الرزق

الرزق

أسباب زيادة الرزق الاستغفار والدعاء

إن حجم الإنسان عند الله هو  بحجم عمله الصالح وإن الرزق والأجل لا يتغيران وقد جاءت النصوص   لتؤكد أن الرزق يزداد وأن الأجل يطول ، وقد قال العلماء أن العمر يطول بالعمل الصالح بدليل أن موسى عليه السلام لما سقى للفتاتين قال : ﴿ ربي إني لِما أنزلت إلي من خيرٍ فقير ﴾ القصص . 

هذه الآية تدل على أن الغنى غنى العمل الصالح وأن الفقر هو فقر العمل الصالح ، والعمل الصالح بيد الإنسان ، فهو مخير وأسبابه متاحة له ، فقد يعيش الإنسان أربعين عاماً ويكون له من الأعمال الصالحة ما يساوي مئات السنين ، فهذا الإمام الشافعي على سبيل المثال عاش دون الخمسين ، وما زال مذهبه يعمل به وابن باديس من العلماء المعاصرين وهو أحد كبار المصلحين في القرن العشرين  والذي غيّر أمة بأكملها  إذ بدد بثورته الفكرية ما كان مخيماً على الجزائر من تقاليد ثقيلة ، تتمثل في تلك الطرق الصوفية الجامدة المخدرة للشعب ، حيث وصل بهم الأمر إذا ما سئل احدهم عن حاله يقول : " تأكل القوت وتنسى الموت " وقد أدت هذه الظاهرة الاجتماعية إلى تعطيل الفكر وشل جميع الطاقات الأخرى ، فالعمر إذن زمن ليس بيد الإنسان ، أما مضمونه فهو بيده ، فبإمكان الإنسان أن يطيل عمره إلى خمسمئة عام بحجم العمل الصالح الذي يفعله في الدنيا ، وحجمه عند الله بحجم عمله الصالح قال تعالى :﴿ والعمل الصالح يرفعه ﴾ فاطر .  ومن أعظم الأعمال الصالحة ما استمر بعد موت الإنسان ، روى مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ : إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَه ) كثيرٌ من العلماء توفاهم الله من سنوات طويلة ودروسهم تبث كل يوم في تفسير القرآن ، أليس هذا العمل مستمراً ؟ وكذلك من ألّفوا كتباً إسلامية تستفيد منها الأجيال على مدى الزمان .  فمن الخير للإنسان أن يجتهد وهو حي بعمل صالح لا ينتهي عند موته ، بل يستمر بعده ، وهذه هي الصدقة وفي المقابل هناك أشخاص يموتون ، وأعمالهم السيئة مستمرة من بعد موتهم ، وأما بعض الأحاديث التي تفيد بأن الله عز وجل ينسأ الإنسان في أجله ، معنى ذلك أن الله يرزقه أعمالاً صالحة تحتاج إلى آجال مديدة ، فالنبي صلى الله عليه وسلم عاش ثلاثاً وستين عاماً لكن أثره عمّ الأرض وقد أقسم الله بعمره الثمين فقال له : ﴿ لعمرك إنهم في سكرتهم يعمهون ﴾ الحجر .  فعمر الإنسان محدود زمناً ، أما مضمونه فلا حدود له لإنه يتسع بقدر عمله الصالح ، ورد في بعض الآثار : ( ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي يا ابن آدم أنا خلق جديد ، وعلى عملك شهيد ، فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة )  وكان صلى الله عليه وسلم إذا استيقظ يقول : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي فِي جَسَدِي ، وَرَدَّ عَلَيَّ رُوحِي ، وَأَذِنَ لِي بِذِكْرِه ) الترمذي عن أبي هريرة .

وأعظم الأعمال الصالحة ما استمر بعد موت الإنسان  وكذلك الرزق فإنه يتبدل ، وزيادته بيد الإنسان أيضا   فإذا عمل بأسباب زيادة الرزق ، ومنها : الاستغفار الذي أمر به الله فقال تعالى: ﴿ وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعاً حسنا إلى أجلس مسمى ﴾ هود ، والمتاع الحسن من لوازمه الرزق الوفير قـال تعـالى : ﴿ ويؤت كلَّ ذي فضلٍ فضله ﴾  هود .  ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ) أبي داود وابن ماجه والمستدرك للحاكم عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ .  وعَنْ الحسن رضي الله عنه : ( مَنْ أنعم الله عليه بنعمة فليحمد الله ، ومن استبطأ الرزق فليستغفر الله  ومن حزبه أمر فليقل لا حول ولا قوة إلا بالله ) . أصاب الناس قحط في عهد عمر فصعد المنبر فاستسقى فلم يزد على الاستغفار فقط ، صعد المنبر واستغفر فقط   فقالوا له يا أمير المؤمنين ما سمعناك استسقيت ؟ أين دعاء الاستسقاء ، فقال : لقد طلبت الغيث بمفاتيح السماء التي يستنـزل بها المطر ثم قرأ الآية الكريمة : ﴿ فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ﴾ نوح 10 . وقوله: ﴿ ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا  ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين ﴾ هود 52 .

وروى الطبراني عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كل يوم سبعاً وعشرين مرة كان من الذين يستجاب لهم ويرزق بهم أهل الأرض ) فالاستغفار أحد أسباب زيادة الرزق  لأن الاستغفار ندم وتوبة وعودة إلى الله .

ولا يعذّب المؤمن من قِبل الله عز وجل إن أستغفره وتاب إليه قال تعالى :﴿ وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ﴾ الأنفال .   كما أن دوام النعمة وبقاؤها مرتبط بشكر الله وحمده يقول الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه :" إن كان عليك نعمة فأحببت بقاءها ودوامها فأكثر من الحمد والشكر " والله يقول : ﴿ لئن شكرتم لأزيدنكم ﴾ إبراهيم

فمفتاح الرزق السعي مع الاستغفار ، ومفتاح المزيد الشكر ، وإذا استبطأت الرزق فأكثر من الاستغفار فإن الله تعالى يقول في كتابه : ﴿  يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ﴾ ، إذا حزبك أمر من سلطان ، أي مشكلة كبيرة مع جهة رسمية- فأكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها مفتاح الفرج وكنـز من كنوز الجنة " . 

جاء رجلٌ إلى الحسن بن على فشكا إليه القحط فقال له : استغفر الله ، وأتاه آخر فشكا إليه الفقر فقال : استغفر الله ، وأتاه آخر فقال له : ادعُ الله أن يرزقني ابناً صالحاً فقال : استغفر الله ، أتاه آخر شكا له جفاف بساتينه قال له : استغفر الله ، قال الحاضرون : عجبنا من هذا الكلام فقلنا : أتاك رجال يشكون ألواناً ويسألون أنواعاً فأمرتهم جميعاً بالاستغفار ، فقال : ما قلت من نفسي شيئاً إنما اعتبرت قوله تعالى حكاية عن نبيه نوح عليه السلام أنه قال لقومه : ﴿ فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا ، يرسل السماء عليكم مدرارا ، ويُمددكم بأموالٍ وبنين ويجعل لكم جناتٍ ويجعل لكم انهارا ﴾ .  أتدرون لماذا لا يستجاب للمسلمين دعاء ؟ وكثيرٌ منهم يدعون الله ليلاً ونهاراً والأمور تزداد تعقيداً   السبب أن أمر الله هان عليهم فهانوا على الله ، ﴿ مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا﴾ أي لماذا لا تعظمون أمره ، لماذا لا تأخذون أمره ونهيه أمراً جدياً فتطبقونه منهاجاً ونظاما ، فمن دعا الله مع الخوف من غيره لا يستجاب له أبداً  ، أما عندما تؤمن أن كل شيءٍ بيد الله ، وتؤمن أنه لا معطي إلا الله ولا مانع إلا الله ، ولا رافع إلا الله ولا خافض إلا الله ، ولا معز إلا الله ولا مذل إلا الله ، حينما تؤمن أن كل الطغاة في الأرض لا يستطيعون فعل شيء إلا إذا سمح الله ، حينما تجعل علاقتك كلها بالله ، حينما تعقد الأمل على الله ، حينما تتوكل على الله ، حينما لا ترى يداً تعمل في الكون إلا الله ، بذلك يصح دعاؤك ، وإذا صح دعاؤك استجاب الله لك  وإياك أن تدعو الله وأنت معتمد على زيد أو على عبيد  وإياك أن تدعو الله وأنت ترى أن خلاصك بيد زيد أو عبيد ، أو أن زيداً أو عبيداً إن شاء رفعك وإن شاء خفضك ، عندها لا يكون للدعاء معنى على الإطلاق، لأن التوحيد أساس الدعاء ، فحينما ترى أنه لا إله إلا الله ، وما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، وحينما توحد تدعو ، وإذا دعوت صادقاً يستجاب لك ، وما أمرك الله أن تدعوه إلا ليجيبك ، وما أمرك أن تستغفره إلا ليغفر لك ، وما أمرك أن تتوب إليه إلا ليتوب عليك ، إذن الله معك وكما جاء في الخبر : ( عبدي كن لي كما أريد أكن لك كما تريد ، كن لي كما أريد ولا تعلمني بما يصلحك ، أنت تريد وأنا أريد فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك وما تريد ، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد ، ثم لا يكون إلا ما أريد ) ضعوا رحالكم في باب الله ، ضعوا طلباتكم عند الله  ضعوا كل همومكم عند الله  ، روى ابن ماجة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (مَنْ جَعَلَ الْهُمُومَ هَمًّا وَاحِدًا هَمَّ آخِرَتِهِ كَفَاهُ اللَّهُ هَمَّ دُنْيَاهُ ) .  هناك صنفان من الناس مستثنون من شروط الدعاء :

المضطر : ولو لم يملك شروط الدعاء المستجاب يستجيب الله له لأنه رحيم .

المظلوم : ولو لم يملك شروط الدعاء المستجاب يستجيب الله له بعدله ، فالمضطر يدعو الله كيفما كان وضعه مستقيم غير مستقيم ، محسن مسيء ، يدعُ الله لأنه ليس له غيره قال تعالى : ﴿ أمّن يجيب المضْطر إذا دعاه ﴾ النمل . بل علينا أن نتقي دعوة المظلوم و لو كان كافراً فإنها ليس بينها وبين الله حجاب ، إياك أن يدعو عليك مظلوم ولو كان كافراً ، فالله يسمع دعائه ، لأنه عبد من عباده الله عز وجل يقول : ﴿ ولا يجرمنكم شنآن قومٍ على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى ﴾ المائدة ، روى أن أحد أكبر المقربين لهارون الرشيد اسمه خالد البرمكي  أقوى إنسان في الدولة ، رأى نفسه فجأة في السجن ، فزاره أحدهم فقال له ما حالك ؟ قال لعل دعوة مظلوم أصابتني . وادعى يهودي أن درع سيدنا علي له ، وقفا أمام القاضي ، والذي عين القاضي  على ، فقال له : أمعك شهود يا أمير المؤمنين ؟ قال معي أولادي ، قال : غير مقبولة شهادة أولادك فلا يشهد ابن لأبيه ، وحكم القاضي لليهودي بالدرع  فأسلم  . قيل لإبراهيم بن ادهم : ما بالنا ندعوا فلا يستجاب لنا؟

قال : لأنكم عرفتم الله فلم تطيعوه

وعرفتم الرسول فلم تتبعوا سنته

وعرفتم القران فلم تعملوا به 

وأكلتم نعم الله فلم تؤدوا شكرها

وعرفتم الجنة فلم تطلبوها

وعرفتم النار فلم تهربوا منها

وعرفتم الشيطان فلم تحاربوه ووافقتموه، وعرفتم الموت فلم تستعدوا له

ودفنتم الأموات فلم تعتبروا

وتركتم عيوبكم واشتغلتم بعيوب الناس .

والحمد لله رب العالمين .

لماذا الكلام عن أسباب زيادة الرزق ؟

لأن أرادة الله في منهجه اقتضت أن يكون المال متداولاً بين كل أفراد البشر في قوله تعالى : ] كي لا يكون دُولةٍ بين الأغنياء منكم [ الحشر . ولأن الأصل في منهج الله أن يتقارب الناس في مستوى معيشتهم ، وحيث أن الثروات في العالم الآخر  تتجمع بأيدي قليلة ، فالذين يسكنون في شمال الكرة الأرضية لا يزيدون على عشرين بالمئة من سكان الأرض   وهم يملكون تسعين بالمئة من ثروات الأرض ، والذين يسكنون في نصف الكرة الجنوبي لا يملكون إلا عشرة بالمئة ، نسبتهم ثمانون بالمئة من سكان الأرض  ويملكون عشرة بالمئة من الثروات ، ذكر في مؤتمر العلاقات الأمريكية العربية : أن حركة رأس المال في السوق العالمي اليوم تقدر بـ1500 مليار دولار  وذكر أن المتحكم برأس المال سوف يتحكم بالسلع حتى عندما نستعيد استهلاكها ، فيأخذها بسعر ويعيدها إلينا بسعر أعلى ، وهكذا يزداد الأغنياء غنى والفقراء فقراً ، وتزداد الطبقات المسحوقة وتصبح هناك بلدان على شكل طبقات مسحوقة في عالم العولمة ، الذي يسجل اليوم على سبيل المثال 800 ألف مليونير وحوالي 400 مليون من متوسطي الدخل وأكثر من خمسة مليارات من الفقراء في العالم على وجه التقريب ، وهذا يجعلنا ندرك نحن المسلمين على الخصوص ، بأننا أكثر المرشحين (أهلية) للفقر والقهر المستمرين ، لأننا سنكون أكثر المتضررين في عالم محكوم بعقلية المرابي الصهيوني (شايلوك) جديد ليتحكم في العالم ويريد أن ينتقم منه بأشكال مختلفة أو أن يسخره بأشكال مختلفة ، وشايلوك هذا : هو المرابي اليهودي  في مسرحية تاجر البندقية ، الذي أصر على أن يقتطع قطعة لحم زبون مقابل دَيْن له عليه .

ونرى بوضوح أن هذا العالم ينقسم إلى قسمين ، عالم يتفنن في إنفاق المال ، فقد يشتري أحدهم لوحة زيتية لا تزيد على حجم صغير بخمسين مليون دولار   ونرى في المقابل شعوباً بأكملها تموت من الجوع  بينما في بغض البلاد يتم إعدام عشرين مليون رأس غنم بالرصاص ، وتُدفن حفاظاً على مستوى الأسعار المرتفع ، وفي بعض الدول ألقيت محاصيل الحليب ومشتقاته في البحر بحجم يزيد على أهرامات مصر  حفاظاً على أسعاره المرتفعة . وفي بغض البلدان أتلفت محاصيل الحمضيات ولم يُبَع منها شيء ، ولما لاحظوا تسلل الزنوج للأكل من هذه الحمضيات مجاناً   سمموا المحصول في العام القادم حتى يموت الزنجي  إذا  أكل منه . إن القسوة والعنصرية التي تعانيها بعض الشعوب في عالم اليوم ، لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية   وحتى الأدوية أصبحت تجرَّب على بني البشر في الدول النامية ، بعدما كانت تجرب على الجرذان والفأران  وقد سمعت خبراً عن باخرة تحمل المساعدات إلى بلد يعاني من حرب أهلية ، وأن  أربعة أخماس حمولة الباخرة كانت نفايات ذرية تلقى في السواحل ؟ وإن من أسباب اختياري لهذا الموضوع ما نلاحظه من أزمات اقتصادية في العالم كله من دون استثناء ، فمتى كنا نتوقع أن يصل سعر كيلو العدس إلى دينار ونصف   بحجة ارتفاع الأسعار العالمية ، هذا الارتفاع في الأسعار يمتص كل دخل الطبقة المتوسطة والدنيا  وكان اختيار هذا الموضوع بالذات لأن للمؤمن معاملة خاصة مع كل الأزمات ، ولأن الدين هو الحياة   ولأن وعد الله بحفظ المؤمن وينصره ، ولأن القناعة من أسباب زيادة الرزق ، والمؤمن راض بما قسم الله له من الرزق ، لأنه مؤمن بعدل الله وحكمته فيما قسم من أرزاق ، وهناك عشرات الأمثلة يتناقلها العوام هي الكفر بعينه ، كقولهم رزق المهابيل على المجانين ، وما علموا أن هناك حكمة بالغة في توزيع الأرزاق ، ربما لا ندركها ، لذلك قال أحد علماء العقيدة : " عقولنا قاصرة عن إدراك حكم الله عز وجل " ، لكن هناك حكمة ، وهي أن رزق الله لا يسوقه إليك حرص حريص ولا يرده عنك كراهة كاره يقول عليه الصلاة والسلام : ( لا ترضين أحداً بسخط الله ، ولا تحمدن أحداً على فضل الله ، ولا تذمَّن أحداً على ما لا يؤتِك الله ، فإن رزق الله لا يسوقه إليك حرص حريص ، ولا يرده عنك كراهة كاره ) الترغيب والترهيب . وفي حديث آخر ( إن رزق الله لا يسوقه إليك حرص حريص ، ولا يرده عنك كراهة كاره ، وإن الله تعالى بقسطه وعدله جعل الروح والفرح في الرضا واليقين ، وجعل الهم والحزن في السخط ) .

 وليس الإيمان بالقناعة ،  يعني أن تقعد ، وأن تتكاسل   وأن تقول : أنا قانع يا رب بما رزقتني ، إنما الرضى بالقناعة يكون بعد أن تبذل قصارى جهدك لرفع مستوى معيشتك ،  تبحث عن عمل أو وظيفة ، وأن تستنفذ كل أسباب الرزق ، فإذا بلغ جهدك اللانهائي إلى مستوى معين أراده الله لك ، فالآن ارضَ بما قسمه الله لك ، لكن متى ترضى ؟ بعد أن تبذل كل ما تستطيع ، عندئذ يجب أن تعتقد اعتقاداً جازماً أن الله لو كشف لك بعلمه الأزلي حقيقتك فيما لو أغناك  وجعل لك دخلاً محدوداً لذبت كالشمعة محبة لله ( إن من عبادي من لا يصلح له إلا الفقر ، فإذا أغنيته أفسدت عليه دينه ، وإن من عبادي من لا يصلح له إلا الغنى ، فإذا أفقرته أفسدت عليه دينه )   تعمل لترفع مستوى معيشتك وتأمين حاجاتك وحاجات أولادك ، فتكون في عبادة ، رأى النبي صلى الله عليه وسلم  شاباً يتعبد الله في وقت العمل فقال له :( من يطعمك ؟ قال : أخي ، قال : أخوك أعبدُ منك ) .

 فلا تزهد يا أخي بالعمل ، ولا تكن مسلماً كسولاً  لا تقل : كل شيء بيد الله ، فهذا كلام يتناقض مع تعاليم ديننا ، وعندما قيل لهم مَن أنتم ؟ قالوا : نحن المتوكلون ، قال سيدنا عمر : كذبتم  المتوكل من ألقى حبة في الأرض ، ثم توكل على الله . 

ابحث عن عمل أو وظيفة ، ارفع مستوى دخلك   كن أباً ناجحاً ، واعمل على أن ترفع مستوى خبرتك ليزداد دخلك وتربي أولادك التربية الصحيحة .

 فإذا سلكت في عملك أو حرفتك الطرق المشروعة   وابتغيت منها كفاية نفسك وأهلك ، ولم تشغلك عن طاعة ، ولا عن أداة صلاة ، ولا عن طلب علم  انقلبت إلى عبادة .  

إن الغرب يريد تجويع المسلمين وإفقارهم ، خمس دول إسلامية محتلة ، وتم التدخل فيها , لوجود الطاقة عندها ، أما في راوندا مثلاً تم قتل ثمانمئة ألف في أسبوع ، فما تدخل الغرب ، وقال أحد زعماء الغرب   لو تدخلنا لأنقذنا أربعمئة ألف ، لكن ما تدخلنا  لماذا لم يتدخلوا ؟ لأنه ليس هناك بترول ، الأمر واضح جداً ، أين البترول ؟ في دارفور ، في أفغانستان ، في العراق ، ويكون التدخل تحت شعار من أجل حقوق الإنسان ، ومن أجل الديمقراطية وهو في واقعه يكون من أجل البترول ، هذا هو الغرب ، وهو معذور  لأنه يعمل لصالحه ، أما نحن فلسنا معذورين لأن نخضع لخططه . مطلوبٌ منا أن نخدم امتنا ، بإتقان عملنا   هذا هو دورنا ليزداد دخلنا ، ولأن إتقان العمل جزء من الدين ، وعدوك لا يحترم دينك إلا إذا تفوقت في دنياك ، والتفوق بين يديك بالعلم .

فالمعركة مع الغرب إما  أن نكون أو لا نكون ، هم يفقروننا ،  في العراق تم قتل حتى الآن ثلاثة آلاف وثمانمئة عالم ، لا يهمّ إن كان سنيًّا ، أو شيعيًا ، أو كرديًّا ، أو عربيًّا ، بين طيّار ، وأستاذ جامعة ... يريدون شعبًا بلا أعلام ، بلا علماء ، لأن الذين يطورون الحياة هم المتفوقون .

ولذلك فإن العالم الغربي قد ينشئ جامعة تكلف مليارات فيها عشرة آلاف طالب ، والذي يعنيهم من هؤلاء الطلاب جميعاً خمسة بالمئة فقط ، هم المتفوقون لأن هؤلاء هم الذين يحدثون التغيرات الجذرية في الحياة في الصناعة وفي التجارة وفي الفلك وفي الطب   وفي الهندسة ، وقد أصبح التوجه عندهم بدل أن ينشئوا جامعات تكلفهم المليارات ، فإنهم يأخذون من العالم الثالث المتفوقون ، فعند ( مايكروسوفت ) مثلاً خمسة وثلاثون ألف مهندس من المتفوقين في العالم  وتجدهم يتركون لنا الصناعات ذات الربح القليل   فهل يصحو المسلمون من غفوتهم ، ولا يتركوا  أعدائهم يخططون لهم .

 يجب أن تحترم صاحب الدخل المحدود المستقيم ، وألا تصغي إلى إنسان دخله غير محدود ، لكنه غير مستقيم   يقول عليه الصلاة والسلام : ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ وَرُزِقَ كَفَافًا ، وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ )  مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ .   

كانوا إذا ما قلت لأحدهم : كيف الحال ؟ قال لك ما علىَّ دين ، وقلت مرَّة لإنسان : كيف الحال ؟ قال : الدخل يغطي كل نفقاتي ، قلت له : معنى ذلك قد أصابتك دعوة رسول الله ، فقلق وقال : بماذا دعا علي ؟ فقلت له : قال صلى الله عليه وسلم : ( اللهم من أحبني فاجعل رزقه كفافاً ) . رزق يكفيه ، ولا يطغيه . ( مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا )أخرجه البخاري والترمذي وابن ماجة عن عبد الله بن محصن  . مرة توفي ملِك ، فجاءني خاطر لطيف وقلت ، لو عرضنا على هذا الملِك أن يعود إلى صحته التامة   لكن على أن يكون خادما  في قصره الملكي ، والله لا يتردد لحظة ، مِن ملِك إلى خادمٍ ، فإذا كنت معافى في جسمك ، سمعك ، بصرك ، صحتك ، وعقلك برأسك فهذا هو الفضل من الله ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ وَرُزِقَ كَفَافًا ، وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ ) .

  الإنسان يقيَّم بعلمه وعمله ، والدليل قول الله عز وجل : ] يرفعِ اللهُ الذين آمنوا منكم والذين أُوتوا العلم درجات [ المجادلة .  

 فالمقياس هو العلم ، والجاهل حدثٌ ولو كان شيخاً  والعالم شيخ ولو كان حدثاً ،أليس كذلك ؟

ويقول عليه الصلاة والسلام : ( من قنع بما رزق دخل الجنة ) الجامع الصغير عن ابن مسعود ، وسنده موضوع .

ولكن متى القناعة ؟ القناعة ليست قبل استنفاذ الجهد   بل بعد استنفاذ الجهد ، ويقول عليه الصلاة والسلام :

 ( من رضي بما رزقه الله قرت عيناه ) .

 والرضا أحد أحوال المؤمن الراقية ، فهو راض عن الله   راض عن شكله ، راض عن صحته ، راض عن أن الله اختاره من هذه الأم وهذا الأب ، راضٍ بالقليل من الرزق ، ومن رضي بالقليل من الرزق رضي الله منه بالقليل من العمل .

إذا كان عمل الإنسانِ شاقًا ، ودخله محدودًا ، ووقته قليلا ، لكن يصلي خمس صلوات ، وبالصلاة له صلة بالله قوية ، هذا أفضل ألف مرة من واحد فارغ  وهو يتنقل من جامع إلى جامع ، ولا يطبق من شرع إلا بعض السنن والمندوبات والمستحبات ، ومشغولٌ بالتنقل من جامع إلى جامع ، ومن عالم لعالم ، سيدي فلان قال ذلك ، وما قولك فيما قال ؟ يحدث فتنة إذا خالفته فيما قال ، أما إذا كان الإنسان مشغولا برزقه   وأدى صلواته ، وحضر درسًا واحدا أو درسين قدر إمكانه فهذا أفضل من إنسان يتباهى بالعالم الفلاني وما يقدم من الدروس والعظات ، ولا يطبق من كلامه شيئاً ، روي عن أحد المشايخ أنه قال : يا بني ، لا تحضِر لي إنسانًا متنقلاً من جامع لجامع ، أحضر لي إنسانًا متنقلاً من ملهى إلى جامع ، بطولتك ليس أن تنتقل من جامع إلى جامع ، بل الخير لك أن تقنع هذا الذي لا يصلي أن يصلي ، ورد في الأثر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( خير الرزق ما يكفي وخير الذكر الخفي)   وسأل ملِكٌ وزيره : " مَن الملك ؟ الملِك يخوّف   قال : أنت ، قال : لا ، الملِك رجل لا نعرفه ، ولا يعرفنا ، له بيت يؤويه ، وزوجة ترضيه  ورزق يكفيه   إنه إنْ عرفنا جهد في استرضائنا ، وإن عرفناه جهدنا في إحراجه " . فالإنسان إذا آتاه الله مأوى صغيرًا   وزوجة صالحة ، ودخلاً بعد استنفاذ الجهد ليغطي حاجاته فهو ملِك روى الترمذي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (  ارضَ بما قسمه الله لك تكن أغنى الناس )  .  فمن سره أن يكون أغنى الناس ، فليكن بما في يدي الله أوثق منه بما في يديه .  روى أحمد عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :  ( مَا طَلَعَتْ شَمْسٌ قَطُّ إِلَّا بُعِثَ بِجَنْبَتَيْهَا مَلَكَانِ يُنَادِيَانِ يُسْمِعَانِ أَهْلَ الْأَرْضِ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، هَلُمُّوا إِلَى رَبِّكُمْ ، فَإِنَّ مَا قَلَّ وَكَفَى خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ وَأَلْهَى ) . إن  خيار المؤمنين القانع ، أما الآخرون الذين ذمهم النبي صلى الله عليه وسلم فيقع في رأسهم الطامع ، فكن قانعاً ، ولا تكن طامعاً . وإذا أراد الله بعباده خيراً رزقهم الرفق في معاشهم  وإذا أراد بهم شراً رزقهم الخرق في معاشهم  

يمكن أن تأكل في بيتك أطيب أكل بأقلّ سعر   ويمكن أن تدخل إلى مطعم للمباهاة ، فيكلفك الأكل المئات   هذا فوق طاقة كل الناس ، فمن يريد المظاهر يدفع المئات والآلاف ، مع أن الطعام في البيت رخيص جداً  وفيه هناءة ، وأولادك أمامك .

فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطى غيرنا إلينا ، فلنتخذ حذرنا ، والكيّس من دان نفسه ، وعمل لما بعد الموت  والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله الأماني. 

 

 

صلة الرحم تزيد في الرزق

إن السبب الرئيسي في ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة هو نحن نعم نحن السبب في هذا الارتفاع في الأسعار وغلاء المعيشة قال تعالى :﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ الشورى:30 . نحن السبب في هذا بذنوبنا ومعاصينا منعنا الرزق والخير والبركة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (وإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه) رواه أحمد  . وهذا ما يحصل الآن منعنا الرزق بسبب الذنوب والمعاصي ، غلا السعر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله! سعر لنا فقال : ( إن الله هو المسعر القابض الباسط الرزاق ، وإني لأرجو أن ألقى ربي وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم ولا مال  ( رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح . قال أهل العلم في شرح هذا الحديث : أي أن الغلاء بقدر الله وبما يحدثه سبحانه في هذا الكون من تقلبات تتسبب في رفع الأسعار وخفضها بسبب معاصي العباد وذنوبهم . قال ابن القيم :" ومن له معرفة بأحوال العالم ومبدئه يعرف أن جميع الفساد في جوه ونباته وحيوانه ، وأحوال أهله حدثت بأعمال بني آدم ، فحدث لهم من الفساد العام والخاص ما يجلب عليهم من الآلام والأمراض والأسقام  والطواعين والقحوط  والجدوب  وسلب بركات الأرض  وثمارها ونباتها وسلب منافعها أو نقصانها ، أمورًا متتابعة يتلو بعضها بعضًا ، وكلما أحدث الناس ظلمًا وفجورًا ، أحدث لهم ربهم تبارك وتعالى من الآفات والعلل في أغذيتهم وفواكههم   وأهويتهم ومياههم ، وأبدانهم وخلقهم ، وصورهم وأشكالهم وأخلاقهم من النقص والآفات ، ما هو موجب أعمالهم وظلمهم وفجورهم‏ " .  

فهذا حصل لنا لنتوب ونرجع إلى الله ونسلك طريق الاستقامة ونحقق التقوى ونبتعد عن المعاصي والذنوب ونعرف أن الذنوب والمعاصي هما سبب البلاء والوباء والعقوبات وكل مهلكة ، وأن الإيمان والاستقامة هما سبب كل خير وبركة قال تعالى : ] وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [ الأعراف : 96.واستكمالاً لأسباب زيادة الرزق وسنتكلم عن واحد من هذه الأسباب وهو صلة الرحم ، وكنت ذكرت  في الأسبوع الماضي أن سبب التركيز على موضوع زيادة الرزق هو أن هناك أزمة عالمية تجتاح العالم كله ، وأن علينا أن نعلم أن وعد الله فوق كل الظروف والأزمات ، وأن وعده لا بد واقع ، وعلينا ألا نقنط ، لأن أزمة الغذاء العالمية  سببها الإنسان نفسه ، فقد سمعنا بأنهم يصنعون الوقود من الغذاء ، من أجل أن يركب الغني المترف طائرة تتحرك بوقود من الغذاء يصنعون الوقود للطائرات وللمركبات من غذاء الفقراء ، من الذرة وفول الصويا   ومن القمح والشعير ، حتى أصبح ارتفاع الأسعار يفوق طاقة الغني فكيف بالفقير ؟ ولكن ما علينا إلا أن نؤمن أن وعد الله قائم لكل مؤمن ، فللمؤمن معاملة خاصة عنده  لا يضرّه ضلال من ضل ، قال تعالى في سورة المائدة : ﴿ عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ﴾ ، أما كيف تكون الزيادة في رزق من يصل رحمه ، لا بد أن نعلم بأن الرزق نوعان‏:‏ أحدهما‏‏ ما علمه الله أنه يرزقه ، فهذا لا يتغير‏ والثاني‏:‏ ما كتبه وأعلم به الملائكة ، فهذا يزيد وينقص بحسب الأسباب ، فالله يأمر الملائكة أن تكتب للعبد رزقًا ، فإن وصل رحمه زاده الله على ذلك ، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ) البخاري ومسلم وأبو داود وأحمد عن أَنَس بْن مَالِكٍ .

 والدليل على أن صلة الرحم تزيد في الرزق قوله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمْرِهِ ، أي أن تزداد أعماله الصالحة وكأنه عاش مئة عام ،  وَيُوَسَّعَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُدْفَعَ عَنْهُ مِيتَةُ السُّوءِ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ) رواه عبد الله بن أحمد والبزار والطبراني عن علي بن أبي طالب . وعن بثرة رضي الله عنها قال لها صلى الله عليه وسلم : ( يا بثرة اذكري الله عند الخطيئة يذكرك عندها بالمغفرة وأطيعي زوجك يكفك خير الدنيا والآخرة وبري والديك يكثر خير بيتك ) .

فقد نرى إنساناً على جانب عظيم من الذكاء  ويحصل أعلى المؤهلات العلمية ، لكن رزقه محدود ، وإنسان آخر بلا علم ولا ذكاء ورزقه وفير ، قيل في تعليل ذلك أن الذين ازداد رزقهم لهم أعمال طيبة مع أرحامهم ، وهنا يجب أن نفرِّق بين أمرين ، إن فعل هذا العمل الطيب ابتغاء مرضاة الله له الدنيا والآخرة  وإن فعله عن طيب قلب ولم يقصد به الآخرة له الدنيا قطعاً قال صلى الله عليه وسلم : ( إن أعجل الطاعة ثوابا صلة الرحم وإن أهل البيت ليكونون فجرة فتنمو أموالهم ويكثر عددهم إذا تواصلوا وما من أهل بيت يتواصلون فيحتاجون ) صحيح عن أبي بكرة . هذا منهج الله وهذه إرادته قد نرى إنسان لا يصلي لكن عنده عطف على أقربائه يرعى أخواته البنات  يرعى أولاد خالته ، أولاد عمته   يهتم بمن حوله فيرزقه الله رزقاً وفيراً مكافأة له ، وقد قيل : " ما أحسن عبدٌ من مسلم أو كافر إلا وقع أجره على الله في الدنيا أو في الآخرة "  فلا بد لأي إنسان إذا ما  عمل عملاً صالحاً أن يكون لهذا العمل جزاؤه في الدنيا فكيف إذا كان مؤمناً ؟ الله يقول : ﴿ ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا ﴾ الإسراء . لذلك حينما تطيع الله عز وجل بإخلاص لك الدنيا والآخرة ، فطالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاَ .

فمن يتكفل بنفقات من حوله ، فإن الله عز وجل يهبه رزقاً وفيراً ويكون في كنف الله قال صلى الله عليه وسلم : ( ما من أهل بيت تواصلوا إلا أجرى الله عليهم الرزق وكانوا في كنف الله ) رواه الطبراني عن ابن عباس . فقد تعجبون أن الغرب البعيد عن الله المنحرف في سلوكه والذي تتوفر عنده جميع المعاصي والآثام ، لكنه يعيش في بحبوحة كبيرة، وهل تصدقون أن النبي صلى الله عليه وسلم أنبأ بذلك ، في حديث للنبي صلى الله عليه وسلم يثير الانتباه : ( تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرُّومُ أَكْثَرُ النَّاسِ فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو أَبْصِرْ مَا تَقُولُ ، قَالَ : أَقُولُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ : لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ إِنَّ فِيهِمْ لَخِصَالًا أَرْبَعًا إِنَّهُمْ لَأَحْلَمُ النَّاسِ عِنْدَ فِتْنَةٍ ، وَأَسْرَعُهُمْ إِفَاقَةً بَعْدَ مُصِيبَةٍ ، وَأَوْشَكُهُمْ كَرَّةً بَعْدَ فَرَّةٍ ، وَخَيْرُهُمْ لِمِسْكِينٍ وَيَتِيمٍ وَضَعِيفٍ  وَخَامِسَةٌ حَسَنَةٌ جَمِيلَةٌ وَأَمْنَعُهُمْ مِنْ ظُلْمِ الْمُلُوكِ ) مسلم ، أحمد عَنِ ِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ  . نحن نتحرك بعواطفنا أما هم فيتحركون بعقولهم يخططون ويحافظون على هدوئهم ( إِنَّهُمْ لَأَحْلَمُ النَّاسِ عِنْدَ فِتْنَةٍ وَأَسْرَعُهُمْ إِفَاقَةً بَعْدَ مُصِيبَةٍ )  ما أكثر المصائب التي يعاني منها المسلمون ! فهل أفاقوا من غفلتهم ؟ لا والله ، وهل عاشرهم النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال وهو لا ينطق عن الهوى ( وَأَوْشَكُهُمْ كَرَّةً بَعْدَ فَرَّةٍ ) والشاهد من قوله صلى الله عليه وسلم : (وَخَيْرُهُمْ لِمِسْكِينٍ وَيَتِيمٍ وَضَعِيفٍ ) . الطب عندهم بالمجان   أي إنسان بلا دخل يقدم طلباً يأخذ راتباً شهرياً إلى أن يتأمن له دخل ( وَخَامِسَةٌ حَسَنَةٌ جَمِيلَةٌ وَأَمْنَعُهُمْ مِنْ ظُلْمِ الْمُلُوكِ ) . الكل يعرف بأن أنظمة الغرب الداخلية فيها حرية ، هذا وصف من ؟ وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم ألسنا أولى بذلك منهم ؟ سنة الله في خلقه خسروا الآخرة بفسقهم وفجورهم ومعاصيهم   لكنهم ربحوا الدنيا ، أما المسلمون فالأعم الأغلب أتتهم الآخرة  بمعاصيهم ، وأتتهم الدنيا بتقصيرهم   فلا حصّلوا الدنيا ولا حصّلوا الآخرة ، وإنَّ تمكن الغرب من عمارة الأرض يذكرني بقوله تعالى : ﴿ ولقد كتبنا في الزَّبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ﴾ الأنبياء . فالصالحون هنا ، هم الصالحون لإدارتها . نرى كثيراً من الإيجابيات الإسلامية عندهم   فهم يعتنون بالفقراء والأيتام والضعفاء والمرضى ، عندنا قد يحصل خطأ طبي قاتل فيقولون ترتيب رباني ، ولا يُسأل من ارتكبه ، مع أن ديننا اعتبره مسئولاً بدليل قوله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ تَطَبَّبَ وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ طِبٌّ قَبْلَ ذَلِكَ فَهُوَ ضَامِنٌ )  أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة والحاكم عن عمرو بن شعيب .

فرغم كفرهم وانحرافهم ، لكنهم يحرصون على ضعفائهم ، ومساكينهم ، وأيتامهم  ألسنا أولى منهم بذلك والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ( هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ ) البخاري عن سهل بن سعد . نراهم ينتصرون للضعيف فانتصروا على قوى الأرض ، دخلت فاطمة بنت عبد الملك بن مروان فجأة على زوجها عمر بن عبد العزيز في مصلاه فرأته يبكي قالت : " ما لي أراك باكياً ؟ قال : دعيني وشأني ، فلما ألحّت عليه قال : ويحك يا فاطمة ، إني قد وليتُ أمر هذه الأمة  ففكرت في الفقير الجائع ، والمريض الضائع ، والعاري المجهول   واليتيم المكسور ، والمظلوم المقهور  والغريب ، والأسير ، والشيخ الكبير ، والأرملة الوحيدة ، وذي العيال الكثير والرزق القليل ، فعلمت أن الله سيسألني عنهم جميعاً ، وأن خصمي دونهم رسول الله ، فخفت ألا تثبت حجتي ، فلهذا أبكي " 

للأسف إن فهم كثيرٍ من الناس للدين هذه الأيام  على أنه صلاة وصوم وأذكار  واستعلاء على الناس  وما فهموا أن الدين دين عمل وصلة رحم ، والله الذي لا إله إلا هو ، هناك أغنياء يتفننون في إنفاق المال ، فينفق في اليوم ما ينفقه الفقير بمئة يوم ولهم أقرباء يموتون من الجوع ، وتجده مرتاحاً لأنه يصلي ويعلق مصحفاً في سيارته ويعلَّق في المحل : ﴿ إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ﴾ أي فتح هذا الذي يظن ؟ كلام فارغ لا يقدم ولا تؤخر ، وولله لو اهتم كل واحد منا بأقربائه ومن يلوذون به فقط ، لكان لنا حال غير هذا الحال . فلا ينبغي أن يكون إسلام المرء حضور خطبة الجمعة في هذا المسجد أو ذاك ، وهو مغتاب نمام يشتم ويعرض عن هذا وذاك ، فقد ورد في الأثر : ( ترْكُ دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد الإسلام ) .  ولا ينبغي أن نفهم صلة الرحم بزيارة في المناسبات وكفى ، بل إن صلة الرحم تبدأ باتصال ثم بزيارة ثم بتفقد ثم بمساعدة وأعلى صلة الرحم أن تأخذ بيدهم إلى الله عز وجل . فلا تكن قاطع رحم حتى لا تكون ممن قال فيهم صلى الله عليه وسلم : ( مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ ) أبو داود ، أحمد ، الترمذي عن أبي بكرة ، فمن وصل رحمه وسع الله عليه رزقه ، وكان له حظ في الدنيا والآخرة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّهُ مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ الرِّفْقِ فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَصِلَةُ الرَّحِمِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ وَحُسْنُ الْجِوَارِ يَعْمُرَانِ الدِّيَارَ وَيَزِيدَانِ فِي الْأَعْمَارِ ) متفق عليه . 

وقد أرشدنا صلى الله عليه وسلم إلى صلة الأرحام ، وتكون كذلك بالتناسي عن الزلات والصفح عن الخطيئات .وتفقد الأحوال ، والإنفاق عليم بالمال وبالعون على الحاجة  وبدفع الضرر وبطلاقة الوجه وتحمل قطيعتهم ، وذلك يكون إذا كانوا أهل استقامة ، أما إذا كانوا فجاراً فعلى الواصل بذل الجهد في وعظهم ، وما أعظم أسلوب النبيّ صلى الله عليه وسلم في توجيهه لذلك الأمر؛ فقدم صلى الله عليه وسلم أعلى وأغلى ما يتمناه الفرد من سعة في الرزق   وذلك في الترغيب  بصلة الرحم ، ولأن بسط الرزق مرغوب فيه يقول الله تعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ الكهف46. كما أن الرغبة في طول البقاء أمنية كل إنسان ، وقد رغبنا الرسول صلى الله عليه وسلم بأعظم ما يثير النفس البشرية إلى صلة الرحم لتقوى الأسرة وبها يقوى المجتمع ﴿وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ﴾ النساء1.  والمسلم عندما يصل أرحامه يقوم بأمر أوجبه الله تعالى عليه ، يطلب به الأجر والمثوبة من ربه لا من أرحامه   لذلك فالصلة الحقيقية هي التي تبتدئ بالإحسان دون انتظار مكافئ من القول أو الفعل صادر من ذوي القربى ، وأعظم منها الصلة التي تستمر على الرغم من إساءة ذوي القربى ومقابلة إساءتهم بالإحسان .  روي أن بنت عبد الله بن مطيع قالت لزوجها طلحة بن عبد الرحمن بن عوف : يا طلحة ما رأيت قوما ألأمَ من إخوانك قال : ولم ذاك ؟ قالت : أراهم إذا أيسرتَ وكثر مالك زاروك ولزموك ، وإذا أعسرت تركوك   قال : هذا والله من كرمهم ؛ يأتوننا في حال القوة بنا عليهم ، ويتركوننا في حال الضعف بنا عنهم 

 وهذا التزامٌ بما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال فيما رواه البخاري : (ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها ).

  نسأل الله أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه  .

 

 

 

 

من أسباب زيادة الرزق العبادات

لا يليق بكمال الله وقدرته وغناه أن يقنن على العباد تقنين عجز ، لأن هذا من شأن البشر ، فعندما تقل الموارد يقننون ويرفعون الأسعار ، أما خالق البشر فأنه إذا قنن على عباده ، فإن تقنينه يكون تقنين تأديب وتربية ، لا تقنين عجز بدليل قوله تعالى : ] ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أُنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم [ المائدة 66 . وقوله   تعالى : ] ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض [ الشورى . وقد دلت الأبحاث على أنه تمّ اكتشاف سحابة في الفضاء الخارجي ، يمكن أن تملأ محيطات الأرض كلها ستين مرة في اليوم الواحد بالماء العذب وصدق الله : ] وإن من شيءٍ إلا عندنا خزائِنه وما ننـزّلُه إلا بقدر معلوم [ الحجر .  وموضوعنا اليوم يتعلق بذكر الأدلة التي تدل على أن العبادات كالصلاة والصوم والحج والزكاة والصدقة إذا أديت كان الرزق وافراً ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل بأهله الصيف أمرهم بالصلاة ثم قرأ ] وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا [الطبراني في الأوسط . وكان النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر بادر إلى الصلاة ، فلماذا لا نعمل بهذا الهدي النبوي ، ونحن نعاني من ضيق الرزق وقلت الموارد وارتفاع الأسعار ، ولماذا لا نصل ونأمر أهلنا بالصلاة ، ونسأل ربنا الرزق ، لأنها نصيحة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان عليه الصلاة والسلام إذا أصابته خصاصة أي فقر نادى أهله ، يا أهلاه صلوا صلوا .  ولكن أي صلاة ؟ إنها التي يرضى الله عنها ويقبلها : ( ليس كل مصل يصلي ، إنما أتقبل صلاة من تواضع لعظمتي  وكفّ شهواته عن محارمي ، ولم يصر على معصيتي  وأطعم الجائع ، وكسا العريان ، ورحم المصاب   وآوى الغريب ، كل ذلك لي )أخرجه الديلمي عن حارثة بن وهب .

 وأما الصيام : فقدخطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان ، فقال : ( أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم ، شهر مبارك ، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر ، جعل الله صيامه فريضة ، وقيام ليله تطوعاً  من تقرب فيه بخصلة من الخير ، كان كمن أدّى فريضة فيما سواه ، ومن أدّى فيه فريضة ، كان كمن أدّى سبعين فريضة فيما سواه ، وهو شهر الصبر ، والصبر ثوابه الجنة ، وشهر المواساة    وشهر يزداد فيه رزق المؤمن ، من فطّر فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه ، وعتق رقبته من النار ، وكان له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجره شيء ، قالوا : ليس كلنا نجد ما يفطر الصائم ، فقال : يعطي الله هذا الثواب من فطر صائماً على تمرة ، أو شربة ماء   أو مذقة لبن ، ومن أشبع فيه صائماً ، سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة ) إسناده ضعيف ورد في صحيح ابن خزيمة في باب فضائل شهر رمضان عن سلمان الفارسي .

فالصلاة والصيام أحد أسباب وفرة الرزق ، لذلك قال الله تعالى : يا موسى إني افترضت الصيام على عبادي   يا موسى جعلت ثوابكم من صيامكم أن أعتقكم من النار ، وأن أحاسبكم حساباً يسيراً   وما عشتم في أيام الدنيا أن أوسع لكم الرزق وأخلف لكم من النفقة وأقيلكم من العثرة) . والصيام المقصود هنا هو كما أراده الله ، وليس صيام السهر على المسلسلات ، وصيام حضور الحفلات والولائم والسهرات حتى الفجر ، ليس هذا الصيام الذي أراده الله عز وجل كعبادة يرضى عنها .

وأما الحج والعمرة : فالرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( تَابِعوا بين الحج والعمرة ، فإنهما يَنْفِيان الذُّنُوبَ والفَقْرَ ، كما ينفي الكِيرُ خَبَثَ الحديد والذهب والفضة ، ولَيسَ لِحجَّة مبرورة ثواب إلا الجنة ) أخرجه الترمذي صحيح عن عبد الله بن مسعود . وفي رواية والطبراني في الكبير عن عامر بن ربيعة : (تابعوا بين الحج والعمرة فإن متابعة ما بينهما تزيد في العمر والرزق وينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد ) . ولكنأي حج ؟ الحج الحلال بمال حلال ، ورد في الأثر: ( من حج بمال حرام   ووضع رجله في الركاب وقال : لبيك اللهم لبيك  ينادى أن لا لبيك ولا سعديك وحجك مردود عليك ) . ومن أسباب وفرة الرزق تقديم الخدمات للناس ، وهي مقدمة على النافلة من العبادات ، فقد يهمل بعض الناس التزاماته كتزويج أولاده مثلاً أو تعليمهم ليحج أو يعتمر كل عام ، فهذا غير جائز  حتى قال بعض الفقهاء : " للإمام الحق أن يمنع نافلة أدت إلى ترك فريضة ". لقد فهم سلفنا الصالح العبادة فهماً مغايراً لفهمنا ، فهذا ابن المبارك نوى أن يحج ولكنه عندما رأى طفلة صغيرة تأخذ طيراً ميتاً من القمامة ، وتعود به إلى البيت ، ما لفت انتباهه فراقبها    فإذا هي من أسرة تكاد تموت من الجوع ، تأكل من القمامة ما كان ميتاً ، فأعطى تلك الأسرة كل ما يملك وعاد ولم يحج ، هكذا فهموا العبادة ، وهكذا فهموا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لأن أمشي مع أخ في حاجةٍ خير لي من أن أعتكف في مسجدي هذا ) الطبراني عن ابن عمر. نعم لقد فهموا أن ترك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد حجة الإسلام ، فحينما نفهم الدين على أن خدمة الناس تساوي أرقى العبادات ، فإن الله يزيد في رزقنا ويوسع علينا ، كان ابن عباس معتكفاً في مسجد رسول الله  صلى الله عليه وسلم فرأى في المسجد رجلاً تبدو عليه الكآبة ، فسأله مالك ؟ فقال : ديون لزمتني ما أطيق سدادها ، فقال ابن عباس : لمن ؟ فقال لفلان  فقال ابن عباس أتحب أن أكلمه لك ؟ فقال الرجل إذا شئت ، فقام ابن عباس ليخرج من معتكفه ، فقال أحد المعتكفين : يا بن عباس أنسيت أنك معتكف ؟ فقال ابن عباس : لا والله ما نسيت ولكني سمعت صاحب هذا القبر يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم والعهد به قريب  ودمعت عيناه سمعته يقول : ( والله لأن أمشي مع أخ في حاجته ، خير لي من صيام شهر واعتكافه في مسجدي هذا ) الطبراني عن ابن عمر ،  فعبادة الصلاة والصيام   تزيد في رزق من التزم الاستقامة واهتم بالحلال والحرام واجتنب الكذب والغيبة والنميمة وقول الزور ولذلك عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أَتَدْرُونَ مَنْ الْمُفْلِسُ ؟ قَالُوا : الْمُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ لَا لَهُ دِرْهَمَ وَلَا دِينَارَ وَلَا مَتَاعَ ، قَالَ : الْمُفْلِسُ مِنْ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ يَأْتِي بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ عِرْضَ هَذَا ، وَقَذَفَ هَذَا ، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا ، وَضَرَبَ هَذَا  فَيُقْعَدُ فَيَقْتَصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ  فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ ) مسلم عن أبي هريرة .  فالله عز وجل  لا يرضى منا أن نصوم  ونكذب وأن نصوم ونغتاب : ( من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ) أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة  .   وأما الزكاة وقد جاءت باسم الصدقة في القرآن قال تعالى : ] خذ من أموالهم صدقة [ وإيتاء الزكاة شيء ودفع الصدقة شيء آخر ، فالصدقة تطوع  والزكاة فريضة فمن يبخل فإن هناك إتلاف للمال بطريقة أو بأخرى روى البزار عن عائشةأن النبي صلى الله عليه وسلم قال :    ( ما خالطت الصدقة أو قال : الزكاة مالاً إلا أفسدته )   فقد يتلف المال الذي لا تؤدى زكاته روى الطبراني عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( حصنوا أموالكم بالزكاة وداووا مرضاكم بالصدقة وأعدوا للبلاء الدعاء ) وقوله : حصنوا أموالكم بالزكاة أي بإخراجها فإنه كما قال عليه الصلاة والسلام  ما تلف مال في بر أو بحر إلا بحبس الزكاة . فإذا دفعت المال لأي عمل صالح من الزكاة فهو قرض لله عز وجل   وسيرد لك هذا القرض أضعافاً مضاعفة قال تعالى :  ] من ذا الذي يُقرض الله قرضاً حسناً فيُضاعفه له أضعافاً كثيرة [ البقرة . ويقول عليه الصلاة والسلام في بعض خطبه : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ قَبْلَ أَنْ تَمُوتُوا وَبَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ قَبْلَ أَنْ تُشْغَلُوا وَصِلُوا الَّذِي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ بِكَثْرَةِ ذِكْرِكُمْ لَهُ وَكَثْرَةِ الصَّدَقَةِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ تُرْزَقُوا وَتُنْصَرُوا وَتُجْبَرُوا ) ابن ماجه عن جابر بن عبد الله .

فالصدقة إذن أحد أسباب زيادة الرزق فإذا دفعت الصدقة بنية أن ترزق يعوضك الله قال تعالى : ] وما أنفقتم من شيءٍ فهو يُخْلِفُه [ سبأ. والنبي صلى الله عليه وسلم قال لقيس بن سلع الأنصاري : ( أنفق ينفق الله عليك ثلاث مرات ) . ويقول لأسماء : ( يا أسماء أنفقي ولا تحصي فيحصي الله عليك ) أنفق بلا حساب وعندئذ يعطيك الله بلا حساب .

فالعبادات الشعائرية أحد أسباب زيادات الرزق ، وفي الغالب أن مشكلة الإنسان بيده أن يزيلها بطاعة الله والصلح معه ، وإن المشكلة التي تواجهها الإنسانية اليوم هي مشكلة مفتعلة والله ، كيف ؟ في النظام الاقتصادي عندما ترتفع الأسعار عشرة أضعاف ؟ هناك احتمالين : إما أن يزداد المستهلكون عشرة أمثال   أو أن يقل الإنتاج إلى العشر فقط ، أما أن ترتفع الأسعار بدون ذلك فلا أظن أن ذلك معقول ، لأن الأرض هي الأرض ، والأرزاق هي الأرزاق  والثروات الزراعية هي هي ، والأمطار هي الأمطار  والبشر هم البشر ، إذن ما الذي حصل حتى يحصل هذا الارتفاع الجنوني ؟ الذي يحصل أن هناك عقولاً تخطط لإفقار البشر ، حتى يبقوا هم المسيطرون ، ومن جهةٍ أخرى فإن الله يدمّر من استثمر ماله بطريق حرام  فآكل الربا هو في حرب مع الله ، خذ مثالاً سوق البورصة العالمي ، ما الذي يحصل في هذا السوق ؟ هناك حيتان في هذه الأسواق ، يطرحون أسهمهم فجأة فتهبط الأسعار ، فيخاف صغار المستثمرين فيعرض أسهمه للبيع ، فيزداد السعر هبوطاً إلى أن يصل إلى النهاية الصغرى ، هؤلاء الحيتان يشترون كل هذه الأسهم بهذه الطريقة ، يأخذون من صغار المستثمرين كل أموالهم ، وبعدها يرفعون الأسعار  هذه اللعبة تتم كل عدة أشهر ، حتى ذكر في إحصائية في بعض البلاد الإسلامية ، أنه دخل للمستشفيات سبعة وثلاثين ألف إنسان ، بسبب البورصة إذ كانت خسارتهم ستين مليار ، وقرأت في دراسة تفيد بأن كل أموال النفط استردها الغربيون بسوق البورصة   يعطون ثمن النفط ثم يستردونه منهم بهذه الطريقة    فمرة يرتفع الذهب ومرة ينـزل ، وبعمل مفتعل وصل برميل النفط إلى دون تكلفته ، وقد ورد في إحصائية أن تكلفة استخراج البرميل ثمانية ونصف دولار ، وقد وصل إلى ستة ونصف ، وفي هذه الأيام ارتفع إلى مائتين أو اقل ، فما السبب ؟ هل قلّ النفط ؟ ما قلّ  ولكن الحقيقة أن هناك حيتان يتلاعبون بهذه المقاييس ، ونحن تابعون لهم ، إنها لعبة الأقوياء ، أقدم لك الخبز لأستغلك لسياساتي ، وأجعل منك مطية لأهدافي ، وأتسل بمصيرك حتى أحس بقوتي من خلال ضعفك ، وما علم المسلمون أنهم  في غنى عنهم   لو تمسكوا بدينهم واتبعوا منهج ربهم ، وبلاد المسلمين قد حباها الله بأراض خصبة ومياه وفيرة وثروات معدنية هائلة ، لو أحسن استغلالها لأصبح المسلمون في بحبوحة من العيش والرزق الوفير ، فهل يفيق المسلمون من غفلتهم  .

 

 

 

 

 

 

 

 

  

 

من أسباب سعة الرزق التقوى

تقوى الله عز وجل : إن كل واحد منا يحرص على سعة رزقه ، لأن الرزق قوام الحياة ، ولكن هذا الرزق له أسباب ذكرها القرآن الكريم ، ومنها تقوى الله  بأن تتقي غضب الله وعقابه ، بأن تجعل بينك وبينه ستراً يحول دون أن تعاقب ، هذا الستر هو التقوى ، وهي القيام بأمر الله وترك ما نهى الله . والتقوى ليست هيئة معينة ، لباس معين ، إنما هي تطبيق لأوامر الله وترك لما حرم الله ، ليس الولي الذي يطير في الهواء ، ولا الذي يمشي على وجه الماء ، ولكن الولي الذي تجده عند الحلال والحرام ، وأن يراك الله حيث أمرك  وأن يفتقدك حيث نهاك .

ومن أدق التعريفات التي ذكرها القرآن للولي قوله تعالى في سورة يونس : ﴿ أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ ﴾

فالتقوى لا يمكن أن تكون دعوى ، إنما هي حقيقة مع البرهان عليها ، والبرهان عليها الطاعة ، أما ادعاؤها فلا يقدم ولا يؤخر .

ولكن ما هي التقوى التي جعلها الله سبباً لجلب الرزق، وأخبر أنه يرزق أهلها بغير حساب ، التقوى هي أن تجعل بينك وبين ما يضرك وقاية تحول بينك وبينه، أن تفعل ما يأمرك به الله، وتجتنب ما ينهاك عنه؛ فلا يجدك حيث نهاك، ولا يفقدك حيث أمرك ، شعارك أمره ونهيه، وحول هذا المعنى جاءت عبارات السلف في تعريفها وبيانها. يقول ابن مسعود رضي الله عنه عن تعريف التقوى: ( أن يُطاع فلا يُعصى، ويذكر فلا يُنسى، وأن يُشكر فلا يكفر )، ويقول ابن عباس رضي الله عنهما: ( المتقون الذين يحذرون من الله عقوبته في تركما يعرفون من الهدى، ويرجون رحمته في التصديق بما جاء به ويقول طلق بن حبيب: ( التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو ثواب الله . وأن تترك معصية اله على نور نم الله تخاف عقاب الله ) . وسُئِل أبو هريرة رضي الله عنه عن التقوى فقال: (هل أخذت طريقاً ذا شوك؟ قال: نعم. قال: فكيف صنعت؟ قال: إذا رأيت الشوك عزلت عنه أو جاوزته أو قصرت عنه. قال: ذاك التقوى ). وأخذ هذا المعنى ابن المعتمر فقال:

خلِّ الذنوب صغيرهـا        وكبيرها فهــــو التقى

واصنع كماشٍ فوق أر    ض الشوك يحذر ما يرى

لا تحقرنَّ صغيــرةً          إن الجبالَ من الحصــى

فحريٌّ بك أخي الحبيب إذا كنت ترغب في سعة الرزق ورغد العيش أن تتقي الله تعالى في كل شئونك، في بيتك وعملك وأهلك وأولادك، وأن تحفظ نفسك عما يؤثم، وأن تمتثل أوامر ربك، وتجتنب نواهيه وأن تصن نفسك عما تستحق به العقوبة من فعل منكر أو ترك معروف .

كل يدعي وصلاً بليلى        وليلى لا تقر لهم بذاكا

وإن من كمال التقوى البعد عن الشهوات وفعل الواجبات ، وترك المحرمات والشبهات ، بل ربما دخل فيها أيضاً فعل المندوبات ، وترك المكروهات ، وهي أعلى درجات التقوى ، ولذلك العبد التقي يتنزه عن كثير من المباحات التي يخشى أن تنقله إلى بعض الشبهات جاء في الحديث الصحيح : ( إن الرجل لا يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا لما به بأس )  ، أما كيف يتقي الإنسان ربه ؟ حتى تتقي الله لابد للتقوى من العلم ، كيف تقع في الشبهات ؟ عندما تظن أنها من أنها المباحات ، وكيف تقع في المحرمات ؟ عند الجهل بحرمتها ولذلك فإن الطريق الوحيد إلى التقوى أن تطلب العلم الشرعي وأنت بالكون تعرفه وبالشرع تعبده ، وأن تطلب الحلال لأن طلبه فريضة بعد الفريضة ، بل هو حتم واجب على كل مسلم ، بل إن زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق قوله تعالى : نتائجه مع أي مؤمن من دون استثناء :

ضاقَت فَلَمّا اِستَحكَمَت حَلَقاتُها   فُرِجَت وَكُنتُ أَظُنُّها لا تُفرَجُ

أحياناً تسد عليك كل سبل الرزق ، لا في سفر ، ولا في وظيفة ، ولا في تعيين ، ولا في شراكة ، ولا في استثمار ، كل السبل مغلقة ، إذاً اتقِ الله حتى يجعل الله لك من هذا الضيق ف مخرجاً ، والمخرج النجاة من الفقر ، وكاد الفقر أن يكون كفراً ، كما قال الإمام علي رضي الله عنه وكان يقول : قوام الدين والدنيا أربعة رجال : عالم مستعمل علمَه ، وجاهل لا يستنكف أن يتعلم ، وغني لا يبخل بماله ، وفقير لا يبيع آخرته بدنياه ، فإذا ضيع العالم علمه استنكف الجاهل أن يتعلم ، وإذا بخل الغني بماله باع الفقير آخرته بدنيا غيره .

أما كيف نعرف أنك تتقي الله ؟ عندما تتقي الله  تأتيك الأرزاق من حيث لا تحتسب ، من جهة غير متوقعة من جهة ما كانت لتخطر في بالك لقوله :

قد يقول لك قائل : ترى هل أتمكن أن أشتري بيتاً ؟ أو أتزوج ؟ أو أحصل على أدنى مستلزمات الحياة ، نقول بان الله إله الكون وخالق السماوات والأرض والذي بيده كل شيء يقول كما جاء في الحديث القدسي : ( يَا عِبَادِي ، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ ، فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ

فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَزّ َوَجَلّ ،َ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ ) رواه مسلم .  فمن سدّت أمامه سبل الرزق ، من كان رزقه قليلاً ، من شكا من قلة الرزق ، من شكا من التعسير ، هل اتقى الله  وهل هو على ما ينبغي أن تكون ؟ وهل توجه لله عز وجل ؟ هل ترك كل شبهة ؟ إن المخرج من هذا هو التقوى ، روى الطبراني عن معاذ بن جبل قال : سمعت رسول الله  صلى الله عليه وسلم يقول : ( يا أيها الناس اتخذوا تقوى الله تجارة يأتكم الرزق بلا بضاعة ولا تجارة . ثم قرأ :﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ . أحياناً يأتيك رزق محدود مع بركة الله عز وجل ، فيكفيك ويغطي كل نفقاتك ، وأنت في راحة ، وفي بحبوحة قال تعالى في سورة الأعراف : قال بعض العارفين : إذا ضاق على فقير أمر معيشته فليسأل الله تعالى في تيسير رزق حلال مما قسمه الله عز وجل .  ورد في بعض الآثار القدسية : وعزتي وجلالي وعظمتي ما من عبد آثر هواي على هواه ، أي آثر طاعة الله على هوى نفسه ، إلا أقللت همومه  وجمعت عليه ضيعته ،  ونزعت الفقر من قلبه ، وجعلت الغنى بين عينيه .

وحديث آخر أخرجه ابن ماجة عن أنس: ( من أصبح وأكبر همه الآخرة جعل الله غناه في قلبه ، جمع عليه شمله وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح وأكبر همه الدنيا جعل الله فقره بين عينيه  وشتت عليه شمله ولم يؤتيه من الدنيا إلا ما قدر له ) ، وعن علي رضي الله عنه أنه سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من نقله الله عز وجل من ذل المعاصي إلى عز التقوى أغناه بلا مال ، وأعزه بلا عشيرة ، وآنسه بلا أنيس ، ومن خاف الله أخاف الله تعالى منه كل شيء ، ومن لم يخف الله أخافه الله تعالى من كل شيء ، ومن رضي من الله باليسير من الرزق رضي الله تعالى منه باليسير من العمل ) .  جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أوصني قال : ( عليك بتقوى الله فإنه جماع كل خير ) رواه أحمد عن أبي سعيد الخدري . يعني عليك بطاعة الله .

أطع أمرنا نرفع لأجلك حجبنا    فإنا منحنا بالرضا من  أحبنا

ولذ بحمانا واحتـم  بجنابنا        لنحميك مما فيه أشرار خلقنا

وعن ذكرنا لا يشغلنك شاغل    وأخلص لنا تلقَ المسرة والهنا

وسلم إلينا الأمر في كل ما يكن   فما القرب والإبعاد إلا بأمرنا

قد يؤتى الإنسان رزقاً مادياً ويحرم رزقاً روحياً ، علق الأمل على كل أنواع الأرزاق  معرفة الله رزق عظيم ، طاعته زرق عظيم ، أن تشعر بالخشوع في الصلاة رزق عظيم ، أن تقرأ القرآن فيخشع قلبك رزق عظيم ، وأن يعطيك الله مالاً تغطي به حاجاتك هذا أيضاً رزق روى مسلم عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله لا يظلم مؤمناً حسنة ، يُعطى بها في الدينا ، ويُجزي بها في الآخرة)  . لكن إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه مما يحب فإنما هو استدراج قال تعالى :﴿  فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ ﴾ الأنعام 44 . كل إنسان بحاجة إلى مال يغطي به نفقاته ، فإذا اتقى الله عز وجل هيأ له رزقاً  وقد يكون هذا الرزق كفافاً ، فإذا كان كفافاً لا تحزن بل استبشر فقد جاء في الحديث الشريف :( اللهم من أحبني فاجعل رزقه كفافاً ) . فإذا سألت أخاً كريماً عن رزقه قال لي مستورة ، أقول له إذاً أصابتك دعوة النبي عليه الصلاة والسلام  قلة المال أمر صعب جداً وكثرة أمر صعب جداً .

( بادروا إلى الأعمال الصالحة ما ينتظر أحدكم من الدنيا إلا غِنَىً مُطْغِياً ، أو فَقْراً مُنْسِياً ، أو مَرَضاً مُفْسِداً ، أو هَرَماً مُقَيِّداً ، أو مَوْتاً مُجْهِزاً ؛ أو الدجال   فالدجال شرُّ غائِبٍ يُنْتَظَر ؛ أو السَّاعَةُ ، والساعة أدهى وأَمَرّ ) أخرجه الترمذي عن أبي هريرة ، كاد الفقر أن يكون كفراً ، الغنى الذي يحملك إلى المعصية من أكبر المصائب لذلك الله عز وجل كما قال بعض العلماء : علم ما كان ، وعلم ما يكون ، وعلم ما سيكون ، وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون .

ليس في الإمكان أبدع مما كان ، وإذا كشف الله لك الحكمة فيما ساقه إليك ، وما أقامك فيه من بحبوحة ، أو من ضيق يوم القيامة ، ينبغي أن تذوب شكراً لله على ما ساقه إليك من أشياء قد تكون في الدنيا قد كرهتها .

أيها الأخوة الكرام ، من مسلمات الإيمان أنك إذا سألت الله عملاً صالحاً يحتاج إلى مال فإن الله عز وجل يرزقك رزقاً يعينك على هذا العمل الصالح ، أما حينما تقول اللهم هبّ لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك ، هناك أعمال صالحة تحتاج إلى مال ، فلذلك ينطوون على نوايا حسنة ، وعلى رغبة في خدمة الخلق ، لعل الله يرزقهم رزقاً يكافئ نواياهم ، يعني الشيء الذي ينبغي أن يقال اخرج من نفسك إلى خدمة الخلق ، عندئذ يمكنك الله من خدمتهم ولو أن خدمتهم كانت تحتاج إلى أموال ، الله عز وجل  يرزق العبد على قدر نيته ، فالذي ينوي خدمة أمته ، وحلّ مشكلات فقرائها ، ومعاونة المرضى ، ومعاونة من هو بحاجة إلى زواج ، الله سبحانه وتعالى يرزقه من حيث لا يحتسب ، ما في قاعدة للرزق .

ولو كانت الأرزاق تجري مع الحجى    هلكن إذن من جهلهن البهائم

أحياناً الله عز وجل  يفتح لك باب رزق واسع ، المؤمن يسأل الله رزقاً حلالاً طيباً يعينه على عمل صالح يقربه إليه ، يعني : ( لا حَسَدَ إِلاّ في اثْنَتَيْنِ : رَجلٌ آتَاهُ الله مَالاً فَهُوَ يُنْفِقُ منهُ آنَاءَ اللّيْلِ وآنَاءَ النّهَارِ ، وَرَجُلٌ آتَاهُ الله القُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللّيْلِ وَآنَاءَ النّهَار ) البخاري عن أبي هريرة ، والإنسان حينما يموت بثانية واحدة يفقد كل شيء ، الذي جمعه في عمر مديد يخسره في ثانية واحدة ، لمجرد أن يقف قلبه انتهى ، كل أمواله لغيره ، لمجرد أن يقف قلبه انتهى ، كل أمواله لغيره ، وأندم الناس من عاش فقيراً ليموت غنياً ، وأندم الناسِ من دخل ورثته بماله الجنة ، ودخل هو بماله النار

أيها الأخوة الكرام ، تُسأل عن حياتك ، وعن عمرك ، وعن شبابك ، وعن علمك ، إلا عن مالك تسأل سؤالين من أين اكتسبته وفيما أنفقته ؟ والمال قوام الحياة ، وبطولة المؤمن أن يعرف كيف يكسب المال الحلال وكيف ينفقه في وجوهه الصحيحة ، لبعض الصحابة الكرام كلمة رائعة : حبذا المال أصون به عرضي وأتقرب به إلى ربي .

يعني خيارات الإنسان الذي جمع مالاً حلالاً في العمل الصالح لا تعد ولا تحصى  من هنا إذا كان طريق كسب المال الحلال سالكاً وفق منهج الله ينبغي أن تسلك هذا الطريق ، لأنك إن أصبحت غنياً من مال حلال ، من طريق مشروع  خيارات العمل الصالح أمامك لا تعد ولا تحصى ، أما إذا كان كسب المال على حساب دينك ، وعلى حساب مبادئك وقيمك ، فاعتقد اعتقاداً جازماً أن الفقر وسام شرف لك ، لذلك قالوا : هناك فقر الإنفاق ، يا أبا بكر ماذا أبقيت لنفسك ؟ قال : الله ورسوله ، ومن أعظم الأعمال الصالحة أن تنفق مالاً حلالاً جمعته من كدٍّ حلال ومن كسب حلال لحلّ مشكلات المسلمين ، ورب درهم سبق ألف درهم .

 منقول بتصرف

 

 

 

 

 

الحرص على الرزق

الإنسان حريص على شيئين اثنين ، حريص على حياته وصحته  وحريص على رزقه ، كثير من الناس يتوهم أن كلمة رزق تعني   المال ، والحقيقة خلاف ذلك  لأن الرزق هو ما ينتفع به والله عز وجل حينما قال في مطلع سورة البقرة : ﴿ الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ﴾ دل ذلك على أن الرزق أوسع بكثير من أن يقيد بالمال  فالقوة رزق ، والعلم رزق ، والحكمة رزق  والتواضع رزق ، وكل ما فيه حركة للحياة رزق ، فإن لم يكن عندك مال لتنفق منه  فعندك عافية تعمل بها لتحصل على المال ، وتتصدق بها على العاجز المريض ، وإن كان عندك حلم ، فإنك تنفقه بأن تقي الأحمق من تصرفات قد تؤذي المجتمع وتؤذيك ، وإن كان عندك علم أنفقته لتعلّم الجاهل ، وهكذا نرى :  ﴿ ومما رزقناهم ينفقون ﴾ .  وقد فرق العلماء بين الرزق والكسب فقالوا : الرزق هو ما يقدره الله تعالى لخلقه من مقومات حياته ، من مأكل   ومشرب   وملبس  ومأوى ، ومن دابة ، ونحو ذلك من الحاجات الأصلية للمخلوقات ، كما يدخل في الرزق النعم المعنوية مثل الأمن والاستقرار والحرية والعقل ، فكلها أرزاق . والله سبحانه وتعالى خصّ نفسه بملك أرزاق العباد ، وكل ما على الأرض ، حتى إن من أسمائه الحسنى الرزاق قال تعالى في سورة الذاريات : ﴿ إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ﴾ 57 . لكن العلماء فرقوا بين الكسب وبين الرزق ، فقالوا الرزق هو ما انتفعت به ،كالطعام الذي تأكله ، والكساء الذي تلبسه والبيت الذي تسكنه ، والزوجة والأولاد من حولك ، أما الكسب فهو المال الذي تحصل عليه نظير عمل ما ، كأن يكون راتبك الشهري مثلا مبلغا معينا.. وهذا المبلغ هو الذي تقوم على أساسه حياتك ، وتنظم مشترياتك وقضاء حاجاتك   والرزق أشمل وأعم من المال ، وما كسب المال إلا صورة من صور الرزق ، فالأب الصالح رزق، والأخ الطيب رزق ، والأم الحانية رزق ، والزوجة الخيِّرة رزق  والأبن الطائع رزق ، والصحة رزق ، انتفاعك بالموعظة رزق ، حب الناس رزق والرضا في المنع والعطاء رزق.

والرزق نوعان : ظاهر وباطن ، فالظاهر هو الأقوات والأطعمة وكل ما ينتفع به الجسم كالمأوى والمركب ، أما الرزق الباطن فهو أن تعرف الله ، وأن تتقرب إليه  وأن تتوكل عليه ، وأن تثق به ، وأن تقبل عليه ، ولو قال قائل ما الدليل على ذلك ؟ نقول قول الله تعالى :﴿ وتجعلون رزقَكم أنكم تكَذِّبون ﴾ .  أم الرزق الظاهر : فهو متعلق بالجسد وموقّت بالدنيا ، فإذا مات الإنسان انتهت الأرزاق الظاهرة ، أما الأرزاق الباطنة فهي التي ينتفع بها الإنسان في حياته وفي البرزخ  وفي جنة عرضها السماوات والأرض  .

وأحبّ الأشياء إلى الله ، أن تكون سبباً في رزق القلوب ورزق الأبدان  ، كأن يرزق الإنسان علماً هادياً ، ولساناً مرشداً معلماً  ويداً منفقة متصدقة ، وأن يكون سبباً لوصول الأرزاق الشريفة إلى القلوب بالأقوال والأعمال ، ووصول الأرزاق إلى الأبدان بالأفعال والأعمال ، وهي داخلة في مجموعه العمل الصالح   لذلك قال صلى الله عليه وسلم  : ( الْخَازِنُ الْأَمِينُ الَّذِي يُؤَدِّي مَا أُمِرَ بِهِ طَيِّبَةً نَفْسُهُ ، أَحَدُ الْمُتَصَدِّقِين) متفق عليه عن أبي موسى الأشعري .

ومفهوم الرزق يختلف بين المؤمن و غير المؤمن : يقول الله عز وجل  : ﴿ وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ﴾ هود 6 . من في الآية تفيد استغراق أفراد النوع ، فأي شيء يدبّ على وجه الأرض فإن رزقه على الله ، فالمؤمن يعلم علم اليقين أن رزقه من الله ، وعليه أن يأخذ بالأسباب ثم يتوكل على الله ، بينما غير المؤمن يعتقد أنه صانع رزقه وأنه من عمله كما أخبر الله عن قارون الذي قال : ﴿ قال إنما أوتيته على علمٍ عندي ﴾ القصص 78 . وأهل الإيمان يفهمون بان الرزق يكون مالاً ، أو قوتاً ، أو ملبساً أو مسكناً ، وفي درجاتهم العليا يرونه العافية في الدين والدنيا في النفس والأهل والولد ، ويرون الرزق في سعادة الدارين  أما أهل اليقين فإنهم يرون الرزق أن يصرفك الله عن كل ما سواه ، وأن تكون قريباً من الله ، وأهلاً لجنة الله .

والرزق يزيد وينقص ، والكل يتمنى المال لأنه قوام الحياة   ولهذا قال الصحابي الجليل مقولته الرائعة :" حبذا المال أصون به عرضي وأتقرب به إلى ربي " .

ولكن المال ليس كل الرزق بل هو أحد أنواعه، لأن كل ما يُنتفع به رزق  فالصحة رزق والعلم رزق وطاعة الله رزق والحكمة رزق   أما الذي لم ينتفع به العبد فليس رزقاً بل هو كسب ، والكسب تحاسب عنه أشد الحساب ، كيف كسبته وهل هو حلالاً أم حراما ، وهل هو طيباً أو خبيثاً ، وحتى ما يحصل عليه العبد وينتفع به عن طريق الحرام فهو رزق ،  فسواء كان الرزق حلالاً أم حراماً فهو رزق ، فالمال الذي يأخذه المقامر من غيره في لعب القمار رزق ، لأنه مال أعطاه الله لكل منهما حين باشر حالة من الحالات التي يحصل فيها الرزق .

والعبد يواجه صعوبة في الكسب الحلال ، لأنه لو كان سهلاً جداً وكثيراً جداً لأقبل الناس عليه ؛ لا طاعة لله ، ولا حباً به ولا طمعاً بجنته ، بل لأنه سهل يسير ، ولكن الله لحكمة بالغة جداً ، جعل الكسب الحلال صعبا ، بينما يستسهل العبد الكسب الحرام ، كما أن الكسب الحلال يكون أقل من الكسب الحرام ولذلك قيل : " قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تؤدي شكره ، وقليل يكفيك خير من كثير يطغيك " .   والرزق الأعظم الذي يناله الإنسان هو رزق القيم الذي يعطيه الله من يحبه ومن لا يحبه ، فالذين أعطاهم الله الملك ، منهم من لا يحبه ، أعطى الملك لفرعون وهو لا يحبه ، أعطاه لسيدنا سليمان وهو يحبه  وأعطى المال لقارون وهو لا يحبه ، وأعطاه لعبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان وهو يحبهما ، ورزق القيم هذا ، متاح لكل الناس ، ولكنه يحتاج إلى توبة نصوحة  وإقبال على الله ، وصلح معه  .

والعمل الصالح رزق ولذلك لما سقى موسى عليه السلام للفتاتين قال تعالى :﴿ رب إني لِما أنزلتَ إليَّ من خيرٍ فقير ﴾ سورة القصص ،  استنبط علماء التفسير أن الرزق هو العمل الصالح ، وأن الغنى هو غنى العمل الصالح ، وأن الفقر هو فقر العمل الصالح  فالغنى والفقر بعد العرض على الله قال تعالى في سورة المؤمنين :  ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ 100.

والمال قوام الحياة ، ولكنه ليس نعمة وليس نقمة ، ولكن حسب طريقة استخدامه قال تعالى : ﴿ فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن ﴾ سورة الفجر .ويقول :﴿ وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن ﴾ سورة الفجر . الجواب الإلهي هنا جواب ردع ، فعطائي ليس إكراماً ولا منعي حرماناً ، عطائي ابتلاء وحرماني دواء ، والمال مادة امتحانك قد تنجح في امتحان المال وقد لا تنجح ، بدليل أنك إذا أعطاك الله المال ولم تؤدي حق الله فيه وحق العباد ، ولم يعينك على أداء ما فرض عليك ، صار المال وبالاً عليك  وإهانة لا كرامة ، كذلك الحال مع من يظن أن الفقر إهانة   فإن سلب الله المال الذي يطغيك فقد أكرمك ، وإن كنت لا تدري بهذا الإكرام ، وبهذا يكون الفقر مادة امتحانك ، قد تنجح وقد لا تنجح ، ولذلك ليس المال خيراً مطلقاً ولا شراً مطلقاً والأمر متوقف على طريقة كسبه وإنفاقه ، فقد يكون المال فتنة كما قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ۚ وَاللَّـهُ عِندَهُ أَجْرٌ‌ عَظِيمٌ ﴾ التَّغابن: 15  

وتقنين الله على العبد هنا تقنين تأديب وليس تقنين عجز ، والدليل قوله تعالى في سورة الشورى 27 : ﴿وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ ﴾ .  ولحكمة إلهية  فضل الله بعض الناس على بعض في الرزق  فلو وسّع الله على عباده رزقهم ، وأعطاهم فوق حاجتهم من الرزق لحملهم ذلك على البغي والطغيان ، وعصوا في الأرض وتكبروا  ولكنه تعالى ينـزل من الرزق لعباده بتقديرٍ معين ، على حسب مشيئته ، وما تقتضيه حكمته البالغة ، ويختار لهم مما فيه صلاحهم ، فيغني من يستحق الغنى ، ويفقر من يستحق الفقر  إنه بعباده خبيرٌ بأحوالهم ، بصيرٌ بما يصلحهم ، من توسيع الرزق وتضييقه كما جاء في الحديث القدسي عن انس ( إن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى ، ولو أفقرته لأفسدت عليه دينه وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر ، ولو أغنيته لأفسدت عليه دينه ) وكان يقال :" خير العيش ما لا يلهيك ولا يطغيك"  فمن كانت مقاومته ضعيفة إذا ما رزق بالمال الكثير فإنه يفكر بالعصيان ، أما صاحب الدخل المحدود فإنه يبقى مستقيماً وهذه رحمة من الله ولذلك قال : ( وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا بالسقم ، ولو أصححته لكفر ، وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا بالصحة ، ولو أسقمته لكفر )الجامع الصغير للسيوطي عن عمر  .  أحياناً يستسلم المؤمن بعد الأخذ بالأسباب لقضاء الله وقدره   أما قبل أن يأخذ بها هو مؤاخذ عند الله ، والمال قوة وهو أحد أدوات التقرب إلى الله ، وأنت بالمال أمام خيارات للعمل الصالح لا يعلمها إلا الله  فإذا كان طريق كسب المال سالكاً وفق منهج الله   ينبغي أن تكون غنياً كي تنفقه في سبيل الله ، أما إذا كان طريق كسب المال على حساب دينك واستقامتك ورضوان ربك ، فاعلم علم اليقين أن الفقر وسام شرف لك   وقل معاذ الله إني أخاف الله رب العالمين وأخيراً لقد أقسم الله بذاته القدسية على أحقية البعث وضمان الرزق فقال تعالى : ﴿ وفي السماء رزقكم وما توعدون ، فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون ﴾ الذاريات 23 .  قال الأصمعي :" أقبلت خارجاً من البصرة ، فطلع أعرابي على قعود فقال مَن الرجل ؟ قلت من بني أصمع ، قال من أين أقبلت ؟ قلت من موضع يُتلى كلام الرحمن ، فقال اتل علي فتلوت والذاريات فلما بلغت قوله :﴿ وفي السماء رزقكم﴾  فقال : حسبك فقام إلى ناقته فنحرها ووزعها على الناس ، وعمد إلى سيفه وقوسه فكسرها وولى ، فلما حججت مع الرشيد ، طفقت أطوف ، فإذا أنا بمن يهتف بي بصوتٍ رقيق ، فالتفت فإذا أنا بالأعرابي قد نحل واصفر ، واستقرأ السورة فلما بلغت الآية صاح وقال : وجدنا ما وعدنا ربنا حقا ، ثم قال : فهل غير هذا ؟ فقرأت : ﴿ فورب السماء والأرض إنه لحق ﴾ فصاح وقال : يا سبحان الله من ذا الذي أغضب الجليل حتى حلف ؟ لم يصدقوا بقوله حتى ألجؤوه إلى اليمين قالها ثلاثاً ، وخرجت معها نفسه " . وفي هذا المعنى قصة الأشعريين التي أخرجها البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري  ذكرها صلى الله عليه وسلم فقال : (إنَّ الأشعريِّينَ إذا أرْمَلُوا في الغَزْوِ ، وقَلَّ طَعَامُ عِيالهم بالمدينة : جَمَعُوا ما كان عندهم في ثَوْب واحد ، ثم اقْتَسَمُوا بينهم في إناء واحد بالسَّويَّةِ ، فهم مِنِّي وأنا مِنْهُم ) .  فإذا كان معك فضل مال أعطي من هذا الفضل على من لا مال له   فالمال أحد أدوات التقرب إلى الله عز وجل   لذلك ورد في بعض الآثار أن الله عز وجل يسأل عبدين من عباده يقول للأول ( أن عبدي أعطيتك مالاً فماذا صنعت فيه ؟ يقول : يا رب لم أنفق منه شيئاً مخافة الفقر على أولادي من بعدي   فيقول الله له : ألم تعلم بأني الرزاق ذو القوة المتين ؟ إن الذي خشيته على أولادك من بعدك قد أنزلته بهم ، ويقول للثاني : أعطيتك مالاً فماذا صنعت فيه ؟ يقول : يا رب أنفقته على كل محتاج ومسكين لثقتي بأنك خير حافظاً ، وأنت أرحم الراحمين   فيقول الله له : أنا الحافظ لأولادك من بعدك ) .

قال الله تعالى: ﴿ فالله خيرٌ حافظاً وهو أرحم الراحمين ﴾ سورة يوسف

فالأب الصالح هو الذي كسب المال الحلال  ، وأنفقه على أولاده وهو على يقين بأن الله يحفظ أولاده من بعده ، أما الأب الذي كسب المال الحرام من أجل أن يرفه أولاده من بعده   فقد تكون المعاصي والآثام التي يقترفونها في صحيفة الأب . وختاماً  الفقر ثلاثة أنواع : فقر الإنفاق وفقر الكسل وفقر القدر، ففقر الكسل فقر مذموم وليس قضاء ، فمن كان عمله غير متقن ، لا يهتم بالمواعيد ولا بالدوام ، فهذا يكون متخلفاً في دنياه   والمتخلف يكون فقيراً بالأعم الأغلب ، أما فقر القدر فهو معذور كمن ابتلي بعاهة من لوازمها أنه فقير هذا فقر معذور صاحبه  أما الفقر المحمود ففقر الإنفاق يا أبا بكر ماذا أبقيت لنفسك ؟ قال : الله ورسوله ، أنفق كل ماله . اللهم قنعنا بما رزقتنا وارزقنا بما ينفعنا يا رب العالمين .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الرزق والسعي له

قال تعالى : ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ الملك 15، في الآية ما يدل على أن رزق الله الذي ضمنه لعباده لا يُنال إلا بسعي وعمل قال تعالى :﴿ وقل اعملوا ﴾ التوبة .   لذلك فإن أوسع شريحة من الفقراء فقراء الكسل ، لكن قد يبتلى الإنسان بعاهة تمنعه أن يكسب رزقه   هذا الفقر الذي قدِّر على الإنسان صاحبه معذور ، وهو فقر القدَر ، و إنسان كسيدنا الصديق أنفق كل ماله ولم يبق لنفسه شيئاً  هذا سماه العلماء فقر الإنفاق ، الأول صاحبه معذور والثاني صاحبه مشكور ، أما الفقر الذي صاحبه مذموم فهو فقر الكسل ، فقر التأجيل  فقر الخلود إلى الراحة  فقر كراهية العمل  .  إذن لابد من السعي لكسب الرزق المضمون في قوله تعالى : ﴿ وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ﴾ هود 6. هذا الرزق المضمون لا ينال إلا بسعي وعمل ومشي في مناكب الأرض ، وابتغاء فضل الله فيها كما أفادت الآية  .  قال تعالى : ﴿ فامشوا ﴾ ففي المشي يمتحن الإنسان  يصدق أو يكذب ، يتقن وينصح أو يغش ، فعلة وجودنا في هذه الدنيا الامتحان ، والله عز وجل خلق فينا حاجة إلى الطعام والشراب ، وحاجة إلى الزواج ، ومن أجل هاتين الحاجتين الأساسيتين نتحرك ، وفي أثناء التحرك نمتحن  .

قال بعض العلماء : " علينا أن نجتهد في طلب الحلال لنأكل منه ، ونلبس منه  وننفق على عيالنا وإخواننا منه ، فإنه موجود ما دام المكلفون في الدنيا " .قال تعالى في سورة الروم : ﴿ الله الذي خلقكم ثم رزقكم ﴾ في الماضي  الرزق منتهٍ  وإذا قنن الله عز وجل فتقنينه تقنين تأديب لا تقنين عجز ولذلك قال تعالى في سورة الحجر: ﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ﴾

سورة الحجر ، والآية الثانية : ﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ ﴾ سورة الشورى ، قد تكون غلّة القمح في بلدٍ ما تزيد على ما يحتاجه بأضعاف مضاعفة ، وأحياناً لا تزيد بحسب الأمطار ، فالتقنين الإلهي تقنين تأديب لا تقنين عجز ، يقول بعض العلماء : " إذا صدق الإنسان في طلب الحلال استخرجه الله من بين الحرام والشبهات "  قال تعالى في سورة النحل : ﴿ من بين فرْثٍ ودمٍ لبناً خالصاً سائغاً للشاربين ﴾ فالأرض مليئة بالدخل الحرام وبالمصادر الحرام ، فأيّ عبد صدق في أن يكون رزقه حلالاً يسوقه الله عز وجل إلى الحلال .

وطلب الحلال فريضة على كل مسلم ، بل طلب الحلال فريضة بعد الفريضة  الصلاة فريضة ، والصوم فريضة  والحج فريضة ، وأداء الزكاة فريضة ، بعد هذه الفرائض الفريضة التي تلي أركان الإسلام الكسب الحلال ، فحرفتك التي تحترفها  ومهنتك التي تمتهنها ، ووظيفتك التي تعيش منها إن كانت في الأصل مشروعة  وسلكت بها الطرق المشروعة ، وابتغيت منها كفاية نفسك وأهلك وخدمة المسلمين والناس عامة ، وما شغلتك عن واجب ديني ، ولا عن فريضة ، ولا عن طلب علم  ولا عن عمل صالح انقلبت الحرفة إلى عبادة ، ولا تعجب بمن كسب  مالاً من حرام   لا تعجب به لا تقل هنيئاً له ، لا تقل : ما أكثرَ دخْلَه ، فإن كان الدخل حراماً  إن أنفقه أو تصدق به لم يقبل منه ، وإن تركه لم يبارك له فيه وإن بقي منه شيء كان زاده إلى النار روى البيهقي عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يعجبنك رحبَ الذراعين بالدم ، ولا جامع المال من غير حله ، فإنه إن تصدق لم يقبل منه ، وما بقي كان زاده إلى النار) . وإن من أوليات العمل أن تسعى لرزق عيالك  أنت أب ، وفي عنقك مسؤولية ، وهؤلاء الصغار أنت متكفّل بتأمين حاجاتهم ، من طعام وشراب وكسوت وتعليم   فحينما تسعى من أجل تأمين رزق أسرتك فأنت في عبادة  الدليل : عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال : مر النبي عليه الصلاة والسلام برجل فرأى أصحاب النبي من جلده ونشاطه فقالوا : يا رسول الله شاب في ريعان الشباب جلد نشيط ، يا رسول الله لو كان هذا في سبيل الله ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : ( إنْ كان خرج يسعى على ولده صغارًا فهو في سبيل الله ) الطبراني . عنده أولاد يحتاجون إلى طعام وشراب ، وكساء وأدوية وحليب ، فبكّر إلى عمله وتعب أو عنده أب وأم متقدمين في السن فإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله ، وإن كان خرج يسعى على نفسه ليتزوج  ويغض بصره فهو في سبيل الله ، وإن كان خرج يسعى رياءً ومفخرة فهو في سبيل الشيطان ، فحينما تقوم إلى عملك ، وقد يكون العمل شاقاً ، ويحتاج إلى دوام طويل وإلى الإخلاص ، والتفاني والإتقان  وتأتي في المساءً متعباً منهكاً فأنت في سبيل الله ، أنت في عبادة  ، وحينما يلبي الأب حاجات أسرته يملكهم ، فإنه يملك قلوبهم ، فيرشدهم ، ويوجههم ، أما الأب الكسول الذي لا يعمل كلما طلب منه شيء ، يقول ما معي  فإنهم قد ينصرفون عنه إلى رفقاء السوء   وحينما تكسب المال الحلال من دون إسراف ، وتنفق على أهلك وأولادك ووالديك من دون إسراف ، من دون تبذير ، فإن هذا العمل في سبيل الله   يقول عمر بن الخطاب : " لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق ، ويقول : اللهم ارزقني وقد علم أن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة  " وقال : " إني لأرى الرجل يعجبني فأقول : أله حرفة ؟ فإن قالوا : لا ، سقط من عيني  " وقد ورد في الأثر أن  النبي عليه الصلاة والسلام أمسك يد عبد الله بن مسعود وكانت خشنة من العمل ، رفعها أمام أصحابه ، وقال : ( إن هذه اليد يحبها الله ورسوله )  

ولذلك أوجب الإسلام العمل ، ولما سأل عمر أحد الولاة قال له :" ماذا تفعل إذا جاءك الناس بسارق أو ناهب ؟ قال له : أقطع يده ، فقال للوالي : إذاً إن جاءني من رعيتك من هو جائع أو عاطل فسأقطع يدك ، إن الله قد استخلفنا عن خلقه لنسد جوعتهم ، ونستر عورتهم ، ونوفر لهم حرفتهم   فإن وفرنا لهم ذلك تقاضيناهم شكرها ، إن هذه الأيدي خلقت لتعمل ، فإن لم تجد في الطاعة عملاً التمست في المعصية أعمالاً ، فاشغلها بالطاعة قبل أن تشغلك بالمعصية " فالعمل واجب على كل مسلم ، وهو فريضة بعد الفريضة ، طلب الحلال فريضة  لا تحل الصدقة لغني ولا ذي مرة قوي ، فالشاب القوي لا تحل له الصدقة  والغني أيضاً لا تحل له الصدقة ، ورد في الأثر أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى شاباً يقرأ القرآن في وقت العمل ، سأله : (من يطعمك ؟ قال : أخي ، قال : أخوك أعبد منك) . فالعمل أشرف ألف مرة من ذل السؤال ، أعجبني قول من اقسم على قوله " والله ، والله ، مرتين ، لحفر بئرين بإبرتين  وكنس أرض الحجاز بريشتين ، ونقل بحرين زاخرين بمنخلين   وغسل عبدين أسودين حتى يصيرا أبيضين لهي أهون من طلب حاجة من لئيم لوفاء دين " .  في القرآن آيةٌ عظيمة هي مفتاح الرزق : ﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ﴾ قد يقول قائل : الظروف صعبة  والأعمال قليلة ، وهناك بطالة ، فقل ما شئت ، ولكن هذه الآية تلغي كل هذه الأشياء ، بأي ظرف ، وبأي وضع  وبأي معطيات  وبأي ضائقة ، فتعامل مع الله مباشرة استقم على أمره  وارفع رأسك  وكن عزيزاً ، وقل : يا رب  أنت الذي قلت في سورة هود 6 : ﴿ وما دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها ﴾ ، ولزوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين ، وفي آية أخرى يقول الله سبحانه :﴿ وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أممٌ أمثالكم ﴾ الأنعام 38 .  والدابة كل ما يدب على الأرض ، وقد ذكر الله عن موسى عليه السلام أنه شغل حين كلف عن أهله ، وتساءل كيف أذهب لأداء الرسالة وأترك أهلي ؟ فأوحى له الله أن يضرب حجرا ، فضربها فانفلقت ليخرج له حجرا ، فضرب الحجر فانشق له عن دودة تلوك شيئاً كأنما تتغذى به فقال : إن الذي رزق هذه في ظلمات تلك الأحجار كلها لن ينسى أهلي على ظهر الأرض ، ومضى إلى رسالته . وهذا أمر طبيعي لأن الله خالق كل الخلق ، ولا بد أن يضمن له استبقاء الحياة واستبقاء النوع ، واستبقاء الحياة بالقوت ، واستبقاء النوع بالزواج والمصاهرة .

ولذلك قال العلماء : يجب أن نفرق بين عطاء الإله وعطاء الرب ، فالإله سبحانه هو رب الجميع ، لكنه إله من آمن به وما دام الله هو رب الجميع  فالجميع مسئولون منه فالشمس تشرق على المؤمن والكافر ، والهواء موجودٌ للمؤمن والكافر ، لأنه عطاء ربوبية يشترك فيه الجميع ، لكن عطاء الألوهية إنما يكون في العبادة ، وهو يخرجك عن رغباتك إلى ما يرضي الله ، فحين تطلب منك شهواتك أن تفعل أمراً فإن المنهج يقول لك : لا ، لأنك بهذا تتحكم في الشهوات ، أما في الأمور الدنيوية فعطاء الربوبية لكل كائن ليستبقي حباته   وهنا يقول الله تعالى : ﴿ وما من دابةٍ في الأرض إلا على الله رزقها ﴾ . وكلمة على تفيد أن الرزق حق للدابة ، لكنها لم تفرضه هي على الله ، ولكن الله قد ألزم نفسه بهذا الحق ، ولأن الله هو الذي يرزق الدابة ، فهو يعلم مستقرها وأين تعيش ليوصل إليها الرزق فقال تعالى : ﴿ ويعلم مستقرها ومستودعها﴾ والله يعْلِمنا بذلك ليطمئن كل إنسان أن رزقه يعرف عنوانه ، والإنسان لا يعلم عنوان الرزق . لأن الرزق يأتي لك من حيث لا تحتسب ، ويجب أن نعلم أن السعي إلى الرزق شيء آخر ، لأنك قد تسعى إلى رزقٍ ليس لك بل هو رزق لغيرك ، فقد تزرع أرضاٍ وتضطر لتركها لأمر ما ، فيأتي غيرك لأكل ثمر هذا الزرع   وتأكل أنت من ثمر زرع غيرك ولذلك يقول الله سبحانه : ﴿ ويعلم مستقرها ومستودعها كلٌّ في كتابٍ مبين ﴾ .      

 

 

 

الأسباب المانعة للرزق

أول هذه الأسباب الزنا قال تعالى : هناك عقابان للزنا : عقاب وضعي وعقاب علمي ، أما العقاب الوضعي ،  فقد جاء واضحاً فيما رواه  علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( في الزنا ست خصال : ثلاث في الدنيا وثلاث في الآخرة ، أما اللواتي في الدنيا : فيذهب ببهاء لوجه ويورث الفقر ، وينقص العمر  وأما اللاتي في الآخرة فيورث السخط وسوء الحساب والخلود في النار ) الطبراني في الأوسط عن ابن عباس . كما دل على أن الله يجعل الزاني فقيراً ،  ما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( الزنا يورث الفقر ) الجامع الصغير عن ابن عمر . أما العقاب العلمي ، فقد ثبت أن الزنا يسبب كثيراً من الأمراض والعاهات ،  وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك حين قال : ( يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ ، خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ ، لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا ) . فهل هناك أوضح من هذا الكلام في موضوع فيروس الإيدز ؟ وقد جاء النهي عن الزنا وأسبابه في قوله تعالى في سورة الإسراء : ما قال : ولا تزنوا ، قال : ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ﴾ فالنهي ليس عن الزنا ، بل النهي عن الأسباب التي توقع في  الزنا كالخلوة ، وإطلاق البصر ، والاختلاط .

ومن الأسباب : نقص المكيال والميزان قال صلى الله عليه وسلم : ( وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ-  وهي القحط والجفاف ـوَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ  وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ  وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا ، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ ، فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ ) .

ومنها : الحكم بغير ما انزل الله قال صلى الله عليه وسلم : ( وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ ، وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ )  ابن ماجه عن ابن عمر .  ومنها : منع الزكاة قال صلى الله عليه وسلم : ( ما نقض قوم العهد قط إلا كان القتل بينهم ، ولا ظهرت الفاحشة في قوم قط إلا سلط الله عليهم الموت ، وما منع قوم الزكاة إلا حبس الله عنهم القطر ) أخرجه الحاكم عن بريدة  وقال : صحيح على شرط مسلم . وفي حديث آخر : ( ما منع قوم الزكاة إلا ابتلاهم الله بالسنين ) الطبراني في الأوسط عن بريدة بسند صحيح . وقد دلت الإحصاءات على أن خمسة بالمئة فقط من أغنياء المسلمين يدفعون زكاة أموالهم .

ومنها : الربا قال تعالى :  وقد روى الحاكم عن ابن عباس ، وسنده صحيح   أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :(إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله ) . ومنها : اليمين الكاذبة ، قال صلى الله عليه وسلم : ( اليمين الفاجرة تُذهب المال ، أو تَذهب بالمال ) البزار عن عبد الرحمن بن عوف  وسنده حسن . وبعض التابعين قال لأحد التجار : " يا عبد الله ، اتق الله ، ولا تكثر الحلف ، فإنه لا يزيد في رزقك إن حلفت ، ولا ينقص من رزقك إن لم تحلف "  فلا داعي للحلف بأن هذه السلعة سعرها كذا ، الله عز وجل هو الرزاق ، ويقول عليه الصلاة والسلام : ( الحلف منفقة للسعلة ممحقة للبركة ) فالشاري قد يخجل منك فيشتري البضاعة بأيمان مغلظة ، لكن الله يمحق هذا المال ، كان الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه يتصدق بدينار عن كل يمين حلفها صادقاً ، فكيف إذا كان كاذباً ، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ   وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ، قَالَ : فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ مِرَارًا ، قَالَ أَبُو ذَرٍّ : خَابُوا وَخَسِرُوا ، مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : الْمُسْبِلُ   وَالْمَنَّانُ ، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ )مسلم عن أبي ذر .

ومنها: الكذب وهو من صفات الكافرين والمنافقين : فالمؤمن لا يكذب ، فقد يقع في معاص ، لضعف في نفسه  فقد تغلبه شهوته ، إلا أن الكذب ليس شهوة  بل هو خُبثٌ ، لذلك ورد في بعض الأحاديث : (يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الخيانة والكذب ) رواه أحمد عن أبي أمامة الباهلي . هناك مؤمن عصبي المزاج ، ومؤمن يحب البقاء في البيت  ومؤمن يعتني بهندامه أقلّ من غيره   ومؤمن يحب الاختلاط مع الناس ، ومؤمن يؤثر العزلة   هذه طباع : أما إذا كذب وخان فليس مؤمناً ، لأن المؤمن لا يكذب . كما ينطبق هذا على الإعلانات التي توهم بخصائص لبضاعة ليست فيها ، أو توهم بأنها من مصدر معين ، وهي من مصدر آخر ، أو توهم أن فيها هذه الخصائص  وهي ليست فيها ، كأن تضع   العلامات التجارية الرائجة على سلع ليست من مصدرها ، وتباع السلع بهذه الطريقة ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : ( الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا ، أَوْ قَالَ : حَتَّى يَتَفَرَّقَا فَإِنْ صَدَقَا ، وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا ، وَإِنْ كَتَمَا   وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا ) متفق عليه ، وبعض الآباء دون أن يشعروا يعلمون أولادهم الكذب   يقول لابنه إذا ما سُئل عنه  : قل لهم : إنني لست هنا  هذا الكلام العملي يلغي ألف محاضرة في الصدق لأن الناس يتعلمون بعيونهم لا بآذانهم ، ولغة العمل أبلغ من لغة القول . وإذا كنا صادقين ونتحرى العدل فإن الله ينصرنا ، أما  إذا كذب  وظلم بعضنا بعضاً فالله يخذلنا لا محاله .

ومنها : الاحتكار ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : ( مَنْ احْتَكَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ طَعَامًا ضَرَبَهُ اللَّهُ بِالْجُذَامِ وَالْإِفْلَاسِ ) رواه ابن ماجه عن عمر مرفوعا . فالاحتكار أن تحبس بيع البضاعة ، وخصوصاً البضاعة الغذائية التي يحتاجها الناس ، من أجل أن يرتفع ثمنها ، وفي هذه الأيام المشتري يحتكر كما يحتكر البائع ، كيف ؟ قد تحتاج في الشهر إلى كمية معينة من الغذاء ، فإذا شعرت بأزمة ، فإنك تشتري فوق حاجتك بأضعاف ، مما يسبب نقصاً في هذه البضاعة فتكون محتكراً  أيضاً ،  لذلك قَالَ صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ احْتَكَرَ فَهُوَ خَاطِئٌ ) أخرجه مسلم والترمذي وأبو داود .

خاطئ ، فماذا تعني كلمة خاطئ قال تعالى : ﴿ إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين ﴾ القصص .   كلمة خاطئ في القرآن تعني أنه إلى جهنم ، ويئس المصير ، وعَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : (مَنْ احْتَكَرَ طَعَامًا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَقَدْ بَرِئَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ، وَبَرِئَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ ، وَأَيُّمَا أَهْلُ عَرْصَةٍ أَصْبَحَ فِيهِمْ امْرُؤٌ جَائِعٌ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ تَعَالَى ) رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني في الأوسط   . فقد توعد الله من  احتكر الطعام ورفع سعره  ويقول صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ دَخَلَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَسْعَارِ الْمُسْلِمِينَ لِيُغْلِيَهُ عَلَيْهِمْ فَإِنَّ حَقًّا عَلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يُقْعِدَهُ بِعُظْمٍ مِنْ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) أحمد .

ومنها : الغش كتغيير صفات البضاعة ، وتغير المنشأ ، واللعب بالوزن ، والكيل  والمساحة أو إعطاء عطلاً كاذباً لمن يريد أن يصلح جهازه أو سيارته ، فقد يحتاج دقيقة لإصلاحها فيوهمه أن ذلك يحتاج إلى وقت كبير ليأخذ منه أضعاف الأجر  مستغلاً جهل صاحبها بذلك ، متناسياً عقاب الله ، وقد قيل : يا رب  لقد عصيتك ، ولم تعاقبني ، قال : عبدي ، قد عاقبتك ولم تدر ، نعم قد يسوق الله للغاش مليون مصيبة  .

ومنها : التجارة في المحرمات ، هناك مواد محرمة  ومشروبات محرمة ، ولحوم محرمة وبضائع محرمة فمن تاجر فيها فقد وقع في الإثم ، وليعلم هؤلاء أن من ابتغى الحلال كان له فيه بركة ،  ومن عاش تقياً عاش قوياً وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه ) الجامع الصغير .  ومنها : الكفر بالنعمة يزيلها والكفر بالرزق يذهبه وإن عدم الرضا يبدل الحال إلى أسوأ وأشد قال تعالى في سورة سبأ : ﴿ لقد كان لسبأ في مسكنهم آية  جنتان عن يمين وشِمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدةٌ طيبة ورب غفور ، فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيلَ العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتى أُكُلٍ خَمْط وائْلٍ وشيء من سدر قليل , ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نُجْزي إلا الكفور ﴾ آية 15 سبأ . إذا كان ذلك حال سبأ أعطاهم الله رزقا وفيرا جنات عن يمين وجنات عن شمال مملوءة بالخيرات ليأكلوا منها حيث شاءوا ، فقابلوا الرزق بالكفر والجحود و أعرضوا عن نعمة الله وعن شكر المنعم , فكانت النتيجة حرمانهم من الرزق والرسول صلى الله عليه وسلم يقول :( إنَ الرجُلَ ليحرم الرزق بالذنب يُصيبُه ) ، فأكل الربا وأكل حقوق الناس  واستغلال حاجة الفقير يمحق المال ويذهب الرزق ، وفي هذا إنذار لكل من كفر وعصا  والعقاب من جنس العمل .

 

التقوى تجلب الرزق

التقوى أن يعمل الرجل بطاعة الله ، على نور من الله يرجو رحمة الله ، وأن يترك معصية الله ، على نور من الله ويخاف من عذاب الله . وعرّفها آخرون بأنها الاحتماء عمّا يضرّ بفعل ما ينفع قال تعالى : ﴿ ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب﴾ الطلاق 2. من يتق الله فيما أمره به يدفع عنه المضرّة ويجلب له المنفعة بما ييسره له من الرزق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من انقطع إلى الله كفاه الله كل مئونة  ورزقه من حيث لا يحتسب ، ومن انقطع إلى الدنيا وكله الله إليها ) .وقد يسأل سائل : نرى كثيراً من أهل التقوى وهم من المحرومين بينما نرى غيرهم من المرزوقين ؟دلت الآية على أن المتقي يرزقه الله من حيث لا يحتسب ولا يفهم من الآية على أن غير المتقي لا يرزقه الله لأنه لا بد لكل مخلوق من الرزق لقوله تعالى : ﴿وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها﴾ هود 6 . وحتى ما يتناوله العبد من الحرام هو داخل في هذا الرزق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن أكل رزقاً حراما : ( لقد رزقك الله طيباً فاخترت ما حرّم الله عليك من رزقه مكان ما أحلَّ الله لك من حلاله ) . فالكفار يرزقون بأسباب محرّمة ويرزقون بغير ذلك وأهل التقوى يرزقهم الله من حيث لا يحتسبون ولا يكون رزقهم بأسباب محرمة ولا يكون خبيثاً ولا يُحرم التقي ما يحتاج من الرزق ، وإنما يُحمى من فضول الدنيا رحمة وإحساناً إليه ، فقد تكون التوسعة في الرزق مضرّة على صاحبها ، وفي الحديث القدسي ( إن من عبادي من لو أغنيته لفسد حاله ) . فتقدير الرزق يكون رحمة لصاحبه  والتوسعة في الرزق إكرام وتفضّل والتضييق فيه ليس بإهانة ، لأن التضييق ترك تفضّل ، وترك التفضّل لا يسمّى إهانة قال تعالى : ﴿ فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربُهٌ فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرَمَنِ وإذا ما ابتلاه فَقَدَرَ عليه رِزْقُهُ فيقولُ ربي أهانَنِ ﴾الفجر 14.فليس كل من وسع عليه رزقه يكون مكرما ولا كل من قُدر عليه رزقه يكون مهانا ، فقد يوسع   الرزق إملاءً واستدراجا ، وقد يُقدره   حمايةً وصيانة ، وضيق الرزق على عبدٍ من أهل الدين قد يكون لما له من ذنوب وخطايا كما يقول بعض السلف : " إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ". وفي الحديث أن رسول اله صلى الله عليه وسلم قال : ( من أكثر من الاستغفار جعل الله له من كل همٍّ فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب ) . رواه أحمد

 

 

الفرق بين الكسب والرزق

الرزق  كلنا يعرف أن الرزق من الله سبحانه وتعالى وهذا صحيح ولكن ماهي انواعه ؟ أنظر ماذا قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنة قال : ( الرزق رزقان .. رزق يطلبك ورزق تطلبه فأما الذى يطلبك فسوف يأتيك ولو على ضعفك وأما الذى تطلبه فلن يأتيك إلا بسعيك وهو أيضا من رزقك . الرزق الأول فضل من الله ، والرزق الثاني عدل من الله ) .. والعلماء قالوا أن ذلك يختلف عن الكسب وفرقوا بين الكسب وبين الرزق ،فقالوا أن الرزق هو ما انتفعت به ،مثل الطعام الذي تأكله ، والكساء الذي ترتديه ، والبيت الذي تسكنه ، والزوجة التي تسكن إليها ، والصحة والأولاد الذين حولك ، أي شيء انتفعت به هو من الرزق ، وأي شيء كسبته ولم تنتفع به هو من الكسب ، وشتان ما بين الرزق وبين الكسب .

وفى هذا يقول أحد الصالحين : " رزقك هو ما انتفعت به !! كيف ذلك ؟ يقول الرزق هو ما تنتفع به ٬ وليس هو ما تحصل عليه ٬ فقد تربح مالاً وافراً كثيرا ولكنك لا تنتفع به ولا تنفقه ولا تستفيد منه .. فلا يكون هذا رزقك ولكنه رزق غيرك ..٬ وأنت تظل حارساً عليه ٬ لا تنفق منه أي شيء ٬ حتى توصله إلى صاحبه ٬ فليست العبرة بكم تمتلك ولكن العبرة بكم تنتفع " يقول النبي عليه الصلاة والسلام : ( يقول ابن آدم مالي مالي  وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت ٬ أو لبست فأبليت ٬ أو تصدقت فأبقيت ) .

 

 

 

دروس وخطب

نقدم بين يديكم مجموعة من الدروس والخطب والمواعظ 

واسال الله ان يتقبل منا جميعا