من أسباب سعة الرزق التقوى
تقوى الله عز وجل : إن كل واحد منا يحرص على سعة رزقه ، لأن الرزق قوام الحياة ، ولكن هذا الرزق له أسباب ذكرها القرآن الكريم ، ومنها تقوى الله بأن تتقي غضب الله وعقابه ، بأن تجعل بينك وبينه ستراً يحول دون أن تعاقب ، هذا الستر هو التقوى ، وهي القيام بأمر الله وترك ما نهى الله . والتقوى ليست هيئة معينة ، لباس معين ، إنما هي تطبيق لأوامر الله وترك لما حرم الله ، ليس الولي الذي يطير في الهواء ، ولا الذي يمشي على وجه الماء ، ولكن الولي الذي تجده عند الحلال والحرام ، وأن يراك الله حيث أمرك وأن يفتقدك حيث نهاك .
ومن أدق التعريفات التي ذكرها القرآن للولي قوله تعالى في سورة يونس : ﴿ أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ ﴾
فالتقوى لا يمكن أن تكون دعوى ، إنما هي حقيقة مع البرهان عليها ، والبرهان عليها الطاعة ، أما ادعاؤها فلا يقدم ولا يؤخر .
ولكن ما هي التقوى التي جعلها الله سبباً لجلب الرزق، وأخبر أنه يرزق أهلها بغير حساب ، التقوى هي أن تجعل بينك وبين ما يضرك وقاية تحول بينك وبينه، أن تفعل ما يأمرك به الله، وتجتنب ما ينهاك عنه؛ فلا يجدك حيث نهاك، ولا يفقدك حيث أمرك ، شعارك أمره ونهيه، وحول هذا المعنى جاءت عبارات السلف في تعريفها وبيانها. يقول ابن مسعود رضي الله عنه عن تعريف التقوى: ( أن يُطاع فلا يُعصى، ويذكر فلا يُنسى، وأن يُشكر فلا يكفر )، ويقول ابن عباس رضي الله عنهما: ( المتقون الذين يحذرون من الله عقوبته في تركما يعرفون من الهدى، ويرجون رحمته في التصديق بما جاء به ويقول طلق بن حبيب: ( التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو ثواب الله . وأن تترك معصية اله على نور نم الله تخاف عقاب الله ) . وسُئِل أبو هريرة رضي الله عنه عن التقوى فقال: (هل أخذت طريقاً ذا شوك؟ قال: نعم. قال: فكيف صنعت؟ قال: إذا رأيت الشوك عزلت عنه أو جاوزته أو قصرت عنه. قال: ذاك التقوى ). وأخذ هذا المعنى ابن المعتمر فقال:
خلِّ الذنوب صغيرهـا وكبيرها فهــــو التقى
واصنع كماشٍ فوق أر ض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرنَّ صغيــرةً إن الجبالَ من الحصــى
فحريٌّ بك أخي الحبيب إذا كنت ترغب في سعة الرزق ورغد العيش أن تتقي الله تعالى في كل شئونك، في بيتك وعملك وأهلك وأولادك، وأن تحفظ نفسك عما يؤثم، وأن تمتثل أوامر ربك، وتجتنب نواهيه وأن تصن نفسك عما تستحق به العقوبة من فعل منكر أو ترك معروف .
كل يدعي وصلاً بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا
وإن من كمال التقوى البعد عن الشهوات وفعل الواجبات ، وترك المحرمات والشبهات ، بل ربما دخل فيها أيضاً فعل المندوبات ، وترك المكروهات ، وهي أعلى درجات التقوى ، ولذلك العبد التقي يتنزه عن كثير من المباحات التي يخشى أن تنقله إلى بعض الشبهات جاء في الحديث الصحيح : ( إن الرجل لا يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا لما به بأس ) ، أما كيف يتقي الإنسان ربه ؟ حتى تتقي الله لابد للتقوى من العلم ، كيف تقع في الشبهات ؟ عندما تظن أنها من أنها المباحات ، وكيف تقع في المحرمات ؟ عند الجهل بحرمتها ولذلك فإن الطريق الوحيد إلى التقوى أن تطلب العلم الشرعي وأنت بالكون تعرفه وبالشرع تعبده ، وأن تطلب الحلال لأن طلبه فريضة بعد الفريضة ، بل هو حتم واجب على كل مسلم ، بل إن زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق قوله تعالى : نتائجه مع أي مؤمن من دون استثناء :
ضاقَت فَلَمّا اِستَحكَمَت حَلَقاتُها فُرِجَت وَكُنتُ أَظُنُّها لا تُفرَجُ
أحياناً تسد عليك كل سبل الرزق ، لا في سفر ، ولا في وظيفة ، ولا في تعيين ، ولا في شراكة ، ولا في استثمار ، كل السبل مغلقة ، إذاً اتقِ الله حتى يجعل الله لك من هذا الضيق ف مخرجاً ، والمخرج النجاة من الفقر ، وكاد الفقر أن يكون كفراً ، كما قال الإمام علي رضي الله عنه وكان يقول : قوام الدين والدنيا أربعة رجال : عالم مستعمل علمَه ، وجاهل لا يستنكف أن يتعلم ، وغني لا يبخل بماله ، وفقير لا يبيع آخرته بدنياه ، فإذا ضيع العالم علمه استنكف الجاهل أن يتعلم ، وإذا بخل الغني بماله باع الفقير آخرته بدنيا غيره .
أما كيف نعرف أنك تتقي الله ؟ عندما تتقي الله تأتيك الأرزاق من حيث لا تحتسب ، من جهة غير متوقعة من جهة ما كانت لتخطر في بالك لقوله :
قد يقول لك قائل : ترى هل أتمكن أن أشتري بيتاً ؟ أو أتزوج ؟ أو أحصل على أدنى مستلزمات الحياة ، نقول بان الله إله الكون وخالق السماوات والأرض والذي بيده كل شيء يقول كما جاء في الحديث القدسي : ( يَا عِبَادِي ، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ ، فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ
فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَزّ َوَجَلّ ،َ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ ) رواه مسلم . فمن سدّت أمامه سبل الرزق ، من كان رزقه قليلاً ، من شكا من قلة الرزق ، من شكا من التعسير ، هل اتقى الله وهل هو على ما ينبغي أن تكون ؟ وهل توجه لله عز وجل ؟ هل ترك كل شبهة ؟ إن المخرج من هذا هو التقوى ، روى الطبراني عن معاذ بن جبل قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( يا أيها الناس اتخذوا تقوى الله تجارة يأتكم الرزق بلا بضاعة ولا تجارة . ثم قرأ :﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ . أحياناً يأتيك رزق محدود مع بركة الله عز وجل ، فيكفيك ويغطي كل نفقاتك ، وأنت في راحة ، وفي بحبوحة قال تعالى في سورة الأعراف : قال بعض العارفين : إذا ضاق على فقير أمر معيشته فليسأل الله تعالى في تيسير رزق حلال مما قسمه الله عز وجل . ورد في بعض الآثار القدسية : وعزتي وجلالي وعظمتي ما من عبد آثر هواي على هواه ، أي آثر طاعة الله على هوى نفسه ، إلا أقللت همومه وجمعت عليه ضيعته ، ونزعت الفقر من قلبه ، وجعلت الغنى بين عينيه .
وحديث آخر أخرجه ابن ماجة عن أنس: ( من أصبح وأكبر همه الآخرة جعل الله غناه في قلبه ، جمع عليه شمله وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح وأكبر همه الدنيا جعل الله فقره بين عينيه وشتت عليه شمله ولم يؤتيه من الدنيا إلا ما قدر له ) ، وعن علي رضي الله عنه أنه سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من نقله الله عز وجل من ذل المعاصي إلى عز التقوى أغناه بلا مال ، وأعزه بلا عشيرة ، وآنسه بلا أنيس ، ومن خاف الله أخاف الله تعالى منه كل شيء ، ومن لم يخف الله أخافه الله تعالى من كل شيء ، ومن رضي من الله باليسير من الرزق رضي الله تعالى منه باليسير من العمل ) . جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أوصني قال : ( عليك بتقوى الله فإنه جماع كل خير ) رواه أحمد عن أبي سعيد الخدري . يعني عليك بطاعة الله .
أطع أمرنا نرفع لأجلك حجبنا فإنا منحنا بالرضا من أحبنا
ولذ بحمانا واحتـم بجنابنا لنحميك مما فيه أشرار خلقنا
وعن ذكرنا لا يشغلنك شاغل وأخلص لنا تلقَ المسرة والهنا
وسلم إلينا الأمر في كل ما يكن فما القرب والإبعاد إلا بأمرنا
قد يؤتى الإنسان رزقاً مادياً ويحرم رزقاً روحياً ، علق الأمل على كل أنواع الأرزاق معرفة الله رزق عظيم ، طاعته زرق عظيم ، أن تشعر بالخشوع في الصلاة رزق عظيم ، أن تقرأ القرآن فيخشع قلبك رزق عظيم ، وأن يعطيك الله مالاً تغطي به حاجاتك هذا أيضاً رزق روى مسلم عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله لا يظلم مؤمناً حسنة ، يُعطى بها في الدينا ، ويُجزي بها في الآخرة) . لكن إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه مما يحب فإنما هو استدراج قال تعالى :﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ ﴾ الأنعام 44 . كل إنسان بحاجة إلى مال يغطي به نفقاته ، فإذا اتقى الله عز وجل هيأ له رزقاً وقد يكون هذا الرزق كفافاً ، فإذا كان كفافاً لا تحزن بل استبشر فقد جاء في الحديث الشريف :( اللهم من أحبني فاجعل رزقه كفافاً ) . فإذا سألت أخاً كريماً عن رزقه قال لي مستورة ، أقول له إذاً أصابتك دعوة النبي عليه الصلاة والسلام قلة المال أمر صعب جداً وكثرة أمر صعب جداً .
( بادروا إلى الأعمال الصالحة ما ينتظر أحدكم من الدنيا إلا غِنَىً مُطْغِياً ، أو فَقْراً مُنْسِياً ، أو مَرَضاً مُفْسِداً ، أو هَرَماً مُقَيِّداً ، أو مَوْتاً مُجْهِزاً ؛ أو الدجال فالدجال شرُّ غائِبٍ يُنْتَظَر ؛ أو السَّاعَةُ ، والساعة أدهى وأَمَرّ ) أخرجه الترمذي عن أبي هريرة ، كاد الفقر أن يكون كفراً ، الغنى الذي يحملك إلى المعصية من أكبر المصائب لذلك الله عز وجل كما قال بعض العلماء : علم ما كان ، وعلم ما يكون ، وعلم ما سيكون ، وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون .
ليس في الإمكان أبدع مما كان ، وإذا كشف الله لك الحكمة فيما ساقه إليك ، وما أقامك فيه من بحبوحة ، أو من ضيق يوم القيامة ، ينبغي أن تذوب شكراً لله على ما ساقه إليك من أشياء قد تكون في الدنيا قد كرهتها .
أيها الأخوة الكرام ، من مسلمات الإيمان أنك إذا سألت الله عملاً صالحاً يحتاج إلى مال فإن الله عز وجل يرزقك رزقاً يعينك على هذا العمل الصالح ، أما حينما تقول اللهم هبّ لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك ، هناك أعمال صالحة تحتاج إلى مال ، فلذلك ينطوون على نوايا حسنة ، وعلى رغبة في خدمة الخلق ، لعل الله يرزقهم رزقاً يكافئ نواياهم ، يعني الشيء الذي ينبغي أن يقال اخرج من نفسك إلى خدمة الخلق ، عندئذ يمكنك الله من خدمتهم ولو أن خدمتهم كانت تحتاج إلى أموال ، الله عز وجل يرزق العبد على قدر نيته ، فالذي ينوي خدمة أمته ، وحلّ مشكلات فقرائها ، ومعاونة المرضى ، ومعاونة من هو بحاجة إلى زواج ، الله سبحانه وتعالى يرزقه من حيث لا يحتسب ، ما في قاعدة للرزق .
ولو كانت الأرزاق تجري مع الحجى هلكن إذن من جهلهن البهائم
أحياناً الله عز وجل يفتح لك باب رزق واسع ، المؤمن يسأل الله رزقاً حلالاً طيباً يعينه على عمل صالح يقربه إليه ، يعني : ( لا حَسَدَ إِلاّ في اثْنَتَيْنِ : رَجلٌ آتَاهُ الله مَالاً فَهُوَ يُنْفِقُ منهُ آنَاءَ اللّيْلِ وآنَاءَ النّهَارِ ، وَرَجُلٌ آتَاهُ الله القُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللّيْلِ وَآنَاءَ النّهَار ) البخاري عن أبي هريرة ، والإنسان حينما يموت بثانية واحدة يفقد كل شيء ، الذي جمعه في عمر مديد يخسره في ثانية واحدة ، لمجرد أن يقف قلبه انتهى ، كل أمواله لغيره ، لمجرد أن يقف قلبه انتهى ، كل أمواله لغيره ، وأندم الناس من عاش فقيراً ليموت غنياً ، وأندم الناسِ من دخل ورثته بماله الجنة ، ودخل هو بماله النار
أيها الأخوة الكرام ، تُسأل عن حياتك ، وعن عمرك ، وعن شبابك ، وعن علمك ، إلا عن مالك تسأل سؤالين من أين اكتسبته وفيما أنفقته ؟ والمال قوام الحياة ، وبطولة المؤمن أن يعرف كيف يكسب المال الحلال وكيف ينفقه في وجوهه الصحيحة ، لبعض الصحابة الكرام كلمة رائعة : حبذا المال أصون به عرضي وأتقرب به إلى ربي .
يعني خيارات الإنسان الذي جمع مالاً حلالاً في العمل الصالح لا تعد ولا تحصى من هنا إذا كان طريق كسب المال الحلال سالكاً وفق منهج الله ينبغي أن تسلك هذا الطريق ، لأنك إن أصبحت غنياً من مال حلال ، من طريق مشروع خيارات العمل الصالح أمامك لا تعد ولا تحصى ، أما إذا كان كسب المال على حساب دينك ، وعلى حساب مبادئك وقيمك ، فاعتقد اعتقاداً جازماً أن الفقر وسام شرف لك ، لذلك قالوا : هناك فقر الإنفاق ، يا أبا بكر ماذا أبقيت لنفسك ؟ قال : الله ورسوله ، ومن أعظم الأعمال الصالحة أن تنفق مالاً حلالاً جمعته من كدٍّ حلال ومن كسب حلال لحلّ مشكلات المسلمين ، ورب درهم سبق ألف درهم .
منقول بتصرف