إليها لقوله تعالى : ﴿ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا اليه الوسيلة ﴾ المائدة 35 . ولفظ الجلالة الوسيلة أطلق على أعلى درجه في الجنة ، قال صلى الله عليه وسلم: ( ثم سلوا الله لي الوسيلة ، فإنها منزله في الجنة ، لا تنبغي إلا لعبدٍ من عباد الله ) .

أما الوسائل المحرمة فهي : الاستعانة بالأولياء والصالحين ، والتوسل بجاههم والنذور إليهم  والذبائح على أرواح الأولياء وأضرحتهم وسؤال الله بجاه نبيه أو عبده فلان ، هذا كله غير جائز .

وأما الإيمان بالملائكة الذين خلقهم الله من نور  وطبعهم على الخير، يفعلون ما يؤمرون  فالإيمان بهم من عناصر العقيدة الإسلامية ، ومنها الإيمان بالكتب ، وذلك بالتصديق الجازم بما أوحى الله من كلامه  الخاص ، على من اصطفى من رسله عليهم السلام  .

ومنها الأيمان بالرسل ، وخاصة أولوا العزم منهم  وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام ، ومنها الإيمان باليوم الآخر   وهو التصديق بيوم القيامة الذي ينتهي به الكون وتنتهي فيه هذه الحياة الدنيا بكاملها  وتبدأ حياة أخرى ، وهي الدار الآخرة بكل ما فيها من الخلائق ، وحشرهم وحسابهم ومجازاتهم .

ومنها القضاء والقدر : وهو أفعال العباد التي تقع في الدائرة التي تسيطر عليه  والخاصيّات التي يحدثها في الأشياء . أما الإيمان بالقضاء والقدر خيرهما وشرهما من الله ، فهو الإيمان بأن أفعال الإنسان التي تحصل جبراً عنه ولا قبل له بدفعها  والخاصيّات التي تحدث في الأشياء ، هي من الله  وليست من العبد ، ولا دخل له فيها ، وبذلك تخرج الأفعال الاختيارية عن بحث القضاء والقدر  لأن هذه الأفعال ، حصلت من الإنسان أو عليه باختياره . ولا يجوز أن يحتج المسلم بإرادة الله وقدره ، على الذنوب والمعاصي ، التي يأتيها العبد مريداً لها ، وهو يعلم أن الله قد حرَّمها على عبادة  وكرهها لهم ومنهم ، وأنزل بذلك كتبه وبعث رسله  بخلاف المصائب التي تصيب الإنسان   ولم يكن قد تسبب فيها  بترك طاعة أو مخالفه سنه ، لأنه لم يكن بإرادة منه واختيار، وإنما هو مجبور على ذلك  فالعقول وما فيها من ذكاء أو غباء ، والأجسام وما تكون عليه من طول أو قِصَر ، والزمان الذي يولد فيه الإنسان ، والمكان الذي يحيا فيه ، والبيئة التي ينشأ في ظلها ، والحياة والموت والصحة ، والمرض والسعه والضيق ، ذلك لا يد للإنسان فيه ، وهو ليس محل مؤاخذه  ولا موضع حساب .

وقد تعهد الله بإعطاء الأجر للمؤمن الذي تحلُّ به مصيبة من هذه المصائب  فقال عليه السلام في الحديث الذي رواه البخاري : ( ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا همٍّ ولا حزنٍ  ولا أذى ولا غمٍّ ، حتى الشوكة يشاكها ، إلا كفَّر الله بها من خطاياه ) . أما الجانب الآخر من الأعمال التي يقوم العبد نفسه بفعله ،مختاراً غير مجبر فالإنسان يُسأل عن هذا الفعل ، لأنه يقع في الدائرة التي يسيطر عليها الإنسان . سأل الحسن البصري ، الحسن بن علي مستفهماً عن القضاء والقدر فأجاب : من حمل ذنبه على ربه فقد فجر ، إن الله لا يطاع استكراها ولا يُعصى بغلبة  فإن عمل الناس بالطاعة ،لم يحل بينهم وبين ما عملوا ، وإن عملوا بالمعصية   فليس هو الذي أجبرهم  ولو أجبرهم على الطاعة لأسقط الثواب ، ولو أجبرهم على المعصية لأسقط العقاب ، ولو أهملهم لكان عجزاً في القدرة ، فإن عملوا بالطاعة فله المنة ، وإن عملوا بالمعصية فله الحجة عليهم  .

أما الإرادة : فإنه لا يقع في ملك الله أي فعل  سواء كان ذلك خيراً أو شراً إلا  بإرادته . والإرادة هنا معناها أنه لا يقع في ملكه شيء جبراً عنه ، فإذا عمل  العبد عملاً ولم يمنعه  الله منه  ولم يجبره عليه ، بل تركه مختاراً ،كان فعله هذا بإرادة الله ، لا جبراً عن الله ، أما فعل العبد نفسه فهو باختياره ، بمعنى أن الإرادة هنا غير مجبره على الفعل ، لأنها لا دخل لها في الأفعال الاختيارية  وعليه فالبحث يكون ، هل العبد مجبر على الفعل أم مختار؟ وليس أن الله أراد الفعل أو لم يرده   فإذا ثبت أن الفعل قام به العبد مختاراً في دائرة الأفعال الاختيارية ، وهي التي تقع ضمن نطاق الأوامر والنواهي ، التي أوضحها الله ورسوله  والتي يسيطر عليها الإنسان ولم يجبر عليها ، فهذه الأفعال غير داخله في مجال القضاء والقدر  

وأخيراً الهداية والضلال : فالإنسان  هو الذي يهتدي ، وهو الذي يضل  يهتدي مختاراً ويضل مختاراً ، دون أي  إجبار ، فالهدى والضلال من الإنسان نفسه  لأنه فعل من أفعاله كسائر الأفعال الاختيارية ، بصريح الآيات القرآنية . قال تعالى : ﴿ فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ﴾ الإسراء 15 . وقوله : ﴿ فإن اسلموا فقد اهتدوا ﴾ آل عمران 20 .

 إن القارئ لهذه الآيات وأمثالها ، يجد أن الله رتب الحساب على أعمال الناس . قال تعالى: ﴿ من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها  ﴾ فصلت 46 .

أما لو كان الأمر كما يقول الجهلاء ، بأن الله هو الذي يهدي الإنسان ، وهو يضله ، وليس الإنسان نفسه ، فإن حساب الله للناس ، وتعذيبهم على الضلال حسب فهمهم ظلم ، لأنه حساب لهم على شيءٍ لم يفعلوه ، وإنما بأمرٍ منه   والله منزه عن الظلم . فالإنسان  هو الذي يضل ويهتدي ، ومحاسبته على ذلك عدلٌ  لأنها محاسبةٌ على فعل فعله هو. أما الآيات التي تدل على نسبه الهداية والضلال إلى الله ، فذلك يعني أن الله خلق الهداية والضلال من العدم ، وليس أن الله هو الذي باشر فعل الهداية  ، مثال ذلك قال تعالى: ﴿ قل الله يهدي للحق ﴾ يونس 35 . وقال : ﴿ من يهد الله فهو المهتد ﴾ الإسراء 97 . هذه الآيات وامثالها في القرآن الكريم ، لا تعني أن الله باشر الهداية ، إنما تعني أن الله خلق الهداية .

كما لا يقال ان الهداية استندت إلى الله ، لأن هناك قرينه تصرف الأشياء عن الفعل إلى الخلق ، وهي الآيات التي تسند الهداية إلى  الإنسان نفسه  قال تعالى: ﴿ وما أضلنا إلا المجرمون ﴾ الشعراء 99 . وقال : ﴿ربنا هؤلاء أضلونا ﴾ الأعراف 38 . يقي موضوع الآيات التي اقترنت فيها الهداية والضلال بمشيئة الله ، فهذه تفيد بأنه لا يهتدي أحدٌ جبراً عن الله ، أو يضل جبراً عنه ، وليس معناها أن إرادة الله هي التي فعلت الفعل ، قال تعالى : ﴿ ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ﴾ النحل 93 . فإضلال الله لشخصٍ معناه : أن هذا الشخص آثر الغي على الرشاد وسعى إليه فناله . قال تعالى : ﴿ فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين ﴾ الصف 5 . وقال : ﴿ ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون ﴾ الأنفال 23 . فمعنى يضل من يشاء لا يعدو قوله تعالى : ﴿ وما يضل به إلا الفاسقين الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ﴾ البقرة 26 . هذه هي أهم عناصر العقيدة .

أما الفرق بين العقيدة والحكم الشرعي .  

العقيدة لغةً : ما عقد عليه القلب ، ومعنى عقد عليه أيّ جزم به ، أيّ صدقه يقينا . فإن كان التصديق بأمر أساسي أو متفرعاً عن أمرٍ أساسي ، فإنه يصح أن يتخذ مقياساً لغيرة  فيكون لانعقاد القلب عليه أثر يدفع لتعيين موقف تجاهه من التصديق والتكذيب فيكون من العقيدة  والعقيدة هي الفكرة الكلية عن الكون والإنسان والحياة ، وما قبل الحياة الدنيا وما بعدها .

فالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقضاء والقدر خيرهما وشرهما من الله تعالى هو العقيدة الإسلامية . والإيمان بالجنة والنار والملائكة والشياطين هو من العقيدة ، كذلك الأفكار وما تعلق بها ، والأخبار وما يتعلق بها من المغيبات التي لا يقع عليها الحس  تعتبر من العقيدة أيضا .

أما الأحكام الشرعية : فهي خطاب الشارع المتعلق بأفعال العباد ، كالبيع والكفالة والصلاة وإقامة حدود الله وما شابه ذلك ، فإنه يعتبر من الأحكام الشرعية والتوحيد .

أما البعث والحساب والعذاب وكون القرآن كلام الله وما شابه ذلك ، فإنه يعتبر من العقيدة . والعقائد أفكار تصدق ، والأحكام الشرعية خطاب يتعلق بفعل الإنسان ، فمثلاً ركعتا صلاة الفجر ، الحكم الشرعي من حيث صلاتهما  والتصديق بكونهما من الله عقيدة ، وكذلك قطع يد السارق وتحريم الربا ،كون ذلك من الله  فحكمه الشرعي والتصديق به عقيدة ، وصلاة سنة الفجر ، لو لم يصلها لا شئ عليه ، ولو صلاها له ثواب  وذلك ينطبق على بقية السنن  من حيث الحكم الشرعي . أما من حيث العقيدة فالتصديق بركعتي الفجر أمر حتمي ، وإنكارهما كفر ، لأنهما ثبتا بطريق التواتر .

أما التصديق بركعتي المغرب فمطلوب ، لكن إنكارهما لا يعتبر كفراً ، لأنهما ثبتتا بدليل ظني وهو خبر آحاد ، وهو ليس بحجة في العقائد  وعليه فالعقيدة هي الإيمان ، والإيمان : هو التصديق الجازم المطابق للواقع عن دليل يتوفر فيه القطع واليقين . أما الحكم الشرعي : فهو خطاب الشارع المتعلق بأفعال العباد ويكفي فيه الظن . فيكون أدراك الفكر ، وهو الحكم على الشيء والتصديق بوجوده أو عدم وجوده  هو عقيدة . وإدراك الفكر واعتباره معالجة كفعل من أفعال الإنسان  أو عدم اعتباره معالجة   هو حكم شرعي ، وفي اعتبار الفكر معالجة يكفي الدليل الظني  أما لأجل التصديق بوجود دوافع الفكر ‎ فلا بد من الدليل القطعي .

       

 

 

 

الهداية والضلال

إن الإنسان هو الذي يهتدي ، وهو الذي يضل ، يهتدي مختاراً و يضل مختارا ً دون أي إجبار ، فالهدى والضلال من الإنسان نفسه ، لأنه فعل من أفعاله كسائر الأفعال الاختيارية ، بصريح الآيات القرآنية قال تعالى : ﴿ فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ﴾ الإسراء 15. وقال تعالى : ﴿ فإن اسلموا فقد اهتدوا ﴾ آل عمران . إن القارئ لهذه الآيات وأمثالها ، يجد أن الله رتب الحساب على أعمال الناس ، قال تعالى : ﴿ من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها ﴾ فصلت 46 . أما لو كان الأمر كما يقول الجهلاء بأن الله هو الذي يهدي الإنسان ، وهو يضله وليس الإنسان نفسه ، فإن حساب الله للناس و تعذيبهم على الضلال حسب فهمهم ظلم ، لأنه حساب لهم على شيء لم يفعلوه ، وإنما بأمر من والله منـزه عن الظلم . فالإنسان هو الذي يضل و يهتدي ومحاسبته على ذلك عدلٌ ، لأنها محاسبةُ على فعله هو . أما الآيات التي تدل على نسبة الهداية و الضلال إلى الله ، فذلك يعني أن الله خلق الهداية

والضلال من العدم و ليس أن الله هو الذي باشر فعل الهداية مثال ذلك قال تعالى : ﴿ قل الله يهدي للحق ﴾ يونس 35 . وقال : ﴿ من يهد الله فهو المهتد ﴾ الإسراء 97 . هذه الآيات وأمثالها في القرآن الكريم ، لا تعني أن الله باشر الهداية ، إنما تعني أن الله خلق الهداية  ، كما لا يقال إن الهداية استندت إلى الله لأن هناك قرينه تصرف الأشياء عن الفعل إلى الخلق ، وهي الآيات التي تسند الهداية إلى الإنسان قال تعالى : ﴿ وما أضلنا إلا المجرمون ﴾ الأعراف 38 . يفي موضوع الآيات التي اقترنت فيها الهداية و الضلال بمشيئة الله ، فهذه تفيد بأنه لا يهتدي أحدٌ جبراً عن الله ، أو يضل جبراً عنه ، وليس معناها أن إرادة الله هي التي فعلت الفعل قال تعالى : ﴿ ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ﴾ النحل 93 . فإضلال الله لشخص معناه : أن هذا الشخص آثر الغي على الرشاد وسعى إليه فناله قال تعالى : ﴿ فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين ﴾  الصف 23. وقال : ﴿ ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم لتولوا وهم معرضون ﴾ الأنفال 23. فمعنى يضل من يشاء لا يعدو قوله تعالى : ﴿ يضل الله به الفاسقين الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ﴾ البقرة 26 .

 

 

 

 

 

                                     منزلة الزكاة 

معنى الزكاة لغةً : النمو و البركة و زيادة الخير .

وشرعاً : إسمٌ لقدرٍ مخصوصٍ من المال ، يجبُ صرفهُ لأصنافٍ مخصوصة .

وهي الركن المالي و الاجتماعي ، من أركان الإسلام ، و الزكاة و إن ذُكِرَتْ في باب العبادات  باعتبارها شقيقة الصلاة ، فهي في الحقيقة تُعَدُ جُزءاً من النظام المالي و الاجتماعي في الإسلام  حتى أن الإنسان في نظر القرآن، لا ينالُ البِرَّ  ، ولا يستحق و صف الأبرار الصادقين ، ولا  بدخلُ في زمرة المتقين ، ولا ينتظمُ في سلك المؤمنين ، إلا بإيتاء الزكاة ، وبغيرها لا يستحقُ رحمة الله ، التي أبى أن يَكْتُبَها لمانعي الزكاة . قال تعالى :﴿ ورحمتي وسعت كلَّ شئ فسأكتبها للذين يتقون و يؤتون الزكاة  ﴾ الأعراف 156 وبغيرها لا يستحقُ ولاية لله ، و لا رسولهِ ولا المؤمنين ، قال تعالى : ﴿ إنما وليكم الله و رسوله والذين أمنوا  الذين يقيمون الصلاة ، و يؤتون الزكاة  وهم راكعون ﴾ المائدة 55 . وبغيرها لا يستحقُ نصر الله  الذي وعد به من نصره،قال تعالى: ﴿ ولينصرنَّ اللهُ من ينصره ، إن الله لقوي عزيز ، الذين إن مكناهم في الأرض ، أقاموا الصلاة ، وآتو الزكاة، و أمروا بالمعروف ، و نهوا عن المنكر ﴾ الحج40 .

وقد أنذر الله مانعي الزكاة ، بالعذاب الغليظ في الآخرة ، لينبه بهذا الوعيد ، القلوب الغافلة وَيُحرِكَ النفوسَ الشحيحة إلى البذل ، يسوقها بعصا الترغيب و الترهيب ، إلى أداء الواجب طوعا ، وإلا سيقت إليه بعصا القانون  ، وسيف السلطان كرها . 

لقد هدد الله مانع الزكاة بالعذاب الأليم . روى البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم  قال : ( من أتاه الله مالاً ،  فلم يؤد زكاته ، مُثِلَ له يوم القيامة ، شجاعاً أقرع ، له زبيبتان ، يُطَوِقَهُ يوم القيامة ، ثم يأخذُ بِلِهْزِمَتَيهِ ، أي شدقيه، ثم يقول أنا مالك أنا كنزك ) ثم تلا النبي عليه السلام قوله تعالى : ﴿ ولا يحسبن الذين يَبْخَلونَ بما آتاهم من فضله هو خيراً لهم  بل هو شرُّ لهم ، سَيُطَوَقون ما بخلوا به يوم القيامة ﴿ آل عمران 180 .

كما ورد التهديدُ ، بالعقوبة الدنيوية ، لكلِّ من يَبْخَلْ بحق الله ، و حق الفقير في ماله ، قال عليه السلام :( ما منع قوم الزكاة إلا ابتلاهم الله بالسنين ) أي المجاعة و القحط . رواه الطبراني في الأوسط . وروى البيهقي وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال : ( يا معشر المهاجرين ، خصال خمس ، إن ابتليتم بهنَّ ونزلت بكم ، أعوذ بالله أن تدركوهنَّ ، لم تظهر الفاحشة في قومٍ قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الأوجاع التي لم تكن في أسلافهم ، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أُخذوا بالسنين ، وشدَّة المؤنة وجور السلطان ، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا المطر من السماء ، ولولا البهائم لم يمطروا ، ولا نقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط عليهم عدوٌ من غيرهم فيأخذ ما في أيديهم ، وما لم يحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل الله بأسهم بينهم ) .

 أما كيف تؤدى ، فالمال الحرام لا زكاة فيه  حتى لو خلطت بأموال حلال ، بحيث لا تتميز عنها  ففي الحديث الصحيح (لا يقبل الله صدقة من غلول ) حتى أن المرء لا يعد غنيا بالمال الحرام    وإن بلغ القناطير المقنطرة ، وقد فصَّل الفقهاء كيفية إخراج الزكاة على النحو التالي :

1-زكاة الدين : جمهور الفقهاء يرون أن الدين نوعان . دين مرجو الأداء : و هذا تعجل زكاته من ماله الحاضر .  ودين غير مرجو أخذه ، وهذا فيه ثلاثة أقوال . قولٌ يزكيه إذا قبضه ، لما مضى من السنين ، وقول أخر ، يزكيه لسنة واحدة  وقول ثالث ،لا زكاة عليه لما مضى من السنين  بل يزكيه عند قبضه ،  أما الدين الميئوس منه : فلا زكاة عليه ، وهناك قول بتزكيته عند قبضه لسنة واحدة ، وقد يكون لموظف مكافآت أو مُدَّخرات ، فهذه بمنزلة المال الذي في يده ، تجب فيها الزكاة إذا بلغت نصابا ، وتوفرت شروط السلامة من الدين ..

2- بلوغ النصاب : وهو شرطٌ لا بد منه  لوجوب الزكاة في كل حال ، ويشترط فيه أن يكون فاضلاً عن الحاجة الأصلية لمالكه ، وقد فسر علماء الحنفية الحاجة الأصلية ، بأنها ما يَدْفَعُ الهلاكَ عن الإنسان تحقيقا كالنفقة ، ودور السكن  والثياب المحتاج إليها ، وأثاث المنزل ، وما يلزم الركوب والتنقل ، وكتب العلم ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم . ( لا صدقة إلا عن ظهر غنى ) رواه البخاري معلقاً  .  ومن تصدق وهو محتاج ، أو أهله محتاجون ، أو عليه دين ، فالدين أحق أن يُقْضى  . 3-السلامة من الدين : فلا بد أن يكون النصاب سالما من الدين ، فان كان المالك مدينا بدين   يستغرق نصاب الزكاة ، أو يُنْقِصُهُ ، فان الزكاة لا تجب عليه . لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (هذا شهر زكاتكم ، فمن كان عليه دين فليؤده  حتى تخرجوا زكاة أموالكم ) . وفي لفظ رواه مالك ( من كان عليه دين فليقض دينه وليزكي بقية ماله ) ولهذا ذهب جمهور الفقهاء ، إلى أن الدين يمنع وجوب الزكاة ، أو ينقص بقدره في النقود وعروض التجارة ، بخلاف المواشي والزروع  فقد ذهب بعض الفقهاء ، إلى أن الدين فيها  يمنع وجوب الزكاة 4- المال المستفاد : إن كان نماء المال عنده  وجبت فيه الزكاة ، كربح مال التجارة ، فإن الزكاة  تجب فيه عند استفادته ، إذا بلغ نصاباً بدون خلاف . .

5- حُلي المرأة :  ويشمل الذهب والفضة واللؤلؤ والمرجان والزمرجد والماس ، وهي لا زكاة فيها لأنها مال غير نام ، وهي حلية ومتاع للمرأة  أباحها الله بنص كتابه ، حين ذكر البحر فقال تعالى : ﴿ وتستخرجون منه حلية تلبسونها ﴾ النحل 14  وحلي النساء ، لم يرد في شأنها شيء في كتب الصدقات الواردة عن النبي عليه السلام ، ولم يرد نص صريح ، بإيجاب الزكاة فيها أو نفيها عنه ، وإنما وردت أحاديث ، أختلف الفقهاء في ثبوتها ، كما اختلفوا في دلالتها ، وليس هذا مقام التوسع في ذلك ، ومن المستبعد في حكم الشريعة العادلة ، أن تعفى من الزكاة ،حلي اللؤلؤ والماس والجواهر الثمينة ، التي يقدر الفص الواحد منها ، بآلاف الدنانير ، ولا تتحلى بها عادة إلا النساء الثريات المقتدرات  وزوجات الأثرياء وبناتهم . نعم من المستبعد أن تعفي الشريعة هؤلاء وتوجب الزكاة في حلي الذهب والفضة ، التي تتحلى بها عادةً  متوسطات الحال ، بل الكثيرات من الفقيرات  في الريف والقرى ، وزوجات الفلاحين والعمال .

 وهل يعقل أن تبيح الشريعة ، لتلك النساء الاستمتاع بحلي الذهب والفضة ، ثم تفرض عليهن إخراج ربع عشر في كل عام ، على حين تعفى ربات اللؤلؤ والماس والمرجان ، والذي نعقله هو إعفاء هؤلاء جميعا ، لأن هذا وذاك متاع شخصي ، وليس مالا مرصدا للنماء ، أما إذا اتخذت الحلي للكنز والادخار ، فهذه بمنزلة الدنانير المخزونة ، والنقود المكنوزة ،تجب فيها الزكاة  .

6- مال التجارة : كيف يزكي التاجر ثروته   على التاجر المسلم إذا حل موعد الزكاة ،أن يضم ماله بعضه إلى بعض ، رأس المال ، والأرباح  والمدخرات ، والديون المرجوة ،  يقوم بجرد تجارته ويقوِّم البضائع ، ويضيف قيمتها إلى ما لديه من نقود ، والى ما له من ديونٍ غيِر ميؤسٍ منها ، ويخرج زكاة ماله كله ، بنسبة 2,5 بالمائة ، أما بأي سعر يُقَوِّم ، فالمشهور من الآراء  ، يقوم بالسعر الحالي  الذي تباع به السلعة في السوق ، عند وجوب الزكاة .  ويجوز للتاجر أن يخرج الزكاة ، من عين التجارة  كسائر الأموال ، والأرجح لمصلحة الفقير، القيمة لا العين ،لأنه يشتري ما يلزمه بالقيمة ، أما العين فقد لا تنفعه ، ويكون في غنى عنها .

7- المستغلات كالدور والعمارات والسيـارات .

اتفق الفقهاء على عدم وجوب الزكاة في الدور والثياب ، وآلات الحرف اليدوية ،أما المصانع فان الزكاة تفرض في موجوداتها ، من آلات وماكينات ، أما الدور والثياب ، فلا زكاة فيها لأنها مشغولة بالحاجة الأصلية ، وأنها غير نافعه  وان ما اتخذ منها للنماء ولغير الاستعمال في الحاجة الأصلية ، صبح صالحاً لوجوب الزكاة

   أما كيف تزكى هده المستغلات: أوجب الإسلام الزكاة ، في نوعين من الأموال النامية  مما تؤخذ  الزكاة من أصله ونمائه معا ، أي من رأس المال وغلته عند كل حول ، كما في زكاة الماشية وعروض التجارة ، وهذا لتمام الصلة بين الأصل وفوائده وغلاته ، بزكاةٍ مقدارها ربع العشر .  أما ما تؤخذ الزكاة من غلته وإيراده فقط كالعمائر ، وأدوات الصناعة ، فأن الزكاة تؤخذ من صافي الغلال ، بمقدار العشر ، لأن النبي عليه السلام اخذ الزكاة بالعشر من الزرع ، الذي سقي بالمطر والعيون ، فكأنه أُخذ من صافي الغلة  ويمكن الأخذ بالرأي القائل بتزكية المال المستفاد  دون اشتراط حولان الحول ، والذي يتفق وعدالة الإسلام ، أن يعفى ما يعتبر حداً أدنى للمعيشة  وان تجب الزكاة في الباقي من إيراد السنة إذا بلغ نصابا ، وهذا بالنسبة لمن ليس له إيراد آخر يكفيه حاجاته ،كراتب أو نحو ذلك .

8- زكــاة الذهب والفضة . 

تجب الزكاة في الذهب إذا بلغ نصاباً، وحال عليه الحول ، ونصابه عشرون مثقالا،ً وزكاته ربع العشر  ، لحديث علي رضي الله عنه أن النبي عليه السلام قال :( إذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسةُ دراهم وليس عليك شئ -يعني في الذهب- حتى يكون عشرون ديناراً فان كان لك عشرون ديناراً ، وحال الحول ففيها نصفُ دينار ) رواه أبو داود .  وروى ابنُ ماجة والدار قطني عن ابن عمر وعائشة ( أن النبي عليه السلام كان يأخذ من كل عشرين دينار نصف دينار ، وعن الأربعين دينار ، دينارا ) .

 وأما الفضة :  فنصابها مائتا درهم ، فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة دراهم " والعمل على هذا عند أهل العلم ..

9- زكــاة الزروع والثمــار .

أجمع الفقهاء ، على وجوب العشر ، أو نصفه فيما أخرجته الأرض في الجملة ، بشرط أن يكون مما يُقتاتُ ويُدْخَرْ ويستنبته الآدميون ، ولا فرق بين الخضراوات وغيرهـا عند الحنفية كالقمح والشـــعير والعدس والحمص والفول وفي الرطب والعنب من الثمار ، وذكر النووي انه لا زكاة في الخضراوات أي الفواكه والبقول ، وأما الزيتون فالصحيح كما ذكر النووي أنه لا زكاة فيه ولا عبرة للحول لقوله تعالى : ﴿ وأتوا حقه يوم حصاده                            

10ـــ زكـاة النعـم .

  1-الإبل . أول نصاب الإبل خمس ، وفيها شاه ، وفي عشر شاتان .

  2-البقر . أول نصاب البقر ثلاثون ، فيجب تبيع -ابن سنه - وفي كل أربعين مسنة .

  3- الغنم . أول نصاب الغنم أربعون شاه  وفيها شاة

  4- الأوقاص . وهو ما بين الفريضتين وهو عفوٌ لا زكاة فيه .

وبعد .. إن الزكاة تطهر النفس ، من الشحِّ والبخل ، والذي يدفع الزكاة يشعر بالمسئولية عن مجتمعه ، وعن تكافله مع المحتاجين فيه . وفيها تعبير عملي ، عن أخوة الإسلام ، وتطبيق واقعي لأخلاق المسلم  وإيثاره  ، والزكاة مؤسسة الَّله للتامين . تأمين الإنسان من الفقر والعوز، إنها  تأمين اجتماعي عام ، وضمان اجتماعي للعاجزين ، ووقاية للجماعة من التفكك والانحلال  .وهي تكفر الخطايا  وتدفع البلاء  وتجلب رحمة الَّله ، فلو أقام المسلمون هذا الركن من دينهم ، لما وجد فيهم فقير ، ولا ذو حاجة  ولكن أكثر الناس ، تركوا هذه الفريضة ، فجنوا على دينهم وعلى أمتهم ، فصاروا  أسوأ من جميع ألا مم ،حتى فقدوا عزتهم وشرفهم ، وصاروا عالةً على أهل الملل الأخرى ، تركوا دينهم  فضاعت بإضاعتهم لهُ دنياهم  مصداقاً لقوله تعالى : ﴿ نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون الحشر 19 .

أما زكاة الفطر : فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال :( صوم رمضان ، مُعلَّقٌ بين السماء والأرض  لا يرفع إلا بزكاة الفطر ) وزكاةُ الفطر صاعٌ من القمح ، وحتى نعرِفَ قيمته ، يجب أن نعرِفَ كم غرام يساوي الصاع ، الصاع أربعة أمداد والمد 544 غرام فيكون الصاع 4×544=2,176 كيلو غرام ثم تحسب حسب سعر كيلو غرام القمح في السوق ، فتكون هذه قيمة صدقة الفطر

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

حقيقة التوحيد

 

 التوحيد هو إفراد الخالق بالعبادة ذاتاً وصفةً وأفعالا ، قال تعالى : ﴿ واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً ﴾ النساء 36 ، وفي الصحيحين عن معاذ بن جبل قال كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار فقال لي :( يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد ، وما حق العباد على الله ؟ قلتُ اللهُ ورسوله أعلم . قال فإن حق الله على العباد ، إن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ، وحق العباد على الله إن لا يُعذِّب من لا يُشْرِكُ به شيئا . قلت يا رسول الله أفلا أُبَشِّرُ الناس ؟ قال لا تُبَشِّرْهُمْ فيتَّكِلوا  ) . أما  ما هي حقيقة التوحيد ؟ أهي كلمة ننطق بها ، فنصبح بمجرد نطقها  مؤمنين ، أم هي الاعتقاد بأن الله واحد في ذاته وصفاته ، أم هي وجدان في الضمير . إن حقيقة التوحيد ، تعني الكلمة التي ننطق بها ، بالإضافة إلى الاعتقاد الراسخ في القلوب  والوجدان  المستمر في الضمائر ، وأن نترجم ذلك إلى واقع شعوري وسلوكي ، ونتوجه بالعبادة  إلى الله وحده بلا شريك ، عن أنس سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( قال الله تعالى يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة ) رواه النسائي. وأن نلتزم بشريعة الله وحدها ، دون  غيرها من الشرائع ، وإلا فهو الشرك الذي  ذكره الله على لسان المشركين . فقال تعالى : ﴿ وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم  مشركون﴾ يوسف 106.  وحتى يصبح الناس مؤمنين ، عليهم إن يعبدوا الله مخلصين له الدين ، فلا يكفي أن يعرفوا أن لهم ربا فقد كان الشيطان يعرف ذلك ، فكان لا بد من الإخلاص في العبادة ، حتى ينجوا الإنسان من إغواء الشيطان , قال تعالى : ﴿ قال ربي بما أغويتني لأزّيننّ لهم  في الأرض ، ولأغوينّهم أجمعين إلا عبادك منهم  المخلصين ﴾ الحجر 39 . ويشترط الإخلاص  حتى تصح  العبادة ، وتصبح مقبولة عند الله وذلك يشمل   أموراً ثلاثة هي : الاعتقاد الراسخ بأن الله واحد ، متفردٌ في ذاته وصفاته وأسمائه لا شريك له ، والتوجه بالعبادة إليه وحده لا شريك له ، و التحاكم إلى شريعته وحـدها دون غيرهـا من الشرائع . وهذه الثلاثة من مقتضيات لا إله إلا  الله ،لا تُقْبَلُ عبادة بدون توفرها  وبدونها لا يُعْتَبَرُ  الإنسان مؤمنا ، وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم .  أما محل الإخلاص فهو القلب ، وله شواهد ، فمن  توجه بشيءٍ من شعائر العبادة  ، لغير الله فقد أشرك ، ومن تحاكم راضيا  إلى شريعةٍ غير شريعةِ الله  فقد أشرك . وبما أن قضية التشريع ، متضمنةً تضمناً مباشراً ، في لا إله إلا الله ، بالنسبة للأمم المؤمنة ، فإنها تحتاج إلى شيء من البيان .

 

إن الناس يقولون بأفواههم لا إله إلا الله ، ويزعمون أنهم مطيعون لله ورسوله ، وعندما ندعوهم إلى  الله ورسوله ليحكم بينهم ، يعرضون عن شريعة الله ، ويرضون  بالشرائع الوضعية ، أولئك  نفى الله  عنهم الإيمان .قال تعالى : ﴿ويقولون أمنا بالله وبالرسول  وأطعنا . ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين ، وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليَحْكُمَ  بينهم إذا فريقْ منهم مُعْرضون﴾  النور47 في الآيةِ دليلٌ على أنهم لا يؤمنون حتى  يحكِّموا شريعة الله ، وهم يعلمون أن حكم الله ورسوله ، لا يحيد عن الحق ، ولا ينحرف مع الهوى ، ولا يتأثر بالمودة والشنآن ، إلا أن هذا الفريق من الناس ، لا يريد الحق ، ولا يطيق العدل ، لهذا يعرضون عن التحاكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويأبون إن يجيئوا إليه ، وهذا هو حال المنافقين ، الذين لا يجرأون على الجهر بكلمة الكفر ، فيتظاهرون بالإسلام ، ولكنهم لا يرضون بحكم شريعة الله ، ولا أن يحكم فيهم قانونه ، وهؤلاء وصفهم الله بقوله ، وما أولئك بالمؤمنين ، لقد ارتبطت قضيه التوحيد ، بتطبيق شريعة الله ، فاصبح الإيمان هو التحاكم إلى شريعة الله ، ومن آيات الكفر ، الحكم بغير ما أنزل الله . إن الذين يتظاهرون بالإسلام ، ثم يعرضون عن التحاكم إلى شريعة الله ، هم المنافقون وهم في الدرك الأسفل من النار ، قال تعالى :﴿ فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً ﴾ النساء 65. فلو عرضت كثيرين من المسلمين على هذه الآية ، لوجدتهم غير مؤمنين ، لأنهم غير مستسلمين لله سبحانه ، وغير خاضعين خضوع رضا لأحكام الله ، مما يجعلنا نشك في إيمانهم ، لأن المؤمن لو صدَّق بالله وبحكمته وعلمه ورحمته ، لأسلم نفسه ورضي كلَّ ما ارتضاه الله ، لأن الإيمان الذي محله القلب ، إن كان صادقاً يلزم منه الإسلام ، لأن الإسلام هو الإذعان والخضوع النفسي ، والاطمئنان القلبي ، والشعورُ بالرضى بكل ما جاء به النبي عليه السلام من دين ، وعليه فإن الإيمان تصديقٌ جازم بالتشريع السماوي ، والإسلام رضا قلبي ، وعدم اعتراض على أي تشريع شرعه الله . 

 

  وحين تُحَكَّمُ شريعة الله ، تعم البركة والطمأنينة الأرض ، وحين تُحَكَّمُ الجاهلية يظهر في الأرض الفساد ، ويكفي من بركة تطبيق الشريعة ، أن الأرض الإسلامية كانت لفترة طويلة ، أطهر أرض من الفاحشة ، وأطهر أرض من الخمر وموبقاتها ، وأطهر أرض من الربا ، وأقل بلاد الأرض جرائم . وليس معنى ذلك أنهم كانوا ملائكة أطهار ، إنما تطبيق المنهج الرباني يحصر الجريمة ، في أضيق نطاق ممكن ، ويوقع على مرتكبيها ، العقوبة الرادعة ، فلا تتبلد عليها حواس الناس .

 

لقد كان الزواج الباكر ، يغني عن ارتكاب الفاحشة ، وكانت تقوى الله والطمأنينة بذكره ، تغني عن الخمر ، وكانت قناعة الناس بالربح الحلال ، والعيش الحلال ، تحول بينهم وبين الربا ، وكانت المودة المتبادلة بين الناس ، تقلل من حجم الجريمة , فكان الناس لا يعرفون الأبواب المغلقة على بيوتهم لاستتباب الأمن ، وكان التجار يتركون حوانيتهم مفتوحة ، ليذهبوا إلى الصلاة في المسجد ، فلا يسطو عليها اللصوص .

 

 أما واقعنا المعاصر فهو أسوأ ما مرّ في التاريخ ، ولا يحتاج الإنسان لجهد كبير ليدرك السوء ، بحيث تجعلهم أسوأ كثيرا" ،حتى من الجاهلية المحيطة بهم ، بل تبدو الجاهلية المعاصرة قمة شامخة ، يعيش المسلمون إلى جوارها في الحضيض .

 

وإلى جانب التخلف المزري في كل جوانب الحياة ، السياسية والحربية والاقتصادية ، والاجتماعية والعلمية والمادية والفكرية والخلقية ، يوجد الضعف المزري أمام القوى العالمية ، أضف إلى ذلك الضياع الفكري والروحي ، الذي جعل الأمة الإسلامية ، تنظر إلى الجاهلية على أنها أفضل منها ، وتنظر إلى الإسلام على أنه رجعية وتخلف ، ينبغي الانسلاخ منه واتباع الجاهلية ، وأن الإسلام كان بالنسبة لوقته ، قد دفع الحياة كلها إلى الأمام ، وأن دوره في هذا الوقت قد انتهى ، وسبقه التطور فاصبح حركة رجعية ، ولم يعد صالحاً لمواكبة التطور الحديث ، بل صار معوقاً ينبغي طرحه ، والبحث عن بديل منه ، وهو الحضارة الغربية في نظرهم . إنها أباطيل ودعوات هدامة ، فالذي تخلف لم يكن هو الإسلام ، إنما هم المسلمون ، لأن الإسلام ما زال هو الدين الحق ، وما زال هو الطريق الواصل ، والطريق المستقيم ، وأن هذا صرا طي مستقيما" فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله .                      

 

              

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

                                                                                                                    

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

                    فضل الحج وثوابه

إن الله سبحانه وتعالى ، قيد اختيار الإنسان في فرائضه ، إما مكاناً وإما زمانا ، ومن العبادات ما لم يقيده الله ، لا بالزمان ولا بالمكان كالشهادة  ومنها ما قيدها الله ، زماناً ولم يقيدها مكاناً كالصلاة ومنها ما قيده زمانا ،ًكالصيام في شهر رمضان من كل عام ، ومنها ما قيده الله زماناً ومقداراً  ولم يقيدها مكاناً كالزكاة .

 أما الحج فإنه يختلف عن سائر العبادات ، من حيث انه مقيد زماناً ومكاناً ، وعلى هذا فلا يصح أن تحج وأنت في بيتك أو موطنك ، بل لا بد أن تذهب إلى بيت الله الحرام في مكة ، ولا يصح أن تقف في يوم عرفه في أي مكان ، بل لا بد أن تذهب إلى عرفات ، من التاسع من ذي الحجة   تقف في المكان المحدود للوقوف لا تتعداه  كما لا يحق لك أن تؤدي مناسك الحج في أي شهر ، بل لا بد أن تكون في شهر ذي الحجة .

  فالحج إذن هو الفريضة الوحيدة ، المقيدة زماناً ومكاناً ، لذلك كان جزاؤها غفران  الذنوب  لأنها أكثر الفرائض مشقةً على النفس المؤمنة . عن أبي هريرة قال سمعت النبي عليه السلام يقول: ( من حج لله فلم يَرْفُثْ ولم يَفْسُقْ ، رجع كَيَوْمَ وَلَدَتهُ أمهُ ). أي من غير ذنب ، وظاهر الحديث يدل على غفران الصغائر والكبائر والتبعات ، وفي حديث آخر ، (والحج المبرور ليس له جزاءٌ إلى الجنة ) .

 وروى الطبرانّي في الكبير والبزار وابن حبان في صحيحه عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( وأما وقوفك عشية عرفه فإن الله تعالى يهبط إلى سماء الدنيا ، فيباهي بكم الملائكة  فيقول عبادي جاؤني شعثاً غبرا ، من كل فجٍ عميق  يرجون رحمتي ، فلو كانت ذنوبهم كعدد الرمل ، أو كقطر المطر ، أو كزبد البحر لغفرتها  أفيضوا مغفوراً لكم ، وأما رميك الجمار ، فلك بكل حصاةٍ رميتها ، تكفيرُ كبيرةٍ من الموبقات   وأما طوافك بالبيت ، فان تطوف ولا ذنب عليك  يأتي ملك فيضع يديه بين كتفيك ، فيقول اعمل فيما يستقبل ، فقد غفر لك فيما مضى  

قال الزركشي وغيره ، إن هذا يقتضي أن تغفر الصغائر والكبائر ، وقال ابن حجر في قوله : رجع كيوم ولدته أمه ، أي بغير ذنب ، وظاهره غفران الصغائر والكبائر والتبعات ، وهذا من أقوى الشواهد  لحديث عباس بن مردا س وفي زوائد المسند أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( دعا عشية عرفه لأمته بالمغفرة والرحمة فأكثر الدعاء ، فأجابه الله سبحانه  أن قد فعلت وغفرت لأمتك ، إلا من ظلم بعضهم بعضا فقال يا رب إنك قادر أن تغفر المظالم ، وَتُثيبَ المظلوم خيراً من مظلمته ، فلم يكن تلك العشية  فلما كان من الغد ، دعاه غداة المزدلفة ، فعاد يدعوا لأمته ، فلم يلبث النبي صلى الله عليه وسلم أن تبسم  فقال بعض أصحابه يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي  ضحكت في ساعة ، لم تكن تضحك فيها ، فما أضحكك أضحك الله سنك ، قال تبسمت من عدو الله إبليس ، حين علم أن الله عز وجل ، قد استجاب لي في أمتي وغفر المظالم ، وها هو يدعو بالثبور والويل ، ويحثو التراب على رأسه ، فتبسمت مما يصنع من جزعه) . وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير والبيهقي في السنن الكبرى

 وأخرجه ابن عدي إنك قادر أن تُثيب المظلوم  وتغفر لهذا الظالم ، فأجابه الله عز وجل ، أن قد فعلت  قال الكرماني بعد ذلك الحديث ، فإن قلت هل هو عام في جميع الذنوب ؟ قلت هو عام في جميع ما يتعلق بحق الله تعالى ، لأن مظالم الناس تحتاج إلى استرضاء الخصوم .

وذكر ابن شهاب ، بهامش الفتاوى الفقهية الكبرى لابن حجر ، استناداً إلى ما تقدم من الحديث من أن حقوق الناس لا تسقط به ، بل يُعوضهم الله عز وجل من الجنة .

 

منافع الحج

قال تعالى : ﴿ ولله على حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ﴾ آل عمران 27 . الحج فريضة في العمر مرة  عندما تتوفر الاستطاعة ، من الصحة وإمكان السفر وأمن الطريق ، والحج مؤتمر المسلمين السنوي العام  يتلاقون فيه عند البيت ، الذي صدرت لهم الدعوةُ منه ، والذي جعله الله أول بيت لعبادته خالصا ،ً فهو تجمّعٌ له مغزاه وله ذكرياته ، التي تصل الناس بخالقهم ، حيث القلوب الخاشعة ، والدموع المرسلة والأكف الضارعة .

 وحين نذكر البيت الحرام ، وما فيه من شعائر في موسم الحج ، وكل أرض يقال على ساحتها لبيك اللهم لبيك ، فإنما نضع في حسباننا أن هذا كله خير ، في ميزان القيم للفرد والجماعة   والذين يظنون أن العبادة في الإسلام ، هي أمر بين الله وعباده وكفى ، على المعنى الكنسي ، إنما يفترون على الإسلام ما هو منه براء ، لأن العبادة في الإسلام ومنها الحج ، الذي هو ركن من أركان الإسلام ، له كل المساس بشأن الجماعة  وهو أمرٌ مشروع خاطب الله به عباده ، وهو فرضٌ يُعِدُ الإنسان إعداداً صحيحاً  ويُؤهله تأهيلاً مُتكاملاً . ففي آية افتراض الحج ، قدّمَ الحديث عن البيت الحرام  بأنه مُبارك ، ومصدر هداية وأمان  تأكيداً على عظمة هذه الفريضة ، وما لها من أثرٍ في حياة الفرد والجماعة . فقال تعالى في آخر الآية : ﴿ ومن كفر فإن الله غنيٌ عن العالمين ﴾ . وقد وردت الإشارة في آيةٍ أُخرى ، إلى بعض الحكم التي تترتب على هذه العبادة . فقال تعال: ﴿ ليشهدوا منافع لهم ﴾ ومن هذه المنافع   أن يُيَسِرَ الله للمسلم ، أن يأتيَ بشعائر الحج بدون مخالفات ، ويسعد بزيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويا نعمت المنفعة ، أن يغسل المسلم بدموعه أوزار المعاصي .   إن كل مسلم منا ، وخاصةً الوافد إلى بيت الله الحرام ، مسئولٌ عما تعانيه أمة الإسلام في هذه الأيام وأن يكون موسم الحج ، منطلقاً جديداً يدفع بنا إلى حيث غسل العار ، وإعادة الحق إلى نصابه .  إننا نسأل الله في هذا الموسم ، أن يمد المسلمين بما يُحرك قلوبهم بدوافع الإيمان والعزيمة ، ليكونوا قادرين على العودة الصحيحة إلى دينهم ، مصدر عزتهم وقوتهم ، ومن يدري فلعلَّ ساعة من ساعات كرم الله وعنايته ، تشملُ الوافدين إلى بيته ، المتجردين لعبوديته ، أن يكون لها ما لها   إن رحمة الله قريب من المحسنين .    

إننا نسأل الله أن تصدق النيات في هذا الموسم  وتجتمع النفوس على الاعتصام بحبل الله ، وتُجَنَدُ كلُ القوى امتثالاً لأمر الله ، في الإعداد والاستعداد ، إيماناً وفكراً ، وتنظيماً وتصميماً . ليذكر الوافدون إلى بيت الله الحرام المسجد الأقصى ، الذي ما زال تحت سلطان اليهود  وليذكر كُل مسلم ، بأن وعد الله بالاستخلاف في الأرض قائم ، ولا بد أن يتحقق ، شريطة أن يسير المسلمون على المنهج الرباني ، وعسى أن يكون الاغتصاب والعدوان ، والتنكيل والتعذيب  دافعاً من دوافع الرجوع إلى الله ، ليستخلفنا كما استخلف الذين من قبلنا ، وليمكنن لنا ديننا  وليُبْدِلنا من بعدِ خوفنا أمنا ، إنه على كل شيءٍ قدير .

 إن المسلمين تنتظرهم واجبات ، لا يطيق أداءها أولئك الذين تثقلهم المعاصي ، وتنأى بهم عن جادة الحق ألوان الشهوات ، والخلود إلى الراحة وطلب العافية والسلامة .  إننا ونحن نتحدث عن فريضة الحج ، التي أكرم الله بها هذه ألأمه ، نرى أن من واجب أولئك الذين سعدوا بكرم التطلعات إلى خير هذه ألأمه ومستقبلها ، أن يعملوا على أن يكون الحج ، وما يرافقه من أعمال ، جزءاً من التربيةِ العملية التطبيقية في إعداد النفس ، الذي يتمثل في العبودية الصادقةِ الخالية من الجهالات ، التي كان لها الأثر الأكبر في ابتعاد ألأمه عن مدلول الإسلام الصحيح ، ومفهوما ته الأصيلة الغنية بالعطاء .  وإذا ما تنبهت الأمة إلى ذلك واجتنبته ، فيا خير ما تجنيه من ثمرات ، وعندها فإن ما يكون حلماً أو خيالاً في نظر البعض ، يمكن أن يتحول إلى واقع مشرق ، وحقيقة ناطقةٍ هاديه ، إذا ما صدقت العزائم وتعاون القادرون بكفاءاتهم  وأموالهم وطاقاتهم ، كلٌّ على قدر استطاعته  وتجنيد كلِّ الطاقات الممكنة عندها يكون النصر الذي وعد الله به عباده ، إنه قريب مُجيب .

وأخيراً هنيئاً لأولئك الذين أسعدهم الله بالسفرِ لزيارة بيته ، ونرجوا من الله أن يرزقنا وإياهم حسن المثوبة وكرم المغفرة إنه سميعٌ مُجيب   وآخر دعوانا أن الحمدُ لله رب العالمين .

 

 

                               

        

 

  هل على القارن والمتمتع سعيان أو سعي واحد 

 الثاني : المتمتع عليه سعيان والقارن عليه سعي واحد وهذا هو القول الثاني في مذهب أحمد بن حنبل وقول من يقوله من أصحاب مالك والشافعي رحمهما الله 

وقد روى الإمام أحمد ، والترمذي ، وابن حبان في " صحيحه " من حديث الدراوردي ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  من قرن بين حجته وعمرته أجزأه لهما طواف واحد  ولفظ الترمذي  من أحرم بالحج والعمرة أجزأه طواف وسعي واحد عنهما ، حتى يحل منهما جميعا

 هل طواف الوداع واجب في العمرة؟ وهل يجوز شراء شيء من مكة بعد طواف الوداع سواء كان حجاً أو عمرة؟

 إن طواف الوداع ليس بواجب في العمرة ولكن فعله أفضل، فلو خرج ولم يودّع فلا حرج. أما في الحج فهو واجب، لقول النبي – صلى الله عليه وسلم- :"لا ينفرن أحد منكم حتى يكون آخر عهده بالبيت" وهذا كان خطاباً للحجاج. وله أن يشتري ما يحتاج إليه بعد الوداع من جميع الحاجات حتى ولو اشترى شيئاً للتجارة ما دامت المدة قصيرة لم تطل، أما إن طالت المدة فإنه يعيد الطواف، فإن لم تطل عرفاً فلا إعادة عليه مطلقاً.

 حكم تارك طواف الوداع.

 فطواف الوداع مختلف فيه بين أهل العلم. فالجمهور يرى أنه لا يسقط إلا عن الحائض لما في الصحيحين من أن ابن عباس كان يقول : أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض. وفي المستدرك أنه قال: كان الناس ينفرون من منى على وجههم، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون آخر عهدهم بالبيت ورخص للحائض. وعلى هذا القول فمن تركه غير الحائض فعليه دم كمن ترك غيره من واجبات الحج.

أداء طواف الإفاضة مع طواف الوداع بنية واحدة صحيح

إن تأخير طواف الإفاضة عن يوم النحر إلى وقت مغادرة مكة جائز، ولا شيء فيه، ويجزئه عن طواف الوداع، وإن لم ينو به الوداع، كما يجزئه بالأولى، إذا نواهما معاً ، أما إذا نوى الوداع فقط ، فإنه لا يجزئه عن طواف الإفاضة ، لأن هذا ركن وذاك واجب فهو أعلى منه ، ولا يجزئ الأدنى عن الأعلى .

 

 

 

  المفهوم الصحيح للعبادة

تنبع أهمية العبادة من كونها الغاية التي خلق الله الخلق لأجلها، قال تعالى: { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون }(الذاريات: 56) ولأجل تحقيق هذه الغاية واقعا في حياة الناس بعث اللهُ الرسل، قال تعالى:{ ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت }(النحل:36)

وقد لخص العلماء تعريف العبادة بقولهم: كل ما يحبه الله ويرضاه من الأفعال والأقوال الظاهرة والباطنة فمثال الأفعال الظاهرة الصلاة، ومثال الأقوال الظاهرة التسبيح، ومثال الأقوال والأفعال الباطنة الإيمان بالله وخشيته والتوكل عليه، والحب والبغض في الله.

وعندما ننظر إلى العبادات السماوية ، نجد أداءها في اليوم والليلة لا يستغرق ساعة ن ونجد تعاليمها لا تستغرق الكثير ، ويبقى الزمان والمجال بعد ذلك واسعاً لفهم الحياة وتسخيرها لخدمة الدين ، وكل جهد يبذل في ذلك يسمى شرعاً عملاً صالحاً يؤهل المرء لرضوان الله تعالى فقال : { ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون } الانبياء 94 .

من المستحيل إقامة مجتمع ناجح الرسالة إذا كان أصحابه جهالاً بالدنيا ، عجزة بالحياة ، وما علموا أن الصالحات المطلوبة تصنعها فاس الفلاح وإبرة الخياط وقلم الكاتب ومشرط الطبيب ، ويصنعها الغواص في بحره ، والطيار في جوه ، والمحاسب في دفتره ، يصنعها المسلم وهو يباشر كل شيء تحقيقاً لنصرة ربه وإعلاء كلمته . هناك بعض المسلمين حصروا عباداتهم في الصلوات والاذكار يعبدون الله ويظنون أن الأمم تقام بالهمهمه ، إذن فمن ينصر الله إذا كانوا جهالاً بالحديد وما يصنع منه والله يقول : { وانزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصُرُه ورسله بالغيب } الحديد 25 . 

هناك الكثير من الصناعات المدنية والعسكرية تتعلق بالنفط واستخراجه والانتفاع بمشتقاته لا نعرف منها شيئاً ، فهل نخدم العقيدة بهذا العجز المهين ؟ ألا نرى لو قيل لكل شيء في البلاد الإسلامية عد من حيث جئت ، فإننا لا نجد من صنع أيدينا ما نكسب ، ولا ما نركب ، ولا ما يضيئ البيوت ، بل إننا نخشى أن نجوع لأن بلادنا لا تستطيع الاكتفاء الذاتي من الحبوب .

إن الله لا يقبل تديناً يشبه هذا الشلل ، ولا أدري كيف نزعم الإيمان ونحن نعاني من هذا العجز المهين الذي يجعل غيرنا يطعمنا ويداوينا ويمدنا بالسلاح إذا شاء ، أما كان الأولى أن نصنع شيئاً لديننا في ميدان خلا منه ؟ لقد رفض الإسلام قبول العبادات المعزولة عن عن مكارم الأخلاق المخلوطة بمنكر القول والعمل ، وكانت المراسيم العبادية قديماً هي مظهر الفضل والامتياز .

دروس وخطب

نقدم بين يديكم مجموعة من الدروس والخطب والمواعظ 

واسال الله ان يتقبل منا جميعا