النصيحـــــة

النصيحـــــة

قبول النصح

إِن رجاحة عقل الفتى تُعرف بالإصغاء للنُّصح، والأخذ بقول الناصح، لأن الجاهل تأخذه الحميّة فلا يستمع للنُّصح، ظنّاً منه أن الناصح يكشف له عن عيوبه، ولا يرضى الجاهل أن يقف على نقص في نفسه ، وقد فاته أن انكشاف عيوبه لديه يحثّه على سترها بالإصلاح ولذا قال  صلى الله عليه وسلم تعليماً لنا : ( أحبّ إخواني إِليّ من أهدى إِليّ عيوبي ) فكيف لا يكون أحبّهم إليه، وهو يريد له أن يتخلّى عن الرذيلة ويتحلّى بالفضيلة ، فقد جعل تلك الخِلّة من الأخ  بالكشف عن العيوب هديّة ، وهذه هي الغاية القصوى بالترغيب في هذه الخلّة للإخوان وتبادلها بينهم . وقد جعل قبول النُّصح للمؤمن أمراً لا غنى عنه، فقال صلى الله عليه وسلم : ( لا يستغني المؤمن عن خِصلة به ، والحاجة إلى ثلاث خِصال : توفيق من اللّه عزّ وجلّ، وواعظ من نفسه وقبول من ينصحه ) .  

 

من معاني النصيحة

والنصيحة تحمل في معناها ضمن ما تحمل: الإخلاص والصدق والنقاء والصراحة والصفاء  فهي مشتقة من الفعل "نصح" أي: خَلَصَ   والناصحُ: النقي الخالص من كل شيء، والنُّصْح: نقيض الغِشِّ  ويقال: نَصَحْتُ له  أَي: أَخْلَصْتُ وصَدَقْتُ . كما تحمل أيضًا معنى الإصلاح والنماء.. يقال: نَصَحَ الغيثُ البلادَ نَصْحًا إِذا اتصل نبتها فلم يكن فيه فَضاء ولا خَلَلٌ ، وقال ابن الأَثير: النصيحة: كلمة يُعَبَّر بها عن جملة  هي "إِرادة الخير للمنصوح له"  فليس يمكن أَن يعبر عن هذا المعنى بكلمة واحدة تجمع معناها غيرها.

والنصيحة لله تعني : صحة الاعتقاد في وحدانيته وإِخلاص النية في عبادته ، وترك الإلحاد في صفاته ، ووصفه بصفات الكمال والجلال كلها ، وتنـزيهه من جميع النقائص   والقيام بطاعته ، واجتناب معصيته ، والحب فيه والبغض فيه ، وموالاة من أطاعه    ومعاداة من عصاه ، والاعتراف بنعمته وشكره عليها .

والنصيحة لكتاب الله تعني : التصديق به والعمل بما فيه ، وتعظيمه ، وتلاوته حق تلاوته  والذب عنه ، والوقوف مع أحكامه ، وتفهم علومه وأمثاله ، والاعتبار بمواعظه، والتفكر في عجائبه ، والعمل بمحكمه ، والتسليم لمتشابهه ، ونشر علومه .

والنصيحة للرسول تعني : التصديق بنبوَّته ورسالته ، والانقياد لما أَمر به ونهى عنه   ونصرته حيًّا وميتًا ، ومعاداة من عاداه وموالاة من والاه ، وإعظام حقه وتوقيره ، وإحياء طريقته وسنته ، وبث دعوته ، ونشر شريعته ، ونفي التهمة عنها ، والإمساك عن الكلام فيها بغير علم ، وإجلال أهلها لانتسابهم إليها ، والتخلق بأخلاقه والتأدب بآدابه ، ومحبة أهل بيته وأصحابه ، ومجانبة من ابتدع في سنته ، أو تعرض لأحد من أصحابه.

والنصيحة لأئمة المسلمين تعني : معاونتهم على الحق  وطاعتهم فيه وأمرهم به ، وتنبيههم وتذكيرهم برفق ولطف ، وإعلامهم بما غفلوا عنه ولم يبلغهم من حقوق المسلمين  وألا يُغَرُّوا بالثناء الكاذب عليهم، والدعاء لهم بالصلاح.

والنصيحة لعامَّة المسلمين تعني : إرشادهم لمصالحهم في آخرتهم ودنياهم ، وكف الأذى عنهم، وتعليمهم ما يجهلونه من دينهم، وإعانتهم عليه بالقول والفعل ، وستر عوراتهم  ودفع المضار عنهم ، وجلب المنافع لهم ، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر برفق والشفقة عليهم، وتوقير كبيرهم، ورحمة صغيرهم، وتخولهم بالموعظة الحسنة ، وترك غشهم وحسدهم ، وتنشيط هممهم إلى الطاعات .

 

 

 

حُكْم النصيحة

يقول الإمام النووي نقلاً عن الإمام ابن بطال -رحمهما الله-: إن النصيحة تُسَمَّى دينًا وإسلامًا، وإن الدين يقع على العمل كما يقع على القول. والنصيحة فرض يجزي فيه من قام به ويسقط عن الباقين. والنصيحة لازمة على قدر الطاقة إذا علم الناصح أنه يُقبَل نصحه، ويُطَاع أمره، وأَمِنَ على نفسه المكروه فإن خشي على نفسه أذى فهو في سعة. ا.هـ.واعلم يا أخي   أن الأجر والثواب إنما يكون على قدر المشقة والتعب؛ فلا تترك النصيحة لشخص ما بحجة الحفاظ على صداقته ومودته، أو لطلب الوجاهة عنده ودوام المنـزلة لديه؛ فإن تلك الصداقة والمودة بينكما -إن كانت حقيقية- توجب له حقًّا عندك، ومن حقه أن تنصحه وتهديه إلى مصالح آخرته، وتنقذه من مضارها  وصديق الإنسان ومُحِبُّه هو من سعى في عمارة آخرته، وإن أدى ذلك إلى أذى في دنياه، وعدوه من يسعى في ذهاب أو نقص آخرته، وإن حصل بسبب ذلك صورة نفع في دنياه، وإنما كان إبليس عدوًّا لنا لهذا، وكان الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين- أولياء للمؤمنين لسعيهم في مصالح آخرتهم وهدايتهم  إليها.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أهمية النصيحة

وتنبع أهمية النصيحة -كوسيلة من وسائل الدعوة- من عدة جوانب:

1- قدرة جميع الناس على تقديمها.

2- لا تتطلب جهدًا كبيرًا ولا وقتًا طويلاً في الترتيب والإعداد والتقديم.

3- لا تتطلب إلا مهارات بسيطة يمكن للكل تعلمها.

4- النصيحة علامة واضحة على حب الشخص المنصوح،  فإن أحد معايير الحب هو النصح المخلص ، والصديق الذي يقدم النصيحة يُعَد صديقًا لا يمكن الاستغناء عنه في الحياة . وهناك أمور يجب أن يراعيها الناصح :

1- الإخلاص لله ، وجعل النصيحة خالصة لوجهه وحده ، وليس لأي غرض دنيوي .2- أن يكون هو نفسه يطبق ما يقول وقدوة حسنة فيما ينصح به من فضائل أو ينهى عنه من رذائل .3- التأكد من صحة الأمر الذي ينصح به من الناحية الشرعية وغيرها، فلا يقدم معلومات مشوشة، فتلك أمانة.

4- تخير الوقت المناسب.

5- تحسس الجو النفسي المهيِّئ لسماع النصيحة.

6- الذكاء في انتقاء واستخدام الكلمات المناسبة.

7- إظهار الحب وإبداء الود بإخلاص قبل الشروع في توجيه النصيحة.

8- يجب أن تكون النصيحة سرًّا بينك وبين المنصوح ، وليست علانية ؛ قال الإمام الشافعي : "مَنْ وَعَظَ أخَاهُ سِرًّا فقد نَصَحَه وزَانَه ، ومَنْ وَعَظَهُ عَلانِيَةً فَقَدْ فَضَحَهُ وشَانَه". وتأكد أن النصيحة العلنية لا تؤتي ثمارها الطيبة ، وإنما تخرج عن كونها نصيحة إلى كونها استفزازًا للمنصوح وإشعاره برغبتك في فضحه أمام الآخرين ، وتسيطر عليه هذه المشاعر ؛ مما يجعل أذنيه وقلبه لا تلتفت للمعنى الطيب الذي تشتمل عليه النصيحة ؛ مما يجعله يأخذ موقفًا مضادًّا . وتذكر أن الهدف من النصيحة هو تصحيح العيوب والأخطاء لدى الأفراد ، وليس إشاعة أفعالهم السيئة أو فضحهم.

9- عدم إشعار المنصوح بالتكبُّر والتعالي عليه ، ولا تجعله يشعر في كلامك بنغمة التفوق والاستعلاء، أو اللوم أو السخرية ، أو الاتهام  

10- أشْعِر المنصوح بتقبلك شخصيًّا للنصح إن هو أو غيره نصحك ، وأنك غير منـزه عن الخطأ

11- أشْعِر المنصوح بتقديرك لظروفه وأنك تلتمس له الأعذار

12- احذر أن يتحول موقف النصيحة إلى ساحة جدال عقيم ومناقشة عدائية

وهناك أمور يجب أن تتوفر في المنصوح وهي :

1- الترحيب بالنصيحة بقلب سمح وعقل متفتح ووجه مبتسم   

2- التعبير عن قبولها بالامتنان والتقدير.

3- التصميم والعزم على الشروع في العمل بهذه النصيحة نحو تحقيق التحسن المطلوب.

وفي المأثور: "أدِّ النصيحة على أكمل وجه، واقبلها على أي وجه".

ولكن ماذا لو لم تجد من المنصوح هذه الأشياء ، رغم قيامك بالنصيحة على أكمل وجه؟

1- اعلم أولاً أن تقديم النصيحة واجب علينا وعبادة نؤديها لله    بغض النظر عن الطريقة التي يتلقاها بها المنصوح .

2- اعلم أن أفضل الناصحين قوبلوا بمثل أو أشد ما قوبلت أنت به ؛ فقد أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر الله سبحانه صابرًا محتسبًا، مؤديًا إلى قومه النصيحة ، على ما يلقى منهم من التكذيب والأذى والاستهزاء .

3- إذا حاورك المنصوح فاحرص على محاورته بالحسنى ، وإن أساء إليك فلا ترد إساءته ، بل افعل مثلما فعل هود عليه السلام  ؛ حيث حكى عنه القرآن الكريم: ] وإلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ قَالَ المَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ إنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وإنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الكَاذِبِينَ [ الأعراف: 65، 66 .

4- إذا لم تجد نتيجة من الحوار، فانْهِ الحوار فورًا، وافعل وقُل مثلما فعل وقال صالح عليه السلام  لقومه: ] فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي ونَصَحْتُ لَكُمْ ولَكِن لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ[ الأعراف 79.

5- لا تتقاعس ولا يثبط عزمك إذا لم تجد تغييرًا فوريًّا في سلوك من نصحته؛ فمثل هذه التغييرات عادة ما تحتاج إلى فترة زمنية تنقضي بين الاقتناع ، ثم العزم، ثم التنفيذ.

6- من الممكن أن تجد البعض غير مكترث بنصيحتك المخلصة ، ولكن هذا ينبغي ألا يصيبك بالإحباط؛ فقد أظهرت التجارب أن هؤلاء الذي أزعجتهم النصيحة الصريحة ورفضوها عند تلقيها كانوا في وقت ما فيما بعد مقدرين وممتنين تمامًا في قلوبهم للنصيحة ومقدمها.

 

 

النصح لكل مسلم

في اللسان: النصح:  نقيض الغش  . وفي الحديث: ( الدين النصيحة، لله ولرسوله ، ولكتابه ، ولأئمة المسلمين وعامتهم ) . قال ابن الأثير: " النصيحة كلمة يعبر بها عن جملة ، وهي إرادة الخير للمنصوح له  فليس يمكن أن يعبر عن هذا المعنى بكلمة واحدة تجمع معناها غيرها ". 

وإذا علم أن النصيحة هي إرادة الخير للمنصوح ، فقد بين الله تعالى أن النصح هو وظيفة الأنبياء والرسل وأتباعهم ، وأن الأنبياء والرسل وأتباعهم لا يريدون إلا الخير للمنصوح لوجه الله تعالى ، لا يريدون  من الناس جزاءً ولا شكوراً  . فقال تعالى عن نوح عليه السلام: ] أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [ الأعراف: 62 . وقال عن هود عليه السلام: ] أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ [ الأعراف: 68.وقال عن صالح عليه السلام: ] فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَاقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ  [ الأعراف: 79 . وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايع أصحابه على النصح لكل مسلم.. كما في حديث جرير بن عبد الله البجلي، رضي الله عنه، قال: ) بايعت رسول صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة... والنصح لكل مسلم  ) رواه البخاري ومسلم .

 ومن الأحاديث في النصيحة الشاملة لمستحقيها  ، حديث تميم الدارمي رضي الله عنه  : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الدين النصيحة ) قلنا : لمن يا رسول الله ؟ قال: ( لله ، ولكتابه ، ولرسوله ، ولأئمة المسلمين   وعامتهم ) رواه مسلم . ولم يكتف النبي صلى الله عليه وسلم بهذا العموم في النصيحة الذي تضمنه حديث جرير:( النصح لكل مسلم ) وحديث تميم ( ولأئمة المسلمين وعامتهم ) . بل نصَّ صلى الله عليه وسلم على النصح في أبواب متعددة  اهتماماً به ، لما يحققه من الخير في المجتمع الإسلامي ، إذا نصح كل فرد فيه لأخيه المسلم وأسرته ومجتمعه     فقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على النصح في محيط الأسر كما في حديث أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم  أنه كان يقول : ( ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خيراً له من زوجة صالحة ، إن أمرها أطاعته.. وإن نظر إليها سرته ، وإن أقسم عليها أبرّته ، وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله ) ابن ماجة . والمرأة إذا نصحت عمَّ خير نصحها الأسرة كلها ، في التربية والخدمة وحفظ المال ، وحفظ نفسها والقيام بكل واجب ، إما بنفسها أو عن طريق أولادها وخادمها .

أما النصح في محيط الولاية السياسية حثَّ بعض الرعية على النصح لواليها ، وحثَّ الوالي على النصح لرعيته ، وإذا أدت الرعية النصح لواليها ، وأدى الوالي النصح لرعيته ، استتب الأمن في البلاد وتمتعوا جميعاً بالعدل والسلام ، ولم يقدر أعداء الإسلام على إثارة الأحقاد بين الراعي ورعيته..لأن النصح يقتضي من الراعي الإشفاق على رعيته ، والعدل بينهم وإيتاءهم حقوقهم ، وكف الظلم عنهم وتنفيذ أحكام الله فيهم ، والنصح من الرعية يقتضي طاعة ولي الأمر في غير معصية الله ، ومناصرته والوقوف ضد من أراد به سوءً ، وعدم الخروج عليه ما لم يأت كفراً بواحاً.. وأعداء الإسلام إنما يُحْدِثون الشقاق بين الولاة ورعيتهم بسبب اعتداء يقع من الولاة على الرعية ، أو بغي من الرعية على ولاتهم ، فإذا نصح كل منهم للآخر النصح الشرعي الذي يحقق مصالح الأمة ، لم يجد الأعداء إلى التحريش بينهم سبيلا .  روى أبو هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله يرضى لكم ثلاثاً، ويبغض لكم ثلاثا: يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ، وأن تناصحوا من ولاّه الله أمركم ، ويسخط لكم قيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال ) الموطأ ومسلم وليس فيه ( وأن تناصحوا )   وفي حديث معقل بن يسار رضي الله عنه قال في مرض موته لعبيد الله بن زياد : إني محدثك بحديث لولا أني في الموت لم أحدثك به ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( ما من أمير يلي أمر المسلمين ، ثم لا يجهد لهم وينصح إلا لم يدخل معهم لجنة ) مسلم وروى ابن مسعود رضي الله عنه :عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( نضّر الله امرأً سمع مقالتي ، فوعاها وحفظها وبلغها ، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم إخلاص العمل لله ومناصحة أئمة المسلمين ، ولزوم جماعتهم ، فإن الدعوة تحيط من ورائهم ) الترمذي . ومن ذلك النصح لجماعة المسلمين الذي أوصى به بعض السلف، وهو الربيع بن خيثم قال : " بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما أوصى به الربيع بن خيثم وأشهد الله عليه ، وكفى بالله شهيدا  وجازيا لعباده الصالحين ومثيبا ، فإني رضيت بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبيا ، وإني آمر نفسي ومن أطاعني أن نعبد الله في العابدين ، ونحمده في الحامدين ، وأن ننصح لجماعة المسلمين ". سنن الدارمي  . وفي محيط الخدمة وأداء العمل . حضَّ النبي صلى الله عليه وسلم عل النصح كما في حديث عبد الله بن عمر  رضي الله عنهما : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا نصح العبد سيده وأحسن عبادة ربه ، كان له أجره مرتين ). 

وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( خير الكسب كسب يد العامل إذا نصح ) أحمد . ترى لو نصح كل مسلم لأخيه المسلم ، وأسرته المسلمة ومجتمعه المسلم ، هذا النصح الشامل الذي لا يشذ عنه أي مجال من مجالات الحياة ، هل يخاف أحد من أحد على نفس أو مال أو عرض؟. وهل يفقد الأمن في أغلب المجتمعات الإسلامية ، لا والله .

 

 

 

النصح والنقد

النصح يتطابق في دلالته ومغزاه مع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو كذلك المقابل لكلمة النقد في المصطلح المعاصر، ومن عظمة الإسلام أن جعل الأمر بالمعروف والنهي سمة للأمة المسلمة : ] كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله [  كما جعله دليلاً على المحبة والولاء :  ] والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر  [ ولقد أطلقها النبي دعوة شاملة ليسعد بالنصح ، وليستفيد من النقد كل أحد حاكماً أو محكوماً، عالماً أو متعلماً حيث قال : ( الدين النصيحة قلنا لمن قال لله ولكتابه ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم )    وهذا تأكيد على أهمية النصح إذ هو أمان لكل مجتمع يوقف المتعدي ويردع الظالم، وينبه الغافل  ويوصل سفينة المجتمع إلى شاطئ الأمان، وإلا كثرت فيها الثقوب وأدركها الغرق.فالنصح أو النقد مطلب شرعي وهدي نبوي ينبغي ألا تضيق به الصدور ولكنه لابد له من آداب وضوابط منها- 1 : أن يكون المقصود به وجه الله تعالى لا الاستعلاء على المنصوح ، أو التعالي ، أو إدعاء الغيرة على الدين .  2 - أن يصدر عن محبة للمنصوح ، وشفقة عليه، ورأفة به لأنه نابع من شعور نبيل لا يهدف إلى انتقاص القدر أو إرادة التجريم ، أو القصد إلى التجريح  3- أن يكون بأسلوب حسن وحكمة بالغة وما دخل الرفق في شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه   4- أن يؤسس على علم شرعي ، ومعرفة بالواقع ومراعاة للظروف والأحوال فلا مجال للنقد بالهوى أو الذوق، أو بمقتضى العرف والعادة المخالفة للشرع   5 - أن يضبط بالتثبت والتحري فلا تسرع  ، وأن يسبق بحسن الظن فلا اتهام، وأن يرافقه التماس العذر والإعانة على التغيير دون التشنيع أو التغيير  6- أن يكون خاصاً بالمنصوح مقتصراً عليه في حالة وقوع الخطأ مخصوصاً ومستوراً، فإن فشا الخطأ ودعت الحاجة إلى إعلان النقد والجهر بالنصح فليكن على منهاج النبوة  (ما بال أقوام ) وقليلة هي الحالات التي يتعين فيها التحديد والتفصيل  .      - 7وأخيراً أن تراعي فيه الموازنة بين المصالح والمفاسد فلنعمل - يا جيل الصحوة - على إشاعة النصح وممارسة النقد وفق ضوابط الشرع لما في ذلك من الخير الكثير .

خمسة وأربعون نصيحة

من أهم ما يتميز به المسلم والمسلمة اللذان تعلق قلباهما بالله وطبقا في حياتهما شرعه ، وامتثلا أمره  تلك الراحة النفسية والاطمئنان القلبي ، فلا تراهما إلا مبتسمين حتى في أحلك الظروف وأقسى الحالات  فهما يدركان أن ما أصابهما لم يكن ليخطئهما ، وأن ما أخطأهما لم يكن ليصيبهما ، فلا يتحسران لفوت محبوب ،ولا يتجهمان لحلول مكروه ، فربما كان وراء المحبوب مكروهاً ، ووراء المكروه محبوباً : ﴿ وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ﴾ لا تغرهما زخارف الدنيا وإن كانا يتركان نصيبهما منها : ﴿ وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا ﴾ . لمعرفتهما أن الدنيا يقصر عمرها وامتلائها بالغصص والنكد لا تستحق أن يغضب الإنسان من أجلها ، ولا أن يتحسر لفوت شيء منها ، فهي لا تساوي شيئاً مع الآخرة دار القرار، حيث النعيم الأبدي ، فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر للمؤمنين الصادقين . أخي المسلم : لو صفت الدنيا من الأكدار ، وخلت من المصائب – وذاك محال – فإن مجرد تذكر الموت يجعل حلوها مراً ، وكثيرها  قليلاً ، وطويلها  قصيراً ، وصفوها كدراً ، هذا لو ضمن الإنسان عمراً طويلاً ، فكيف وهو إذا أصبح خشي ألا يمسي ، وإذا أمسى خشي ألا يصبح ، وإذا أنقشعت سحابة مصيبة أقبلت أخرى ، يروعه فقد الأقربين ، وموت الأصدقاء ، وعندما يحس بألم عارض في عضو من أعضائه  أو يخيل إليه زيادة في خفقان قلبه ، أو يحس بقلة شهية للطعام  يرتسم شبح الموت أمام ناظريه ، فإذا هو يفزع ويخاف فيزداد مرضاً وتخيم عليه الوحشة ، وكأن ذلك الخوف مانع من نزول الموت أو مبعد له ، تراه شاباً مكتمل الحيوية والنضارة والنشاط ، ممتلئ الجسم فلا يلبث العمر أن يطوح به إلى خريفه فإذا هو محدودب الظهر ، متغضن الوجه ، يتعبه أدنى جهد ، ويهده أقل عمل .  وتراه غنياً يسكن القصر الشامخ ، ويركب السيارة الفارهة ، ويجلس على الفراش الوثير  ثم تنقلب به الأيام فإذا هو يسكن ما كان يأنف من سكناه ، ويركب ما كان يزدري ركوبه ، ويلبس ما كان يستخشن لبسه ، ويأكل ما كان يعاف أكله ، إن لذة الحياة وجمالها ، وقمة السعادة وكمالها ، لا تكون إلا في طاعة الله التي لا تكلف الإنسان شيئاً سوى الاستقامة على أمر الله وسلوك طريقه ، ليسير الإنسان في الحياة مطمئن الضمير ، مرتاح البال ، هادئ النفس ، دائم البشر  طلق المحيا ، يعفو عمن ظلمه ، ويغفر زلة من أساء إليه ، يرحم الصغير ويوقر الكبير . يحب قضاء حاجات الناس ، ويكون في خدمتهم ، ويتحمل أذاهم ، ثم هو لا يفرط في صغير ولا كبير من أمر الله ، بل يحرص على كل عمل يقربه إليه ويدنيه منه ، فإذا نزلت به المصائب تلقاها بصبر ورضا ، وإذا جاء الموت رأى فيه خلاصاً من نكد الدنيا ، ورحلة إلى دار الخلود . أخي المسلم : في هذه الصفحات مجموعة إرشادات ، وثلة توجيهات عندما تطبقها في واقع حياتك  وتحرص على التشبث بها ، وتندم على فواتها ، ستنقلب حياتك من شقاء إلى راحة ، ومن تعاسة إلى سعادة ، بل ستحس للحياة طعماً آخر ، وتنظر لها نظرة أخرى وهذه هي النصائح  : 1 - احذر الثرثرة وكثرة الكلام قال تعالى : ﴿ لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ﴾  واعلم أن هناك من يحصي كلامك ويعده عليك :﴿ عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ﴾ . وليكن كلامك مختصراً وافياً بالغرض الذي من أجله تتحدث . 2 –  إقرئ  القرآن الكريم ، واحرص أن يكون لك ورد يومي منه ، وحاول أن تحفظ منه قدر ما تستطيع ، لتنال الأجر العظيم يوم القيامة . عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي  صلى الله عليه وسلم قال : ( يقال لصاحب القرآن : اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا ، فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها )  صحيح سنن الترمذي  .

 3 - ليس جميلاً أن تتحدث  بكل ما سمعت ، فإن في هذا مجالاً للوقوع في الكذب . عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ﴿ كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع ﴾ رواه مسلم . 4 - إياك والتباهي  الافتخار بما ليس عندك لأجل التكثر والارتفاع في أعين الناس ، فعن عائشة رضي الله عنها أن امرأة قالت : يا رسول الله ، أقول إن زوجي أعطاني ما لم يعطني ؟ قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : ( المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور )  متفق عليه . 5 - إن لذكر الله تأثيراً عظيماً في حياة المسلم الروحية والنفسية والجسمية والاجتماعية ، فاحرص  أخي المسلم أن تذكر  الله كل حين على أي حالة كنت  فقد مدح الله عباده المخلصين بقوله : ﴿ الذين يذكرون الله قيماً وقعوداً وعلى جنوبهم  ﴾ آل عمران  191 .  وذكر عبدالله بن بسر رضي الله عنه أن رجلاً قال : يا رسول الله ، إن شرائع الإسلام كثرت علي فأخبرني بشيء أتشبث به . قال : ( لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله  )  سنن الترمذي .  6 - إذا أردت الحديث فإياك والتعاظم والتفاصح والتقعر في الكلام ، فهي صفة بغيضة إلى رسول الله  صلى الله عليه وسلم حيث يقول :  ( وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلساً يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون ) سنن الترمذي  .

7 - ليكن لك أسوة برسول الله  صلى الله عليه وسلم من إطالة الصمت وطول الفكر ، وعدم إكثار الضحك والاستغراق فيه ؛ فعن سماك قال : قلت لجابر بن سمرة : أكنت تجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : ( نعم ، فكان طويل الصمت ، قليل الضحك ، وكان أصحابه يذكرون الشعر وأشياء من أمورهم فيضحكون وربما تبسم ) المسند . وليكن حديثك – إن تحدثت – بخير وإلا فالصمت أولى بك ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) رواه البخاري  . 8 - إياك ومقاطعة الناس أحاديثهم أو ردها عليهم أو إظهار الاستخفاف بها ، وليكن حسن الاستماع أدباً لك ، والرد بالتي هي أحسن شعاراً لشخصك . 9 – احذر  كل الحذر من السخرية بطريقة كلام الآخرين ؛ كمن يتلعثم في كلامه أو عنده شيء من التأتأة أو اللثغة ، قال تعالى :﴿ يأيها الذين ءامنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن ﴾  .  وقال رسول الله  صلى الله عليه وسلم:  (المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره .. بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم  ) رواه مسلم .

10 - إذا سمعت قراءة القرآن الكريم فاقطع  الحديث أياً كان موضوعه ؛ تأدباً مع كلام الله ، وامتثالاً لأمره حيث يقول :﴿ وإذا قرئ القرءان فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون ﴾ . 11 – اجتهد  على وزن الكلمة في نفسك قبل أن يقذفها لسانك ، واحرص  أن تكون الكلمة صالحة طيبة في سبيل الخير ، بعيدة عن الشر وما يوصل إلى سخط الله ، فللكلمة مسئولية عظيمة ، فكم من كلمة أدخلت صاحبها إلى الجنة ، وكم من كلمة هوت بصاحبها في قعر جهنم  فعن أبي هريرة رضي الله عنة عن النبي صلى الله علية وسلم قال: ( إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات ،وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم  ) رواه البخاري . وفي حديث معاذ رضي الله عنة عندما سئل النبي صلى الله علية وسلم : و إنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ قال صلى الله علية وسلم : ( ثكلتك أمك يا معاذ ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم ) سنن الترمذي .   12استعملي لسانك وهو النعمة العظيمة من الله عليك في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر  والدعوة إلى الخير ، قال تعالى :﴿ لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ﴾ النساء  114 . 13 - التعلم أمر محمود وسبيل كريمة ، عن الشفاء بنت عبد الله قالت: دخل علينا النبي صلى الله علية وسلم وأنا عند حفصة  فقال لي : ( ألا تعلمين هذه – يعني حفصة – رقية النملة كما علمتيها الكتابة ) رواه أحمد . 14 - ليس المراد من التعلم نيل الشهادات وبلوغ الرتب والحصول على الوظيفة والعمل ، بل معرفة أمور الدين  وإدراك أحكامة ، وإجادة قراءة القرآن الكريم حتى تعبد المرأة ربها على بصيرة ، كما أن مقصودات ، التعلم إدراك طرق التربية السليمة ، كما تمثلها حياة الرسول صلى الله علية وسلم وحياة أصحابه وسلف هذه الأمة، لتعيش المرأة في سعادة وهناء.   5- ابتعد كل الابتعاد عن الاستهزاء أو السخرية بغير المتعلم من إخوانك، ومن الترفع على منهي دونك في التعلم ، وليكن التواضع وخفض الجناح يزداد بارتقائك في سلم التعلم ، وإلا فإن علمك وبال عليك ، عن كعب بن مالك رضي الله عنة قال: سمعت رسول الله صلى الله علية وسلم يقول: ( من طلب العلم ليجاري به العلماء، أو ليماري به السفهاء، ويصرف به وجوه الناس إليه أدخله النار).   

6 - نزهي سمعك عن سماع الموسيقى والغناء والكلام الفاحش 

وليكن حديثك – إن تحدثت – بخير وإلا فالصمت أولى بك ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت ) رواه البخاري .

8. إياك ومقاطعة الناس أحاديثهم أو ردها عليهم أو إظهار الاستخفاف بها ، وليكن حسن الاستماع أدباً لك ، والرد بالتي هي أحسن شعاراً لشخصك .

9. احذر كل الحذر من السخرية بطريقة كلام الآخرين ؛ كمن يتلعثم في كلامه أو عنده شيء من التأتأة أو اللثغة ، قال تعالى : ﴿ يأيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن ﴾ . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره .. بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ) رواه مسلم .

10. إذا سمعت قراءة القرآن الكريم فاقطعي الحديث أياً كان موضوعه ؛ تأدباً مع كلام الله ، وامتثالاً لأمره حيث يقول : ﴿ وإذا قرئ القرءان فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون ﴾ .

11 خفض الجناح يزداد بارتقائك في سلم التعل، وإلا فإن علمك وبال عليك ، عن كعب بن مالك رضي الله عنة قال: سمعت رسول الله صلى الله علية وسلم يقول: ( من طلب العلم ليجاري به العلماء، أو ليماري به السفهاء، ويصرف به وجوه الناس إليه أدخله النار ) سنن الترمذي .

 19. الحذر من حضور مجالس السوء والاختلاط بأهلها ،وسارع-رعاك الله- إلى مجالس الفضيلة والخير.

20. إذا جلست مجلسا وحدك أو مع بعض أخواتك فليكن ذكر الله دائما على لسانك حتى ترجع  بالخير وتحظى بالأجر ، قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : ( من قعد مقعدا لم يذكر الله تعالى فيه كانت علية من الله ترّة ، ومن اضطجع مضجع لا يذكر الله فيه كانت علية من الله ترّة )  أي حسرة وندامة وتبعة يوم القيامة ،  واذا أردت القيام من المجلس فلا تنس أن تقول : ( سبحانك اللهم وبحمدك . أشهد أن لا اله الا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك ) سنن الترمذي ، حتى يغفر الله لك ما كان من لغط في ذلك المجلس.

21. طهر- أخي المسلم – مجلسك من الغيبة والنميمة ، امتثالا لأمر الله وخوفا من عقابة ، فإنها من الصفات المرذولة والأخلاق الممقوتة ، قال تعالى:﴿ ولا يغتب بعضكم بعضا أي يحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه ﴾ الحجرات.

22. اذا بدر من إحدى الحاضرين كلمة نابية أو خطأ ، فإن من واجبك النصح له بعد إنصرافه  من المجلس بكلام لطيف وأسلوب طيب.

23. احرص على اقتناء الكتب المختارة المفيدة لتجعل منها مكتبة منزلية ، يستفيد منها الجميع .

24. أحذر أخي المسلم أن تضيع وقتك في قراءة الأشياء غير المفيدة ، وابتعد كل الابتعاد عن قراءة الأشياء الضارة كالمجاملات الساقطة والروايات الهابطة التي يحاول كتابها نشر الرذيلة وإشاعة الفساد وإياك ودخولها بيتك ، وكن حربا عليها

30. إذا كنت في السوق أو في طريقك إليه فلا تكثر الالتفات ، فللبصر مزالق خطيرة  .

31. إذا رأيت منكراً في السوق أو في طريقك إليه وجب عليك إنكاره ، ولو لم تستطيع إلا بقلبك من مقت المنكر وبغضه ، قال تعالى : ﴿ والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ﴾ التوبة .

34. أنت ضعيف ومحتاج ومفتقر إلى الله فارفع أكف الضراعة إليه دائماً طالباً منه العفو والعافية والتوفيق في الدنيا والآخرة ، ترجع بالخير منه سبحانه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن ربكم حيي كريم يستحي من عبده أن يرفع إليه يديه فيردهما صفراً  ) ابن ماجه . وإياك واستعجال الإجابة ؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما من عبد يرفع يديه حتى يبدو إبطه يسأل الله مسألة إلا آتاه الله إياها مالم يعجل . قالوا : يا رسول الله ، وكيف عجلته ؟ قال : يقول : قد سألت وسألت ولم أعط شيئاً )  الترمذي . وابدئ دعاءك بحمد الله والثناء عليه ، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واختميه بذلك ، وأقبل على الله بصدق ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة ، واعلموا أن الله لا يسجيب دعاءً من قلب غافل لاهٍ )  الترمذي .  وإياك والدعاء بالإثم أو قطيعة الرحم . وإذا لم تري استجابة ظاهرة لدعائك فلا تحزن لذلك ، فقد يدخره الله لك في الآخرة ، أو يكفر به عنك ذنوباً ، أو يصرف به عنك مكروهاً سيحيق بك .

35. تقربي إلى الله بالفرائض والنوافل وأنواع القربات ، تنال الأجر العظيم ، وترتق إلى الدرجات الرفيعة  وتكون من أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، يستجيب الله دعاءهم ، ويذهب همومهم  ويملأ بالسكينة قلوبهم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله تعالى قال : من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب  وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، ولئن سألني لأعطينه ، ولئن  استعاذني  لأعيذنه ) رواه البخاري .

36. إذا رأيت مسلماً متمسكاً بدينه ، مستجيبا لأمر ربه ، معتزاً بعقيدته فأشعره بالحب واتخذه خليلاً  فللحب في الله منزلة عالية ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( قال الله عز وجل : المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء ) . الترمذي  .

37. إن الوقت إذا لم تحسن تقسيمه ضاع عليك ، فأنت بحاجة إلى القيام بواجبات أهلك أو زوجك والاطلاع النافع والقراءة المفيدة وزيارة الأقارب .

38. زيارة الرحم تجلب البركة في العمر والرزق ، فاحرص على زيارة أقاربك ، ولتكن زيارتك لهم ذات فائدة ، فترغبهم في الخير ، وتخوفهم من الشر ، وتدفعهم إلى النافع ، وتحذرهم من الضار ، وتعظهم بالتي هي أحسن مع اطمئنانك على صحتهم ، وسؤالك عن أحوالهم . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من أحب أن يبسط له في رزقه ، وينسأ له في أثره فليصل رحمه ) متفق عليه  .

39. لا يغرنك كثرة المخالفين لأمر الله والمهاونين بتطبيق شرعه ، فسيأتي يوم يعض الظالم على يديه  ويفرح المؤمن بنجاته فرحاً كبيراً ، وهو يرى أهوال القيامة فلا يملك إلا أن يقول وهو يمسك كتابه بيمينه : ﴿ هاؤم اقرءوا كتابيه  إني ظننت أني ملق حسابية ﴾ سورة الحاقة  .

40. ازرعي في قلبك الرحمة والعطف ، فارحم  الصغير والكبير بل والدابة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من لا يرحم لا رحم ) البخاري .

 وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال : ( بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئراً فنزل فيها فشرب ثم خرج ، فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش ، فقال الرجل : لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ بي ، فنزل البئر فملأ خفه ثم أمسكه بفيه فسقى الكلب  فشكر الله له فغفر له ) . قالوا : يا رسول الله ، وإن في البهائم أجراً ؟ فقال : ( في كل ذات كبد رطب) البخاري .  

41 42. كون معتز بدينك متعالٍ بعقيدتك : ﴿ وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين﴾ آل عمران : 139 ، وإياك والاستحياء من إظهار شعائر دينك والاستخفاء بها .

43  ساعد على نشر الخير والفضيله ، والخلق الجميل ، والعلم النافع في بيتك ومدرستك ولدى أقاربك وبين أصدقائك .

44 كون مبتسماً دائماً ، فإن هذا لا يكلفك شيئاً ، وهو في الوقت نفسه يعود عليك بحب الآخرين كما تحظى بالأجر . قال رسول صلى الله عليه وسلم : ( وتبسمك في وجه أخيك صدقة ) .الترمذي .

47. إياك والغضب والانفعال ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم : أوصني . قال : ( لا تغضب فردد مراراً قال : لا تغضب ) البخاري . واعلمي أن الغضب من الشيطان ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الغضب من الشيطان ، وإن الشيطان خلق من النار ، وإنما تطفأ النار بالماء ، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ ) رواه أحمد .

49.  لا تتهاون في موضوع الصلاة فتؤخرها عن وقتها ، وذلك عند انشغالك بأعمالك أو اللهو بالكلام الفارغ مع الغير . وأعوذ بالله أن تكون من هذا الصنف ، وأنت تقرأ قول الله تعالى : ﴿ فويل للمصلين ، الذين هم عن صلاتهم ساهون ﴾ أي يؤخرونها حتى يفوت وقتها .

 

 

 

 

قبول النصيحة

 

 قيل :" من نصحك فقد أحبَّك ، ومن داهنك فقد غشّك"  هنالك يُعلم مبلغُ ما في هذا القول من الصدق والإخلاص والنصح لله ولرسوله وللمؤمنين.  

 

 إن قبولَ النصح  سجيةٌ جميلة ، وخلّة محمودة وخلق كريم، ولعِظم مقام النصح وشرفِ منزلته وسموِّ مرتبته كان رسول الله  يشرطه على من يبايعه على الإسلام من الصحابة الكرام ، فقد أخرج البخاري رحمه الله في صحيحه عن زياد بن علاقة أنه قال: سمعت جرير بن عبد الله يقول يومَ مات المغيرة بن شعبة بعد أن قام فحمد الله وأثنى عليه وقال : عليكم باتقاء الله وحده لا شريك له ، وعليكم بالوقار والسكينة حتى يأتيَكم أمير، فإنما يأتيكم الآن ، ثم قال: استعفوا لأميركم أي اطلبوا له العفو من الله  ، فإنه كان يحبُّ العفو ، ثم قال: أما بعد: فإني أتيت النبي  فقلت : أبايعك على الإسلام ، فشرط عليّ : (والنصح لكل مسلم)  أي : وعلى النصح لكل مسلم ، فبايعته على هذا ، وربِّ هذا المسجد إني لناصح لكم ، ثم استغفر ونزل رضي الله عنه وأرضاه . فليس عجباً إذاً ـ أيها الإخوة ـ أن يكون الدينُ النصيحةَ كما أخبر بذلك النبي  في الحديث الذي أخرجه مسلم رحمه الله في الصحيح عن تميم الداري أنه صلوات الله وسلامه عليه قال ذلك ثلاثاً ، قالوا: قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: ( لله عز وجل ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ) ، فأما النصيحة لله فبتوحيدِه سبحانه في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، والخضوع له ظاهرًا وباطنًا، وبتقديم حقِّه سبحانه على حقوق غيره، والرغبة في محابّه بفعل مراضيه ، والرهبة من سخطه ، بترك معاصيه   وبالاجتهاد في ردِّ العاصين إليه  ، وأما النصيحة لكتابه فبتعلُّمه وتعليمه ، والعمل به وبما أنزل الله فيه ، وتفهّم معانيه ، وأما النصيحة لرسوله فبمحبَّته وطاعته ونصرته ، وإحياء سنته ، والاقتداء به في أقواله وأفعاله ، وأما النصيحة لأئمة المسلمين فبإعانتهم على ما حُمِّلوا القيام به ،  ومن جملة أئمة المسلمين ـ الأئمة المجتهدون ، ونصحُهم ببثّ علومهم ، وتحسين الظنِّ بهم . وأما النصيحة لعامة المسلمين بتعليمهم ما ينفعهم ، وكفّ وجوه الأذى عنهم، وأن يحبّ لهم ما يحبّ لنفسه ، وأن يكره لهم ما يكره لنفسه . ذكر هذا الحافظ ابن حجر رحمه الله   قال الله تعالى ﴿ : إنما المؤمنون إخوة ﴾ وما دام المؤمنون إخوة فلابد من أن ينصح بعضهم بعضاً  من خصائص المؤمنين أنهم يتناصحون ، فقال النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا لِمَنْ قَالَ لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ ) مسلم .  فحيثما كانت النصيحة كان الدين ، وحيثما غابت النصيحة غاب  لذلك جاء الحث في الأحاديث الصحيحة على النصيحة . عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا لِمَنْ قَالَ لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ ) مسلم ، وجاء في الحديث عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفسه ) البخاري .  

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  

كيف تقدم النصيحة؟

مهما تنوعت سبل الاتصال ووسائل الدعوة والتأثير.. فإن الكلمة الصادقة والنصيحة المباشرة المخلصة ، ستظل تحتل مكانة عالية وأساسية في عالم الدعوة.

فلقد كان تقديم النصيحة رسالة كل رسل الله عليهم السلام، فقد سجَّل القرآن الكريم على لسان نوح عليه السلام قوله لقومه: ]  أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وأَنصَحُ لَكُمْ وأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [ الأعراف: 62 . وعلى لسان هود عليه السلام : ] أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ [  الأعراف: 68 . وعلى لسان صالح عليه السلام : ] يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي ونَصَحْتُ لَكُمْ [  الأعراف: 79 . وعلى لسان شعيب عليه السلام : ] لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي ونَصَحْتُ لَكُمْ [ الأعراف: 93  

ولقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى تلك المكانة العليا للنصيحة ؛ حيث عرَّف الدين بأنه النصح للمسلمين، فقال: (الدِّينُ النَّصِيحَةُ) قيل: لِمَنْ؟ قَالَ: (لِلَّهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ) مسلم.كما أنه صلى الله عليه وسلم أخذ البيعة من الصحابة عليها ضمن أفعال ثلاثة؛ فعن جرير بن عبد الله  قال: (بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  عَلَى إِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ) البخاري .

 

واجب العلماء تقديم النصح للطغاة

إن النصيحة أساس في هذه الحياة ، وهي أمر مهم في شريعة الإسلام، والنصيحة لغةً :   الإخلاص ، وفي الشرع : كلمة جامعة جعلها النبي صلى الله عليه وسلم ترادف الدين ، فإذا ضاعت النصيحة ، ضاع الدين، والنصيحة لله تعالى هي توحيده وعبادته ، وطاعة أمره وترك نهيه.

لقد سجل التاريخ صوراً من البطولات الحية   لعلماء السلف الصالح ، ومن أروع هذه البطولات ، مواقف النقد والنصيحة للأمراء والحكام ، لأنهم فقهوا قول النبي صلى الله عليه وسلم : (سيكون أمراء فسقة جورة، فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فليس مني وليس بوارد على الحوض ) " دخل سفيان الثوري على الخليفة المهدي فنصحه ، وأغلظ له في القول ، فقال له وزير المهدي: تُكَلِم أمير المؤمنين بمثل هذا؟ فقال له سفيان: اسكت ما أهلك فرعون إلا هامان فلما ولّى سفيان ، قال الوزير للمهدي: أتأذن لي أن أضرب عنقه؟ فقال له: اسكت، ما بقي على وجه الأرض من يُستحيا منه غير هذا ".

والقاريء للتاريخ قديمه وحديثه ، يجد أن    عدد الطغاة والمستبدين ، يفوق عدد الخيّرين والصالحين ، وكانوا على الدوام موضوعا للكراهية ، ولم يكونوا موضوعا للحب والإعجاب ، لأنهم يتحكمون في شؤون الناس بإرادتهم ، ويحاكمونهم بهواهم ، لا بشريعة الله  ومهما أنجزوا من أعمال ، فلا قيمة لأعمالهم    فهذا هتلر وموسوليني ، ماذا أفادت أعمالهم سوى الخراب والدمار وكما قال أفلاطون : " من يقتل الناس ظلماً وعدوانا ، ويذق بلسانه وفمه دماء أهله ، ويشردهم ويقتلهم ، فمن المحتم أن ينتهي به الأمر إلى أن يصبح طاغية " فقد عرف عن كثب كيف يعيش الطغاة ، وما ينفقون على أنفسهم وعلى حاشيتهم وملذاتهم    بلا حسيب ولا رقيب " ، ويرى أرسطو:" أن الطاغية يختار الفاسدين من البشر في نظام حكمه  فهم عبيد النفاق والتملق"  

إن الجهر بكلمة الحق ، للطغاة والمستبدين   مسئولية وأمانة ، لا يهدأ القلب ولا يرتاح الضمير ، إلا بإعلانها ، فهى من صفات العلماء الأتقياء ، يصدعون بها ، تنفيذاً لأمر الله تعالى : ﴿ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ﴾الحجر 94 ، ووفًاءً للعهد والميثاق الذى أخذه الله تعالى علينا بالتبيان فقال الله تعالى :

﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ﴾آل عمران 187. وللبلاغ المبين قال تعالى : ﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا﴾الأحزاب39   وتشبها ً بمواقف الرجال ، في زمان قلت فيه مواقف الرجال ، وندر به الجهر بكلمة الحق  وطلباً للموتة الشريفة ، والمنزلة العالية في الدنيا والآخرة ، التي أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله ) السلسلة الصحيحة. فأين الجهر بكلمة الحق ، في زمان علا فيه الطغاة والمستبدين ، وكُذِّب فيه الصادق وخُون الأمين؛ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إن بين يدي الساعة سنين خداعة يُصدق فيها الكاذب ويُكذب فيها الصادق، ويُؤتمن فيها الخائن، ويُخوّن فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة قيل: وما الرويبضة؟ قال: المرء التافه يتكلم في أمر العامة) السلسلة الصحيحة ، إن الجهر بكلمة الحق مطلب شرعي لحفظ النفس ، وحفظ الأمة من الهلاك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إنكم اليوم في زمان كثير علماؤه ، قليل خطباؤه ، من ترك عشر ما يعرف ، فقد هوى، ويأتي من بعد   زمان كثير خطباؤه ، قليل علماؤه ، من استمسك بعشر ما يعرف فقد نجا )السلسلة الصحيحة .

لهذا ينبغي على العالِم الشعور بمسؤولية النصح والجهر بكلمة الحق ، " فهذا ابن طاووس عندما طلب منه المستنصر ، أن يتولى منصب المفتي الأعظم للبلاد الإسلامية ، رفض طلب الخليفة ، ثم أوضح سبب ذلك ، في رسالة بعثها إلـى ولده جاء فيها :" يا بني ! لا تُحمد عاقبة من تواطأ مع الظالمين ، ولا يرجى خيرٌ من عالمٍ جلس على موائدهم ، فهم يستبدلون الدين بالدنيا   ويشترون الفتاوى بمئات الدنانير، فهل أبيع ديـني بدنياهم ؟ هيهات  فإنما هـي القطيعة مع الله سبحانه " في تاريخنا الإسلامي مواقف خالدة للعلماء ، الذين كانوا السند المتصل عبر الأجيال للنصيحة ، رغم جبروت الطغيان والاستبداد ، " دخل عالم على ملك طاغٍ مستبد بأحكامه ، فذكر العالم للملك خروجه عن الحق، فغضب وأمر بحبس العالم ، وبعد سبع سنوات ، جلس الملك يوماً للمظالم ، وتذكر كلام العالم، فأمر به   فأُحضرَ بين يديه ، وقال له : قد ركبت معي مركب الخطر، حين كلمتني بكلام غليظ ، قال العالم : أنا طبيبٌ إذا دخلتُ على مريض أنصحه  فقال الملك  :  و من أمرك أن تقول لي ذلك  قال العالم :   وأنت من أمرك أن تجلس على هذا الكرسي للقضاء ؟ فقال الملك : أمرني أمير البلاد ، قال العالم : و أنا أمرني رب العباد  فقال الملك : أما علمت أنَّ من تجرأ على السلطان عرَّض نفسه للهلاك ! قال العالم : وأنت أما علمت أن من تجرأ على الرحمن   يلقى في النيران ! فقال الملك : لم تقل العلماء مثل قولك هذا ؟ قال العالم : يخافون من سجن سبع سنوات  وأنا أقتدي بسيدنا يوسف ، السجن أحب إلي من ابتغاء رضاك  أو اختشاءِ بلاك، فطاب قلب الملك ، وقال للعالم : اطلب مني ما تريد  قال أنا شيخ ردَّ عليَّ شبابي ، فقال الملك : لا أقدر على ذلك    قال العالم : نجني من الموت فقال الملك : ليس لي ذلك ، قال العالم : أنا على باب من يقدر على ذلك كله ، فقال الملك: سألتك أن لا تبرح حتى تطلب مني شيئاً فالتفت العالم  فأبصر عبداً دميم الخَلق فقال: إن كان ولا بد  فإني أطلب من عبدك هذا ، وليس منك   فقال الملك : هذا جهل منك   تتركني   وتطلب من أقل عبدٍ لي ، قال العالم : أغضبت حين قلت أطلب من عبدك هذا ، وأنا أخاف أن يغضب علي مولاي ، ويقول تتركني  وتطلب من أقل عبد لي ، فقال الملك : لا تبرح مكانك ، ما لم تطلب مني شيئاً  قال العالم : احمل لي ثلاثة أكياس حنطة على ظهرك   فقال الملك : لو قدرت لفعلت ، قال العالم : إن كنت لا تقدر على حمل ثلاثة أكياسٍ من الحنطة على ظهرك ، فكيف تقدر على حمل أوزار الناس ، نحن بهذا الزمان لا نستطيع حمل اوزارنا " . هكذا استطاع هذا العالم ، أن يقدم لهذا الملك نصيحة فصيحة بموقفه أولا، ثم بمقاله ثانيا، موقف أغضب الملك ، لأنه جاء مناقضا تماما لما درج عليه الملوك ، من تقاليد الأبهة  والتمجيد المزيف والألقاب الفخرية المزورة  ورغم محاولة القتل وإظهار الغضب، جاءت أجوبة العالم الناصح  لتثبت له زيف وكذب ما كان يظن أنه الحق .  

جاءت نصائحهم ، لتنديد الإسلام الشديد بالظلم ، والتسلط والإفساد، جاءت لتذكر بكرامة المومنين، كما تذكر بالقانون الإلهي في تعامله مع الحكام ، إذا طغوا وفسدوا ، سلط عليهم العدو، وأفسد عليهم عيشهم، وتجرأ عليهم بالإذلال ، وأخذ البلاد والأموال .  

لقد أبدى العلماء المسلمون، وإلى أمد غير بعيد، حساسية فائقة ، تجاه الحكام ، باعتبارهم يتحكمون بمصير الأمة، فلم يتهاونوا إذا ما بدر منهم أدنى تقصير أو تفريط أو انحراف، بل كانوا يتصدون للفساد من بدايته بالحكمة والموعظة الحسنه حينًا، والتعنيف والترهيب حينًا آخر، وكان لهذا النهج دور كبير في الحد من طغيان الحكام ، وإيقاظ ضمائرهم ، والحفاظ على جماعه المسلمين من الانحراف المهلك الذي لم تقع فيه ، إلا حين رفع العلماء أيديهم وتراجعوا عن واجباتهم ، ومسئولياتهم الشاملة وحصروها في إطار العبادات والفرائض   واستسلموا ، وأسلموا أنفسهم لسلاطين جائزين ، تكبروا في الأرض بغير الحق، واتخذوا سبيل الغي سبيلاً ، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم يا ظالم فقد تودع منها ) . 

النصيحة بين الناصح والمنصوح

 قيل للسفيه: بددت مالك و أضعت عيالك‎..  قال‎: ‎ على كيفي‎..!  ‎

هذا هو الرد الذي نحصل عليه من معظم الناس عند إسداء النصح ، أو‎ ‎التنبيه لخطأ أو عيب ، بل و الأغلب يلقي عليك باللوم ، و ‏يسارع بتفنيد النصيحة بتعداد‎ ‎عيوبك و سلبياتك، ليقول لك في النهاية منتصرا : حتى أنت ..! أو: "شوف عمرك أول" ، أو‎ ‎يعرض ‏عنك معلنا حريته فيما يفعل و أنه لا شأن لك به، مما يجعل الكثير من الناس يحجم‎ ‎عن إسداء النصح للآخرين خوفا من تقريعهم و " ‏لسانهم" و خوفا من اتهامهم له أو‎ ‎انتقاصهم من خُلُقه، مما أدى لانتشار الآفات و تفلت السلوكيات بلا رقيب و لا حسيب،‎ ‎و كل يلقي ‏باللوم على الزمن أو على تغير الاحوال و يترحم على أيام "أول"، و يكيل‎ ‎التهم لكل شيء ابتداء من الشباب و الفتيات مرورا ‏بالمجتمع ووسائل الاعلام و انتهاء‎ ‎بالنظام العالمي الجديد‎ !  ‎

وينسى الناس أنفسهم دائما حين يكيلون الاتهامات ،‏‎ ‎ولا يرون عيوبهم الواضحة حين ينتقصون الاخرين، مما يدفع " الاخرين" الى ‏رد النصيحة‎ ‎و عدم قبولها، و ركوب مركب العناد، فيخسر الطرفان بالتالي.. الناصح و المنصوح‎ !  ‎

و لو أن كل فرد تبصر بنفسه و عيوبها فأصلحها ، و انتبه انتباه المشفق‎ ‎للآخرين و حاول اصلاحهم و ردهم لجادة الصواب، و ‏تحمل ردة فعلهم مهما كانت،، و تحمل‎ ‎ما ينصحه به الاخرون بسعة صدر و طيب خاطر و نظر ووعى، لعل ما يقولونه حقا، ‏لتخلصنا‎ ‎من الكثير من السلوكيات المتردية ولأصلحنا الكثير من الخلل، ذلك أن كثيرا من الناس‎ ‎لا يريد بالنصيحة "وجه الله" كما ‏يقول ، بل يريد بها شيئا ما في نفسه، ناسيا أو‎ ‎متناسيا أن النصيحة في جماعة.. فضيحة‎.‎

و بعضهم لا يدفعه الإشفاق، بل التشفي‎ ‎أو السخرية او حتى النقد لمجرد الانتقاص، و بعضهم حتى لا يعرف أدب النصح، فينهر و‎ ‎يزجر و يوبخ بدل أن يتلطف و يرفق، فيناله ما يناله‎.  ‎

لذلك وجب علينا أن‎ ‎نترفق بالنصيحة، وأن نتجنب فضح الآخرين، و أن نتحرى الاسلوب الأمثل، و أن لا يأخذنا‎ ‎الخوف من العواقب ‏، فنحجم و نسكت عن الخطأ، و أن نبدأ بأنفسنا أولا، فلا تكون‎ ‎بيوتنا من زجاج، و لا نكون كالنجار الذي بابه "مخلوع"، وذلك حتى ‏يكون لنصيحتنا وقع‎ ‎، لعلنا نساهم في تخفيف مصائب هذا الزمان ، فيكون لنا الاجر و الفضل‎.  

قال‎ ‎أحد الصالحين: (ان أحب عباد الله الى الله: الذين يحببّون الله الى عباده، و‎ ‎يحببّون عباد الله إلى الله، و يسعون في الأرض ‏بالنصيحة‎ )  .

 

نصيحة للمسؤولين

إن الدستور الذي يحكم به في معظم البلاد الإسلامية ينص على أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة ، وحين نعرض هذا الكلام على الواقع   لا نجد سوى هيمنة النظام الذي لا يعتبر أي عمل مشروعاً ، ما لم ينسجم مع أصول الأنظمة الوضعية التي تطبق هنا وهناك ، وأما ما يتعلق بالإسلام فقد انحصر في بعض المظاهر السطحية التي لا تتجاور المحاكم الشرعية ، وشهود المسؤولين لبعض المناسبات الإسلامية ، كمناسبة الإسراء و المولد النبوي أو بعض الصلوات   كصلاة الجمعة أحياناً وصلاة العيدين ، أما بقية الأمور فتسير في الخط المنافي لمقاصد الإسلام . حتى إن الناس ألفوا ذلك وكادوا لا يحسون به  فإذا ما ارتفع صوتٌ بالتنبيه إلى ذلك  والتحذير من أخطاءه وعواقبه ، جوبه بالإنكار ونُبذ بالاتهام   والعجيب أن الذين يتولون الزعامة لبلد حياة أهله كلها قائمة على الإسلام يعتبرون مجرد الدعوة إلى تحكيم شرع الإسلام ، عملاً مستنكراً مرفوضاً ، يستحق دعاته المطاردة والتشهير والتحقير بل إنه ينكر على من يطالب بالسعي لتحكيم شرع الإسلام ، وكأنها وصمة عار يجب الابتعاد عنها  ، حتى إن بعض المسلمين اعتبروا العمل في مجال السياسة مخالف لروح الإسلام ، وهذا في تقديري أكبر إساءة للإسلام ، لأن الإسلام هو النظام الذي أراده الله دستوراً مهيمناً على مسيرة الحياة البشرية ، ومن واجب المسلمين تحقيق هذه الهيمنة في كل وجودهم ، وأول مقتضيات مبدأ الإسلام في مثل ظروفنا التي عزلت فيها الشريعة الإسلامية عن ميادين الحكم ، أن تتجه المساعي للعمل على رفع راية الإسلام ، وذلك فرض عين على كل مسلم ، وذلك لن يتحقق إلا في ظل حكومات تحترم الإسلام ، وترى نفسها مسؤولة أمام الله عن القيام بحقوقه .

إننا نعيش في عالم يسيطر فيه أصحاب المواهب والخبرات الجيدة ، والتجارب المصقولة والثروات الأدبية والمادية الهائلة. أما البقية الباقية فالمسيطر عليهم فئةٌ من الأدعياء الفارغين ، الذين يفلسفون الأوضاع حولهم بما يشبع كبرهم ويصدق وهمهم   وبدلاً من أن يستيقظ على الحقائق اللاذعة ، ينظر إليها من الجانب الذي يرضيه ويطغيه . ورد في كتاب الأدب القديم قصة ، هذه القصة على ما فيها صورة صادقة لكثير من ذوي المناصب المرموقة . " ذكر ابن قتيبة أن أبو حيّة النميري كان جباناً بخيلاً كذابا ، وكان له سيف يسميه - لُعاب المنية - ليس بين سيفه والخشبه فرق ، وكان أجبنُ الناس ، دخل ليلة إلى بيته فسمع صوتاً لا عهد له به   فسحب سيفه ووقف في وسط الدار وأخذ يقول :" أيها المغتر بنا  المجترئ علينا بئس والله ما اخترت لنفسك ، خير قليل وسيف صقيل  - لُعاب المنية - الذي سمعت به ، مشهورةٌ ضربته لا تخاف نبوته ، أخرج بالعفو عنك  قبل أن أدخل بالعقوبة عليك " وإذا بكلب يخرج من الدار فقال : الحمد لله الذي مسخك كلباً وكفانا حرباً ".

إننا رأينا صوراً لهذا الجبان المستأسد في بعض الساسة ، الذين لهم في التاريخ الحديث الباع الطويل في العجز الحريص على الصدارة   والدعوى الفارضة نفسها على الواقع . ذكر التاريخ الحديث أن الجنرال إيزنهاور قائد الحرب العالمية ، التي انتصرت فيها أمريكا وحلفاؤها ،لم تعطه أمريكا لقب مارشال ، مع أنه خاض حرباً تم له فيها النصر ، بعد أن دُمرت مئات المدن والقرى وقتل آلاف الآف .

 في الوقت الذي يطلق هذا اللقب على أناس في الشرق الأوسط والأقصى   دون أن يخوضوا حرباً أو يعانوا ضربا كما يصل ناس إلى القمة دون جهد يذكر  اللهم إلا جهد التذبذب لأرباب السلطان والاستعداد لخدمة أهوائهم .

وقديماً عين أحد الخلفاء قائداً لا يصلح لقيادة ولا ريادة ، فنظر إليه البحتري الشاعر قائلاً :                   

ويكاد من شبه العذارى       فيـه تبـدو نـهوده

جعلـوه قائداً عسكرياً    ضل الرعيل ومن يقوده

وما أكثر القادة بالتعيين لا بالخصائص النفسية والعقلية ، الذين يقودون أمة الإسلام في معركة البقاء ، وما اكثر الألقاب التي تمنح ، ولكنها بعد قيام إسرائيل سقطت لها  وانكشف السحر والساحر .

ذكر صديق لي اغترب في أمريكا ، وكان يعمل في مصنع كبير قال :"كنت أرى مدير المصنع دائم التجوال بين الآلات والماكنات ، وقد تلوثت ألبسته بالزيوت والشحوم ، وكثيراً ما كان يكنس أرض المصنع ويتعرض للغبار " . في الوقت الذي نرى مدراء المصانع في بلادنا ، يبغون مكتباً أنيقاً يجلسون عليه ، وتليفوناً يثرثرون فيه وسكرتيرة ترفه عنه وتسليه ، أما أن يتعرض للغبار والمتاعب فهذا ما لا يخطر بباله ، إنها أخلاق الهزيمة والضياع وأصحابها هم عللنا المقعدة . في الوقت الذي نحن بحاجة ماسة إلى المعنيين بالعمل الحق الحمالين لأعبائه الثقال . إننا نرى عظماء العالم على جانب عظيم من الإخلاص لشعوبهم ، في حين نرى المتسولين على موائدهم ، أتوا بالذيب من ذيله كما يقول المثل . فتصور في الدول النامية معيداً في كلية يصبح عميدها ، أو كاتباً في محكمة يصبح رئيسها  وكل ذلك في غيبة الدين والدنيا معاً . روى أن المتنبي أبى الذهاب إلى الأندلس  لأنه أدرك تفاهة حكامها ، من ضخامة الألقاب التي يحملونها ، وكان يصف أحوال العرب في عصره وكأنه يصف عصرنا عندما قال :             

في كل أرض وطئتها أمم    يقودها عبد كأنها غنم

إن الحقائق تفرض نفسها مهما تجاهلناها ، وعلى ضوء ذلك ، على القائمين على أمر الأمة أن يعيدوا تشكيل نفوسهم وصفوفهم ، وفق القانون الإلهي المستمد من قوله تعالى: ﴿ ليس بأمانيكم ولا بأماني أهل الكتاب من يعمل سوءاً يجز به ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً ، ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا ﴾ النساء 122 

في النص تقرير للقواعد العادلة التي يجازي بها الله على الأعمال ، والتي ترجع إلى عدل الله المطلق وإلى الحق الذي لو أتبع الأهواء لفسدت السماوات والأرض  والأصل أن لا يسند لأحد عملاً من الأعمال أو منصباً من المناصب إلا بحقه   وأن يكون الإنسان كفؤاً للمنصب ، وعندما يُولى   عليه أن ينهض بجميع الأعباء التي يفرضها المنصب عليه فقد روى مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر عندما طلب أن يوليه عملاً قال :"يا أبا ذر إنك ضعيف ، وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة ، إلا من أخذها بحقها ، وأدى الذي عليه فيها".

وروى أن أحد الصالحين كان في موسم الحج   وكان قريباً من أمير المؤمنين فقال له : يا أمير المؤمنين أنظر قال : إلى ماذا ؟ ، قال : انظر إلى أهل الموسم ، فنظر إلى الحشود القادمة إلى البيت العتيق فقال له : يا أمير المؤمنين كل واحد من هؤلاء مسئول عن نفسه  أما أنت فمسئول عنهم جميعاً .

إن الأعباء التي يفرضها المنصب تتفاوت ، فقد يكون الإنسان رئيس عشرة من الناس يسأله الله عن رعايتهم ، روى الطيراني في الأوسط بسند صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"ما من أمير عشرة ، إلا يؤتى به مغلولاً يوم القيامة حتى يفكه العدل ، أو يُوبقه الجوْر". فكيف تكون المسئولية بمن يكون مسئولاً عن الملايين . وللإمام علي رضي الله عنه توجيه فاضل لطيف للحاكم من أجل أن ينصف الناس من نفسه قال :" أنصف الله وأنصف الناس من نفسك ، من خاصة أهلك ، ومن لك فيه هوى من رعيتك ، فإنك إلا تفعل تظلم ، ومن خاصمه الله أدخص حجته ، وكان لله حربا حتى ينـزع ويتوب ، وليس شيءٌ أدعى إلى تغيير نعمة الله وتعجيل نقمته ، من إقامة على ظلم ، فإن الله سميع دعوة المضطهدين ، وهو للظالمين بالمرصاد " . قال تعالى : ﴿ وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ﴾ .

  

           

 

 

  كيف نعالج الأخطاء

لا أحد في هذه الحياة يخلو من خطأ.. قصدًا أو عن غير قصد، فهي سنة الله في الإنسان أنه خطاء ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ) وهذا لا يعني أن نترك المخطئين متعللين بأنهم بشر بل لا بد من التفريق بين المخطيء عن جهل والمخطيء عن علم ، فالجاهل يحتاج إلى تعليم ، والغافل يحتاج على تذكير ، ولا ينبغي أن نسوي بين العالم بالحكم والجاهل به  وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن حدود الله وشرائعه فوق الاشخاص ، فهو لا يحابي أحدا ولا يجامله ، حتى لو كانت ابنته   وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم خطورة تعطيل إقامة الحدود على المخطئين عندما قال : ( إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليهم الحد  وإني والذي نقسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ) بين النبي صلى الله عليه وسلم خطورة تعطيل إقامة الحدود على المخطئين ، لأن ذلك يؤدي إلى انتشار الشر والفوضى والفساد ، وقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى عدم التسرع في معاقبة المخطيء حتى نعرف الأسباب التي دفعته إلى ارتكاب الخطأ ، ومعالجة ذلك برفق ولين ، وعدم مواجهة المخطىء بخطئه مباشرة ، إن المخطئ أحياناً لا يشعر أنه مخطئ، وإذا كان بهذه الحالة فمن الصعب أن توجه له لوماً مباشراً وعتاباً هادفا، وهو يرى أنه مصيب. إذن لابد أن يشعر أنه مخطئ أولاً حتى يبحث هو عن الصواب؛ ولذلك من المهم أن نزيل الغشاوة عن عينه ابتداء ليبصر الخطأ. جاء شاب يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في الزنا بكل جرأة وصراحة فهمَّ الصحابة أن يوقعوا به؛ فنهاهم وأدناه وقال له: ( أترضاه لأمك؟ قال: لا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فإن الناس لا يرضونه لأمهاتهم قال: أترضاه لأختك؟  قال: لا، قال : فإن الناس لا يرضونه لأخواتهم ) رواه أحمد ؛ فكان الزنا أبغض شيء إلى ذلك الشاب فيما بعد. وكذلك في قصة معاوية بن الحكم حيث قال: بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم فقلت: "يرحمك الله"، فرماني القوم بأبصارهم فقلت: "ما شأنكم تنظرون إلي" فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني سكت، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي ـ ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه ـ فوالله ما نهرني ولا ضربني ولا شتمني قال: ( إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن ﴾ رواه مسلم .

 واللجوء إلى التعريض ويتضح ذلك في تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع المخطىْ ، فينصح أخيه المسلم سرّاً ، لا يفضح أمره ولا يكشف سرّه ، ولا يقف منه موقف المتعالي ، لأن ذلك يؤدي إلى النفور ، وضرر ذلك أكبر من نفعه .    

لا أحد يخلو مِن أحد يناصِبُه العداء، ويَتَرَبَّص به، ويَتَتَبَّع عثراته وزلاته بِسَببٍ؛ وربما بِغَيْر سبب، والسلامة مِن هؤلاء بِمُصانعتهم، والعفو عن تَجَاوزاتهم، ومقابلة السيئة بالحسنة، فيقابل العبوس بالابتسامة، ويقابل الإعراض بالسلام، ويقابل التَّنَقُّص بالاحترام، ويقابل الغيبة بالعفو والثناء، وهكذا؛ فبعد حين تنقطع الإساءة؛ بل تَتَبَدَّل محبة وإحسانًا وهذا مشاهَدٌ في واقع الناس، ربما هم البعض بِمُصانعة عدوه  وتَحَمُّل زلاته؛ لكن الأمر يحتاج إلى صبرٍ، وطول نَفَس؛ فلذا الأكثر ينقطع عنِ الدفع بالتي هي أحسن؛ بل ربما دَفَعَ السَّيئةَ بالسيئة؛ ظنًّا منه أنَّ هذا الشخص لا يصلُح معه إلاَّ هذا الأسلوب في المُعامَلة، وهنا تزداد العداوة في القلوب، وتَسْتَفْحل المشكلة، وهذا ما يريده الشيطان، أمَّا ربنا عز وجل فَيُوَجِّهنا في حال وُجُود عداوةٍ بين أفراد المسلمين بقوله تعالى: ﴿ وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ فصلت: 34﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ فصلت: 35.

 

 

     

 

 

                         

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 نصائح قيمة

ثلاثة لا تأخذهن حتى تسأل عنهن : العسل ، و الدين ، والزوجة .

وثلاثة لا ترتاح حتى يغادرونك : الوسوسة ، والديْن ، ورفيق السوء .

وثلاثة إذا أبطأن ذهبت فائدتهن : الوليمة ، والتعزية ، وصلاة المغرب

وثلاثة أجارك الله منهم : ابن الحرام ، وقاطع الأرحام ، وآكل رزق الأيتام .

وثلاثة إياك وصحبتهم : الأحمق ، و قليل الهمة ، وقليل المروءة .

وثلاثة لا تستمع إليهم : الكذاب ، والنمّام ، وشاهد الزور .

وثلاثة لا تصاحّبهم : الحسود ، وصاحب العين ، وغاضب الوالدين

وثلاثة لا تفُتْك آرائهم : المحافظ على صلاته ، والجوّاد الكريم ، ورضى الوالدين  

1- لا تسأل اليتيم : كيف مات أبوك أو أمك ؟

٢- ولا تسأل الوالدين : كيف مات أبنكما ؟ 

3 – ولا تسأل الرجل العاطل ، في مجلس رجال : انت ليش ما تشتغل ؟

٤- ولا تسأل الفقير : هل تريد نقود ؟ بل أعطه من دون سؤال ، فهذا فيه اكرام لعزة نفسه خصوصاً انه سوف يقابلك بين الحين والآخر

٥- ولا تسأل من في وجهه ندبة أو علامة : عن سببها ! فالوجه موضع العزة ، ولا علم لديك عن كونه مازال ، يحاول إخفاؤها ولكن دون جدوى

٦- ولا تسأل الضيف : هل تريد شيئاً من شراب او طعام ؟ قدم ضيافتك دون سؤال ، فإن سألته فإنك بذلك تحرمه

٧- ولا تحاول ! الاستهزاء بصديق لأجل إضحاك الاخرين مهما كانت الاحوال ، لأن هذا يكون مؤلم جداً عند الصديق .. دائماً ضع نفسك مكان المتلقي وحاول أن تعيش إحساسه .

 

 

 

دروس وخطب

نقدم بين يديكم مجموعة من الدروس والخطب والمواعظ 

واسال الله ان يتقبل منا جميعا