مواعظ قصيرة

مواعظ قصيرة

النهي عن التطاول على الناس

 رأيت من الإنصاف ، توضيح مفاهيم خاطئة من أناس ردّدوها على اللسان ، وسلكوا بها طُرُقَ الهوى والردّى، وسبيل الغواية والعمى  هناك من يتطاول علينا ، بالتنقيص واللَّمز، ومن تجاسرَ بالابتذال والامتهان ، وما علم أن الدين وقف موقفًا حازمًا   من قلة الورع ، وضعف الدين. ومن التعدي على حفظ الحرمات ، وسلامة القلوب، وصيانة الأعراض وتحري الحق ، واعتبرها كبيرة من كبائر الذنوب   وموبقة من موبقات الآثام ، وحالقة من حالقات الدين ، يشترك في ذلك فاعلها ، والراضي بسماعها، إنها الغِيبة ، التي نهى الله عنها فقال :﴿ وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ ﴾ الحجرات 12. والغيبة ذات أسماء ثلاثة، كلها في كتاب الله عز وجل ، الغيبة ، والإفك، والبهتان. فإذا كان في أخيك ما تقول ، فهي الغيبة، وإذا قلت فيه ما بلغك عنه ، فهو الإفك، وإذا قلت فيه ما ليس فيه ، فهو البهتان ، والغيبة تكون في انتقاص الرجل في دينه وخَلْقه وخُلُقه ، وفي حسبه ونسبه  ومن عاب صنعةً فإنما عاب صانعها. وها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي هؤلاء المبتلين بهذا الداء المهلك: (يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ، ولا تتبعوا عوراتهم   فإن من تتبع عورة أخيه ، تتبع الله عورته ، ومن تتبع الله عورته ، يفضحه ولو في جوف بيته) . عجبًا لمن جاء للمسجد للصلاة والقيام ، كيف يركب مركب الغيبة، وقد علم أن المبتلى بها ذو قلبٍ متقلبٍ ، وفؤادٍ مظلمٍ ، انطوى على بغض الخلق، وكراهية الخير، مريض يحسد في السراء ويشمت في الضراء، على الهم مقيم، وللحقد ملازم، تسوءه المسرة ، وتسره المساءة، غل وحقد وضغينة، ذلق- أي حاد- اللسان، صفيق الوجه، لا يحجزه عن الاغتياب إيمانٌ، ولا تحفظه للمكارم مروءة ، يسكب من لفظه ، ما تشمئز منه آذان أهل الإيمان ، وأفئدة أهل التقى ، الكلام عنده شهوة عارمة، إذا سلَّطه على شؤون الناس أساء الصورة  ألد خصم ، يقطع وقته في تسقط الأخبار، وتتبع العيوب ، وتلمس الزلات، والهمز واللمز ، مشاء بنميم ، ويل له ، ثم ويل له، يتكلم بالكلمة يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب.

يحطون من أقدار الناس ، ويطعنون في أعمالهم وجهودهم، ويشككون في قدراتهم وكفاءاتهم  يمشون بالكذب والتدليس، والمغالطة والتشويش. ويبعثون الفتن، ويزرعون الإحن، يوزعون الاتهامات، ويتتبعون المعايب؛ هذا طويل وهذا قصير، وهذا جاهل، وهذا فاسق، وهذا يغلط وهذا مريض ، فعلهم عدوان، وحديثهم بذاء.

فهل من شأن المؤمن أن يحمل كل هذا الضغن لأخيه؟!  أعجبني دقة ما سجله الغزالي في "إحيائه" وابن قدامة المقدسي في "مختصر منهاجه" وابن حجر الهيثمي في "زواجره" وهم يتكلمون عن هذا الصنف من الناس؛ قالوا رحمهم الله: يُذكر عند هؤلاء المتزهدين إنسانٌ فيقولون: الحمد لله الذي ما ابتلانا بقلة الحياء ، والدخول في كذا وكذا، وليس قصده بدعائه إلا أن ينبه إلى عيب غيره. قالوا: وقد يزيد في خبثه ، فيقدم المدح لمن يغتابه ، حتى يظهر تنصله من الغيبة فيقول: كان مجتهدًا في العبادة والعلم والنزاهة والأمانة، ولكنه فتر ، وابتلي بما ابتلينا به كلنا. فيذكر نفسه ، ومقصوده ذم الغير والتمدح بالانتساب للصالحين ، في ذم نفوسهم فيجمع بين ثلاث فواحش: الغيبة والرياء وتزكية النفس، بل أربع ، لأنه يظن بجهله أنه مع ذلك من الصالحين المتعففين عن الغيبة ، فقد لعب به الشيطان ، وسخر منه ، فأحبط عمله ، وضيع تعبه وأرداه.

يقول بعض السلف: أدركنا السلف الصالح وهم لا يرون العبادة في الصوم والصلاة ، ولكن في الكف عن أعراض الناس.

 ألا فاتقوا الله رحمكم الله، فطوبى لمن أمسك الفضل من قوله، ثم طوبى لمن ملك لسانه، ثم طوبى لمن حجزه عن الناس ، ما يعلم من نفسه، وطوبى لمن استمسك بتوجيهات كتاب ربه ، فتوجه إلى مولاه بقلب ضارع ولسان صادق وحب لإخوانه خالص: ﴿ رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلإَيمَـٰنِ وَلاَ تَجْعَلْ فِى قُلُوبِنَا غِلاًّ لّلَّذِينَ ءامَنُواْ رَبَّنَا إِنَّكَ رَءوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ الحشر10.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  

 

 

 

 

 

 

قال تعالى : ﴿ قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون ﴾  المؤمنون 24 . فالخاشعون هم الذين تستشعر قلوبهم رهبة الموقف في الصلاة فتسكن وتخشع ، فلا يشهدون إلا الله ولا تشتغل قلوبهم بسواه ،وقد أجمع العارفون على أن الخشوع محله القلب ، وثمرته الجوارح وهي تظهره  رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يعبث بلحيته في الصلاة فقال : ( لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه ) لأن الجوارح تستمد طاقتها من القلب ومن الدم الذي يضخه فيها فلو شغل القلب عن الجوارح ما تحرَّكت ومن جهةٍ أُخرى ألا يستحق منك ربك أن تتفرغ له على الأقل وقت صلاتك ، وقد تركك باقي الوقت تفعل ما تشاء . وهناك نوعٌ من الخشوع حذّر منه السلف سموه خشوع النفاق  فقالوا : استعيذوا بالله من خشوع النفاق . قالوا : وما خشوع النفاق ؟ قالوا : أن ترى الجسد خاشعاً والقلب ليس بخاشع  . ورأى عمر بن الخطاب –رضي الله عنه -  رجلاً طأطأ رقبته في الصلاة , فقال : "يا صاحب الرقبة ؟ ارفع رقبتك  ليس الخشوع في الرقاب إنما الخشوع في القلوب " .  إن أولى صفات المؤمنين الخشوع في الصلاة قال تعالى : ﴿ قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَـٰشِعُونَ ﴾ وفي استعراض آخر من كتاب الله للمكرّمين من أهل الجنة تأتي المداومة على الصلاة في أول الصفات ، وتأتي المحافظة عليها في خاتمتها قال تعالى : ﴿  إِنَّ ٱلإنسَـٰنَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذَا مَسَّهُ ٱلْخَيْرُ مَنُوعاً إِلاَّ ٱلْمُصَلّينَ ٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ دَائِمُونَ إلى قوله: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُوْلَـئِكَ فِى جَنَّـٰتٍ مُّكْرَمُونَ ﴾ المعارج:19، 35 . لكن هذه الصلاة التي أقاموها صلاة خاصة ، إذا حصل فيها خللٌ أو نقصٌ ؛ قد يتحول الوعد إلى وعيد، وينقلب رجاء الثواب إلى عرضة للعقاب لقول الله تعالى  : ﴿ فَوَيْلٌ لّلْمُصَلّينَ ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلَـٰتِهِمْ سَاهُونَ﴾ الماعون:4. إن الخشوع وحضور القلب هو روح الصلاة ولبها حتى قال بعض العلماء : " صلاة بلا خشوع ولا حضور جثة هامدة بلا روح " فالخشوع حالة في القلب تنبع من أعماقه مهابةً لله وتوقيراً ، وتواضعاً في النفس وتذللاً .  ورقة تورث انكساراً فإذا خشع القلب خشع السمع والبصر ، وسائر الأعضاء والحواس . وإذا سكن القلب وخشع ، خشعت الجوارح والحركات ، ويصف الحسن رحمه الله حال السلف بقوله : كان الخشوع في قلوبهم  فغضوا له البصر في الصلاة . وإذا خشع قلب المصلي استشعر الوقوف بين يدي  خالقه  وعظمت عنده مناجاته ، فخشع في صلاته   وأقبل عليها ، ولم يشتغل بسواها  وسكنت جوارحه فيها والخشوع يتفاوت في القلوب بحسب تفاوت معرفتها لمن خشعت له   وبمقدار هذا التفاوت يكون تفاضل الناس في القبول والثواب  وفي رفع الدرجات، وحط السيئات . عن عثمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال : ( من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدِّث فيهما نفسه بشيء؛ غفر له ما تقدم من ذنبه) أخرجه البخاري .فالصلاة الخاشعة هي الراحة الدائمة للنفوس المطمئنة الواثقة بوعد ربها المؤمنة بلقائه . أما النفوس التي استحوذ عليها الهوى والشيطان فلا نرى من صلاتها إلا أجساداً تهوي وأرواحها بالدنيا متعلقة  ونفوسها بالأموال والأهلين مشغولة .  

 

 

 

دواء الخوف

قد يخاف الإنسان أن يفوته نعيم الدنيا أو يخاف من جبار يهدده ، فيشعر بانقباض  وضيق في الصدر ، لا يدري سببه ، وهذا هو الغم ، وقد يتعرض لمكر الماكرين  وكيد الكائدين ، وتدبير الشريرين والحاقدين ، فإنه يجد الدواء لكل ذلك في وصف الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه وكان من المتأملين في القرآن  وكان يخرج من آياته الدواء لكل أحوال المؤمن ، فقال : عجبت لمن خاف ولم يفزع إلى قول الله سبحانه : ﴿ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ فإني سمعت الله بعقبها يقول :  ﴿ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾ فقد أعطى وصفة للخوف الذي يعتري الإنسان ، الوصفة أن تقول : ﴿ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ لأن كل ما يخيفك دون قوة الله وما دام كل ما يخيفك دون قوة الله فأن تقول حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وعجبت لمن اغتم - والغم شيئاً غير الخوف ، فالخوف قلق النفس من شيء تعرف مصدره ، لكن الغم كآبة النفس من أمر قد لا تعرف مصدره -   فيقول وعجبت لمن اغتم ولم يفزع إلى قول الله سبحانه:﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ فإني سمعت الله بعقبها يقول:﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ وتلك ليست خصوصية له والشاهد قوله تعالى : ﴿ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ يعني أيضا المؤمن الذي يقولها  وعجبت لمن مُكِرَ به -يعني من كاد الناس له ولا يقوى على مواجهة كيد الناس فليفزع لرب هؤلاء الناس ، وعجبت لمن مُكِرَ به ولم يفزع إلى قول الله: ﴿ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾ فإني سمعت الله بعقبها يقول:﴿ فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا ﴾ وعجبت لمن طلب الدنيا وزينتها كيف لا يفزع إلى قول الله:﴿ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ﴾ فإني سمعت الله بعقبها يقول:﴿ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ ﴾ وهكذا يجب على المؤمن أن يكون مطمئناً واثقاً من معية الله ويضع  في بطنه كما يقول المثل :" في بطنه بطيخة صيفي " لأنه يفزع على ربه بالدعاء المناسب في كل حال ، وحين يراك ربك تلجأ إليه وتتضرع ، وتعزو كل نعمة وتنسبها إلى الله ، وتعترف بالمنعم ، فإنه يعطيك خيراً منها  .

 

 

العفو والصفح والتسامح

 

 لماذا يعفو أناس وينتقم آخرون ؟

 

 الجواب: الإنسان إذا اتصل بالله العفو الكريم اشتق منه بعضاً من هذا الخلق العظيم، وإذا استقرت الرحمة في قلب الإنسان فإنها تفيض على خصومه بالعفو والغفران، فيصبح العفو أحبَ إليه من الانتقام، وإذا علم الإنسان أن خصمه بشكل أو بآخر أخٌ له في الإنسانية إذا انتقم منه خسره، وإذا عفا عنه ربحه ولأن يربح الإنسان أخاه خير له من الدنيا وما فيها ، عندها يرى في العفو غُنْماً، وفي الانتقام غُرْماً  فهذا او بكر في حديث الإفك الذي لا يُحتمل ، أُمر أن يعفو عمن أشاع به في المدينة ، وعاتبه الله لما  امتنع عن العطاء، فقال: ﴿ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ﴾  فكيف بما دون ذلك من الذنوب؟ إذا أيقن الإنسان أن العفو سلم يرقى به إلى عز الدنيا والآخرة، إذ بالعفو تتسع دائرة الصداقات والمودات فيصبح المجتمع كالبنيان المرصوص، وبالانتقام تفشو العداوات والأحقاد ، حتى تصل بالمجتمع إلى أحط الدركات  .

 

فالإنسان إذا عفا عن أخيه كان أقرب إلى ربه مما لو انتقم منه لأن الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله  وفي الحديث القدسي: ( إذا أردتم رحمتي فارحموا خلقي ) وقد جعل الله العفو بمثابة ثمن عظيم يأخذه صاحبه مقابل الإساءة المؤلمة التي يلقاها من غيره . فهو جوهرة ثمينة جداً يضيفها إلى مكارم الأخلاق ، إضافةً إلى الثواب العظيم عند الله تعالى   قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا جمع الله الخلائق يوم القيامة ناد مناد : أين أهل الفصل ؟ فيقوم ناس فينطلقون سراعاً إلى الجنة ، فتتلقاهم الملائكة   فيقولون لهم : إنا نراكم سراعاً إلى الجنة   فيقولون لهم : إنا أهل الفصل ، فيقولون لهم : ما كان فصلكم ؟ فيقولون : كنا إذا ظُلمنا صبرنا وإذا أُسيء إلينا عفونا ، وإذا جُهل علينا حلمنا ، فيقال لهم ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين ) . ولنا في رسول الله أسوة حسنة في التحلي بخلق الصفح ، وهو الإعراض عن مواجهة السيئة بمثلها وقد أنزل الله في تأديب رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الأدب قوله : ﴿ فاصفح الصفح الجميل ﴾ وقد أحسن القائل : 

 

   وقال نبينا فــيما رواه         عن الرحمن في عِلْم الغيوب

 

محالٌ أن ينال العفو من لا    يَمُنُّ بـه على أهل الذُّنوب

 

وقد طالبنا الله أن ندفع بالتي هي أحسن فقال تعالى : ﴿ ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ، ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليّ حميم ﴾ فصلت 4 . ومع ضبط النفس وإيثار الدفع بالتي هي أحسن تأتي وساوس الشيطان ، فتحرك النفس إلى الانتقام ، وتوسوس بأن الشرّ لا يُدْفع إلا بمثله ،  وقد أبان الله الدواء الصارف لهذه الوساوس ، وذلك بالاستعاذة بالله من همزات الشيطان فقال تعالى : ﴿ وإما ينـزغنّك من الشيطان به نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم ﴾ فصلت35  وقد علمنا القرآن أن نزن الأمور بميزان العقل والحكمة، ونسعى إلى تحقيق التآلف والإصلاح   لأن الله أوجب على المؤمنين أن يصلحوا بين المختصمين فقال تعالى : ﴿ أصلحوا بين أخويكم  ﴾ وجعل الله العفو طاعة لله ومخالفةً للشيطان خصوصاً إذا اعتذر المسيء وندم على ما قدمت  يداه ، وعندها ينبغي أن لا تكون الإساءة مانعة،  من فعل الخير مع المسيء لأن فعل الخير إنما ينبغي به وجه الله ومرضاته قال تعالى :﴿ وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفورٌ رحيم ﴾، ومن يعفو عمن يسيء إليه ويصلح يعفو الله عنه ويغفر له قال تعالى : ﴿ فمن عفا وأصلح فاجره على الله ﴾ الشورى 04 وحتى يستحق العبد من الله الرحمة والغفران ، فلا بد أن يعفوا ويصفح قال تعالى: ﴿ ادفع بالتي هي احسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليٌّ حميم ﴾ ولو يعلم الناس ما في العفو من حكمة وسداد وراحة ضمير لعفوا عن زلات المسيئين  .

 

لما عفوت ولم أحقد على أحدٍ  أرحت نفسي من هم العداوات

 

إني أحيي عدوي عند رؤيته    لأدفع الشرّ عني بــالتحيات

 

وأظهر البشر للإنسان أبغضه  كأنما قد حشا قلبي مــودات

 

وللعفو منـزلة خاصة عند الله تعالى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( رأيت قصوراً مشرفةً على أنهار الجنة فقلت لمن هذه يا أخي يا جبريل ؟ فقال : للكاظمين الغيظ والعافين عن الناس )  وليس من العفو أن نستسلم لحاقد ولا لعدو غاصب سلب الأرض، وانتهك الحرمات لأن الإصلاحُ واجب، والعفوُ مندوبٌ، فإذا كان في العفو فواتُ الإصلاحِ، فمعنى ذلك أننا قدَّمْنَا مندوبًا على واجبٍ، وهذا لا تأتي به الشريعةُ ، وقد قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (لا ينبغِي للمؤمنِ أن يُذلَّ نفسَه  قالوا: وكيف يُذلُّ نفسَه؟ قال: يتعرَّضُ من البلاءِ لمَا لا يطيقُ ) رواه الترمذي .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

شهادة الزور

أن يشهد المرء بما لا يعلم عامدا ولو طابق الواقع ، وتعتبر من أبشع الرذائل ، وأشنع المعاصي  وأفحش الآثام ، وأعظم الموبقات  وأكبر الكبائر ، ويكفي للدلالة على فظاعتها وخطورتها أن الله سبحانه قرن النهي عنها بالنهي عن عبادة الأوثان في محكم القرآن فقال تعالى:﴿ فاجتنبوا الرجس من الأوثان  واجتنبوا قول الـزور ﴾  وقال تعالى واصفا عباده المؤمنين المتقين:﴿ والذين لا يشهدون الـزور ﴾ أي : لا يقيمون الشهادة الباطلة أو لا يحضرون محاضـر الكذب . وفي الصحيحين عن أبـي بكرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول اللـه صلى الله عليه وسلم : ( ألا أنبئكـم بأكـبـر الكبائـر (ثلاثا) ؟ قلنا : بلى يا رسول الله  قـال :الإشراك بالله وعقوق الوالدين   وكان متكئا فجلس فقال : ألا وقول الـزور وشهـادة الـزور ، فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت ) فجلوسه عليه الصلاة والسلام بعد اتكائه ، يشعر باهتمامه الكبير بهذه الآفة الخطيرة (شهادة الـزور) ، ويفيد تأكيد تحريمها وعظم قبحها . وسبب اهتمامه المتزايد بها كما قال أهل العلم هو : كونها أسهل وقوعا على الناس ، وغير خاف ما يترتب على شهادة الزور من مفاسد وشرور ، منها : مناصرة الظلم ، وإبطال ، الحقوق ، وإيثار الصدور ، وشحن القلوب بالضغائن والإحن والأحقاد ، وحملها على استباحة الحرمات  وغير ذلك من ألوان الفساد الاجتماعي والفسوق الديني .. فشاهد الزور إنسان حقير دنيء سافل ، قد فسدت طويته ، وسقم ضميره ، ودَوِي قلبه ، وانحرفت فطرته  وارتكست نفسه ، وصار مستعدا لأن يدوس كل القيم والفضائل ،  ليظفر ويحتفظ بما أبدله بدينه من حطام الدنيا الزائل، وشـاهد الـزور خـوّان أثيـم ، وله عند الله العذاب الأليم . قال تعالى :﴿ إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما ﴾ وقال النبي عليه السلام :( لا إيمان لمن لا أمـانة له )  وشـاهد الــزور غشّـاش مكّـار كـذّاب ، ونبينـا عليه السلام يقول :( من غشّنا فليـس منّـا ) ويقول عليه الصلاة والسلام : ( إياكم والكذب ، فإن الكذب يهدي إلى الفجور  وإن الفجور يهدي إلى النار ، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا ) وشاهد الزور يجني على نفسه أولا  فيلبسها لباس الخزي والعار والذل والاحتقار  ويعرضها لعقاب المنتقم الجبار ، ثم يجني على المشهود عليه ، بإلحاق الضرر به ، وغلبته بالباطل ، وحرمانه من حقه ، وإيغار صدره عليه ، والله تعالى يقول : ﴿ ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا  اعدلوا هو أقرب للتقوى ﴾ ثم يجني على المشهود له بإعانته على الباطل والجور والعصيان ، وربنـا جل وعـلا يقـول :﴿ وتعاونوا على البر والتقوى ، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ﴾   وعموما ، فإن شاهد الزور يعتبر مفسدا في الأرض ، والله عز وجل يقول : ﴿ ولا تعثوا في الأرض مفسدين ﴾ ويقول تعالى : ﴿ والله لا يحب المفسدين ﴾ ويقول سبحانه : ﴿ إن الله لا يصلح عمل المفسدين ﴾ .

 

  قبول الاعتذار  

 قال صلى الله عليه وسلم  : ( من اعتذر إليه أخوه المسلم فليقبل عذره ما لم يعلم كذبه) الاعتذار خلق اجتماعي جميل يدعو للتفاهم ، ويمحو التوتر والتشاحن بين الناس ، ويُزيل الأحقاد   ويتقرب به العبد إلى الله .

إذا اعتذر الجاني محا العذر ذنبه  وكان الذي لا يقبل العذر جانيا

 فقبول الاعتذار من المخطئ بالعفو عنه ، من شيم الكرام ، الذين فقهوا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم  : ( مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ )  .

اقبل معاذير من يأتيك معتـذراً  إن برّ عندك فيما قال أو فجرا

فقد أطاعك من يرضيك ظاهره  وقد أجلك من يعصيك مستترا

وإذا كان الله يصفح ويسامح ، فمن نحن حتى نقابل الاعتذار بالصد والاستنكار، وإذا كان الله أشد فرحا بتوبة عبده من التائب نفسه ، أفلا نغفر لبعضنا ونسامح ؟ ثم من علّمنا أن الاعتذار ضعفٌ وإهانةٌ ، وجرحٌ للكرامة ؟ فسامحوا وتسامحوا  واعتذروا وتأسفوا ، واقبلوا الأسف  واغفروا للخلق خطأهم ، ليغفر الله لكم خطاياكم ،  وخيرنا من يبدأ بالعفو والسلام ، ومن أكرمك فأكرمه ، ومن استخفّ بك فأكرم نفسك عنه .

 

التقـوى

أن يعمل الرجل بطاعة الله على نور من الله يرجو رحمة الله ، وأن يترك معصية الله  على نور من الله ويخاف من عذاب الله  وقد عرّفوا التقيّ بان لا يراك الله حيث نهاك ولا يفقدك حيث أمركوعرفها ابن مسعود: ( أن يُطاع فلا يُعصى، ويذكر فلا يُنسى، وأن يُشكر فلايكفر ، والتقوى تتضمن أصول الإسلام وقواعد الدين فالعدل من التقوى قال تعالى : ) اعدلوا هو أقرب للتقوى ( المائدة 8 . والعفو عن الناس من التقوى قال تعالى:) وأن تعفوا اقرب للتقوى (البقرة 237 . والوفاء بالعهد من التقوى قال تعالى : ) بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين ( آل عمران . والتقوى في كتاب الله تتناول العقائد والعبادات والآداب وسائر الأعمال وهي أساس التفاضل عند الله وأقرب إليه منـزلة وأعلى شأنا قال تعالى: ) إن أكرمكم عند الله أتقاكم ( . ومن أراد شرفاً باقياً عند الله فليتزود من التقوى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من سرَّه أن يكون اكرم الناس فليتق الله ) . والتقوى تنال بطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وبالأعمال الصالحة وأهم هذه الأعمال صيانة الإسلام وحمايته من كيد أعدائه والجهاد في سبيله روي أن عمر بن الخطاب سأل أبي بن كعب عن التقوى فقال له : " أما سلكت طريقاً ذا شوك قال : بلى ، قال فما عملت ؟ قال : شمّرت واجتهدت قال: فذلك التقوى " ولقد أحسن القائل :  

خلِّ الذنوب صغيرها    وكـبيرها ذاك الـتقى

واصنع كماشٍ فوق أرض   الشوك يحذر ما يرى

لا تحـقرن صغـيرة       إن الجبال من الحصى

والتقوى جماع الخير كله ، لا يتصف بها إلا من امتحن الله قلوبهم للتقوى واعدهم للقيام بمواريث النبوة وأعباء الرسالة ، وهيأهم للعبودية الحقة والجندية التي لا تخاف في الله لومة لائم , وهذه منـزلة لا يصل إليها إلا من جاهد نفسه بترك الشهوات والشبهات ، حتى يذوق طعم الإيمان روى الترمذي عن عطية السعدي قال : قال رسول الله صلى الله عليهوسلم (لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذراً مما به باس ) وقال الحسن البصري : المتقون : الذين اتقوا ما حرّم الله عليهم وأدوا ما افترض عليهم .

ولما كانت التقوى جماع كل بر ومصدر كل خير ، كانت خير ما يتزود به الإنسان قال تعالى :]وتزودوا فإن خير الزاد التقوى [   والتقوى أفضل العدّة على العدو وأقوى المكيدة في الحرب ، فهذا عمر بن الخطاب قد حدد وسائل إعداد الجيش بتقوى الله في لقاء الأعداء ، في رسالة وجهها إلى قائد جيشه سعد بن أبي وقاص قال :" أما بعد فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال  فإن تقوى الله أفضل العدّة على العدو ، وأقوى المكيدة في الحرب وآمرك ومن معك ، أن تكونوا أشدَّ احتراساً من المعاصي منكم من عدوكم ، فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم ، وإنما يَنْتصرُ المسلمون بمعصية عدوهم لله ، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة ، لأن عددنا ليس كعددهم ، ولا عدتنا كعدتهم فإن استوينا في المعصية ، كان لهم الفضل علينا في القوة   وإن لم ننتصر عليهم بفضلنا لم نغلبهم بقوتنا ".

 

الزواج رباطٌ مقدّس

إن الزواج رابطةٌ مقدسةٌ لا تقوم إلا على الرضا والقبول ولا تستمرُّ إلا بالرضى والقبول ، به تنشأ الأسرة ، وله دلالات تدل على سموِّ ديننا الإسلامي وجدّيته ، الذي اهتم بنظام أسرة البيت ، باعتباره مثابة وسكن ، حيث تلتقي النفوس في ظله على المودة والرحمة ، وعلى الحصانة والطهر   وتنبت في كنفه الطفولة ، وتمتد منه وشائج الرحمة وأواصر التكافل وهو ما أشار الله تعالى  إليه بقوله : ﴿ ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودةً ورحمة ﴾الروم 21  . عبَّرت الآية عن حقيقة الصلة التي يفترضها الإسلام لذلك الرباط الإنساني الوثيق ، إنها صلة النفس بالنفس  والسكن والقرار والمودة والرحمة .

وقد اهتم القرآن الكريم بشأن العلاقات الزوجية والعائلية ، ورفع هذه العلاقات الإنسانية إلى مستوى القداسة ، ونظَّم العلاقة الجنسية على أساس من المشاعر الإنسانية الراقية ، واعتبر الزواج وسيلة للتطهّر  قال تعالى:﴿ وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله ﴾ النور 33 وجاءت النصوص تحث على الزواج وترغب فيه حتى قال العلماء بأن ممارسة النكاح أفضل من التفرغ للعبادة قال رسول الله e : ( من أحب فطرتي فليستنَّ بسنتي وإن من سنتي النكاح ) .

وقد جعل الله المصاهرة سبباً لاحقا ، وأمراً مفترضا فقال تعالى : ﴿ وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسباً وصهرا وكان ربك قديرا ﴾ الفرقان 54 . فأمر الله يجري إلى قضائه ، وقضائه يجري إلى قدره ، ولكل قدرٍ أجل  ولكل أجلٍ كتاب وقد أمرنا الله أن نزوّج أبنائنا وبناتنا على اسم الله وسنة رسول الله .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

منـزلة العفو عند الله

جعل الله العفو طاعة لله قال تعالى : ﴿  وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفورٌ رحيم ﴾ . ومن يعفو ويصلح يعفو الله عنه ويغفر له قال تعالى : ﴿ فمن عفا وأصلح فاجره على الله ﴾ الشورى 04

وحتى يستحق العبد من الله الرحمة والغفران فلا بد أن يعفوا ويصفح قال تعالى: ﴿ ادفع بالتي هي احسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليٌّ حميم ﴾ ولو يعلم الناس المنـزلة الخاصة للعفو عند الله تعالى  لعفوا عن زلات المسيئين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  ( رأيت قصوراً مشرفةً على أنهار الجنة فقلت لمن هذه يا أخي يا جبريل ؟ فقال : للكاظمين الغيظ والعافين عن الناس. 

 

 

 

الصـبر

كثيرون من الناس يتعرضون للبلاء وكما نعلم   أن البلاء سنة الله في خلقه قال تعالى : ] ولنبلونّكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس و الثمرات وبشر الصابرين  الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنّا لله و إنا إليه راجعون [ فكان جزاؤهم عند ربهم ] أولئك عليهم صلوات من رّبهم ورحمةوأولئك هم المهتدون [ . والصبر فضيلةٌ يحتاج إليها المسلم في دينه ودنياه بل هو من أعظم الفضائل وهو من علامات الإيمان لما ( روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل جماعة أمؤمنون أنتم ؟ فقال عمر نعم يا رسول الله فقال : فما علامة إيمانكم ؟ فقال : نشكر على الرخاء ونصبر على البلاء ونرضى بالقضاء فقال : مؤمنون ورب الكعبة ) . بل إن  الصبر من أبرز أخلاق المؤمنين وأجل أعمال الصالحين قال r : (عجباً لأمر المؤمن ، إن أمره كله خير ، وليس ذلك إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له ) .   وكان عمر بن الخطاب ينظر إلى المصيبة كأنها منحة إلهية ولطفٌ رباني ، ونعمة ساقها الله إليه في صورة نقمة ، وكان يقول : ما أصابتني مصيبة إلا وجدت فيها ثلاث نعم الأولى : أنها لم تكن في ديني والثانية : أنها لم تكن أعظم مما كانت والثالثة : أن الله قد وعد عليها بالأجر والجزاء العظيم قال تعالى : ) وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبةٌ قالوا : إنا لله و إنا إليه راجعون ( . وقد جعل الله لكل عمل صالح جزاءً مقداراً إلا الصبر فإن الأجر فوق التقدير والحسبان قال تعالى: ) إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب( .

 والصبر أقسامٌ ثلاثة : الصبر على  المصائب والنوائب والصبر على الطاعة، والصبر على المعصية ،والصبر عن محارم الله أيسر من الصبر على عذابه , لأن المعصية تذهب بانتهائها ويبقى جزاؤها وعذابها أما الصبر فتذهب مشقته وتبقى مثوبته ولذته. وهذا ما أخبر عنه r : ( الكيّس من دان نفسه و عمل لما بعد الموت , والعاجزمن اتبع نفسه هواها و تمنى على الله الأمانى )  . وأعلى مقامات الصبر هذه : الصبر عند نزول النوائب كموت عزيز أو ضياع مال أو ضعفٍ في الصحة وفسادٍ في البدن  ولقد أحسن القائل :

 أصبر لكل مصيبةٍ وتجــلد  وأعلم بأن المرء غيرُ مُخَلَّدٍ

أو ما ترى أن المصائب جَمَّةً  وترى المنيةَ للعباد بِمْرِصد

ومما يُهَّون من وقع المصيبة الثواب العظيم الذي أعده الله لمن صبر عليها قال  صلى الله عليه وسلم:‏ ‏قال الله عز وجل‏:‏ ( إذا وجهت إلى عبد منعبيدي مصيبة في بدنه أو ماله وولده ثم استقبل ذلك بصبر جميل استحييت منه يومالقيامة أن أنصب له ميزاناً أو أنشر له ديواناً ‏)   وإذا كانت المصيبة مقدرةٌ من الله هانت على الإنسان المحن والمصائب إذ لا يقع في الكون شيءٌ إلا بإذنه وبعلمه سبحانه قال تعالى : ) ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهدِ قلبه ( . ومما يخفف من وقع المصيبة على الإنسان عند موت عزيز عليه اعتقاده أن الآجال محدودة قال تعالى : )فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ( . 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المعاصي

إن الإسلام يخوف من الذنوب ويربي في الضمير ملكة المحاسبة و يجعل المسلم حذراً من أي فعل يغضب الله ، وإذا كان الإنسان ، لا يسلم من الإلمام بالصغائر فقد كرَّس الإسلام اهتمامه في محاربة الكبائر قال تعالى : )إن تجنبوا كبائر ما تنهون عنه نُكفر عنكم سيئاتكم( النساء 31 . وقد حد الإسلام حدوداً ، أمر بعد تجاوزها  وفرض فروضاً طالب بها ، ومن رحمته أنه لم بأمر إلا بما ينفع العباد ، ولم ينه إلا عما يضرهم ، لأن الله سبحانه وتعالى لا تنفعه طاعة الطائعين ، ولا تضره معصية العاصين ولكنه حذّر من المعصية لما فيها من أضرار ورغب في الطاعات لما فيها من خير . إن من يعص الله أول مرّة يحس أنه أتى أمراً عظيماً فسيضطر قلبه ويؤنبه ضميره فإذا عاد إلى المعصية هان عليه أمرها وأن استمر على فعلها وأصر عليها أصبحت له عادة وأصبح أسيراً لها ، لا يستطيع تركها فتحيط به وتدخله النار لقوله تعالى :)بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار فهم خالدون( البقرة 81 . ومن المعاصي الكبائر ، وهي التي جاءت على لسان الشارع ، مقترنة بوعيد شديدٍ في الآخرة ، أو عقابٍ كبير في الدنيا  كالزنا وأكل الربا ،  و الإصرار عليها يوجب الجزاء في جهنم لأجل إن لم يغفر الله ، وقد قيل : لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار. و الصغائر كالنظر إلى حرام تكفرها الأعمال الصالحة ومن الصغائر اللمم  وهي الصغائر من الذنوب التي لا يسلم من الوقوع فيها ، إلا من عصمه الله وحفظه وقد ورد ذكرها في قوله تعالى : )الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش ، إلا اللمم  إن ربك واسع المغفرة ( النجم 35 . كالنظرة والغمزة وهذه نكفرها الصلوات الخمس لقوله r :)الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مٌكفراتٌ ما بينهنَّ إذا اجتنبت الكبائر( رواه مسلم .

 

 

النهي عن الطيرة 

  المسلم لا يعرف التشاؤم أو التطير وعند القيام بأي عمل يأخذ بالأسباب فإن كان التوفيق والنجاح فالحمد والشكر لله وإن كان غير ذلك فالصبر لأن المصائب إما أن تكون تكفيراً للسيئات أو رفعاً للدرجات وكل شيء عند الله بقضاء .

وقد اعتبر رسول الله صلى الله عليه وسل  الطيرة من الشرك وأمرنا بما هو خير وذلك بصلاة الاستخارة وهي ركعتان يطلب المسلم من الله بعدها أن يختار له الخير . ولا يليق بالمسلم أن يتشائم بسبب حلم مزعج وإذا حصل هذا فقد علمنا النبي صلى الله عليه وسل  أن يتفل المسلم عن يساره ويتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ومن شرّ هذا الحلم ، ولا يليق أن يتراجع عن عمل بسبب التشاؤم فإن ذلك يتقص من إيمان وتوكله على الله وكان النبي صلى الله عليه وسل  يقول : "من رجعته الطيرة من حاجته فقد أشرك وكفارة ذلك أن يقول أحدهم اللهم لا طير إلا طيرك ولا خير إلا خيرك ولا إله غيرك ، اللهم لا يأتي  بالحسنيات إلا أنت ولا يذهب بالسيئات إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك " .  وقد علّق أحد التابعين على هذا الدعاء النبوي " والذي نفسي بيده إنها لرأس التوكل وكنـز العبد في الجنة ولا يقولهن عبد عند ذلك ثم يمضي إلا لم يضّره شيء " . وروى أحمد وأبو داود أن عروة القرشي قال : ذكرت الطيرة عند النبي صلى الله عليه وسل  فقال : "أحسنها الفأل ولا ترد مسلماً فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ولا يدفع السيئات إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك ". ولا يجوز للإنسان أن يتمادى في التشاؤم وترك العنان للوساوس والهواجس تلعب به فقد يصاب بالشيء الذي تشاءم منه أما من بتوكل على الله ويعلّق قلبه به فإنه لا يلقى ما يضرّه من هذه الوساوس والهواجس روى ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسل  قال :" لا تضرُّ الطيرة إلا من تطير "

 

 

 

 

حب لقاء الله

الحمد لله الذي أنعم علينا بنعمة الإيمان الذي جعله شرطٌ في قبول العمل وحبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان ، دليلالكذب على محبة الواحد الديان . ولله در الشافعي عندما أنشد :

تعصي الإله وأنت تزعم حبه    هذا لعمرى فى القياس شنيع

إنكنت تصدق حبه لأطعته     إن المحب لمـن يحب مطيع

وأسأل الله أن يجعل خير أعمالنا خواتيمها  وخير أيامنا يوم لقائه ، وأن لا يجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، لأنه ما أعطانا الدنيا إلا لنطلب بها الآخرة ، ونسأل الله أن نكون ممن أحب الله واهتدى بهدي رسول الله ، لأن منادعى محبة الله ولم يتبع رسوله فليس من أولياء الله] قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَفَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ[. ومن أحب الله واهتدى بهديه أحب الله لقائه قال    صلى الله عليه وسلم: ( من أحب لقاء الله أحب الله لقائه ) .  ومن اطمأنت  نفسه إلى الله واطمأن إليها وأحبت لقاء الله وأحب لقاءها ورضيت عن الله ورضي عنها غفر لها وادخلها الجنة قال تعالى : ] يا أيتها النفس المطمئنة ، ارجعي إلى ربك راضية مرضية  فادخلي في عبادي وادخلي جنتي  [ .  ولله در القائل :

فليتك تحلوا والحياة مريرة        وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر    وبيني وبين العالمين خراب
إذا صح منك الود فالكل هين   وكل الذي فوق التراب تراب

 خطب رسول الله  صلى الله عليه وسلم فقال : ( أيها الناس إن لكم نهايةً فانتهوا إلى نهايتكم ، وإن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم ، وإن المؤمن بين مخافتين : أجلٌ قد مضى لا يدري ما الله صانعٌ فيه  وأجلٌ قد بقي لا يدري ما الله قاضٍ فيه  ، فليتزود العبد من نفسه لنفسه ، ومن دنياه لآخرته ، ومن الحياة قبل الموت ، فإن الدنيا خُلقت لكم وأنتم خلقتم للآخرة ، فوالذي نفس محمدٍ بيده ما بعد الموت من مستعتب  ولا بعد الدنيا من دار ، إلا الجنة أو النار ) . إن المرتحل أو المسافر من بلد إلى بلد بقصد التجارة أو الزيارة ، لا يخرج قبل أن يهيئ الزاد اللازم للسفر ، مخافة أن تنقطع به الأسباب ، فما بالكم برحلةٍ لا أوبة بعدها ، وسفرٍ لا رجوع منه ، إنها رحلةٌ بحاجة إلى زاد ، فإن كنتم تؤمنون  بالله واليوم الآخر فتزودوا لها بالأعمال الصالحة ، وخير الزاد للقادمين على الله التقوى لقوله تعالى : ) وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ( . ولقد أحسن القائل :

تأهب  للذي لا بد  منـه   فإن الموت ميقات العباد

أترضى أن تكون رفيق قومٍ   لهم زادٌ وأنت بغير زاد

ومن وصايا الرسول  صلى الله عليه وسلم لأبي ذر : ( يا أبا ذر أحكم السفينة فإن البحر عميق   وأكثر من الزاد فإن السفر طويل  وخفف الحمل فإن العقبة كئود  وأخلص العمل فإن الناقد بصير) . فاتقوا الله أيها الأخوة ، وأعدوا أنفسكم للقاء الله إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون .   

 

 

 

 

 

 

 

 

لمن حق التشريع  

 أن الدين لله وحده له الحكم وله الأمر   قال تعالى]: إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ [ يوسف 40 .   وله وحده حق التشريع ، فالحلال ما حلله والحرام ما حرمه والدين ما شرعه ، وليس لأحد من خلقه أن يشرِّع غير ما شرعه وأذن به قال تعالى] :  أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْمِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [  الشورى 21 . فالإنسان ليس حرا ، لأنه عبد لله خلقه لعبادته وتحكيم شريعتة ودينه قال تعالى:  ] فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَفِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ [ النساء 65 . وأرسل الرسل ليطاعوا قال تعالى:]  إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَىاللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن  يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَاوَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [ النور 51. ومن تجرءوا على الله فاستمدوا تشريعاً من غير ما شرع الله ، زاعمين أنهم يختارون الخير لشعوبهم ، هؤلاء توعدهم الله بالعذاب الأليم ، لأنهم تصوروا أنهم أعلم من الله الذي شرع للبشرية ما يعلم انه يتوافق مع طبيعتها وفطرتها ، فشرع في هذا أصولاً ، وهو وحده الذي يشرع لعباده ، ولكنه ترك للبشر فقط استنباط بعض التشريعات الجزئية المتجددة ، في حدود المنهج الكلي والتشريعات العامة   فإذا اختلفوا في شيءٍ ردوه إلى الله  ورجعوا به إلى تلك الأصول الكلية التي شرعها للناس ، لتبقى ميزاناً يزن به البشر كل تشريعٍ وتطبيق جزئي بذلك يتوحد مصدر التشريع ، ويكون الحكم لله وما عدا ذلك خروج على شريعة الله ودينه وما لم يأذن به الله  .

قال تعالى : ]فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا[. لقد بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نعبد الله به ونهانا عن محدثات الأمور وأخبر أنها ضلالة   والقاعدة تنص على أن جماع الدين" أن لا نعبد إلا الله ولا نعبده إلا بما شرع ولا نعبده بالبدع " مما يؤكد أن العبادة لا تكون إلا لله ولا تكون إلا بما شرعه لعباده ولا تكون فيما يبتدعه الناس من عبادات لم يأذن بها الله   قال تعالى : } أمر ألا تعبدوا إلا إياه{ . كما بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أفضل ما يتقرب به العباد إلى الله عز وجل هو العمل بما افترضه عليهم . جاء في الحديث القدسي ( وما تقرب إلي عبدي بشيءٍ أحب إلي مما افترضت عليه.. ) . إذ ليس من العقل والحكمة أن يتقرب العبد إلى خالقه بما أباحه له  أو ندبه إلى فعله في الوقت الذي يهمل فيه الواجب الذي فرضه الله عليه وألزمه به! إذ لا تتحقق طاعة العبد لله عز وجل إلا بتنفيذ الأوامر واجتناب النواهي التي تعتبر الفيصل الأساسي بين العبد المطيع والعبد العاصي. وما شرعت النوافل بعد ذلك إلا تكميلاً لمعنى الطاعة ، ومبالغة في معنى التقرب من الله والتحبب إليه سبحانه . ومن العجب أن ترى أناساً يحرصون على كثير من النوافل في بعض العبادات ، في الوقت الذي يهملون فيه فروضاً أخرى !! فقد يتوسع المرء الجاهل في عبادة مندوبة  توافق هواه ، ويقصر في عبادة واجبة تشق عليه  مما يقدح في حقيقة عبوديته   وصدق طاعته لربه !! فتأتي هذه القاعدة الشرعية لتوضح المنهج ، وترتب الأولويات في طريق التقرب إلى الله عز وجل ، فالأولوية المطلقة هي للفروض الشرعية ، وتأتي النوافل والمندوبات في الدرجة الثانية وهي تابعة ومكملة كما تصرح بذلك القاعدة الثانية الواردة في الحديث نفسه : ( وما يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه ) . ومما يؤكد دلالة هذه القاعدة ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه : ( قال رجل يا رسول الله: إن فلانة تذكر من كثرة صلاتها وصدقتها وصيامها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال : هي في النار ، قال : يا رسول الله إن فلانة تذكر من قلة صيامها وصلاتها ، وإنها تصدق بالأثوار من الإقط، ولا تؤذي بلسانها جيرانها ، قال : هي في الجنة ) . لم تنقذ المرأة من النار كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها   في الوقت الذي قصرت فيه بحق جيرانها وكف الأذى عنهم ، وما كان الله ليحب من يقصر في واجب ويكثر من نفل.. وما أكثر ما تختل هذه الموازنة عند كثير من المسلمين اليوم !!  ولا بد من لفت الأنظار إلى أن العبادة تتميز عن غيرها من الأحكام ، فلا اجتهاد في شرع عبادة من العبادات   لأن حق التشريع فيها مقصورٌ على الله وحده ، فهو المتعبد الذي خلق العباد لعبادته ، وهو أعلم بما يتعبدهم به ، وهو أخبر بما يصلح لهم منها وما يرضيه من عبادات قال تعالى : } ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير { . ولو ترك الناس وشأنهم في اختيار أنواع العبادات لوقعوا في المتاهات  وما أكثر ما ورد عن السلف الصالح من الأمر بالإتباع وذم الابتداع   وأصل ذلك كله قوله صلى الله عليه وسلم: ( فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين  عضوا عليها بالنواجذ  وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثةٍ بدعة وإن كل بدعة ضلالة ) . ومن القواعد الفرعية " أن الأصل في العبادات الحظر والأصل في العادات الإباحة " .

 

 

وعيد الله لأهل الباطل

قال تعالى : ] ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر إنهم لن يضروا الله شيئا ( آل عمران 176.  إن تفوق الكفر في معركة ليس معنى ذلك أن الله تاركه أو أنه من القوة بحيث لا يُغلَب  ويبقى مسيطراً على الحق وأهله . وإن بقاء الحق ضعيفاً فترة من الزمن ليس معنى ذلك أن الله مجافيه أو ناسيه  إنها حكمة الله وتدبيره يملي للباطل فيرتكب أبشع الآثام ، ويحمل أثقل الأوزار حتى ينال أشد العقاب باستحقاق . وإن الذين يحاربون الله وعباده ، أضعف من أن يضروا الله  وبالتالي لن يضروا دعوته  ولن يضروا حملة هذه الدعوة مهما سارعوا في الكفر وأصابوا أولياء الله  .  أما لماذا يتركهم الله ؟ فلأنه سبحانه يدبر ما هو أنكى وأخزى قال تعالى : ) يريد الله ألا يجعل لهم حظاً في الآخرة ولهم عذاب أليم( يريد لهم أن يستنفذوا رصيدهم كله وأن يحملوا وزرهم كله ، وأن يستحقوا عذابهم كله   وأن يمضوا مسارعين في الكفر إلى نهاية الطريق ليستحقوا العذاب الأليم  .

ومن جهة أخرى يتركهم الله ليختبرنا بهم ويختبرهم بنا ليعلم من يطيع ممن يعصي قال تعالى : ) وجعلنا بعضكم لبعضِ فتنة أتصبرون ( الفرقان 20 .فالله قادر على أن يرسل عليهم صواعق تحرقهم أو زلازل تخسف بهم وتدمرهم ، أو يهلكهم بما لديه من جنود السماوات والأرض ، انتقاماً لأهل الحق من غير قتال ولكنه تعالى أمر المؤمنين بالجهاد وابتلاهم بالكافرين  لتظهر الأفعال التي يُستحق بها الثواب والعقاب .قال تعالى : ) ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم  ولكن ليبلو بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يُضل أعمالهم  سيهديهم ويُصْلِح بالهم ويُدْخِلُهُمُ الجنة عرَّفها لهم ( محمد 4 . فالله يمكن أن يتدخل وكل شيء طوع أمره ، ولكنه يختبرنا أنؤمن ونجاهد ونبذل ونؤدي ما علينا ، أم نجبن ونستكثر تكليف الجهاد ونولي الأدبار .فما يعتد معتد ، وما ينجو من جبار ، وما يتفرعن متفرعن إلا إذا أمن العقوبة ، ولو علم أنه إذا ضرب ضُرِب ، لما امتدت يده بظلمٍ لأحد  لذا أمرنا الله بالجهاد وإعداد العدة حتى نستحق نصر الله وندفع كيد المعتدين قال تعالى : ) إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم (  وبنصر الله يعيش المؤمن عزيزاً ولن يكون للكافرين عليه سبيلا قال تعالى :)  ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا  (النساء 49 . هذا وعد من الله ولن يُخْلِف الله وعده ،  إذا استقرت في نفوس المؤمنين حقيقة الإيمان  وتمثلت في حياتهم منهجاً للحياة ونظاماً للحكم  والهزيمة لا تلحق بالمؤمنين إلا وهناك ثغرة في حقيقة الإيمان   الذي يدعوا على أخذ العدة وإعداد القوة بنية الجهاد في سبيل الله   لمحاربة أهل الكفر والضلال ، ليبلو بعض الناس بعض   وإنما هو قضاء سبق في علم الله ، يشقى به أهل الباطل ومن تبعهم   ويسعد به أهل الحق للدفاع عن هذا الدين  .

 

 

 

 الحث على الإنفاق

ندب الله أغنياء الأمة لمؤازرة المصالح العامة ومعاونة المحتاجين ، والإسهام في تخليص الأمة من الفقر والجهل والمرض ، وذلك لا يكون إلا بالإنفاق المشروع الذي يحقق المنفعة العامة قال تعالى : ) يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتِىَ يومٌ لا بيع فيه ولا خُلّةٌ ولا شفاعةٌ والكافرون هم الظالمون ( البقرة 254 . إن كل نداء من الله يبدأ بقوله تعالى) يا أيها الذين آمنوا ( يدل على أن ما يأتي بعده هو تكليفٌ لمن آمن بالله وليس تكليفاً للناس على إطلاقهم . فأنت تفعل ما كلفك الله به لماذا ؟ لا تقل لأن حكمته كذا وكذا ، ولكن قل لآن الله الذي آمنت به أمرني بكذا . والله يقول : ) يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم ( أي لا أطلب أن تنفقوا علي ، ولكن أنفقوا من رزقي عليكم ، لأن الرزق يأتي من حركة الإنسان ، فإن حصل للإنسان خير فالله لا يقول إنه لي ، بل أمنحه لك أيها الإنسان   ولكن أعطني حقي فيه ، وحقي لن آخذه لي ولكن هو لأخيك المسكين قال تعالى : ) ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يُطْعِمون ( الذاريات 57 . وقد يقول قائل وما دخلي أنا بالمسكين ؟ المسكنة يا أخي عَرَضْ ، ومن الممكن أن يلحق بك  فلا تُقدِّر أنك معطٍ دائماً ، ولكن قدِّر أنه ربما حدث لك ما يجعلك تأخذ لا أن تعطي  والله يقول لك أعط وأنت غني  لأنه سيقول للناس أن يعطوك وأنت فقير  فقدِّر حكم الله ساعة يُطلب منك ليحميك ساعة أن يُطلب لك ، ومع أن الله هو الذي يرزق ، فهو يريد من عباده أن يتعاونوا وأن يحب بعضهم بعضا ، حتى تُمحى الضغائن من القلوب  لأن الإنسان الضعيف ضعفاً طبيعيا ً ، أي ضعف عدم القدرة على العمل وليس ضعف التسول أو الكسل هو مسئولية المؤمنين ، لأنه سبحانه يجعل القوي مسئولاً عن مساعدة الضعيف   وحين يرى الضعيف الأقوياء الذين قدروا لم ينسوه وذكروه بما عندهم ، عندها يعلم أنه في بيئة متساندة تحب الخير , فإذا ما نالته نعمة عند العجز ، فإنه يتمنى لو أن الله قدره ليردها ، بذلك يكون المجتمع مجتمعاً متكافلاً متضامناً ، وحين يقول الله تعالى : ) أنفقوا مما رزقناكم (  فأنتم لا تتبرعون لذات الله بل تنفقون مما رزقكم الرزق الذي نسبه لكم فهـو يقـول : ) من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسنا فيضاعفه له أضعافا ( البقرة 245 . اعتبر الله النفقة في سبيل الله هي قرضٌ من العبد لله الوهاب لكل رزق  فهو ينبهنا أن ننفق من رزقه لنا من قبل أن يأتي اليوم الآخر الذي لا بيع فيه أي لا مجال فيه لاستبدال أثمان بسلع أو العكس   فلا نملك في الآخرة ثمناً نشتري به ولا يملك غيرنا سلعة ، فهذه وسائل غير موجودة لا بيع ولا خلة ولا شفاعة ، فإذا أنفقتم اتقيتم ذلك اليوم قبل أن يأتي  اليوم الذي يظهر فيه فقر العباد إلى الله ، إنها الفرصة التي ليس بعدها بيع تربح فيه الأموال وتنمو ، وليس بعده شفاعة أو صداقة ترد عنه عاقبة التقصير ثم يشير إلى الموضوع الذي يدعوهم إلى الإنفاق من أجله ، إنه الإنفاق للجهاد لدفع الكفر ودفع الظلم المتمثل في هذا الكفر قال تعالى : ) والكافرون هم الظالمون ( ظلموا الحق فأنكروه  وظلموا أنفسهم فأوردوها موارد الهلاك ، وظلموا الناس فصدوهم عن الهدى وفتنوهم عن الإيمان ، وحرموهم الخير الذي لا خير مثله   خير السلم والرحمة والصلاح واليقين .  إن الذين يحاربون حقيقة الإيمان أن تستقر في القلوب   ويحاربون منهج الإيمان أن يستقر في الحياة ، ويحاربون شريعة الإيمان أن تستقر في المجتمع ، إنهم أعدى أعداء البشرية وأظلم الظالمين لها ، ولو أننا نحرص على رضى الله لرصدنا لحربهم كل ما نملك من الأنفس والأموال ، وهذا هو واجب الجماعة المسلمة التي يناديها الله بقوله : ) يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم (  

 

 

الحيـاء من الإيمان

إن الحياء من أقوى البواعث على الاتصاف بما هو حسن واجتناب ما هو قبيح فإذا تخلق به الإنسان سارع إلى مكارم الأخلاق وابتعد عن الرذائل وكان مهذباً في سلوكه فلا يكذب ولا يقع فيما يغضب الله ولا يستبد به الهوى وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم الاستحياء في الحديث الذي رواه الترمذي فقال : ( استحيوا من الله حق الحياء ، قالوا : يا نبي الله إننا لنستحي والحمد لله ، قال : ليس ذلك ، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء : أن تحفظ الرأس وما وعى وتحفظ البطن وما حوى وتذكر الموت والبلى ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء ) . ذكر الحديث الأمور التي يتمثل فيها الحياء الذي يريده الله للناس وبالتحلي بها يبلغ الإنسان نهاية الكمال . وإذا تجرد الإنسان عن الحياء أصبح أهلاً لارتكاب كل منكر وشرّ وكل ظلم وبغي والوقوع في المحظور روى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا تستح لم فاصنع ما شئت ) . وأنشدوا :

إذا لم تخش عاقبـة الليالي      ولم تستحي فافعل ما تشاء

فلا والله ما في العيش خير      ولا الدنيا إذا ذهـب الحياء

يعيش المرء ما استحيا بخير      ويبقى العود ما بقي اللحاء

وقد اعتبر الإسلام الحياء في طليعة الأخلاق روى مالك في الموطأ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن لكل دينا خُلقا وخلق الإسلام الحياء ) .

والتجرد عنه تجرد عن الدين نفسه قال صلى الله عليه وسلم : ( الحياء شعبة من الإيمان ولا إيمان لمن لا حياء له  )  وهو خير ما يتحلى به الإنسان من زينة روى أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ما كان الفحش في شيء إلا شأنه وما كان الحياء في شيء إلا زانه ) . 

 

 

 

داء الفـراغ

 إن المجتمع يستطيع الخلاص من مفاسد كثيرة لو أنه تحكم في أوقات فراغه ، لا بالإفادة منها بعد أن توجد ، بل بخلق الجهد الذي يستنفد كل طاقة ، ويوجه هذا وذاك إلى ما ينفعه في معاشه ومعاده ، فلا يبقى مجال يشعر المرء بعده أنه لا عمل له . إن الفراغ يدمر  الكفايات والمواهب ،  يروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : « إني لأرى الرجل فيعجبني   فإذا سألت عنه فقيل لا حرفة له ، سقط من عيني » وقال أيضاً :« إني لأكره أن أرى أحدكم سبهللاً (أي فارغاً) لا في عمل دنيا ولا في عمل آخرة » .. وقال حكيم : من أمضى يوماً من عمره في غير حق قضاه ، أو فرض أداه ، أو مجد أثله- اكتسبه- أو حمد حصله ، أو خير أسسه ، أو علم اقتبسه ، فقد عق يومه  وظلم نفسه ! . والفراغ داء قتال للفكر والعقل والطاقات الجسمية ، إذ النفس لابد لها من حركة وعمل  فإذا كانت فارغة من ذلك تبلد الفكر  وضعفت حركة النفس واستولت الوساوس والأفكار الرديئة على القلب ، وربما حدث له إرادات سيئة ينفس بها عن هذا الكبت الذي أصابه من الفراغ . وقد نبه المصطفى r  إلى غفلة الألوف من الناس عما وهبوا من نعمة العافية والوقت فقال r : « نعمتان من نعم الله مغبون فيها كثير من الناس : الصحة والفراغ » رواه البخاري . ويقصد بالفراغ : الخلو من المشاغل والمعوقات الدنيوية المانعة للمرء من حيث الاشتغال بالأمور الأخروية وفى الحديث:

( اغتنم خمساً قبل خمس » -وعد منها - « وفراغك قبل شغلك ) رواه الحاكم في المستدرك  . والنفس التي تفرغ من الجد والاحتفال بالقداسة تنتهي إلى حالة من التفاهة والجدب والانحلال   فلا تصلح للنهوض بعبء ولا الاضطلاع بواجب ، ولا القيام بتكليف وتغدو الحياة فيها عاطلة هينة رخيصة ، فهذه هي حالة النفوس الفارغة .فلا قول ولا عمل ولا إيمان ولا دين همها اللعب واللهو في الدنيا ويتبعه حسرة وندامة يوم القيامة . إن إدراك الإنسان قيمة الزمن ، وإيجاد الحل للفراغ ليس إلا إدراكاً لوجوده وإنسانيته ووظيفته في ركام هذه الحياة   فأين الذين قاموا بما تقتضيه هذه الخصال فإن الحساب عسير . يقول الحسن البصري : أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصاً على دراهمكم ودنانيركم !  

ويقول ابن مسعود :« ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه ، نقص فيه أجلي ولم يزد فيه عملي ».

 

 

 

اهتمام الشريعة بالزواج

الحمد لله الذي خلق الزوجين الذكر والأنثى وألف بينهما ، فلا غنى لأحدهما عن الآخر ، ولا تكاثر إلا باقترانهما لذا شرع الله الزواج وجعله من أهم مقومات الحياة ، لأنه الطريق السليم للتناسل وعمران الأرض بالذرية الصالحة وسبب لعفاف الزوجين وحمايتهم من الوقوع في الفاحشة . وقد اهتمت الشريعة بالزواج ، ففصلت قواعده وأحكامه ، ونظمت هذه الأحكام لتكسب بذلك رعاية وقدسية   ويشعر الزوجان أنهما يرتبطان برباط شرعي  فكان الزواج من أقوى الروابط التي تربط بين الزوجين ، لما فيها من توحيد القلوب والتقائها على اسم الله وسنه رسول الله  صلى الله عليه وسلم . ولم تكن الشهوة المغروسة في الإنسان مقصودة لذاتها في الزواج ، بل هي وسيلة لحياة زوجية هانئة وسبب لتكوين عائلة يأنس فيها الزوجان   ويسعدان بتلك الرابطة المقدسة ، التي تنمو بها الأمة ، ويُحْفَظُ بها النوع الإنساني ، وترتبط فيها العائلات بأقوى الروابط الإنسانية ، التي لولاها لاختل نظام المجتمع الإنساني ، ولما كان التآلف والتعارف من ثمرات الزواج .

وقد أوجبت الشريعة أن يكون الزواج من عائلتين ، ليحصل الارتباط بينهما بعلاقة المصاهرة ، والرجل والمرأة متكافلان في الحياة  من نفس واحدة   بعضهم من بعض ، وأساس الصلة بينهما المودة والرحمة قال تعالى  : } ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها  وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآياتٍ لقومٍ يتفكرون { الروم من تأمل هذه الآية ، وجد أنها صغيرة في حجمها  كبيرة في معناها ، عظيمة في مرماها ، جزيلةً في مغزاها  . ذكرت الآية المودة ، وهي حبٌ وتمنٍ معا ، والتمني شوق ، ولا بد لمن أحب أن يتوق إلى من يحب روحياً وبدنياً  ومن أحب شخصاً تمناه  وكلما زاد حبه له اشتهاه . إنها حكمة الله أن يكون بين الزوجين تجاذباً فطريا هذا التجاذب ينشأ عن المودة وهي حنين ، وعن الرحمة وهي حنان ، والحنين والحنان هما آيات الحب الذي يربط بين الزوجين ، فيسكن كل واحد منهما إلى الآخر .

والسكن هنا سكنٌ روحي وقلبي  سكن روح إلى روح من جنسه ، وسكن قلب إلى قلب من جنسه  فيصبح الزوجان زوجاً واحدا ، ويصبح القلبان قلباً واحدا ، ومن يتزوج ممن يكون قلبها من نوع قلبه وروحها من نوع روحه  يتزوجها باسم الله ، وتكون غايته إتمام أمر الله  . والرجال أنصاف تتلمس أنصافها الأخرى في مخادع النساء ، ومن تزوج فقد عصم نصف دينه ، والزواج أمرٌ فطري وسنةٌ من سنن الإسلام الموافقة لسنة الحياة قال تعالى : } سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون { يس 

وقال  عليه الصلاة والسلام : ( من أحب فطرتي فليستن بسنتي وإن من سنتي النكاح ) 

وهكذا جاء الإسلام موافقاً للفطرة ولسنة الكون والزواج هو القانون الاجتماعي الذي تلتقي فيه سنة الإسلام مع سنة الكون ، ولن تجد لسنة الله تبديلا .

  قصة سيدنا عيسى والأرغفة الثلاثة

 روي أن عيسى ابن مريم عليه السلام صحبه رجل وقال: يا نبي أكون معك فانطلقا فانتهيا إلى شط نهر فجلسا يتغديان ومعهما ثلاثة أرغفة فأكلا رغيفين وبقي رغيف فقام عيسى عليه السلام إلى النهر فشرب منه ثم رجع فلم يجد الرغيف فقال للرجل من أخذ الرغيف؟ قال: لا أدري، فانطلق الرجل فرأى ظبية (أي غزالة) ومعها ولدان لها فدعا واحدًا فأتاه فذبحه واشتوى منه فأكل هو وذلك الرجل ثم قال له بعدما ذبحه وأكلا منه خاطب عيسى عليه السلام الظبي بعد أن ذبحه وأكلا منه: قم بإذن الله عز وجل، فقام، فقال للرجل أسألك بالذي أراك هذه الآية من أخذ الرغيف؟ قال : لا أدري، فانطلقا حتى انتهيا إلى مفازة (أي فلاة) فجمع عيسى صلى الله عليه وسلم ترابًا وكثيبًا (أي رمل) ثم قال له: كن ذهبًا بإذن الله عز وجل، فصار ذهبًا، فقسّمه ثلاثة أقسام فقال ثلث لي وثلث لك وثلث للذي أخذ الرغيف، فقال أنا الذي أخذت الرغيف، فقال له سيدنا عيسى عليه السلام كله لك، وفارقه.
فانتهى لهذا الرجل الذي أخذ الذهب رجلان أرادا ان يأخذا منه الذهب ويقتلاه فقال لهما هو بيننا أثلاثًا، فقبلا ذلك، فقال يذهب واحد إلى القرية حتى يشتري لنا طعاما وقال في نفسه: "لأي شيء أقاسمهما في هذا المال؟ أنا أجعل في هذا الطعام سُما فأقتلهما وأخذ هذا المال جميعه، فجعل فيه سُما، وقالا هما فيما بينهما لأي شيء نجعل له الثلث إذا رجع إلينا قتلناه واقتسمنا المال نصفين، فلما رجع إليهما قتلاه ثم أكلا الطعام المسموم فماتا، فبقي المال، بقي الذهب في المفازة (الفلاة) وأولئك الثلاثة قتلى عنده. فمرّ عليهم عيسى عليه الصلاة والسلام وهم على تلك الحال، فقال لأصحابه: "هذه الدنيا فاحذروها".

 

 

هَكَذَا تَصْنَعُ الْمَوْعِظَةُ الْبَالِغَةُ بِأَهْلِهَا

رَوى عَبْدُ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَامَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ هَمَّامٌ وَكَانَ عَابِداً نَاسِكاً مُجْتَهِداً إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ علي رضي الله عنه وَهُوَ يَخْطُبُ فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ صِفْ لَنَا صِفَةَ الْمُؤْمِنِ كَأَنَّنَا نَنْظُرُ إِلَيْهِ .

فَقَالَ : " يَا هَمَّامُ الْمُؤْمِنُ هُوَ الْكَيِّسُ الْفَطِنُ ، بِشْرُهُ فِي وَجْهِهِ وَ حُزْنُهُ فِي قَلْبِهِ ، أَوْسَعُ شَيْ‏ءٍ صَدْراً وَأَذَلُّ شَيْ‏ءٍ نَفْساً ، زَاجِرٌ عَنْ كُلِّ فَانٍ حَاضٌّ عَلَى كُلِّ حَسَنٍ ، لا حَقُودٌ وَلا حَسُودٌ ، وَلا وَثَّابٌ وَلا سَبَّابٌ  ولا عَيَّابٌ وَلا مُغْتَابٌ ، يَكْرَهُ الرِّفْعَةَ وَ يَشْنَأُ السُّمْعَةَ   طَوِيلُ الْغَمِّ بَعِيدُ الْهَمِّ  كَثِيرُ الصَّمْتِ وَقُورٌ ذَكُورٌ صَبُورٌ شَكُورٌ ، مَغْمُومٌ بِفِكْرِهِ مَسْرُورٌ بِفَقْرِهِ  سَهْلُ الْخَلِيقَةِ لَيِّنُ الْعَرِيكَةِ ، رَصِينُ الْوَفَاءِ قَلِيلُ الأَذَى  غَضِبَ لَمْ يَنْزَقْ ، ضِحْكُهُ تَبَسُّمٌ وَاسْتِفْهَامُهُ تَعَلُّمٌ وَمُرَاجَعَتُهُ تَفَهُّمٌ ، كَثِيرٌ عِلْمُهُ عَظِيمٌ حِلْمُهُ ، كَثِيرُ الرَّحْمَةِ لا يَبْخَلُ وَلا يَعْجَلُ ، وَلا يَضْجَرُ وَلا يَبْطَرُ   ولا يَحِيفُ فِي حُكْمِهِ وَلا يَجُورُ فِي عِلْمِهِ ، نَفْسُهُ أَصْلَبُ مِنَ الصَّلْدِ وَمُكَادَحَتُهُ أَحْلَى مِنَ الشَّهْدِ لا جَشِعٌ وَلا هَلِعٌ وَلا عَنِفٌ وَلا صَلِفٌ وَلَا مُتَكَلِّفٌ وَلا مُتَعَمِّقٌ ، جَمِيلُ الْمُنَازَعَةِ كَرِيمُ الْمُرَاجَعَةِ ، عَدْلٌ إِنْ غَضِبَ رَفِيقٌ إِنْ طَلَبَ ، لا يَتَهَوَّرُ وَلا يَتَهَتَّكُ  وَلا يَتَجَبَّرُ خَالِصُ الْوُدِّ ، وَثِيقُ الْعَهْدِ ، وَفِيُّ الْعَقْدِ شَفِيقٌ  وَصُولٌ حَلِيمٌ خَمُولٌ ، قَلِيلُ الْفُضُولِ ، رَاضٍ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ، مُخَالِفٌ لِهَوَاهُ ، لا يَغْلُظُ عَلَى مَنْ دُونَهُ   لا يَخُوضُ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ ، نَاصِرٌ لِلدِّينِ  مُحَامٍ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ ، كَهْفٌ لِلْمُسْلِمِينَ ، لا يَخْرِقُ الثَّنَاءُ سَمْعَهُ   وَلا يَنْكِي الطَّمَعُ قَلْبَهُ ، وَ لَا يَصْرِفُ اللَّعِبُ حُكْمَهُ وَلا يُطْلِعُ الْجَاهِلَ عِلْمَهُ   قَوَّالٌ عَمَّالٌ ، عَالِمٌ حَازِمٌ  لا بِفَحَّاشٍ وَلا بِطَيَّاشٍ  وَصُولٌ فِي غَيْرِ عُنْفٍ   بَذُولٌ فِي غَيْرِ سَرَفٍ ، لا بِخَتَّالٍ وَ لَا بِغَدَّارٍ ، ولا يَقْتَفِي أَثَراً وَلا يَحِيفُ بَشَراً  رَفِيقٌ بِالْخَلْقِ ، سَاعٍ فِي الأَرْضِ ، عَوْنٌ لِلضَّعِيفِ  غَوْثٌ لِلْمَلْهُوفِ ، لا يَهْتِكُ سِتْراً وَلَا يَكْشِفُ سِرّاً  كَثِيرُ الْبَلْوَى قَلِيلُ الشَّكْوَى  إِنْ رَأَى خَيْراً ذَكَرَهُ ، وَ إِنْ عَايَنَ شَرّاً سَتَرَهُ ، يَسْتُرُ الْعَيْبَ وَ يَحْفَظُ الْغَيْبَ  وَيُقِيلُ الْعَثْرَةَ وَيَغْفِرُ الزَّلَّةَ ، لا يَطَّلِعُ عَلَى نُصْحٍ فَيَذَرَهُ   وَلا يَدَعُ جِنْحَ حَيْفٍ فَيُصْلِحَهُ ، أَمِينٌ رَصِينٌ ، تَقِيٌّ نَقِيٌّ ، زَكِيٌّ رَضِيٌّ   يَقْبَلُ الْعُذْرَ وَيُجْمِلُ الذِّكْرَ ، وَ يُحْسِنُ بِالنَّاسِ الظَّنَّ    وَ يَتَّهِمُ عَلَى الْعَيْبِ نَفْسَهُ  يُحِبُّ فِي اللَّهِ بِفِقْهٍ وَ عِلْمٍ ، وَ يَقْطَعُ فِي اللَّهِ بِحَزْمٍ وَ عَزْمٍ ، لا يَخْرَقُ بِهِ فَرَحٌ وَ لَا يَطِيشُ بِهِ مَرَحٌ ، مُذَكِّرٌ لِلْعَالِمِ ، مُعَلِّمٌ لِلْجَاهِلِ ، لا يُتَوَقَّعُ لَهُ بَائِقَةٌ ، وَلا يُخَافُ لَهُ غَائِلَةٌ ، كُلُّ سَعْيٍ أَخْلَصُ عِنْدَهُ مِنْ سَعْيِهِ   وَكُلُّ نَفْسٍ أَصْلَحُ عِنْدَهُ مِنْ نَفْسِهِ ، عَالِمٌ بِعَيْبِهِ  شَاغِلٌ بِغَمِّهِ ، لَا يَثِقُ بِغَيْرِ رَبِّهِ  غَرِيبٌ وَحِيدٌ جَرِيدٌ حَزِينٌ ، يُحِبُّ فِي اللَّهِ ، وَيُجَاهِدُ فِي اللَّهِ لِيَتَّبِعَ رِضَاهُ   وَلا يَنْتَقِمُ لِنَفْسِهِ بِنَفْسِهِ ، وَلا يُوَالِي فِي سَخَطِ رَبِّهِ   مُجَالِسٌ لِأَهْلِ الْفَقْرِ   مُصَادِقٌ لِأَهْلِ الصِّدْقِ ، مُؤَازِرٌ لِأَهْلِ الْحَقِّ ، عَوْنٌ لِلْقَرِيبِ   أَبٌ لِلْيَتِيمِ بَعْلٌ لِلْأَرْمَلَةِ ، حَفِيٌّ بِأَهْلِ الْمَسْكَنَةِ  مَرْجُوٌّ لِكُلِّ كَرِيهَةٍ ، مَأْمُولٌ لِكُلِّ شِدَّةٍ ، هَشَّاشٌ بَشَّاشٌ لا بِعَبَّاسٍ وَلا بِجَسَّاسٍ ، صَلِيبٌ كَظَّامٌ بَسَّامٌ ، دَقِيقُ النَّظَرِ ، عَظِيمُ الْحَذَرِ ، لَا يَجْهَلُ وَ إِنْ جُهِلَ عَلَيْهِ يَحْلُمُ ، لَا يَبْخَلُ وَ إِنْ بُخِلَ عَلَيْهِ صَبَرَ ، عَقَلَ فَاسْتَحْيَا وَ قَنِعَ فَاسْتَغْنَى ، حَيَاؤُهُ يَعْلُو شَهْوَتَهُ  وَوُدُّهُ يَعْلُو حَسَدَهُ ، وَعَفْوُهُ يَعْلُو حِقْدَهُ   لَا يَنْطِقُ بِغَيْرِ صَوَابٍ ، وَلا يَلْبَسُ إِلَّا الِاقْتِصَادِ ، مَشْيُهُ التَّوَاضُعُ ، خَاضِعٌ لِرَبِّهِ بِطَاعَتِهِ ، رَاضٍ عَنْهُ فِي كُلِّ حَالَاتِهِ ، نِيَّتُهُ خَالِصَةٌ ، أَعْمَالُهُ لَيْسَ فِيهَا غِشٌّ وَلا خَدِيعَةٌ ، نَظَرُهُ عِبْرَةٌ   سُكُوتُهُ فِكْرَةٌ وَ كَلَامُهُ حِكْمَةٌ  مُنَاصِحاً مُتَبَاذِلًا مُتَوَاخِياً ، نَاصِحٌ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ لا يَهْجُرُ أَخَاهُ ولا يَغْتَابُهُ وَلا يَمْكُرُ بِهِ ، وَلَا يَأْسَفُ عَلَى مَا فَاتَهُ وَلا يَحْزَنُ عَلَى مَا أَصَابَهُ ، وَلا يَرْجُو مَا لَا يَجُوزُ لَهُ الرَّجَاءُ ، وَلا يَفْشَلُ فِي الشِّدَّةِ ، وَلا يَبْطَرُ فِي الرَّخَاءِ   يَمْزُجُ الْحِلْمَ بِالْعِلْمِ وَالْعَقْلَ بِالصَّبْرِ ، تَرَاهُ بَعِيداً كَسَلُهُ دَائِماً نَشَاطُهُ ، قَرِيباً أَمَلُهُ قَلِيلًا زَلَلُهُ ، مُتَوَقِّعاً لِأَجَلِهِ  خَاشِعاً قَلْبُهُ ، ذَاكِراً رَبَّهُ ، قَانِعَةً نَفْسُهُ   مَنْفِيّاً جَهْلُهُ  سَهْلًا أَمْرُهُ حَزِيناً لِذَنْبِهِ ، مَيِّتَةً شَهْوَتُهُ ، كَظُوماً غَيْظَهُ   صَافِياً خُلُقُهُ ، آمِناً مِنْهُ جَارُهُ   ضَعِيفاً كِبْرُهُ قَانِعاً بِالَّذِي قُدِّرَ لَهُ ، مَتِيناً صَبْرُهُ مُحْكَماً أَمْرُهُ ، كَثِيراً ذِكْرُهُ ، يُخَالِطُ النَّاسَ لِيَعْلَمَ ، وَ يَصْمُتُ لِيَسْلَمَ   وَيَسْأَلُ لِيَفْهَمَ ، وَيَتَّجِرُ لِيَغْنَمَ لا يُنْصِتُ لِلْخَبَرِ لِيَفْجُرَ بِهِ ، وَلَا يَتَكَلَّمُ لِيَتَجَبَّرَ بِهِ عَلَى مَنْ سِوَاهُ ، نَفْسُهُ مِنْهُ فِي عَنَاءٍ وَ النَّاسُ مِنْهُ فِي رَاحَةٍ ، أَتْعَبَ نَفْسَهُ لآِخِرَتِهِ فَأَرَاحَ النَّاسَ مِنْ نَفْسِهِ ، إِنْ بُغِيَ عَلَيْهِ صَبَرَ حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ الَّذِي يَنْتَصِرُ لَهُ ، بُعْدُهُ مِمَّنْ تَبَاعَدَ مِنْهُ بُغْضٌ وَ نَزَاهَةٌ ، وَدُنُوُّهُ مِمَّنْ دَنَا مِنْهُ لِينٌ وَ رَحْمَةٌ  لَيْسَ تَبَاعُدُهُ تَكَبُّراً وَ لَا عَظَمَةً ، وَلا دُنُوُّهُ خَدِيعَةً وَلا خِلَابَةً ، بَلْ يَقْتَدِي بِمَنْ كَانَ قَبْلَهُ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ   فَهُوَ إِمَامٌ لِمَنْ بَعْدَهُ مِنْ أَهْلِ الْبِرِّ قَالَ ـ الرَاوي ـ : فَصَاحَ هَمَّامٌ صَيْحَةً ، ثُمَّ وَقَعَ مَغْشِيّاً عَلَيْهِ . فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ : " أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَخَافُهَا عَلَيْهِ " وَ قَالَ : " هَكَذَا تَصْنَعُ الْمَوْعِظَةُ الْبَالِغَةُ بِأَهْلِهَا "          

 

 

 

الصبر ثلاثة

قال رسول الله r : ( الصبر ثلاثة ، صبر عند المصيبة   وصبر على الطاعة ، وصبر عن المعصية . فمن صبر على المصيبة حتى يردها بحسن عزائها كتب الله له ثلاثمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين السماء إلى الأرض . ومن صبر على الطاعة كتب الله له ستمائة درجة ، ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى العرش ومن صبر على المعصية كتب الله له تسع مائة درجة   ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى منتهى العرش ) .     ما أعظم هذا الموقف !

من هو المؤمن ؟

روى أَبو حَمْزَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أنه قَالَ : الْمُؤْمِنُ يَصْمُتُ لِيَسْلَمَ ، وَيَنْطِقُ لِيَغْنَمَ  لا يُحَدِّثُ أَمَانَتَهُ الْأَصْدِقَاءَ   وَلا يَكْتُمُ شَهَادَتَهُ مِنَ الْبُعَدَاءِ ، وَلا يَعْمَلُ شَيْئاً مِنَ الْخَيْرِ رِيَاءً   وَلا يَتْرُكُهُ حَيَاءً ، إِنْ زُكِّيَ خَافَ مِمَّا يَقُولُونَ  وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِمَا لا يَعْلَمُونَ ، لا يَغُرُّهُ قَوْلُ مَنْ جَهِلَهُ ، وَ يَخَافُ إِحْصَاءَ مَا عَمِلَهُ  .

 

 

 الخشوع في الصلاة

قال تعالى : { قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون }المؤمنون 24.فالخاشعون هم الذين تستشعر قلوبهم رهبة الموقف في الصلاة فتسكن وتخشع ، فلا يشهدون إلا الله   ولا تشتغل بسواه .

وقد أجمع العارفون على أن الخشوع محله القلب وثمرته الجوارح وهي تظهره ، رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يعبث بلحيته في الصلاة فقال : ( لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه )   لأن الجوارح تستمد طاقتها من القلب  ومن الدم الذي يضخه فيها فلو شغل القلب عن الجوارح ما تحرَّكت ، ومن جهةٍ أُخرى ألا يستحق منك ربك أن تتفرغ له على الأقل وقت صلاتك ، وقد تركك باقي الوقت تفعل ما تشاء . وهناك نوعٌ من الخشوع حذّر منه السلف سموه خشوع النفاق فقالوا : استعيذوا بالله من خشوع النفاق . قالوا : وما خشوع النفاق ؟ قالوا : أن ترى الجسد خاشعاً والقلب ليس بخاشع  . ورأى عمر بن الخطاب –رضي الله عنه -  رجلاً طأطأ رقبته في الصلاة , فقال : "يا صاحب الرقبة ؟ ارفع رقبتك ، ليس الخشوع في الرقاب إنما الخشوع في القلوب " . فإن قيل : ما تقولون في صلاة من عدم خشوع ؟ هل يعتد بها أم لا ؟  لقد قالوا بأن الله علَّق الله فلاح المصلين بالخشوع في صلاتهم فدل على أن من لم يخشع فليس من أهل الفلاح ، ولو أعتُدَّ بها ثواباً لكان من المفلحين ، أما الاعتداد بها في أحكام الدنيا وسقوط القضاء   فإن غلب عليها الخشوع وتعقلها ، اعتد بها إجماعاً  وتكون السنن والأذكار بعدها جوابر ومكملاتٌ لنقصها   وإن غلب عدم الخشوع فيها وعدم تعقلها فقد أوجب بعض الفقهاء إعادتها ولم يوجبها أكثرهم ، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من سها في صلاته بسجدتي السهو ولم يأمره بالإعادة مع قوله صلى الله عليه وسلم : ( إن الشيطان يأتي أحدكم في صلاته فيقول أذكر كذا اذكر كذا حتى يضل الرجل أن يدري كم صلى ) أما بالنسبة للثواب ، فإن هذه الصلاة لا يثاب على شيءٍ منها إلا بقدر حضور قلبه وخضوعه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن العبد لينصرف من الصلاة ولم يكتب له إلا نصفها   ثلثها  ربعها حتى بلغ عشرها ) . وقال ابن عباس : " ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها " .

والسرحان والوساوس في الصلاة من الشيطان  فهو يريد أن يفسد الخلوة بين العبد وربه ، لأن العبد أقرب ما يكون في الصلاة فيأتي الشيطان له بخاطر  فإن استطرد معه يؤاخذه الله وإلا فلا  لأنه يكون ممن عناهم الله بقوله :{ إن الذين إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} .

 

اتقاء النار باصطناع المعروف والصدقة

إن المتأمل ببصرٍ وبصيرة في أحوال الكثير من المسلمين اليوم يجد أنهم أصبحوا يعيشون لدنياهم فقط , لأنها غرتهم بزخرفها الزائف وأعمت بصائرهم بنعيمها الزائل  فنسوا وتناسوا الآخرة ونعيم الجنة الدائم , وكأن الموت وسكراته والقبر وضمته, والقيامة وأهوالها, والنار وزفراتها, والجنة ونعيمها ,كلها مجرد أوهام ليست وأقعاً سنصير إليه لا محالة عاجلاً أم أجالاً, وإلا فما سبب تقاعدهم عن الكثير من الطاعات وتكاسلهم عن أداء الكثير من العبادات وتقاعسهم عن العديد من أعمال الخير والتي بمقدورهم القيام بها دون كبير كلفة أو بالغ عناء أو مشقة.

فيجب علينا أن لا ننخدع بنعيم الدنيا ، الزائل وأن نحاول أن نقي أنفسنا من النار ما استطعنا إلى ذلك سبيلا ، وقد أرشدنا رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم ، إلى الطريقة التي نتقي بها النار, حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(من أستطاع منكم أن يتقي النار فليتصدق ولو بشق تمرة فمن لم يجد فبكلمة طيبة)رواه أحمد ومسلم ، فالإنفاق في سبيل الله والصدقة على الفقراء والمساكين والأرامل ، تعتبر من أفعال الخير العظيمة التي تقي مصارع السوء ، وتقي من النار ، وقد أمر المولى عز وجل المسلمين بالتصدق والإنفاق حيث : ﴿ يا أيها الذين أمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلةٌ ولا شفاعةٌ والكافرون هم الظالمون ﴾ سورة البقرة  254 . وقال جل جلاله : ﴿ وانفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير ﴾ ،  كما أمرنا رسولنا الكريم بالتصدق كل يوم حيث قال صلى الله عليه وسلم : ( على كل مسلم صدقة.فقالوا يا نبي الله فمن لم يجد ؟ قال يعين ذا الحاجة الملهوف. قالوا فإن لم يجد؟ قال : فليعمل بالمعروف وليمسك عن الشر, فإنها له صدقة ) رواه البخاري.

كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم  أكد لنا أن الصدقة في الدنيا تطفئ غضب الرب ، وتقي من ميتة السوء ، أي أنها تقي المسلم من الخاتمة السيئة فقال صلى الله عليه وسلم : ( إن الصدقة تطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء ) رواه الترمذي وحسنه . وكيف لا تقي الصدقة المتصدق من النار وقد غفر الله عز وجل ذنوب إحدى بغايا بني إسرائيل بسبب سقيها لكلب كان يلهث من العطش,فقد روى البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (  بينما كلب يطيف برَكِيَّةٍ,قد كان يقتله العطش إذ رأته بَغِىٍّ من بغايا بني إسرائيل فنـزعت مَوقها, فاستقت له به,فسقته فَغُفرَ لها به)

وإذا كانت الصدقة تقي من النار، وتطفئ غضب الرب ، وتقي من ميتة السوء ، ومع ذلك لا تُنْقِصْ من مال المتصدق شيء ، مهما كان مقدارها فقد روى الترمذي عن أبى كبشة الأنماري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ثلاثة أقسم عليهن وأحدثكم حديثاً فأحفظوه :ما نقص مال من صدقة, ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله بها عزا,ولا فتح عبد باب مسألة ، إلا فتح الله عليه باب فقر ) , وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً : ( ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينـزلان فيقول أحدهما : اللهم أعط منفقاً خلفاً, ويقول الآخر: اللهم أعط كل ممسك تلفاً)رواه مسلم .

 

من أسباب النجاة من النار

جعل الله سبحانه أسباباً للمغفرة والعفو والرضوان، كما جعل أعمالاً تنجي صاحبها من النار: ﴿  فمن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ﴾ آل عمران:185 .  فمن مات له ثلاثة من الولد وصبر غفر له عن واثلة قال: قال رسول الله : ( من دفن ثلاثة من الولد حرّم الله عليه النار ) رواه الطبراني وصححه الألباني . ومن عال ثلاث بنات أو أخوات، وأحسن إليهن عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله : ( ليس أحد من أمتي يعول ثلاث بنات أو ثلاث أخوات، فيحسن إليهن إلا كن له ستراً من النار ) رواه البيهقي وصححه الألباني . ومن ذبّ ودافع عن عرض المؤمن وهو غائب عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها قالت: قال رسول الله : ( من ذبّ عن عرض أخيه بالغيبة كان حقاً على الله أن يعتقه من النار ) رواه أحمد وصححه الألباني . ومن صلى أربعين يوماً في جماعة يدرك التكبيرة الأولى عن أنس قال: قال رسول الله : ( من صلى لله أربعين يوماً في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتب له براءتان: براءة من النار وبراءة من النفاق ) رواه الترمذي وحسنه الألباني . وصاحب الخلق الحسن عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ( من كان سهلاً هيناً ليناً، حرمه الله على النار ) رواه الحاكم وصححه الألباني . ومن حافظ على صلاة الفجر والعصر عن عمارة بن رويبة قال : قال رسول الله : ( لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها  ) رواه مسلم . 

 

 

فضل صنائع المعروف

صح عن النبي صلى الله عليه وسلم : (اتقوا النار ولو بشق تمرة فإن لم تجدوا فكلمة طيبة ) ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق)    وقوله : ( لكل معروف صدقة )،  وقال ابن عباس :" المعروف أميز زرع   وأفضل كنـز ، ولا يتم إلا بثلاث خصال : بتعجيله وتصغيره وستره  فإذا عجل فقد هنأ  وإذا صغر فقد عظم ، وإذا ستر فقد تم " .  وقال زيد بن علي بن حسين :" ما شيء أفضل من المعروف إلا ثوابه ، وليس كل من يرغب فيه يقدر عليه ، ولا كل من قدر عليه يؤذن له فيه ، فإذا اجتمعت الرغبة والقدرة والإذن  تمت السعادة للطالب والمطلوب منه "  وقال الشاعر :

ومن يجعل المعروف من دون عرضه    يقيه ومن لا يتقي الشتم يشتم

وقال بعضهم : " لا يزهدنك في المعروف كفر من كفره ، فإنه يشكرك عليه من لا تصنعه إليه " ، وكان يقال: "  في كل شيء إسراف إلا في المعروف" وقيل : "  اصنع المعروف إلى كل أحد فإن كان من أهله فقد وضعته في موضعه ، وإن لم يكن من أهله كنت أنت من أهله" .  وقال الشاعر :

ولم أر كالمعروف أما مذاقه    فحلو وأما وجهه فجميل

ذكر ابن عبد البر : " خمسة أشياء أضيع شيء في الدنيا : سراج يوقد في الشمس ، ومطر وابل في أرض سبخة  وامرأة حسناء تزف إلى عنين ، وطعام يستجاد ثم يقدم إلى سكران أو شبعان ، ومعروف تصنعه عند من لا يشكرك " قال ابن المبارك :

يد المعروف غنم حيث كانت     تحملها شكور أو كفور

ففي شكر الشكور لها جزاء     وعند الله ما كفر الكفور

 وقيل:" ليس للأحرار ثمن إلا الإكرام فأكرم حرا تملكه " وقال المتنبي :

إذا أنت أكرمت الكريم ملكته     وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا

وقال عبد مناف : دواء من لا يصلحه الإكرام الهوان . قال الشاعر :

من لم يؤدبه الجميل     ففي عقوبته صلاحه

وقال ابن عقيل : " فعل الخير مع الأشرار تقوية لهم على الأخيار ، كما لا ينبغي أن يحرم الخير أهله ، لا ينبغي أن يحرم الخير حقه ، فإن وضع الخير في غير محله ظلم للخير " كما قيل : " لا تمنعوا الحكمة أهلها فتظلموهم ، ولا تضعوها في غير أهلها فتظلموها " وقال علي رضي الله عنه : " كن من خمسة على حذر من لئيم إذا أكرمته ، وكريم إذا أهنته ، وعاقل إذا أحرجته  وأحمق وفاجر إذا مازجته "   

 

 

 

 

لا تغني الصلاة عن أداء الحقوق لأصحابها
الصلاة حق الله على العباد , وهي الصلة بين العبد وربه ، ومع عظم قدر الصلاة في الإسلام , لكنها عمل ذاتي , وعبادة فرديه , صحيح أنها الطاقة الروحية التي تمدنا بالقوة ، لنتغلب على نكد الحياة وغصصها   
 ألا نحس بتأنيب الضمير,  والخوف من الله , عندما نؤخر الصلاة , ولماذا تكون الصلاة حاضرة في اذهاننا , ولا نحس بظلم الغير ، وأكل حقوق العباد  كما نحس بأهمية الصلاة , أم أن التقصير في حق الله أيسر استدراكا من انتهاك حقوق العباد، بدليل  أن الذنب في حق الله يُغفر بمجرد التوبة الصادقة، بينما شروط التوبة عند انتهاك حقوق العباد، تتضمن إعادة الحق إلى صاحبه والعفو منه، وجبر الضرر لمن انتهكت حقوقهم، وإرضائهم بذلك   وماذا يستفيد الناس من إنسان مسلم يواظب على الصلوات الخمس, ثم يأكل اموال الناس بالباطل , أو لا يتقن عمله , أو لا يهتم بأمر المسلمين أو يغش الناس, أو يظلم زوجته واولاده , أما علم المصلي أن أداء الحقوق لأصحابها واداء الواجبات ، هو قرّة عين المسلم بالصلاة , وإذا أعطى الذي عليه ، فسوف يأتيه الذي له ، أما  إذا تحولت الصلاة من عبادة إلى عادة  فأكلت الحقوق وعم الظلم بين الناس , تحول المجتمع المسلم إلى غابة يأكل القوي الضعيف , حتى لو امتلأت المساجد بالمصلين , وحتى لو أُنشئ كل يوم جامع ومسجد , ومالم يهتم الناس بذلك فقهاً ووعظاً ، وإيماناً وتذكيراً  فستضيع الصلاة , وربما أورث ذلك لدى العامة ، التساهل في اجتراح المظالم اليومية , دون أدنى احساس بعظمة الذنب الذي لا تكفّره الصلاة , قبل بذل الحقوق إلى اهلها.

نظرة الإسلام للمرض وعيادة المريض

يعترف الإسلام بالمرض كحالة غير طبيعية ، تصيب أعضاء معينة من الجسم ، فرسول الله صلى الله عليه  وسلم  يقول لسعد بن أبي وقا ص حيث أصيب بمرض القلب : ( إنك رجل مفؤود  فأت الحارث بن كلده فانه رجل يتطبب ) .

لقد أعطى الإسلام إرشادات محددة تهدف لسلامة المجتمع المسلم من المرض ، فما ذكره الرسول صلى الله عليه  وسلم  في العدوى وصحة البيئة والتغذية والنظافة الشخصية ، لا يختلف عما يقوله عالم في هذا العصر يعرف مسببات الأمراض ووسائل مكافحتها وحديث الرسول صلى الله عليه  وسلم  عن الطاعون ما هو إلا أسلوب الحجر الصحي الحديث للأمراض الانتقالية لكن دون أن يـذكر العـامل الـمرضي - الميكروب - وطريقة انتقاله بصراحـة قـال عليه السلام : ( إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها )  البخاري 

إن كُرْه المرض في الإسلام أمر طبيعي يقبله الإسلام فعندما قال أبو الدرداء لرسول صلى الله عليه  وسلم   : " لأن أعافى فأشكر أحب إلي من أن ابتلى فأصبر "  فقال الرسول صلى الله عليه  وسلم  : ( الله يحب معك العافية ) رواه الترمذي . ولكن إذا ما حدث المرض فإن المسلم يتقبل هذا الواقع المؤلم بصبر ينبعث من إيمانه بنظرية الابتلاء ، لأن المرض ليس غضبا من الله ولكنه ابتلاء يكفر الذنوب ويرفع الدرجات إذا تلقاه المسلم بصبر واحتساب يقول عليه السلام : ( ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا آذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها خطاياه )   وهناك جانبا يتميز به الإسلام في موقفه من المرض فللمريض حق على الصحيح ، وهو حق العيادة جاء في الحديث القدسي : ( إن الله عز وجل يقول يوم القيامة يا ابن آدم مرضت فلم تعدني قال : يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين ؟  قال : أما علمت أن عبدي فلان مرض فلم تعده أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده ) مسلم . وهكذا فالمريض قريبٌ من الله كما يقول الرسول صلى الله عليه  وسلم  : ( عودوا المرضى ومروهم فليدعوا لكم فإن دعوة المريض مستجابة وذنبه مغفور ) الطبراني  وقوله صلى الله عليه  وسلم  : ( إذا دخلت على مريض فمره أن يدعو لك فإن دعائهم كدعاء الملائكة ) .  ومهما اشتدت الأزمات الصحية فلا ينبغي أن تقود المسلم إلى التفكير بالتخلص من حياته ، بل لا يجوز له أن يتمنى الموت ، عن أنس ابن مالك عن رسول الله صلى الله عليه  وسلم  قال : ( لا يتمنين أحدكم الموت من ضرٍ أصابه فإن كان لا بد فاعلا فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الحياة خيرا لي ) البخاري ومسلم . وهناك رخصة للمريض تعفيه من الالتزامات الشرعية حسب ما تمليه الضرورة قال تعالى : ) ولا على المريض حرج ( لذا يباح الذهب في العلاج التعويضي كما أمر رسول الله صلى الله عليه  وسلم  بذلك وكذلك استعمال الحرير بالمرض الجلدي فرسول الله صلى الله عليه  وسلم  رخص لعبد الرحمن ابن عوف والزبير ابن العوام في لبس الحرير لحكة كانت بهما ، مع أن كليهما محرم على الرجال ، ولا يجوز إخبار المريض بخطورة مرضه ولو كان ميؤوساً من شفائه وحالة المريض من الحالات القليلة التي رخص فيها الإسلام بإخفاء الحقيقة قال رسول الله صلى الله عليه  وسلم  : ( إذا دخلتم على المريض فنفسوا له في أجله فإن ذلك لا يرد شيء ويطيب نفسه ) ابن ماجه والترمذي  وقال صلى الله عليه  وسلم  : ( أنين المريض تسبيح وصياحه تهليل ونفسه صدقة ونومه عبادة وتقلبه من جانب إلى جانب جهاد في سبيل الله ويكتب له أحسن ما كان يعمل في الصحة ) . 

 

النهي عن القنوط

 الكثير من الذين يُصِرُّون على الذنوب، ويستكثرون من السيئات يتركون الصلوات، أو يتركون صلاة الجماعة، ويمنعون الحقوق المالية عليهم كالزكوات، والكفارات، وكذلك يهجرون كلام الله، ويهجرون ذكره؛ فلا يذكرونه إلا قليلا، وكذلك أيضا يرغبون عن دعائه، وعن رجائه ونحو ذلك، إذا نصحتهم يقولون: رحمة الله واسعة، إننا نتعلق برحمته، كيف تَرُدُّ عليهم؟ رُدَّ عليهم بأنه تعالى كما أن رحمته وسعت كل شيء؛ فإنه سريع العقاب، شديد العقاب، ولهذا يجمع الله بين آيات العذاب وآيات الرحمة حتى يكون المؤمن خائفا من عذاب الله، وراجيا لرحمته؛ فبذلك يرحمه الله سبحانه، ويعفو عنه، إذا أتى بأسباب الرحمة . نعرف أنه سبحانه نهى عن القنوط الذي هو قطع الرجاء، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ  ﴾ أي: لا يقطع الرجاء إلا الضالون وقال تعالى: ﴿ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ رَوْحُهُ يعني: فَرَجُهُ، إذا اشتدت الكربات؛ فإن العبد يُعَلِّقُ قلبه بربه، ويرجوه غايةَ الرجاء، ويكون بذلك مُؤَمِّلًا أنه يعفو عنه، ويغفر له .  ولكن هناك رجاء أهل الغرور، هناك رجاء أهل الاغترار الذين يتعلقون بالرجاء، وينسون آيات العذاب، فنقرأ عليهم الآيات التي فيها الخوف والرجاء، قال الله تعالى: ﴿ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيم  ﴾ . أي: لا تعتمدوا على الرحمة، فإن الله غفور رحيم، وإنه يعذب العذاب الأليم، وقال تعالى:   ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ﴾  أي: أنه كما أنه رحيم؛ فإنه شديد العقاب، وقال تعالى:   ﴿ غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ﴾ فكلما ذكر الرحمة والمغفرة؛ ذكر بعدها العقوبة والعذاب؛ حتى يكون المؤمن خائفا راجيًا. ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على مريض قد اشتد مرضه، فقال: (  كيف تجدك؟ فقال: أخشى ذنوبي، وأرجو رحمة ربي) جمع بينهما، يقول: أخشى الذنوب، التي هي العقوبات، وأرجو رحمة الله، أثق بأن الله تعالى يرحم مَنْ يشاء من عباده؛ ولكني مع ذلك خائف، أخشى من العقوبة، وأخشى من الذنوب، ومن آثارها، فهكذا يكون العبد في هذه الحياة الدنيا جامعا بين الخوف والرجاء.

فالخوف أسبابه هي: أن يتذكر عقوبة الله وعذابه، يتذكر أنه سبحانه شديد العقاب، يتذكر أنه عزيز ذو انتقام، يتذكر عذابه للأمم السابقة، الذين كفروا بالله تعالى وكذبوا رسله، يتذكر أيضا عقوبته لِلَّاحقين، كيف أنه سلط بعضهم على بعض، وكيف أنه أهلكهم!

كثير من الدول كانوا أهل قوة وأهل منعة، وكانوا أهل ثروة وأهل قوة؛ ولكن لما أنهم كفروا؛ سَلَّطَ الله عليهم أنواعا من العقوبات؛ فسامهم سوء العذاب؛ فأصبحوا خائفين، وأصبحوا في فَقْرٍ مُدْقِعٍ، وأصبحوا في شدة وجُهْدٍ، وأصبحوا في جوع وظمأ شديد، لماذا؟ جزاء كفرهم، أو جزاء معاصيهم ومخالفاتهم.

وإذا قيل: إن هناك دولًا كبرى، مع ذلك يتمتعون بالقوة، ويتمتعون بالثروات، وبالأموال الطائلة، فنقول: لا تغبطوهم؛ فإن هذه طيباتهم عُجِّلَتْ لهم، ولهذا قال الله تعالى: ﴿ وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا ﴾ حسناتهم وصدقاتهم وصِلَتُهُمْ وأعمالهم الصالحة، يُعَجَّلُ لهم ثوابُهَا في الدنيا؛ فيأتون الآخرة مفاليس، ليس معهم حسنة يجازون بها.

فالكافر إذا عمل حسنة؛ جُوزي بها في الدنيا، وأما المؤمن فإن الله تعالى يدخرها له في الآخرة؛ فيأتي الكافر وليس له حسنة، ويأتي المؤمن وحسناته موفرة، وقد كُفِّرَت عنه سيئاته، بما أصيب بها في الدنيا، وبِكُلِّ حال فإن العبد يكون خائفا راجيا، إذا تذكر النار وشدة العقوبة فيها، ما ذُكِرَ من أنَّ حرها شديد، وقعرها بعيد، وطعام أهلها الزقوم، وشرابهم المر والصديد، ولباسهم القطران والحديد، وعذابهم أبدا في مزيد، وأنهم يُنَادون خازن النار، فيقولون: يا مالِكُ قد أثقلنا الحديد، يا مالِكُ قد تفتت منا الكبود، يا مالِكُ قد تمزقت منا الجلود، يا مالِكُ أخرجنا منها فإنا لا نعود، يا مالِكُ العدم خير من هذا الوجود؛ فيناديهم الرب تعالى بعد زمان: اخسئوا فيها، فلا بد من الخلود. إذا تذكر ما ذكر الله تعالى عن عذاب النار في الآخرة مثل قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ  كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا     كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ﴾  ذكر النبي صلى الله عليه وسلم حَرَّ َالنار فقال : ( ناركم هذه جزء من سبعين جزءًا من نار جهنم  فقالوا: يا رسول الله، إن كانت لكافية )  إن كانت لكافية، كيف لا تكفي؟ والإنسان إذا أدخل شعلة نار مات في لحظات، واحترق وأصبح رمادا؛ فكيف لا تكفي هذه النار؟! فقال صلى الله عليه وسلم: ( فُضِّلَتْ عليها بتسعة وستين جزءا ) يطيق الصبر على هذه النار، يُقَالُ لهم : ﴿ فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا   لا بد من الخلود. إذا تذكرنا هذه النار، وعرفنا أن الله تعالى أعدها للكفار، وأعدها للفجار؛ فإن علينا أن نَحْذَرَها، ونبتعد عن الأعمال التي تقرب منها، ذكر الله تعالى من أهلها المنافقين الذين يظهرون الإيمان : ﴿  وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ  ﴾ أخبر بعذابهم : ﴿  إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ﴾  ذكر الله تعالى أن لها سبعةَ أبواب، يعني: سبع طبقات، والطبقة لا يحصيها إلا الله، يمكن أنها مسيرة مئات السنين، ذكر الله أنها سبع طبقات: لظى، والحطمة، وجهنم، والجحيم، وسقر، والسعير، والهاوية.

كل هذه طبقات من طبقات النار، فإذا تَذَكَّرَ العبد هذه النار؛  كيف يفعل الحرام ؟ وكيف يترك تعاليم الإسلام؟! جاء في بعض الآثار: " عجبتُ للنار كيف ينام هاربها؟ وعجبتُ للجنة كيف ينام طالبها؟ "  وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اشتكت الجنة والنار؛ فقالت الجنة: يا رب فِيَّ ضعفاء الناس وسقطهم. وقالت النار: فِيَّ الجبارون والمتكبرون. فقال الله للجنة: أنتِ رحمتي، أرحم بكِ مَنْ أشاء. وقال للنار: أنتِ عذابي، أُعَذِّبُ بكِ مَنْ أشاء، ولِكُلٍّ منكما عَلَيَّ ملؤها  ) . هكذا ذكر الله أن الجنة رحمته، وأن النار عذابه، فإذا تذكر العبد هذا العذاب؛ فإنه يهرب من أسبابه، يهرب من المعاصي ومن السيئات، ومن المخالفات، ومن الذنوب والخطيئات، التي تُدْخِلُه إلى تلك الدركات، فإنه لو لم يُعَذَّبْ إلا ساعة، أو نصف ساعة؛ لكان حقًّا عليه، وواجبا أن يخاف أشد الخوف؛ ولكن كيف وقد وُعِدَ بأنه يُعَذَّبُ عذابا شديدا؟ يُعَذَّبُون عذابًا ليس له نهاية،   لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا .   

 

يوم عاشوراء

 هو يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه ، وأغرق فرعون وقومه .  وهو في اليوم العاشر من شهر محرم لحديث عَبْد اللّهِ بْن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قال : حِينَ صَامَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ: إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : «فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، إِنْ شَاءَ اللّهُ، صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ ». قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، حَتَّىٰ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللّهِ . رواه مسلم 

ويتأكد صيام يوم عاشوراء ؛ لحديث ابن عباس – رضي الله عنهما- قال: ( ما رأيت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يتحرى صيام يوم فضَّله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء، وهذا الشهر يعني شهر رمضان ) رواه البخاري ومسلم

ولصيام هذا اليوم المبارك فضل عظيم كما في حديث أبي قتادة – رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- (صيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يُكفّر السنة التي قبله ) رواه أحمد ومسلم  . وصيام هذا اليوم سنة مؤكدة وليس واجباً ؛ لحديث عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: ( إن عاشوراء يوم من أيام الله ، فمن شاء صامه ومن شاء تركه ) رواه مسلم   وعن عائشةَ رضيَ اللّهُ عنها قالت:( كان عاشوراءُ يوماً تَصومهُ قريش في الجاهلية، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يصومه. فلما قدِمَ المدينةَ صَامَهُ وأمرَ بصيامه، فلما نزلَ رمضانُ كان مَن شاءَ صامه، ومن شاء لا يَصومُه ) رواه البخاري  ، وسبب صيام هذا اليوم المبارك ما جاء في حديث ابن عباس – رضي الله عنهما- قال: قدم النبي – صلى الله عليه وسلم- المدينة، فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ( ما هذا ) ؟ قالوا: هذا يوم صالح ، هذا يوم نجا الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى ، قال: ( فأنا أحق بموسى منكم ، فصامه وأمر بصيامه ) رواه البخاري 

 

 

 

 

مصير  الدنيا إلى الزوال والآخرة دار القرار

هذه الدنيا مهما طالت فهي إلى زوال ، فما من أول إلا وله آخر ، والليل مها طال فلا بد من طلوع الفجر  والعمر مهما طال فلا بد من دخول القبر وإن لنا موعداً آت لا محالة ، وسنوارى التراب حالنا حال من سبقنا ولقد صدق القائل : 

أتيت القبور فناديتها    فأيـن المعـظَّم والمحتقر

وأين المذِّل بسلطانه   وأين العظيم إذا ما افتخر

تنادوا جميعاً فلا مخبرٌ    وماتوا جميعاً وأضحوا عبر

ألا ترون هذه القبور ؟ ألا تذكركم بالآخرة ؟ فكم وكم دُفنت أممٌ وانتهت ؟ السنا ننتظر هذا المصير ؟ وماذا ينتظرنا بعده ؟ هل هو النعيم المقيم أم العذاب الأليم ؟

ولو أنا إذا متنا تُركنا      لكان الموت راحة كل حي

ولكنا إذا متنا بعثنا       ونُسأل بعدها عن كل شيْ

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الدنيا عرَضٌ حاضر يأكلُ منه البَر والفاجر والآخرة وعدٌ صادق   يحكم فيها ملِكٌ عادل ، يحق الحق ويبطل الباطل ، فكونوا أبناء الآخرة  ولا تكونوا أبناء الدنيا ، فإن كلَّ أم يتبعها ولدُها ) . هذه الحياة محدودةٌ فانية  وان ورائَها حياةٌ أخرى ، وأن مصيرها إلى الزوال وأن الآخرة دار القرار ، وأن الحياة ليست هي الغاية والنهاية ، بل هي وسيلة الآخرة وسبيلها ومزرعتها ، فمن زرع في الدنيا خيراً حصد في الآخرة خيراً وكان من أهل النعيم المقيم ، الذي لا يحيط به الوصف   لأن وصفه لا يخطر على بال ، روى البخاري أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  قال فيما يرويه عن ربه  : ( أعددت لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأت ، ولا أذنٌ سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ) من صنوف الإنعام والتكريم ، أما أهل النار الذين يقاسون فيها العذاب الأليم ، الذي صوره الله في مشهد من مشاهد القيامة يتجلى فيه الهوان في مصيرٍ مفجع ، صوره الله لنا في قوله تعالى : ﴿ هذان خصمان اختصموا في ربهم   فالذين كفروا قُطِّعت لهم ثياب من نار يُصبُّ من فوق رؤسهم الحميم ، يصْهَرُ به ما في بطونهم والجلود  ولهم مقامعُ من حديد  كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غمٍّ أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق ﴾ الحج 19 . هذا هو حال المؤمنين والكافرين فهل يعتبروا ويتعظوا من أرهب الموت قلوبهم وأفزع نفوسهم فحسبوا حسابه قبل نزوله ، واستعدوا له قبل حلوله .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

قيام الدين على أمرين

إن الشريعة الإسلامية والشرائع التي سبقت تقوم على أمرين هما كما قال تعالى في سورة الشورى :  )أن أقيموا الدين ولا تتفرقو ( بدعم المسلمين لقواعده والقيام بتكاليفه وأن لا ينحرفوا عنه ويقفوا تحت رايته صفاً واحدا  ، ثم نهى عن التفرق لأن الأعداء متربصون به وبه ضائقون ومنه نافرون وله كائدون ، كلمتان ما أيسر النطق بهما وما أصعب الحفاظ عليهما ، نحن جميعاً نؤمن بجملة العقائد المطلوبة منا  ومع ذلك نهمل الكثير من المتفق عليه  ونهتم بالقليل من المختلف فيه للتفاوت في الفهم او التعبير في قضية من قضايا الاختلاف ، مما يجعل الأمة أحزاباً متباغضة وأقساماً متنافرة وهذا يذكرني بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما ضل قومٌ بعد هدي كانوا عليه إلا أوتوا الجدل ) وهنا سؤال : هل المولعون بقضايا الاختلاف مخلصون للقضايا المتفق عليها ؟ ولماذا ننسى القواعد التي تجمعنا ونسلك الدروب التي تفرقنا ؟ إننا أمة هي خمس العالم من حيث التعداد ، تبحث عنها في حقول المعرفة  وساحات الإنتاج فلا تجدها ، بماذا شغلت نفسها ؟ بقضايا جزئية محقورة ، وانقسامات ظاهرها الدين وباطنها الهوى ، إن أهل القرآن خانوه واتخذوه مهجورا ، في الوقت الذي انسوا فيه بباطل من القول وسخف من الجدل ، وغرقوا في غيبوبة من المباحث ما عرفها السلف الأول ، ولو عرفها ما أفلح أبدا ، ولا افتتح بلدا ولا أنشا حضارة .

ونحن نتنازع هل حديث التوسل صحيح أم ضعيف ؟ وهل كرامات الأولياء حق أم باطل ، في الوقت الذي كشف الغرب عن كنوز المعادن في بلادنا ، وقاموا بتصنيع النفط ونقله إلى بلادهم وأعطونا ثمنه ، فماذا صنعنا بهذا الثمن ؟ لقد ذهب اقله في خيرنا وأكثره في ضرنا ، وما الذي أوصلنا إلى هذا الحال ؟ فأصبحنا نأخذ ولا نعطي ، وأصبح البعد بيننا وبين كتاب ربنا بعد المشرقين ، وما سرّ المحنة التي نعيش ؟ إنه لن يصلح لنا مستقبل إلا إذا عرفنا أسباب تخلفنا ، عندما نسمع عن الأسلحة الحديثة نشعر بهول ما بلغه القوم من القوة ، صواريخ أرض أرض وأرض جو وجو أرض وجو جو ، وهذه طائرات قاذفة وتلك مقاتلة وهذه وهذه ، ما أروع ما أعد هؤلاء لنصرة معتقداتهم وقيمهم ؟ فهل أعد المسلمون شيئاً من هذا ؟ كلا اللهم إلا ما نشتريه منهم فيبيعون لنا ما يستغنون عنه ، فهل هناك فشل يعدل هذ الفشل  وبماذا شُغلنا عن مثل هذا الإنتاج ؟ أتدرون بماذا ؟ بالجدل فيما لا داعي في الخوض فيه في أمور نعلم علم اليقين بأن وجهات النظر كلها مأجورة من الله ، وبالانصراف عن شئون الدنيا انصراف بلادة وغباء ، وليس تجرداً لتقوى ولا ترفعاً عن شهوة ، ينظرون إلى التقدم الحضاري بعيونٍ ناعسة ، وينظر العالم إليهم نظرة استهانة يتحرك كل ذي دين لنصرة دينه ، وبطالب المسلمون وحدهم بنسيان دينهم ، وعدم التجمع على شعائره أو شرائعه   اللهم إلا في بعض الجوانب ، فقد يستغرق شرح الصلاة شهرا   وقد يطول الحديث في الوضوء والغسل ، لماذا يغوص غيرنا في الماء   ويسبح في الفضاء ونحن ننظر مشدوهين ، أليس غريباً أن تكلف امة ببناء إيمانها عل دراسة الكون ، ومع ذلك تحيا محجوبة عن الكون ونواميسه وأسراره ، أهذه هي استجابتها لقول الله ) ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك (  الغرب سيّر الأقمار الصناعية وأرسل المركبات الفضائية ليتزود بالمعرفة ، ونحن نتودد له مشترين من أسواقه أو مستعيرين من أسلحته ما نحتاج إلي تعلمه منه قبل أن نحسن استخدامه ، إنها من عجائب الدنيا أمة لديها كتاب الله ولا تحسن صحبته ، ولا تتعرّف منه على حقوق الله وحقوق الناس ، يجود عليها هذا بآلة وذاك برغيف ، أو يمتن هذا عليها بدواء تعالج به عللها ، أو سلاح ترد العادين عليها ، أما إعدادها لدينها ودنياها فصفر . إن من واجبنا أن نعرف أن القضية ليست في انتصار مذهب على مذهب ، إنما هي في حماية الإسلام من عداوات لم يخمد الزمان نارها ، عداوات أهل الكتاب من جانب ، والملاحدة والوثنيين من جانب آخر ، وقد امتلكوا من وسائل الإعلام ومن حظوظ المعرفة المادية ما جرأهم علينا، وأعانهم على ذلك أخطاؤنا   وما أكثرها  وتهاوننا وما سواه .        

أثر غياب التقوى  

إذا غابت التقوى ظهر الفساد وفلت الموارد وغلت الأسعار وقلت البركة وقل  الحياء وتوارت الفضيلة ، ويتسلط على الأمة من يحتل أرضنا.

نرى في شوارعنا وفى مؤسساتنا المنكرات واضحة والمنكرات مشاهدة فقد فسدت أخلاق كثير من الناس ، فانتشر في حياتهم الغش والخداع والكذب والنفاق ، وضاعت الأمانة أو  كادت ، فتسلط علينا الأعداء ، الذين يحتلون بلادنا ، وينهبون ثرواتنا ، وهذه سنة من سنن  الكون ، أن غياب التقوى يؤدى إلى كل ما سبق . فما هي أهمية التقوى؟

سأل عمر بن الخطاب أبي بن كعب عن التقوى معناها ومفهومها فقال يا أمير  المؤمنين لو سلكت طريقا ذا شوك ماذا تصنع فقال عمر أشمر واجتهد لتوقى الشوك ، فقال أُبيّ : هذه هي التقوى . والسؤال : أشمر من ماذا ؟

وماذا أخاف على نفسي لأشمر ؟ (شهوات  - شبهات  - فتن – موبقات

خل الذنوب  صغيرها وكبيرها            ذاك  التقى

واصنع  كماشي  فوق ارض     الشوك يحذر ما يرى

لا تحقرن صغيره                إن الجبال من  الحصى

ويقول على بن أبى طالب التقوى هي : الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والقناعة  بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل ،  الخوف من الجليل : ﴿ ويحذركم  الله  نفسه ﴾  أل عمران 28، والعمل بالتنزيل  - قرآن وسنة -  فالتقوى إذن هي أن تجعل بينك وبين ما تخافه وقاية  ، قال طلق بن حبيب :  التقوى هي العمل بطاعة الله ، على نور من الله  ترجو  ثواب الله ، وترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله .  وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها).

وقال أحدهم : ألا يفقدك الله حيث أمرك ولا يجدك حيث نهاك.

وهذا على بن أبى طالب يقبض على لحيته قائلا : يا دنيا غري غيري إلى تزينت أم إلى تشوفت طلقتك ثلاثا لا رجعة فيهن فزادك قليل وعمرك قصير. وهذا هارون الرشيد قال له رجل : يا أمير المؤمنين  اتق الله ،فنزل من مركبه وسجد على الأرض وسئل عن ذلك فقال تذكرت قوله تعالى : ﴿ وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد ﴾ البقرة  206 . بعض الناس لو قلت له اتق الله احمرت عيناه وانتفخت أوداجه غضبا ، : ﴿ يا أيها الذين امنوا اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ﴾  الآية ، فتقوى الله إذن ، كما قال ابن مسعود : أن يطاع فلا يعصى ويشكر فلا يكفر ويذكر فلا ينسى  ،  أما ثمرات التقوى ، فهي تكفير السيئات : ﴿ ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا ﴾ الطلاق 2            ومحبة الله : ﴿ إن الله يحب المتقين ﴾  والرزق : ﴿ ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ﴾  الطلاق ، ومعية الله : ﴿ إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون﴾ النحل وقبول العمل الصالح  : ﴿ إنما يتقبل الله من المتقين﴾  المائدة 27 ، وحسن العاقبة في الدارين : ﴿ فاصبر إن العاقبة  للمتقين ﴾ هود 49 ، قال  الشافعي :

تزود من التقوى فإنك لا تدرى       إذا جن ليل هل تعيش إلى الفجر

فكم من فتى أمسى وأصبح ضاحكا   وقد نسجت أكفانه وهو لا يدرى

وكم من صغار يرتجى طول عمرهم     وقد دخلت أجسادهم ظلمة القبر

  وكم من صحيح مات من غير علة وكم من سقيم عاش حينا من الدهر

وكم من عروس زينوها لزوجها          وقد قبضت أرواحهم ليلة القدر

 

أحكام الجنائز

كثيرٌ من الناس يجهل الأحكام المتعلقة بالجنائز ، حسب هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم  لذا أحببت أن أوجز هذه الأحكام  بدأً من المرض وحتى التعزية  

ماذا يجب على المريض ؟ يجب عليه أن يرضى بقضاء الله ، ويصبر على قدره ويحسن الظن بربه ، وذلك خيراً له . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (عجباً لأمر المؤمن ، إن أمره كله خير ، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن ، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له) رواه مسلم . ولا يجوز للمريض أن يتمنى الموت ، مهما اشتد مرضه  لحديث أم الفضل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليهم وعباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتكي ، فتمنى عباس الموت ، فقال له عليه السلام : ( يا عم لا تتمن الموت  فإنك إن كنت محسناً  فأن تؤخر تزداد إحساناً إلى إحسانك خيرٌ لك ، وإن كنت مسيئاً فأن تؤخر فتسعتب من إساءتك خبرٌ لك  فلا تتمن الموت ) أحرجه الحاكم ، وإن كان عليه حقوق . فليؤدها إلى أصحابها ، إن تيسَّر له  وإلا أوصى بذلك . لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من كانت عنده مظلمة ، لأخيه من عرضه أو ماله ، فليؤدها إليه  قبل أن يأتي يوم القيامة لا يقبل فيه دينار ولا درهم ، إن كان له عملٌ صالح أُخذ منه ، وأعطي صاحبه ، وإن لم يكن له عملٌ صالح ، أخذ من سيئات صاحبه فحملت عليه ) أخرجه البخاري .

 وإن كان ينوي السداد ، فالحكم يختلف . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الدين دينان ، فمن مات وهو ينوي قضاءه فأنا وليه ، ومن مات وهو لا ينوي قضاءه ، فذاك الذي يؤخذ من حسناته ، ليس يومئذٍ دينارٌ ولا درهم )  ولا بد من الاستعجال بالوصية ، يوصي لأقربائه الذين لا يرثون  ولا وصية في أكثر من الثلث ، ويحرم الإضرار في الوصية  وأن يشهد على ذلك رجلين عدلين ، ويوصي بان يجهز  ويدفن على السنة ، فقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصون بذلك . وإذا حضر المريض الموت ، فعلى من عنده ، أن يلقنوه الشهادة لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لقنوا موتاكم لا إله إلا الله ) كما عليهم أن يدعوا له ، ولا يقولوا في حضوره إلا خيرا ، أما قراءة القرآن ، وبالتحديد سورة يس عند الميت ، فلم يصح فيه حديث . أما بعد الموت . فعليهم أن يدفنوه ، في البلد الذي مات فيه  ولا ينقلوه إلى غيره ، لأن ذلك يتنافى مع التعجيل بتجهيزه ودفنه . لحديث أبي هريرة مرفوعاً  (أسرعوا بالجنازة ، فان تك صالحة فخيرٌ تقدمونها عليه  وإن تك غير ذلك فشرٌّ تضعونه عن رقابكم ) أخرجه الشيخان . وعليهم قضاء دينه من ماله ، ولو أتى عليه كله . فإن لم يكن له مال ، فذلك على الدولة ، ويمكن أن يبادر أي مسلم لقضاء الدين ، وان القضاء يرفع العذاب عنه  ويحرم على أقارب الميت النياحة ، بخلاف البكاء فإنه جائز ، ويستحب للمخبر عن الميت ، أن يطلب من الناس أن يستغفروا له . ومن علامات حسن الخاتمة ، النطق بالشهادتين عند الموت ، لقوله عليه السلام : ( من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة ) أخرجه الحاكم . ومنها رشح الجبين ، لقوله عليه السلام : ( موت المؤمن بعرق الجبين ) أخرجه أحمد والنسائي . ومنها الموت ليلة الجمعة  لحديث ( ما من مسلم يموت يوم الجمعة ، أو ليلة الجمعة ، إلا وقاه الله فتنة القبر ) أخرجه أحمد . ومنها الشهادة أو الموت بداء أو غرق أو هدم أو نفاس بالنسبة للمرأة ، أو الحرق أو المرابطة في سبيل الله .

أما الغسل . فإنه يتولى ذلك ، من كان أعرف بسنة الغسل  ولا يجوز إدخال القطن ، في دبر الميت وحلقه وأنفه ، ولا يجوز الجهر ، بالذكر أثناء الغسل ، ولمن يتولى الغسل أجرين ، بشرط أن يستر عليه ، ولا يحدث بما قد يرى  وأن يبتغي بدلك وجه الله تعالى ، ثم يكفن ، وتكاليف الكفن من مال الميت ، ويستحب في الكفن البياض . ومن حق الميت على المسلمين . حمل الجنازة وإتباعها  للحديث الذي رواه البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال :  ( حق المسلم على المسلم خمس : رد السلام ، وعيادة المريض ، وإتباع الجنائز ، وإجابة الدعوة ، وتشميت العاطس ) . وإتباع الجنازة ، من عند أهلها  حتى الصلاة عليها ، وحتى يُفْرغ من دفنها ، فيه ثوابٌ عظيم . لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من شهد الجنازة -من بيتها - وفي رواية : من اتبع جنازة مسلم إيماناً واحتسابا ، حتى يصلي عليها فله قيراط ، ومن شهدها حتى تدفن ، وفي رواية : يفرغ منها فله قيراطان - من الأجر - قيل : يا رسول الله وما القيراطان ؟ قال : مثل الجبلين العظيمين  وفي الرواية الأخرى : كل قيراط مثل أحد ) أخرجه البخاري . ولا يجوز رفع الصوت بالذكر ، خلف الجنازة ، أو قراءة القرآن ، أو القول الله أكبر أو اذكروا الله .

أما الصلاة على الجنازة ، فهي فرض كفاية ، وإذا اجتمعت جنائز عديدة ، من الرجال والنساء ، صُلِيَ عليها صلاةً واحدة ، وجعلت الذكور مما يلي الإمام ، والإناث مما يلي القبلة . ولا تجوز الصلاة عليها ، ودفنها في أوقات الكراهة ، إلا للضرورة لما روى مسلم أن رسول اللـه صلى الله عليه وسلم قال : ( ثلاث ساعاتٍ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن  أو أن نقبر فيهن موتانا : حين تطلع الشمس بازغةً حتى ترتفع ، وحين يقوم قائم الظهرة حتى تميل الشمس  وحين تضَيَّف الشمس للغروب حتى تغرب ) أخرجه مسلم .

ويسن للذي يضع الميت في لحده ، أن يقول : بسم الله  وبالله ، وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم . ويسن أن لا يلقن الميت ، إلا كما فعل عليه السلام  فقد كان يقف على القبر ، يدعوا له بالتثبيت ، ويستغفر له  ويأمر الحاضرين بذلك . ومن السنة أن يصنع الأقرباء والجيران ، لأهل الميت طعاما ، وتشرع التعزية ، بما تيسر من الكلام ، الذي يحمل على الرضا والصبر ، أو بما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن لله ما أخذ ، ولله ما أعطى ، وكل شيء عنده إلى أجل مسمى  فلتصبر ولتحتسب ) ولا تحد التعزية بثلاثة أيام ، فقد ثبت أنه عليه السلام عزّى بعد الثلاثة .  وتشرع زيارة القبور ، للنساء والرجال للاتعاظ بها  وتذكِّر الآخرة . ولا يشرع وضع الورود والرياحين على القبور  وأما وضع جريد النخل ، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه خاص به صلى الله عليه وسلم بدليل أنه لم يجر العمل به عند السلف . ولا يجوز الذبح عند القبور ، أو البناء عليها ، أو رفعها وطليها بالكلس ، أو الكتابة والقعود عليها . فقد نهى رسول الله : ( أن يجصص القبر ، وأن يقعد عليه ، وأن يبنى عليه . وزاد البيهقي . أو يزاد عليه  وزاد النسائي  أو يكتب عليه )  .      

 

 

 

 

آداب عيادة المريض والتعزية

  إنَّه لا شيء يسعد المريض وهو في مرضه كأن يزوره أخوه في الإسلام  هذه الزيارة بلسمٌ للمريض ، فقد يعين المسلم أخاه على مرضه بزيارته ، وقد يُعجِّل شفائه بزيارته قد يرفع معنوياته بزيارته ، وهذه سنة النبي عليه الصلاة والسلام ، لا تقل لا يوجد عندي وقت  هذا واجبٌ عليك تجاه أخيك ، هذا حقُّ أخيك عليك أن تعوده إذا مرض   قال صلى الله عليه وسلم : ( من عاد مريضاً فكأنما يخوض في الرحمة خوضاً ) . وجاء في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم الأمر بعيادة المريض عن البراءِ بن عازب رضي الله عنهما ( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيادة المريض ، واتباع الجنازة  وتشميت العاطس ، وإبرارِ القسم  ونصرة المظلوم ، وإجابة الداعي ، وإفشاء السلام ) .  وروى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( حقُّ المسلم على المسلم خمس ، رد السلام  وعيادة المريض ، واتباع الجنائز  وإجابة الدعوة، وتشميتُ العاطس ) . ومن السنة المسارعة إلى عيادة المريض لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا استعان بك أعنته ، وإن استنصرك نصرته ، وإن استقرضك أقرضّته ، وإن مرض عُدّته ، وإن مات شيَّعته، وإن أصابه خيرٌ هنّأته ، وإن أصابته مصيبةً عزّيته ، وإذا اشتريت فاكهةً أهديته ، وإذا لم تفعل فأدخلها سراً   ولا يخرج بها ولدك ليغيظ ولده، ولا تؤذه بقتار قدرك إلا أن تغرف له منها ) .

ويكون تخفيف العيادة أو إطالتها على حسب حال المريض جاء في الحديث : ( العيادة فُواقُ ناقة ) . أي مقدار حلب ناقة ، أي عشرة دقائق أقصى شيء ، وهذا عندما تكون هناك ظروفاً صعبة ، أما إذا كان مرتاحاً فاقعد معه . ومن آداب زيارة المريض الدعاء للمريض عند الدخول عليه . لما روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يعودُ بعض أهله ، يمسح بيده اليمنى ويقول : ( أذهب البأس ربَّ الناس ، إشف أنت الشافي، لا شِفاء إلا شِفاؤك ، شفاءاً لا يُغادرُ سقماً ) . وروى أبو داوود والترمذي والحاكم عن ابن عباّس رضي الله عنهما عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال : ( من عاد مريضاً لم يحضُره أجله  فقال عنده سبع مرّاتٍ : أسأل الله العظيم ربَّ العرشَ العظيم أن يشفيك ، إلا عافاه الله من هذا المرض ) .  ومن السنّة  ما روى مسلم عن أبي عبد الله عثمان أنّه اشتكى إلى النبيّ الكريم وجعاً يجدُه في جسده فقال صلى الله عليه وسلم : ( ضع يدك على الذي يؤلمُك من جسدك وقل ثلاثاً : بسم الله . وقل سبع مرّات أعوذ بعزَّة الله وقدرته من شرِّ ما أجد وأُحاذر ) . فهذا إيمان بالله عزَّ وجلَّ ، ضع يدك مكان الألم وتوجّه إلى الله بالشفاء منه فهو الشافي  وبالطبع هذا لا يُغني عن سؤال الطبيب وأخذ الدواء ، والأدب الآخر من آداب عيادة المريض .. أن تسأل أهل المريض عن حاله . روى البخاري عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما أنَّ عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه خرج من عند رسول الله في وجعه الذي توُفي فيه فقال الناس : يا أبا الحسن .. كيف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ؟ قال : أصبح بحمد الله بارئاً ومن السنة سؤال أهل المريض  وأن تدعو له   وأن تضع يدك على جبينه . وأن تقعد عند رأسه ، روى البخاري عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما قال : ( كان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا عاد المريض جلس عند رأسه   ثم قال سبع مرّات : أسأل الله العظيم ربَّ العرش العظيم أن يشفيك . فإن كان في أجله تأخير عُوفي من وجعه ) . يقولها سبع مرّات  والمريض في الأعمِّ الأغلب أقرب إلى الله من الزائر، فقل له : أطلب منك الدعاء .  روى ابن ماجة عن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه قال : قال صلى الله عليه وسلم : ( إذا دخلت على مريضٍ فمره فاليدعو لك ، فإنَّ دعاءه كدعاء الملائكة ) . قل له : ادعُ لنا . فكذلك فيها رفع للمعنويّات ، الدعاء منك ، وأنت ينبغي أن تدعو لنا  فأنت أقرب إلى الله منّا ، وإذا كان المريض في حالة الاحتضار فيجب تذكيره بلا إله إلا الله . روى الإمام مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنّه قال قال عليه الصلاة والسلام : ( لقِّنوا موتاكم لا إله إلا الله - محمد رسول الله ) .

آداب التعزية

 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما من مؤمنٍ يُعزِّي أخاه بمصيبته   إلا كساه الله عزَّ وجلَّ من حُلَلِ الكرامة ) وروى الترمذي عن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من عزَّى مصاباً فله مثل أجره ) . وينبغي أن تكون التعزيةُ لجميع أهل الميت وأقاربه الكبار والصغار، والرجال والنساء  ومن السنة إذا دخل أحد إلى بيت للتعزية فليقل : أين أولاد المرحوم  وأين أخواته وليعزيهم . ومن السنة التعزية إلى ثلاثة أيّام ، إلا إذا كان المعزّي أو المُعَزَّى غائباً فلا بأس بالتعزية بعد ثلاث . وأن تكون التعزية باللفظ المأثور إن أمكن . جاء في البخاري ومسلم عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال أرسلت إحدى بنات النبيّ الكريم صلى الله عليه وسلم إليه تدعوه أنّ صبياً لها في الموت . فقال لمن أرسلته : ارجع إليها فأخبرها أنَّ لله ما أخذ ولهِ ما أعطى  وكلُّ شيءٍ عنده بأجلٍ مُسمّى ، مُرها فلتصبر ولتحتسب .أعظم الله أجرك   وأحسن عزاءك ، وغفر لميِّتك . هذا التعبير النبوي المسنون . خلاف المعتاد هذه الأيام : عظَّم الله أجرك . ومن السنة : استحباب صنع الطعام لأهلِّ الميّت . وهذا عكس ما يفعله الناس الآن ، والصحيح  ألا يستجيب الناس لدعوة فيها طعام صنعه أهل الميِّت ، لأن السنة أن يصنع لهم الطعام لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( اصنعوا لآل جعفر طعاماً فإنه قد أتاهم أمرٌ يشغلهم ). واتفق الأئمّة على كراهة صنع أهل الميت الطعام لحديث جرير قال : كنا نعدُّ الاجتماع إلى أهل الميت وصنيعةَ الطعام بعد دفنه من النياحة . معنى ذلك إذا أحضر أهل الميت طعاماً إلى المعزين فهذه من النياحة التي حرمها النبي عليه الصلاة والسلام .قال وعلى المعزّي أن يرفض أية ضيافةٍ تقدَّم إليه لكونها تتنافى مع الهدي النبوي .. طبّقوا السنة ولا تقول عيب الناس يتكلمون علينا ، كلام الناس تحت قدمك طبّق السنة وانصر دين الله عزَّ وجلَّ . وكذلك من السنَّة أيضاً إظهار التأسّي لمن يواسيهم ويُعزِّيهم .. وإذا كنت في تعزية فكن أديباً ، وأول شيء يجب عليك فعله أن تصمت . يقول سيِّدنا سعد رضي الله عنه : ثلاثةُ أنا فيهنَّ رجل من هذه الثلاثة : وما سرت في جنازةٍ فحدّثت نفسي بغير ما تقول حتى أنصرف منها . فما معنى ذلك ؟ معنى ذلك أنَّ هذه الجنازة.. تقول : يا أهلي يا ولدي ، لا تلعبنَّ بكم الدنيا كما لعبت بي ، جمعت المال مما حلَّ وحرم فأنفقته في حلِّه وفي غير حلِّه ، فالهناء لكم والتبعة علي . ومن السنة إذا رأيت بالتعزية منكرات أن تُنبِّه إليها . فإذا كان معك كلمة حق وفيها شفاء ودواء وفيها موعظة ، قلها ولا تسكت  .  روي أن رجلاً قال للخليفة الذي جاء بعد عمر بن عبد العزيز وهو يزيد فقال له : جدّك قطعني أرضاً وعمر بن عبد العزيز رحمه الله أخذها منّي . فقال له : عجباً لك الذي أقطعك الأرض لم تترحَّم عليه ، والذي نزعها منك تترحَّم عليه ! لأنَّ عمر كان معه الحق في ذلك فنـزعها منه .. وهو قد ترحَّم عليه . ومن أعطاها له لم يترحم عليه .. فالإنسان إذا تكلَّم بالحق فالله يرفع شأنه ويُعِزُّه .

 

 

 

 

 

مفهوم الإيمان

حتى ندرك معنى الإيمان ، لا بد من معرفة معنى الإسلام الذي هو الانقياد لأوامر الله تعالى من الشهادة ، والصلاة والزكاة والصوم والحج  أما معنى الإيمان: فهو الإقرار باللسان والتصديق القلبي بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره . هناك فرقٌ بين الإسلام والإيمان ، إذ الإسلام حكم على ظاهر الأعمال والأقوال ، من حيث الانقياد لأوامر الله تعالى ، بإتيان الأركان الخمسة . أما الإيمان فإنه حكمٌ على بواطن الأعمال ، من حيث المشاعر القلبية ، بالموافقة لما دعا الشارع إلى الإيمان به .  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الإسلام علانية والإيمان في القلب  التقوى في القلب ، وأشار بيده إلى صدره ) رواه أحمد والنسائي . فليس الإيمان مجرد إعلان المرء بلسانه أنه مؤمن ، فما أكثر المنافقين الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ، وليس هو مجرد قيام الإنسان بأعمال وشعائر أُعتيد أن يقوم بها فما أكثر من يتظاهرون بالصالحات وشعائر التعبد وقلوبهم خراب من الخير والإخلاص لله .

إن المؤمن هو الذي تعلَّق قلبه بالله ، دائم الذكر له في جميع أحواله ، مراقب لعظمته ، لا يتجرأُ على معصيته  وما عصى من عصى إلا بسبب غفلته وغياب الإيمان عن قلبه .  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن  ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ) رواه  البخاري ومسلم . فحين يشرب الحمر أو يزني ، تكون عنده لحظة غفلة ، إنه يستحضر المعصية فقط بشهوتها ، وغافلٌ عن عقابها ، أما لو استحضر العقوبة أمام المعصية ، فإنه لن يرضى أن يرتكبها . وحتى ينجو المؤمن من الوقوع في المعصية ، عليه أن يداوم على الذكر ، لأن الذكر عنصرٌ أساسيٌ في تكوين إيمان المؤمن  فإذا غفل عنه غاب الإيمان ، وفي غيابه يقع الإنسان في المعاصي من أجل ذلك حث الإسلام على ذكر الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما جلس قوم يذكرون الله تعالى إلا ناداهم منادٍ من السماء : قوموا مغفوراً لكم ) رواه أحمد . والمؤمن يخاف من الله ، ويبكي من خشية الله  كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( عينان لا تمسهما النار : عينٌ بكت من خشية الله ، وعينٌ باتت تحرس في سبيل الله ) رواه الترمذي. والمؤمن يحب الله ورسوله ، أكثر من حبه لأهله وماله وولده قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( والله لا يكون أحدكم مؤمناً  حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده) المستدرك  ، وهذا ما انعكس أثره على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا التاريخ أن سيدنا أبا بكر ، كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في معركة بدر ، وابنه كان ما يزال مع الكفار ، يقول ابن أبي بكر : يا أبي لقد رأيتك في المعركة  فلويت وجهي عنك  فيقول أبو بكر : والله لو رأيتك لقتلتك . لماذا ؟ لأن أمام بكرٍ عقيدة حق ، أعزُّ عليه من ابنه ، ومن كمال الإيمان أن يحب المرء للناس   ما يحبه لنفسه من الخير ، ويكره لهم ما يكرهه لنفسه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : ( أفضل الإيمان أن تُحب لله ، وتُعْمِلُ لسانك في ذكر الله  وأن تحب للناس ما تحب لنفسك ، وتكره لهم ما تكره لنفسك ، وأن تقول خيراً أو تصمت ) الطبراني في الكبير . إن الإيمان لا يكفي فيه الاعتقاد ، ولا يكفي فيه الادعاء بالأقوال ، بل لا بد من العمل فقد روى الطبراني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قـال : ( الإيمان معرفةٌ بالقلب وقولٌ باللسان وعملٌ بالأركان ) وإن الانشراح للأعمال الصالحة علامةٌ على إيمان المؤمن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا سرتك حسنتك ، وساءتك سيئتك فأنت مؤمن ) رواه أحمد وابن حبان في صحيحه .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مراحل التمحيص من الذنوب

تكون في دار الدنيا بأربعة أشياء : التوبة النصوح العامة الشاملة الصادقة والاستغفار المصحوب بمفارقة الذنب والندم عليه  وعمل الحسنات الماحية  والمصائب المكفِّرة  فإن محصت الإنسان  هذه الأربعة وخلصته  كان من الذين تتوفاهم الملائكة طيبين  يبشرونهم بالجنة ، وكان من الذين تتنـزل عليهم الملائكة عند الموت ، أن لا تخافوا ولا تحزنوا ، وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون .

فإن بقي شيء مُحِّص في البرزخ بثلاثة أشياء : صلاة أهل الإيمان على جنازته واستغفارهم له وشفاعتهم فيه .

 تمحيصه بفتنة القبر . ما يُهْدي إليه إخوانه المسلمين من هدايا الأعمال ، من الصدقة عنه والحج والصيام عنه . 

فإن لم تف هذه بالتمحيص ، مُحص بين يدي الله في الموقف بأربعة أشياء : أهوال القيامة . وشدّة الموقف . وشفاعة الشفعاء وعفو الله عز وجل . 

فإن لم تف فلا بد من النار لتكون طُهرة له وتمحيصاً لخبثه ، فإذا خرج خبثه وصار خالصاً طيبا ، أُخرج من النار وأُدخل الجنة

 

 

ما معنى الفـتوى

الفتوى : معرفة الحكم الشرعي

إذا رأيت الخلاف بين رجال الدين فاعلم أن القول الفصل هو ما عبّر عنه القرآن  ﴿ إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءَهم العلم بغياً بينهم ﴾ آل عمران 19. والبغي هو طلب الاستعلاء بغير حق ، ومظاهر طلب الاستعلاء بغير حق هو إعطاء الفتاوى التي توافق أمزجة الخلق وتخالف ما أنزله الله ، بحجة أنه يأخذ الدين بروح العصر ويدّعي لنفسه عدم الجمود ، مع أنه من الواجب علينا أن نفهم أن الله إما أن ينـزِّل حكماً محكماً لا رأي فيه لأحد ، وإما أن ينـزل حكماً قابلاً للفهم والاجتهاد ، ولم يجعل الأحكام كلها من لون واحد ، حتى يحترم الإنسان ما وهبه الله له من عقل فيأتي بقضية ويبحثها ويرجح سبباً على سبب ، فإذا رأيت خلاف بين رجال الدين فاعلم أن الفصل في هذا الأمر هو ما عبر الله عنه بقوله : ﴿ بغياً بينهم ﴾. وهذه الكلمة يدخل في نطاقها كل موجبات الخروج عن منهج الله  والرسول صلى الله عليه وسلم أعطانا المناعة ضد الأمراض النفسية الناشئة عن البغي فقـال : ( البر حسن الخلق ، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس ) رواه البخاري . ويحذرنا من ذلك فيقـول صلى الله عليه وسلم : ( البر ما سكنت إليه النفس واطمأن إليه القلب ، والإثم ما لم تسكن إليه النفس ولم يطمئن إليه القلب وإن أفتاك المفتون ) رواه حمد . فما هو الإفتاء الذي يحذرنا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قد يصبح أهل الحق قلة وليس لهم نصيب في إيصال رأيهم إلى الناس  أو أن الذين يملكون الكلمة الإعلامية ليسوا من أصحاب الحق ، لذا أعطانا رسول الله عليه السلام المناعة فأوضح لنا أن المؤمن حَكَمٌ في نفسه   ويحذرنا من الذين يفتون بالبغي ، وأن الإفتاء يحتاجه الناس من الذي يعلم ، ولذلك جاءت كلمة يستفتونك أكثر من مرّة في القرآن ، لأن الذين يطلبون الفتوى هم الذين يحتاجون لتوضيح أمرٍ ما ، لأنهم مشغولون بقضية الإيمان   ولذلك يحذرنا رسول الله من الذين يحاولون إلقاء الفتاوى ، ويحذِّر كل مؤمن أن يستمع لكل فتوى . وقد حرّم الله القول عليه بغير علم قال تعـالى : ﴿ ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون ﴾ النحل 116. تدل الآية على أن الله وحده صاحب التحليل والتحريم ، فإياك أن تحلل شيئاً من عند نفسك ، أو تحرّم شيئاً حسب هواك   والمفتي يخبر عن الله وعن دينه   فإن لم يكن خبره مطابقاً لما شرعه الله كان قائلاً عليه بلا علم . قال ابن عباس : " إن كل من أفتى الناس في كل ما يسألونه عنه لمجنون "   

 

 

 

 

 

قيمة الوقت

الوقت له قيمة عظيمة في الإسلام وهو كالسيف إن لم تقطعه قطعك لأنه يعمل في عمرك ، وإن الفراغ سيف من سيوف الشيطان المسلطة على عنق الزمان ، قال عمر بن عبد العزيز :  إن الليل والنهار يعملان فيك فأعمل فيهما ، يقطعان في عمرك يبليان كل جديد ويقرّبان كلّ بعيد ويقصِّران كل طويل كل يوم ينقضي تقترب من القبر خطوة وينقص من عمرك خطوة لأنك مولود لتموت . فكل يوم ينقض ينقص من عمرك قال الحسن البصري : " يا ابن آدم إنما أنت أيام مجتمعة كلما ذهب يوم ذهب بعضك ". إن هناك مساءلة عن العمر وعن الشباب وعن العلم والمال روى الطبراني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لن تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع ، عن عمره فيما أفناه ، وعن شبابه فيما أبلاه ، وعن ماله من ين اكتسبه وفيما أنفقه  وعن علمه ماذا عمل به ) . وفي هذا ما يدل على حرص الإسلام على كسب الوقت والانتفاع به ، وقد حذر سلفنا من التسويف وقالوا : " سوف جندٌ من جنود إبليس . لا تقل سوف أتوب سوف أعمل وما يدريك أن تعيش إلى أن تعمل ؟ هل ضمنت ذلك ؟ ومن أعطاك عهداً على انك إن خرجت ستعود سالماً ؟ ألا ما أسرع الموت وما اغفل الناس عنه ؟

تزود من التقوى فإنك لا تدري      إذا جن ليل هل تعيـش إلى الفجر

فكم من سليم مات من غير علةٍ     وكم من سقيم عاش حيناً من الدهر

وكم من فتى يصبح ويمسي آمناً      وقد نسجت أكفـانه وهو لا يدري
وكم من عروس زينوها لزوجها      وقد قبـضت روحها ليلة القـدر

وعظ النبي ؟؟ رجلاً فقال : ( اغتنم خمساً قبل خمس  شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك ). لا تضع شبابك في الغفلة والمعصية ، وإن وقعت في المعصية فبادر إلى التوبة ، واستغل صحتك في طاعة الله وعمل الخير قبل أن تُصاب بالأمراض ، واستغلّ بما يعود عليك وعلى أمتك بالخير ، ولا تضيعه في العبث روى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس : الصحة والفراغ  فلا مانع من الترويح والترفيه في حدود الحلال ، بشرط أن نقسِّم وقتنا بين حظوظ أنفسنا وحق ربنا .

الوقت ثمين فاعرف قيمته بدليل أنه إذا مضى فلن يعود قال الحسن البصري :" ما من يومٍ ينشق فجره إلا وينادي يا ابن آدم أنا خلقٌ جديد وعلى عملك شهيد فتزود مني فإني إذا مضيت فلن أعود إلى يوم القيامة " .

 

 

عاقبة الذنوب والمعاصي

إن الذنوب تؤدي إلى ظلمة القلوب ، وإذا أظلم القلب قسا ، وابتعد صاحبه عن الله وكان مصيره الخسران في الدنيا والآخرة . قال الرسول صلى الله عليه وسلم  : ( إن المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه ، فإن تاب ونزع  - أي كف – واستغفر صقل  قلبه ، فإن زاد زادت ، فذلك الرّان الذي ذكره الله في كتابه . كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) رواه أحمد بن ماجة . وقال بعض السلف : المعاصي بريد الكفر كما أن القبلة بريد الجماع ، والغناء بريد الزنا  والنظر بريد العشق ، والمرض بريد الموت .

إذا انتشرت المعاصي في أمة أهلكتها لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إذا ظهر الزنا والربا في قريةٍ ، فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله ) رواه الطبري . وقد تكون سبباً في الحرمان الرزق ورد في الحديث : ( وإن الرجل ليُحرَمُ الرزق بخطيئة يعملها ) رواه ابن ماجة . إن المعاصي تضرّ ، وما من شدَّةٍ نقاسي منها ، وضيقٍ نُعاني منه   إلا سببه الذنوب والمعاصي عن أم سلمة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إذا ظهرت المعاصي في أمتي ، عمهم الله بعذاب من عنده فقلت يا رسول الله أما منهم يومئذٍ ناسٌ صالحون ؟ قال : بلى ، قلت فكيف يُصنَعُ بأولئك ؟ قال : يصيبهم ما أصاب الناس ، ثم يصيرون إلى مغفرةٍ من الله ورضوان ) رواة أحمد .  من الناس من يظن أنه لو فعل ما فعل ثم قال : أستغفر الله ، زال الذنب وراح هذا بهذا ، وقد يقول قائل : أنا افعل ما أفعل ثم أقول سبحان الله مائة مرة فيغفر لي بعد ذلك لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من قال في يومٍ سبحان الله وبحمده مائة مرة ، حطة عنه خطاياه ، ولو كانت مثل زبد البحر ) . ولما جاء في الحديث القدسي عن رب العزة ( أنا عند حسن ظن عبدي بي ، فليظن بي ما شاء ) . متناسين أن حسن الظن بالمغفرة ، إنما يكون مع انعقاد أسباب النجاة ، ولا يتأتي أبداً إحسان الظن بالله مع أسباب الهلاك . لا شك في أن حسن الظن بالله ، أنما يكون مع الإحسان ، فالله يجازي المحسن على إحسانه ، ويقبل توبته ، ولا يخلف الله وعده ، فمن تاب وندم وأقلع ، وبدل السيئة بالحسنة ينفعه حسن الظن بالله . وقد ورد الترغيب في إتيان الحسنات واجتناب الذنوب روى مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن ربه : ( إذا هم عبدي بسيئة ، فلا تكتبوها عليه فإن عملها فاكتبوها سيئة ، وإذا هم بحسنة فلم يعملها فاكتبوها حسنة فإن عملها فاكتبوها عشراً ) . أما المسيء المصر على الكبائر والمخالفات فإنه لا يحسن بربه ، لأنه عاصٍ لله بينما أحسن الناس ظناً بالله أطوعهم له فكيف يدعي الإنسان أنه يحسن الظن بالله وهو شارد عنه ؟ وقد قيل إن المؤمن أحسن الظن بربه ، فأحسن العمل . وقد يقول قائل : إن العصاة والكفرة يتمتعون في الدنيا ، ولهم الغلبة على المسلمين ، فما هو سر ذلك ؟ إننا يمكن أن نلمس الإجابة في حديث الرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه الإمام احمد قال : ( إذا رأيت الله عز وجل يعطي العبد من الدنيا ، على معاصيه ما يحب ، فإنما هو استدراج ثم تلا قوله تعالى : ( فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء ، حتى إذا خرجوا بما أوتوا ، أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون ) الأنعام 44 . وقال بعض السلف : إذا رأيت الله يتابع عليك نعمة ، وأنت مقيمٌ على معاصيه فاحذره فإنما هو استدراج منه يستدرجك به .

 

إن الله يدافع عن المؤمنين

 قال تعالى : ﴿ إن الله يدافع عن الذين أمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور ﴾ الحج 38 . عند قراءة هذه الآية نشعر أن هناك معركة ولا بد أن تكون ومعركة التي يدافع فيها الله بين  حق  أنزله وبين باطل يواجهه معركة ضمن الله فيها للمؤمنين أنه يدافع عنهم و من يدافع الله عنه فإنه ممنوع حتما من عدوه ، ظاهر عليه .. ففيم إذن يكتب عليهم الجهاد ؟ والله قادر على تحقيق العاقبة لهم بلا جهد ولا مشقة ، ولا تضحية ولا ألم ، ولا قتل ولا قتال ؟ إنها حكمة الله والذي ندركه من تلك الحكمة أن الله سبحانه لم يرد أن يكون حملة دعوته وحماتها من الكسالى الذين يجلسون في استرخاء . ليتنزل عليهم نصره سهلا هيناً دون عناء لمجرد أنهم يقيمون الصلاة ويرتلون القرآن ويتوجهون إلى الله بادعاء كلما مسهم الأذى ووقع عليهم الاعتداء ! نعم إنهم يجب أن يقيموا الصلاة وأن يرتلوا القرآن ، وأن يتوجهوا إلى الله بادعاء في السراء و الضراء . ولكن هذه العبادة وحدها لا تؤهلهم لحمل دعوة الله وحمايتها ، إنما هي الزاد الذي يتزوجونه للمعركة . والذخيرة التي يدخرونها وهم يواجهون الباطل بمثل سلاحه ويزيدون عنه بسلاح التقوى والإيمان والاتصال بالله ، لقد شاء الله تعالى أن يجعل دفاعه عن الذين أمنوا يتم عن طريقهم هم أنفسهم والأمة التي تقوم على دعوة الله في حاجة إلى حشد كل قواها وتجمع كل طاقاتها كي تتهيأ لحمل الأمانة . وإن النصر السريع الذي لا يكلف عناء ، والذي يتنزل هينا على القاعدين المستريحين ، سهل فقدانه وضياعه . لأنه رخيص الثمن لم تبذل فيه التضحيات عزيزة فلا بد من إعداد العدة وأخذ الأسباب المؤدية للنصر ، وعندها يكون التأييد وتكون الغلبة للمؤمنين قال تعالى : ﴿ وأن جندنا لهم الغالبون ﴾ ولكن النصر له تكاليفه وأعبائه وشروطه فلا يعطى لأحد جزافا فلا بد من استفتاء أسبابه حتى يتأذن الله به فالله ينصر من ينصر نهجه الذي أراده للناس في الحياة ويعبده حق عبادته ، ويؤدي حق المال الذي رزقه إياه ويدعوا إلى الخير والصلاح ومقامة الشّر والفساد ، عندها يكون الأمر له يصرفه كيف يشاء فيبدِّل الهزيمة نصرا ، والنصر هزيمة قال تعالى : ﴿ ولينصرن الله إن الله لقويٌ عزيز الذين إن مكانهم في الأرض وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور ﴾ الحج 41 .

 

 

 

 

حال أكثر الناس

إذا ما تأملت حال أكثر الناس ، وجدتهم ينظرون في حقهم على الله ، ولا ينظرون في حق الله عليهم ، ومن هنا انقطعوا عن الله ، فلا تكن يا أخي ممن يرجو الآخرة بغير عمل ، ويؤخر التوبة لطول الأمل ، ويقول في الدنيا بقول الزاهدين ، ويعمل فيها بعمل الراغبين ، إن أُعطي من الدنيا لم يشبع ، وإن مُنِع منها لم يقنع ، ينهى الناس وينسى نفسه ، يحب الصالحين ولا يعمل أعمالهم  ويبغض المسيئين وهو منهم  يكره الموت لكثرة ذنوبه ، إن سقم ظل نادما ، وإن صح أمن لاهيا ، يعجب من نفسه إذا عوفي ، ويقنط إذا ابتلي ، تغلبه نفسه على ما يظن ، ولا يغلبها على ما يستيقن ، ولا يقنع من الرزق بما قُسم له  ولا يعمل من العمل بما فرض عليه ، إن استغنى بطر ، وإن افتقر قنِط وحزن   يطلب الزيادة ولا يشكر ، ويتكلف من الناس ما لا يُؤمر ، ويُضِّع من عمره ما هو أكثر  ويبالغ إذا سأل ، ويُقصِّر إذا عمل ، يخشى الموت ولا يبادر إلى التوبة ، ألهته دنياه وغفل عن ذكر خالقه ومولاه ، هذا هو حال أكثر الناس ، نسوا أنفسهم وضيَّعوها   وباعوها بثمن بخس ، اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين . وهذا ما يدعو للعجب ، ممن يسعى لهوان نفسه ، ويزعم أنه لها مكرم ، وكفى به جهلاً أن يكون مع عدوه لنفسه يبلغ منها بفعله ما لا يبلغه منها عدوه مصداقاً لفول القائل :

ما يبلغ الأعداء من جاهلٍ   ما يبلغ الجاهل من نفسه

وإذا أراد الله بعبدٍ خيراً زهد في الدنيا الفانية ، ورغب في الآخرة الباقية  والعاقل هو الذي يعمل مجداً لآخرته  ولا ينسيه نصيبه من الدنيا حظه منها عاملاً بقوله تعالى : ﴿ وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنسى نصيبك من الدنيا ﴾ .  

 

 

 

 

 

 

 

الحيـاء شعبة من الإيمان

إن الحياء من أقوى البواعث على الاتصاف بما هو حسن ، واجتناب ما هو قبيح فإذا تخلق به الإنسان سارع إلى مكارم الأخلاق ، وابتعد عن الرذائل وكان مهذباً في سلوكه فلا يكذب ولا يقع فيما يغضب الله ولا يستبد به الهوى وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم الاستحياء في الحديث الذي رواه الترمذي فقال : ( استحيوا من الله حق الحياء ، قالوا : يا نبي الله إننا لنستحي والحمد لله ، قال : ليس ذلك ، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء : أن تحفظ الرأس وما وعى وتحفظ البطن وما حوى وتذكر الموت والبلى ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء ) . ذكر الحديث الأمور التي يتمثل فيها الحياء الذي يريده الله للناس وبالتحلي بها يبلغ الإنسان نهاية الكمال . وإذا تجرد الإنسان عن الحياء أصبح أهلاً لارتكاب كل منكر وشرّ وكل ظلم وبغي والوقوع في المحظور روى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا تستح لم فاصنع ما شئت ) . وأنشدوا :

إذا لم تخش عاقبـة الليالي      ولم تستحي فافعل ما تشاء

فلا والله ما في العيش خير      ولا الدنيا إذا ذهـب الحياء

يعيش المرء ما استحيا بخير      ويبقى العود ما بقي اللحاء

وقد اعتبر الإسلام الحياء في طليعة الأخلاق روى مالك في الموطأ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن لكل دينا خُلقا وخلق الإسلام الحياء ) .

والتجرد عنه تجرد عن الدين نفسه قال صلى الله عليه وسلم : ( الحياء شعبة من الإيمان ولا إيمان لمن لا حياء له  )  وهو خير ما يتحلى به الإنسان من زينة روى أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ما كان الفحش في شيء إلا شأنه وما كان الحياء في شيء إلا زانه ) . 

 

 

 

 

 الزواج أسرة الغد

الزواج أسرة الغد ومجتمع المستقبل ونقطة البداية في الحياة الزوجية ، حياة  المحبة والتعاون والسكن والمودة إنه علاقة روحية شريفة ، وارتباط جسدي مشروع ، يحفظ الفرج ويصون العرض ، ويحمي من الوقوع في الفواحش ، وفي القرآن ما يشير إلى الشعور بأن كل واحد من الزوج ضروري للآخر ومكمل له قال تعالى : ﴿ هو الذي خلقكم من نفس واحدة و جعل منها زوجها ليسكن إليها  ﴾ الأعراف . و قد صور لنا القرآن ارتباط الغريزة والعاطفة  بين  الزوجين  وأشار إلى أن هذا الارتباط آية من آيات الله ونعمة من نعمه التي لا تحصى قال تعالى : ﴿  ومن آياته  أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا  لتسكنوا إليها و جعل بينكم مودة و رحمة ﴾ الروم 2. فيها ما يشير إلى حياة زوجية مملوءة بالمودة  والرحمة على أساس السكن النفسي ،حتى ينعما بحياة أسرية كريمة ومحبة متبادلة ، وذرية صالحة  

 

 

تزود للآخرة

الحمد لله الذي قهر عباده بالموت ، وأسأله أن يجعل خير أعمالنا خواتيمها ، وخير أيامنا يوم لقائه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من أحب لقاء الله أحب الله لقائه ) .

" سأل عبد الملك بن مروان أبا حازم ، كيف يكون إقبالنا على الله ؟ فقال أبو حازم : يختلف باختلاف العبيد ، فالطائع لمولاه القائم على حدوده يكون إقباله إقبال الطفل على أمه بعد طول غياب بشوق ولهف ، أما المفرِّط في جنب الله العاصي لمولاه ، يكون قدومه كقدوم العبد الآبق على سيده ، يُجَرُّ إليه بالسلاسل " . خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( أيها الناس إن لكم نهايةً فانتهوا إلى نهايتكم ، وإن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم ، وإن المؤمن بين مخافتين : اجلٌ قد مضى لا يدري ما الله صانعٌ فيه ، وأجلٌ قد بقي لا يدري ما الله قاضٍ فيه   فليتزود العبد من نفسه لنفسه ، ومن دنياه لآخرته ، ومن الحياة قبل الموت ، فإن الدنيا خُلقت لكم وأنتم خلقتم للآخرة ، فوالذي نفس محمدٍ بيده ما بعد الموت من مستعتب   ولا بعد الدنيا من دار ، إلا الجنة أو النار ) .

إن المرتحل أو المسافر من بلد إلى بلد بقصد التجارة أو الزيارة ، لا يخرج قبل أن يهيئ الزاد اللازم للسفر ، مخافة أن تنقطع به الأسباب ، فما بالكم برحلةٍ لا أوبة بعدها ، وسفرٍ لا رجوع منه إنها رحلةٌ بحاجة إلى زاد ، فإن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر فتزودوا لها بالأعمال الصالحة وخير الزاد للقادمين على الله التقوى لقوله تعالى : )  وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ( .

ومن وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي ذر : ( يا أبا ذر أحكم السفينة فإن البحر عميق ، وأكثر من الزاد فإن السفر طويل ، وخفف الحمل فإن العقبة كئود ، وأخلص العمل فإن الناقد بصير). فاتقوا الله أيها الأخوة ، وأعدوا أنفسكم للقاء الله إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون .   

 

 

إن الله اشترى

قال تعالى :  ﴿ إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ، يقاتلون في سبيل الله فيَقْتلون ويُقْتَلون وعداًً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن، ومن أوفى بعهده من الله ، فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم  التوبة 111 .

لم أر ترغيباً في الجهاد أحسن ولا أبلغ من هذه الآية   ولعظم درجة المجاهدين في سبيل الله ، تمنى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو خير العباد كلهم ، أن يقتل وهو يجاهد في سبيل الله فقال صلى الله عليه وسلم : ( وددت لو أغزو في سبيل الله حتى أُقتل ، ثم أغزو حتى أُقتل ، ثم أغزو حتى أُقتل ) . وذلك لفضل الجهاد عند الله ، وما أعده الله سبحانه للمجاهدين ، من درجات التكريم والنعيم في الدنيا والآخرة فقال صلى الله عليه وسلم : ( ذروة سنام الإسلام الجهاد لا يناله إلا أفضلكم ) .ومن حمل راية الجهاد في سبيل الله بايع الله ، ومن بايع الله ربح البيع ، لأن الله سبحانه فيها هو المشتري والمؤمن هو البائع ، بيعة لا يبقى بعدها للمؤمن شيءٌ في نفسه ، ولا في ماله يحتجزه دون الله ودون الجهاد في سبيله ، لتكون كلمة الله هي العليا ، ويكون الدين كله لله ، وقد اختار الله المجاهد ليجعله موضع تكريمه وتشريفه ، ويمنحه أعلى درجات البر ، فقد روى الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن فوق كل برٍّ برٌّ حتى يبذل العبد دمه   فإذا فعل ذلك فلا برَ فوق ذلك ) . إنها بيعةٌ باع المؤمن فيها نفسه وماله لله ولقد احسن القائل :

الجود بالمال جودٌ فيه مكرمة   والجود بالنفس أقصى غاية الجود

باع نفسه مقابل ثمن محدد معلوم وهو الجنة  وانعم به من ثمن ، لأنهم باعوا الدنيا واشتروا الآخرة ، قال الحسن البصري : "بايعهم والله فأغلى ثمنهم" .      

والله يحرِّض عباده المؤمنين على أن يسلكوا طريق البذل والتضحية والفداء ، ليكونوا أهلاً لشراء الله أنفسهم وأموالهم بالجنة ونعيمها الدائم قال تعالى :

  ﴿ فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيُقْتل أو يَغْلِبْ   فسوف نؤتيه أجراً عظيما  ﴾ النساء 74   .  ونحن نتحدث المجاهدين فإنهم بالنسبة لنا أكثر من قدوة وأسوة ، وكم هو جميل أن نتحدث عن الجهاد حين يخلصه أصحابه لوجه الله عز وجل وينـزهونه عن الغرض  ويقفونه في سبيل الحق والعدل والخير واليقين .

إن امتنا أراد لها قدرُ الاختبار والابتلاء ، أن تصيبها طعنات خلفت من ورائها جراحات ، ولن تلتئم هذه الجراح ويستعيد جسم الأمة مناعته ، إلا إذا تغذى  بزاده الأصيل ، من أمثلة البطولة ونماذج الجهاد ومواقف الفداء .

ونحن نتحدث عن المجاهدين والشهداء ، فإننا نتحدث عن طائفة عظيمة من أبناء امتنا ، وأبطال من أبطال العقيدة والجهاد ، الذين دانوا للدنيا وأهلها بما ضحوا في سبيل عقيدتهم بأنفسهم ومن أجل تحرير الديار المغتصبة وغسل العار وأخذ الثأر    اثبتوا بما لا يدع مجالاً للشك ، أن أصدق أنواع الجهاد وأزكاها هو ما كان خالصاً لله منبعثاً من نفس مؤمنة واثقةٍ بأن الله لن يتركها ولن يضيّع إيمانها ولن ينسى جهادها ، فيرضى عنها ويهديها قال تعالى :  ﴿ والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين   ﴾ العنكبوت    . 

 

 

إن الله يدافع عن المؤمنين

 قال تعالى: ﴿ إن الله يدافع عن اللذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور﴾ الحج 38 . عند قراءة هذه الآية نشعر أن هناك معركة ، ولا بد أن تكون المعركة التي يدافع الله فيها ، بين حق أنزله وبين باطل يواجهه ، معركة ضمن الله فيها للمؤمنين أنه يدافع عنهم . ومن يدافع الله عنه فهو ممنوع حتما من عدوه ، ظاهر عليه ..ففيم إذن يكتب علبهم الجهاد ؟ والله قادر على تحقيق العاقبة لهم بلا جهد ولا مشقة ، ولا تضحية ولا ألم ، ولا قتل ولا قتال ؟  إنها حكمة الله والذي ندركه من تلك الحكمة ، أن الله سبحانه لم يرد أن يكون حملة دعوته وحماتها من الكسالى الذين يجلسون في استرخاء ، ليتنـزل عليهم نصره سهلا هينا دون عناء  لمجرد أنهم يقيمون الصلاة ويرتلون القرآن ويتوجهون إلى الله بالدعاء ، كلما مسهم الأذى ووقع عليهم الاعتداء ! نعم يجب أن يقيموا الصلاة ، وأن يرتلوا القرآن ، وأن يتوجهوا إلى الله بالدعاء في السراء والضراء . ولكن هذه العبادة وحدها لا تؤهلهم لحمل دعوة الله وحمايتها ، إنما هي الزاد الذي يتزودونه للمعركة . والذخيرة التي  يدّخرونها  وهم يواجهون الباطل بمثل سلاحه ، ويزيدون عنه بسلاح التقوى والإيمان والاتصال بالله . لقد شاء الله تعالى أن يجعل دفاعه عن الذين آمنوا يتم عن طريقهم هم أنفسهم ، والأمة التي تقوم على دعوة الله في حاجة إلى حشد كل قواها   وتجميع كل طاقاتها ، كي تتهيأ لحمل الأمانة . وإن النصر السريع الذي لا يكلف عناء  والذي يتنـزل هينا على القاعدين المستريحين ، سهل فقدانه وضياعه . لأنه رخيص الثمن لم تبذل فيه تضحيات عزيزة . فلا بد من إعداد العدة وأخذ الأسباب المؤدية للنصر ، وعندها يكون التأييد وتكون الغلبة للمؤمنين قال تعالى: ﴿ وإن جندنا لهم الغالبون ﴾  ولكن النصر له تكاليفه وأعبائه وشروطه ، فلا يُعطى لأحدٍ جزافا ، فلا بد من استيفاء أسبابه حتى يتأذن الله به ، فالله ينصر من ينصر نهجه الذي أراده للناس في الحياة   ويعبده حق عبادته ، ويؤدي حق المال الذي رزقه إياه   ويدعو إلى الخير والصلاح ومقاومة الشرّ والفساد ، عندها يكون الأمر لله يصرِّفه كيف يشاء فيبدِّل الهزيمة نصرا ، والنصر هزيمة قال تعالى : ﴿ ولينصرنَّ الله من ينصره إن الله لقويٌ عزيز   الذين إن مكناهم في الأرض وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور  ﴾ الحج 41 .  

 

معنى العبـادة

العبادة هي إطاعة العابد لأمر الله وهي لا تقتصر على إقامة الأركان التعبدية في الدين من الشهادة والصلاة و إيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت بل إن العبادة هي كل حركة جزئية تؤدي إلى إسعاد الناس وعمارة الكون . والأركان التعبدية هي تقسيم اصطلاحي وضعه العلماء في الفقه كباب العبادات والمعاملات والواقع أن كل شيء يأمر به الله اسمه عبادة ، ومن العبادة ما يصل العبد بالمعبود ليأخذ شحنته الإيمانية من الخالق   ومنها ما يتصل بعمارة الكون فعندما يتقبل الإنسان من الله أمرا بعبادة ما فإنما يتلقاها وهو موصول بأسباب الله بحثا عن الرزق وغير ذلك من أمور الحياة ، ومهمة العبادات هي التنبيه والتذكير  لمن نسي الله  أو غفل عن أخراه ، وما يتعبد الله العباد الإبما يصلح أنفسهم ويعود عليهم بالخير .

 

  

 

سنة الـزواج

الزواج أسرة الغد ومجتمع المستقبل ونقطة البداية في الحياة الزوجية ، حياة  المحبة والتعاون والسكن والمودة إنه علاقة روحية شريفة ، وارتباط جسدي مشروع ، يحفظ الفرج ويصون العرض ، ويحمي من الوقوع في الفواحش ، وفي القرآن ما يشير إلى الشعور بأن كل كل واحد من الزوج ضروري للآخر ومكمل له قال تعالى : ) هو الذي خلقكم من نفس واحدة و جعل منها زوجها ليسكن إليها ( الأعراف . و قد صور لنا القرآن ارتباط الغريزة والعاطفة  بين  الزوجين  وأشار إلى أن هذا الارتباط آية من آيات الله ونعمة من نعمه التي لا تحصى قال تعالى : ) ومن آياته  أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا  لتسكنوا إليها و جعل بينكم مودة و رحمة( الروم 2. فيها ما يشير إلى حياة زوجية مملوءة بالمودة  و الرحمة على أساس السكن النفسي حتى ينعما بحياة أسرية كريمة و محبة متبادلة و ذرية صالحة .

 

الاستغفار

قال تعالى : } والذين إذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصرّوا على ما فعلوا وهم يعلمون { آل عمران 135 .

وقال تعالى : } ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيما{ النساء 110 . روى أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ما من مسلم يذنب ذنباً ثم يتوضأ فيصلى ركعتين ، ثم يستغفر الله لذلك الذنب إلا غفر له ، وقرأ هاتين الآيتين : ومن يعمل سوءاً .. الآية والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم .. الآية ) . إن الله سبحانه وتعالى موجود للمغفرة والرحمة حيثما قصده مستغفرٌ منيب ، وهو يستقبل المستغفرين فيغفر لهم ويرحمهم متى جاءوا تائبين .

إن الله يدرك ضعف الإنسان ، الذي تدفعه شهواته ورغباته إلى المخالفة عن أمر الله فلا يقسو عليه ولا يطرده من رحمته حين يظلم نفسه ، وحين يرتكب الفاحشة ، وحسبه أن يعرف أنه عبدٌ يخطئ ، وأن له رباً يغفر ، فكان الاستغفار ملاذ الخائفين من الله   وعزاء المكروبين من تقصيرهم وسوء حالهم ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيقٍ مخرجا ) رواه مسلم . كما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقومٍ يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم ) .

فما دام الإنسان يذكر الله ولا ينساه ، ولا يُصِرُّ على الخطيئة وهو يعلم أنها خطيئة ، ويُقِرُّ بالعبودية لله ، فإن الله لا يُغْلِق في وجهه باب التوبة ، ويطمعه في المغفرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما أصرَّ من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرَّة ) رواه الترمذي . أما إن كان مقترف الذنب مصِرّاً فإنه لم يكن لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم معنى ، لأن الحديث يشير إلى المستغفر من ذنبه غير المصرِّ عليه ، وهذا ما أشار إليه سبحانه وتعالى بقوله : } ولم يصِرّوا على ما فعلوا وهم يعلمون { يعلمون أنهم قد أذنبوا ، ثم أقاموا ولم يستغفروا .

ويمكن أن يكون الاستغفار بهذا الدعاء الجامع لمعاني التوبة كلها ، والذي يسمى بسيد الاستغفار روى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : ( اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت ، أعوذ بك من شرِّ ما صنعت ، أبؤ لك بنعمتك عليَّ وأبؤ بذنبي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ) .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ثمرات الاستغفار

  ينبغي أن نحرص على الاستغفار كما نحرص على الفرائض والأذكار لأنه من أعظم أسباب المغفرة والتوبة والطاعة لله فإذا كنا نريد راحة البال. وانشراح الصدر وسكينة النفس وطمأنينة القلب  فعلينا بالاستغفار : ] اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً [   

وإذا كنا نريد قوة الجسم وصحة البدن والسلامة من الآفات والأمراض  والغيث المدرار والذرية الطيبة والولد الصالح والمال الحلال والرزق الواسع  فعلينا بالاستغفار:] اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ [ هود52 وقال تعالى : ] اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً [نوح   

 وإذا كنا نريد دفع الكوارث والسلامة من الحوادث والأمن من الفتن والمحن  فعلينا بالاستغفار: ]وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الأنفال:33 .  وإذا كنا تريد تكفير السيئات وزيادة الحسنات ورفع الدرجات فعلينا بالاستغفار : ] وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ [ البقرة 58.

الاستغفار هو الدواء والعلاج الناجح من الذنوب والخطايا  لذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم به دائماً وأبداً بقوله : ( يا أيها الناس استغفروا الله وتوبوا إليه فإني استغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة ) .

والله يرضى عن المستغفر الصادق لأنه يعترف بذنبه ويستقبل ربه فكأنه يقول: يارب أخطأت وأسأت وأذنبت وقصرت في حقك ، وظلمت نفسي وغلبني شيطاني ، وقهرني هواي وغرتني نفسي الأمارة بالسوء ، وطمعاً في سعة حلمك وكريم عفوك ، وعظيم جودك جئت تائباً نادماً مستغفراً  فاصفح واعف عني وسامحني   وأقل عثرتي وزلتي  وأمح خطيئتي ، فليس لي رب غيرك ، ولا إله سواك وفي الحديث الصحيح : ( من لــزم الاستغفار جــعل الله لـه من كل هم فـرجا  ومن كل ضيق مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب ) .

 فمن مزقه القلق ، وأضناه الهم  وعذبه الحزن ، فعليه بالاستغفار فإنه يقشع سحب الهموم ويزيل غيوم الغموم، وهو البلسم الشافي، والدواء الكافي.

  قال بعض العارفين : ينبغي للعبد أن تكون أنفاسه كلها نفسين : نفسا يحمد فيها ربه  ونفسا يستغفر فيها من ذنبه . وروي عن الحسن أنه مرّ بشابٍ كان يجلس في المسجد وحده فقال له : ما بالك لا تجالسنا ؟ فقال : إني أصبح بين نعمة من الله تستوجب علي حمدا ، وبين ذنب مني يستوجب استغفارا ، فأنا مشغول بحمده واستغفاره عن مجالستك . فقال : أنت أفقه عندي من الحسن . ومتى شهد العبد هذين الأمرين استقامت له العبودية ، وترقى في درجات المعرفة والإيمان ، وتصاغرت إليه نفسه ، وتواضع لربه ، وهذا هو كمال العبودية . قال القرطبي : قال علماؤنا : الاستغفار المطلوب هو الذي يحل عقد الإصرار ويثبت معناه في الجنان لا التلفظ باللسان   فأما من قال بلسانه : استغفر الله ، وقلبه مُصِرٌّ على معصيته فاستغفاره ذلك يحتاج إلى استغفار ، وصغيرته لاحقةٌ بالكبائر . وروي عن الحسن البصري أنه قال : استغفارنا يحتاج إلى استغفار . فمن يكثرون من الذنوب عليهم أن يستكثروا من الاستغفار ، فقد قال النبي r: ( طوبى لمن وجد في صحيفته استغفاراً كثيرا ) رواه ابن ماجة . وقال سفيان الثوري لجعفر بن محمد بن علي بن الحسين : لا أقوم حتى تحدثني   قال له جعفر : أنا أحدثك ، وما كثرة الحديث لك بخير ، يا سفيان إذا أنعم الله عليك بنعمة فأحببت بقائها ودوامها فأكثر من الحمد والشكر عليها ، فإن الله عز وجل قال في كتابه : ] لئن شكرتم لأزيدنكم [ وإذا استبطأت الرزق فأكثر من الاستغفار . جاء ثلاثة الي الحسين بن علي رضي الله عنهما  فاشتكى الأول له قلة المطر والغيث فقال له : أكثر من الاستغفار . وأشتكى الثاني قلة الإنجاب والعقم . فقال : أكثر من الاستغفار . واشتكى الآخر إليه جدب الأرض فقال له : أكثر من الاستغفار . فقال لــه جلساؤه : يا ابن رسول الله كل الثلاثة مختلفوا الشكاية وأنت وحدت بينهم بالإجابة , فقال رضي الله عنه : أما قرأتم قول الله تعالي : ] استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا [ وإذا حَزَبَك أمرٌ من سلطان أو غيره فأكثر من : لا حول ولا قوة إلا بالله ؛ فإنها مفتاح الفرج  وكنـز من كنوز الجنة .  ولا ينال ثمرة الاستغفار إلا من استوفى شروطه   وهي الإقلاع عن الذنب  وعقد العزم على عدم العودة إليه  والندم على ما فرط في جنب الله تعالى ، أما الذي يستغفر الله بلسانه وهو مقيم على معصية الله غير نادم على ما فات منه -فإنه كالمستهزئ بربه- بل إن استغفاره هذا يلزم منه الاستغفار ، والاستغفار التام الموجب للمغفرة هو ما قارن عدم الإصرار كما مدح الله تعالى أهله ووعدهم بالمغفرة . قال أحد السلف: من لم يكن ثمرة استغفاره تصحيح توبته فهو كاذب في استغفاره .

أما حالات الاستغفار : فهي حال التلبس بالعبادة أو الفراغ منها فيقبل العبد على الاستغفار، يدفع به عن نفسه تبعة التقصير . وقد أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بالاستغفار في مواطن كثيرة: قال تعالى: ] فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ [ محمد19. وفي آخر ما أنزل على رسوله : ] فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [النصر3. وفي الصحيح أنه ما صلى صلاة بعد ما نزلت عليه هذه السورة إلا قال فيها: ( سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي )  

ويروى عن لقمان عليه السلام أنه قال لابنه: " يا بني، عوِّد لسانك: اللهم اغفر لي، فإن لله ساعات لا يرد فيها سائلاً " . وقالت عائشة رضي الله عنها: " طوبى لمن وجد في صحيفته استغفاراً كثيراً " .

وقيل: " ما جاور عبد في قبره من جار أحب من الاستغفار ". قال قتادة: " إن هذا القرآن يدلكم على دائكم ودوائكم ، فأما داؤكم فالذنوب وأما دواؤكم فالاستغفار " . وقال الحسن: أكثروا من الاستغفار في بيوتكم ، وعلى موائدكم  وفي طرقاتكم   وفي أسواقكم   وفي مجالسكم  فإنكم لا تدرون متى تنـزل المغفرة . وشُرِع أن يُختم المجلس بالاستغفار، وإن كان مجلس خير وطاعة . - وهو كفارة لما يكون في المجلس. فعَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأسلمي قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r  يَقُولُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ مِنَ الْمَجْلِسِ: ( سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ ) . فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ لَتَقُولُ قَوْلاً مَا كُنْتَ تَقُولُهُ فِيمَا مَضَى . قَالَ: ( كَفَّارَةٌ لِمَا يَكُونُ في الْمَجْلِسِ ) وشرع أن يختم العبد عمل يومه بالاستغفار فمما يقول عند النوم: كما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة (باسمك رب وضعت جنبي ، وبك أرفعه ، إن أمسكت نفسي فاغفر لها...).

 

 

 

 

 

1

 

 

 

 

 

 

 

 

 

نعمة الزواج

شرع الله الزواج ، وحث العباد عليه ورغبهم فيه ، لما فيه من حكم بالغة ، وما يحقق من مصالح وأهداف ، لعل من أهمها تحقيق العبودية لله بتنفيذ أمره في قوله تعالى:] فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [ وجعله أمراً لا تقوم الحياة إلا به  والزواج إتباع لسنة الأنبياء وهدي المرسلين قال تعالى: ] ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية [  وكان من حرص الصحابة على هذه السنة قول ابن مسعود : " لو لم يبق من أجلي إلا عشرة أيام لتزوجت مخافة الفتنة "   والزواج ليس فقط آية من آيات الله الذي نخر له ساجدين ، ولا نعمة من نعم الله الذي نسبح بحمده شاكرين ، بل هو قبل ذلك السبيل إلى مراتب المتقين ، به يتقرب   العبد إلى الله  ويملك نصف الدين قال r : ( إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف الدين فليتق الله في النصف الباقي ) وهو أمرٌ تقتضيه الفطرة المستقيمة وتتطلبه الطباع السليمة ، لأنه حصانة وابتهاج وسكنٌ وأنسٌ واندماج ، به تتعارف القبائل ، وتقوى به الأواصر ، فيه الراحة النفسية والطمأنينة القلبية ، والتعاون على أعباء الحياة الاجتماعية، ويكفيه أنه آيةٌ من آيات الله الدالة على حكمته ، والداعية إلى التفكر في عظيم خلقه وبديع صنعه :     ] وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [   فلا تصح العلاقة بين الرجل والمرأة إلا بالزواج، ولا يمكن للرجل أن ينعم بالسكن إلا من خلال الزواج ، فإذا أردت أن تسكن فلابد أن تتزوج  وإذا تزوجت فلابد أن تنعم بالمودة والرحمة ، وهذا ضمان من الله لكل مَن أراد الزواج ، لأنه سبب للعفة عن الحرام وتحصن عن الشيطان ولهذا امتدح الله أهل الإيمان بقوله ( والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين ) .

 كيف الخلاص

لقد أصبح المسلمون إثر النكبات التي تصب عليهم ، والويلات التي تحل بهم يشعرون بأنهم يسيرون على غير هدى ، وأن الطريق الذي يسلكونه يقودهم إلى الهاوية ، لذا فإن الرجوع إلى الدين هو الدواء الوحيد لشقائهم من جميع ما يعانون ، كما أنهم يعيشون في أوهام وأحلام ، حتى أصبحنا نعيش عمى الأبصار والقلوب ، نرى ولا نبصر ، نسير وراء كل ناعق ، لا نهتدي بهديهم ، ولا نقتدي بعملهم ، لا بل لا نسعى على تقليدهم في صالح الأعمال ، وإذا ما اهتدينا وقلدنا ، فإننا نأخذ سرّ ما عندهم ، لذا فليس أمام المسلمين إلا أحد امرين : أن يغيروا ما بأنفسهم ويصلحوا شأنهم ، أو أن يعترفوا بأنهم مقصّرون بحق أنفسهم وحق دينهم ، ويقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم ، وهذا افتراء على الدين الذي أنزله الله هداية ونوراً للعالمين ، وهو القادر على أن ينهض بأتباعه كما نهض به المسلمون الأولون، واتبعوه حق اتباعه .

إننا نرى من أسمعنا كلاماً حتى مللنا ، ورأينا من أعماله ما أذلنا ، فقد قال شططا وتكلم غلطا ، وما نحن بحاجة إلى الكلام ، بل نحن بحاجة إلى الإخلاص ، وإلى العمل القائم على العقل والمنطق ، بحاجة إلى العمل الذي نساير به تعاليم ديننا وواقعنا معاً ، بحاجة إلى نظام يساعد على النهوض والعمل، نظام لا يقف حاجزاً في طريق الاقدام على كل خير بحاجة إلى الزعامة التي لا معقب لحكمها ، لكي لا يكون لنا غير مرجع واحد نرجع إليه، بحاجة إلى نظام لكي لا نختلف على ما نريد، بحاجة إلى تعيين الوسائل لكي لا يسير كل واحد منا في سبيل، بحاجة إلى استثمار ما في تعاليم ديننا من أحكام وقوانين وهدايات ، واستثمار كل ما نملك من امكانات مادية ومعنوية ، استثماراً منظماً مدروساً وإلا كان أمرنا فوضى والفوضى لا تثمر إلا خراباً ودماراً.

وإني لأرجو أن يستيقظ المسلمون ليعالجوا أمراضهم بالإسلام ، إذ من العار أن نكون أتباع الدين الإسلامي وأن نعاني من فوضى واضطراب وضعف وما ذلك إلا لأننا كما قال صل الله عليه وسلم (يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها، قيل: يا رسول الله فمن قلة يومئذ؟ قال: لا، ولكنهم غثاء كغثاء السيل، يجعل الوهن في قلوبهم وينزع الرعب من قلوب عدوكم ، لحبكم الدنيا وكراهيتكم الموت) رواه الامام احمد في مسنده وابو داود في سننه .

  خواطر قيمة

من عرف الله هانت مصيبته، ومن أنس به زالت غربته، ومن رضي بالقضاء سعدت نفسه ، إن مَشقة الطاعة تذهب ويبقى ثوابها، ولذة المَعصية تذهب ويبقى عقابها ، إن أحببت نور الوجه فعليك بقيام الليل ، وإن أحببت الاسترخاء فعليك بترتيل القرآن    وإن أحببت السعادة قصلِّ الصلاة في أوقاتها ، وإن أحببت الفرج فلازم الاستغفار     وإن أحببت زوال الهم فلازم الدعاء ، وإن أحببت زوال الشدة فقل لا حول ولا قوة إلّا بالله  وإن أحببت البركة فصلِّ على النبي عليه الصلاة والسلام .

هذه الدنيا تتقلب فيها أحوال الناس ، ناس تحت التراب ، تزورنا في المنام ، وناس فوق التراب ، لا ترد علينا السلام ، إذا فَتَحَتِ الدنيا ذراعيها لك، وكان بإمكانك أن تَحصُلَ منها على ما تشاء، فلا تَخْدَعَنَّكَ بزُخْرُفِها، وتبْهَرَكَ بجمالها، وخذْ منها ما تتقوَّى به على طاعةِ الله وَضَعْها في يَدِكَ لِيَسْهُلَ التَّخَلُّصُ مِنها، ولا تضعْها في قَلْبكَ فَتَمْلِكَه وتُوَجِّهَه.

قد تسكن قصراً وتضيق بك الحياة ، وقد تسكن كهفاً ويشرح الله صدرك ، وقد تكون أبيضاً ويستحلك السواد ، وقد تكون اسوداً ، ويشع منك النور ، قد يكون لك أخوه وتعيش وحيدا ، وقد تكون وحيدا وحولك اخوة ، قد ترى الأصدقاء ويطعنون ظهرك  وقد ترى الأعداء وينقذون حياتك ، قد ترى أغنياء ويرتشون ، وفقراء ويتصدقون ، لا تندم على لحظات أسعدت بها احد ، حتى وإن لم يكن يستحق  عندما يُطعن الطيبون في قلبهم يتوعدون بالانتقام ، وحين تأتيهم الفرصة تصرخ ضمائرهم ، العفو عند المقدرة لا تحكم على مستقبلك من الآن ، فالأنبياء رعوا الغنم ، ثم قادوا الأمم ، مع  أن كيد النساء عظيم ، لكن نبينا عليه الصلاة والسلام ، لم يستعذ من كيد النساء ، بل استعاذ من قهر الرجال ، فأنت في دائرة الضياع والأحزان ، ما دامت الصلاة ليست في دائرة اهتمامك ، فالصلاة مقرونة بالفلاح   فكيف يفلح من لا يصلي ، ولك الحرية أن تكره أفعال شخص ما ، ولكن ليس من حقك أن تشوه سمعة من كرهت ، لما سألوا حكيما من تحب أكثر ، أخاك أم صديقك فقال أحب أخي حينما يكون صديقي ، وأحب صديقي حينما يكون أخي ، وليس البكاء على النفس إن ماتت ، إنما البكاء على التوبة إن فاتت ، وليس العار في أن نسقط ولكن العار أن لا نستطيع النهوض ، وأخيراً لا يجب أن تقول كل ما تعرف ، بل يجب أن تعرف كل ما تقول . قيل لابن مسعود ـ رضي الله عنه: من ميت الأحياء ؟ قال: الذي لا يعرف معروفاً، ولا ينكر منكراً.

 

 

 

 

 

هل يجوز بيع السلعة الموصى عليها بثمن أعلى ؟

إن كان وكيلا عن المشتري فيجب عليه ابتداء الإخبار بالثمن الحقيقي الذي اشترى به ، ولا يجوز له أن يأخذ الهدية أو الزيادة في الثمن دون علم الموصي مطلقا . وكذلك إن كان بائعا وكان البيع بيع أمانة كبيع المرابحة .

أما إن كان البيع من باب المساومة، فلا يجب إخبار المشتري بالثمن الذي اشتريت به، ولا يجوز أيضاً أن تغشه في معرفة الثمن الذي اشتريت به، بل إما أن تخبره بالثمن، وإما أن تسكت عن الإخبار به، وأما إخباره بخلاف الثمن الحقيقي فهو من الغش المحرم في جميع الأحوال.

والسؤال : إذا أوصى شخص على بضاعة هل يجوز بيعها له بثمن أعلى ؟

من أشترى سلع معينة بناء على طلب الناس ، ولا يعرفون أنه يببيعها لهم ويربح ، وهم يعتقدون انه يقدم لهم خدمة فقط خصوصا من الأهل.   

قيل بعدم جواز الربح من وراء بيع شيء لشخص اوصاك بشراء سلعة له وهو يظن انك تقدم له خدمة فقط .

فإذا طلبوا منك شراء سِلعة لهم ، وكنت بِمَنْزِلة الوكيل لهم ؛ فلا يَجوز لك أن تربح عليهم ، وإنما لك أُجْرَة الْمِثل في الشراء ، وهي ما يُسمّى " أتعاب " بِما فيها مصاريف الشَّحن .

وهذه الصورة من البيع : تكون السلعة سِلْعَة مَن أوْصَى عليها ، بحيث لا يُمكنه التراجع عن الشراء إذا حُزْت السلعة .

وأما إذا كنت تُتاجر بنفس السِّلَع ، بحيث تشترينها قبل قبض مال منهم  وتبيعينها عليهم بعد ذلك ، بحيث لو لم يشتروها لم يُلْزَموا بها ؛ فلا بأس بالربح عليهم في هذه الحالة .

والفَرْق بين الحالين : أن الأولى : السلعة سِلْعَة مَن أوصاك .

والثانية : أن السلعة سِلْعَتك ، إن اشتروها هُم أوْ اشتراها غيرهم .

  

 حكمة تكتب بماء الذهب

لو بذل الناس من أجل أن يورثوا أولادهم الدين ربع ما بذلوه من أن يورثوهم الدنيا لورِثوهما معا!! كثيرٌ من الناس ..أهلَكَ نفسه، وضيع عمره من أجل رصيدٍ لولده أو بيتٍ لحفيده.. بينما كان يبخل عليهم بساعةٍ يقص عليهم فيها قصة، أو يلقنهم فيها آية، أو يعلمهم فيها حكما ، فتركوا لأولادهم المتاع ، بينما الدين عرضة للضياع ، أيها اللاهثون خلف الأرزاق المضمونة  اتعبوا قليلاً من أجل الأخلاق المظلومة ، فدعوة من ولدٍ صالحٍ بعد الممات خيرٌ من كل هذه التفاهات ، يا ليتكم تعلمون .

 كشف المستور

يقول أحد دهاة العرب : "ما غلبتني إلا جارية ، كانت تحمل طبقاً مُغطى  فسألتها : ماذا يوجد في الطبق .؟ فقالت :  ولمَ غطيناه إذاً ؟ فأحرجتني   لا أقول حكمة اليوم ، بل حكمة العمر : " أي شيء مستور لا تحاول أن تكشفه" . سترنا الله وإياكم في الدنيا والآخرة .. لا تحاول ان تبحث عن الوجه الآخر لأي شخص ، حتى لو كنت متأكد بأنه سيّء يكفي انه احترمك ، وأظهر لك الجانب الأفضل منه ، واجعل من اكتفائك قناعة  فلكلٍ مِنّا جانبٌ سيّء يتحاشاه حتى مع نفسه. والاشتغال بسرائر الناس يفتح باب سوء الظن ، وظلم الناس .

 حافظوا على الود بينكم

إن الله إذا قارب بين القلوب، لم يزحزحها شيء ، وقد جعل الله المودة في قلوب المؤمنين بسبب الإيمان، كما أخبر الله فقال : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً ﴾ مريم:96. أي يلقي بينهم المحبة، فيحب بعضهم بعضا فيتراحمون ويتعاطفون بما جعل الله في قلوبهم من هذه المحبة التابعة لمحبته، والمودة بين المؤمنين ليست لأجل نسبٍ أو مال ولقد أحسن القائل :  

إنا وإن لم يكن بيننا نسب   فرتبة الودِ تعلو رتبة النسب

بخلاف أهل المعاصي والفسوق، إذا كان بينهم  مودةٍ فإنها سرعان ما تنقلب وتستحيل إلى عداوة ، لذا فإن ود الناس وحبهم نعمة يتمناها الجميع وميزة يختص بها البعض دون غيرهم ، وحب الناس يشعر الشخص بالسعادة ويبعد عنه شبح الوحدة والحزن ، ومن كسب حب الاخوة عاش أحلى الأزمان  ومن كسب الأحبة ، نسي كل الأحزان . 

فتمسكوا بأحبتكم جيداً، وعبروا لهم عن حبكم، واغفروا زلاتهم فقد ترحلون أو يرحلون يوماً ، وفي القلب لهم حديث وشوق ..احذروا أن تخيطوا جراحكم قبل تنظيفها من الداخل؛ ناقشوا، برروا، اشرحوا، اعترفوا .. فالحياة قصيرة جداً لا تستحق الحقد، ولا الحسد، ولا البغض، ولا قطع الرحم ..غداً سنكون ذكرى فقط ، والموت لا يستأذن أحد .. ابتسموا واسمحوا وسامحوا من أساء إليكم .

نصيحة غالية

لا تبحـــث عــــن ماضي كــان من القــدر ، ولا تعــــاتب من خـــــــان وغــــــــــــــدر

ولا تلاحــــــق مــــن تركــــك وهجــــــــر ، ولا يغرنك مـــــن كان شكــله كالقمــــــر

وسامح ولا تجعل قلبــــــك كالحجــــــــر، واغفر زلـة صاحب فهــــــو من البشـــــر

وأحفظ سرك واجعله مثل عمق البحــــــر ، ولا تندم واجعل من ندمــــك دروس وعبـر ،كــــــــن صاحـــــب عزيمـــــــــــــة وإرادة ، ولا تتســـــاقط مثــــــل ورق الشجــــــــر " ولا تيأس ولا تحزن ، هنيئاً لمن احتسب وصبر ، واحذر من نار اسمها سقر  واعمل لجنة فيها ما لم يخطر على قلب بشر .

قراءة القرآن خيرًا والله

اجعل يا أخي بعضاً من وقتك لقراءة القرآن بتمعن ، والله ليفتحن الله عليك ولَـيُـغْـدِقَـنَّ عليك من خيري الدنيا والآخرة، وليُـرْضِينك وليُـكْرِمنك وهو أكرم الأكرمين. اجعل حياتك يا أخي ممزوجة بالقرآن ، تلاوة من المصحف أو من حفظك أو استماع في غير وقت التلاوة خصص له وقتًا، واستغل فراغك لتلاوة القرآن وتفسيره ، والله لتجدن بركة في وقتك وتيسيرا في كل شأنك. وسعادة غامرة في صدرك ما كنتَ لتجدها  إلا ببركة كلام الله!  تعلَّق بالقرآن تجد البركة في كل حياتك! فقد قال الله ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ﴾ ومن بركته : أنه ما زاحم شيئًا إلا باركه ببركته! قال أحد المفسرين : " اشتغلنا بالقرآن فغمرتنا البركات والخيرات في الدنيا "  وقال إبراهيم بن عبدالواحد المقدسي موصيًا الضياء المقدسي لما بدأ يشق طريقه لتعلم الحديث: " أكثر من قراءة القرآن ولا تتركه، فإنه يتيسر لك الذي تطلبه على قدر ما تقرأ ". فقال الضياء: " فرأيت ذلك وجربته كثيرًا فكنت إذا قرأتُ كثيرًا تيسر لي من سماع الحديث وكتابته الكثير، وإذا لم أقرأ لم يتيسر لي" وقال أحد السلف: (كلما زاد حزبي أي: الورد اليومي من القرآن زادت البركة في وقتي ولا زلت أزيد حتى بلغ حزبي عشرة أجزاء). وقال عبد الملك بن عمير: " كان يُقال إن أنقى الناس عقولًا قُـرَّاء القرآن " . وقال القرطبي: " من قرأ القرآن مـُتِّـعَ بعقله وإن بلغ مائة! " وأما عن الوقت الذي لا تتهيأ فيه نفسك لتلاوة القرآن فاستمع له وأنصت لمن أحب من أصوات القُـرَّاء إليك ، فما الرحمة إلى أحد بأسرع منها إلى مُستمع القرآن! لقوله سبحانه ﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ ولعل من الله واجبة  وقد كان رسول الله صلى عليه وسلم  يحب سماع القرآن من غيره مع أنه عليه أُنزِل! وكان يقول: ( إني أحب أن أسمعه من غيري ). وعلى قَدْر نصيبك من كلام الله ، تلاوة وتعلما وعملا وحفظا واستماعا يكون نصيبك من رحمة الله ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ وترشد الآية أن شفاء صدرك وزوال همك يكون بالقرآن! ، قال ابن الجوزي: " تلاوة القرآن تعمل في أمراض الفؤاد ما يعمله العسل في علل الأجساد " وقال شيخ الإسلام: " ما رأيت شيئا يغذِّي العقل والروح ويحفظ الجسم ويضمن السعادة أكثر من إدامة النظر في كتاب الله تعالى " وإن لم يكن إلا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه ) لكان ذلك سببًا كافيًا لتعكف عليه آناء الليل وأطراف النهار! سيشفع لك هذا الرفيق المبارك يوم يفر منك أخوك وأمك وأبوك وصاحبتك وبنوك! ويكفي صاحب القرآن رضا وسرورا؛ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يجيء صاحب القرآن يوم القيامة، فيقول القرآن: يا رب حُلَّهُ، فيلبس تاج الكرامة، ثم يقول: يا رب زِدْه، فيلبس حُلَّةَ الكرامة، ثم يقول: يا رب ارضَ عنه، فيرضى عنه، فيُقالُ له: اقرأ وارق، ويُزاد بكل آيةٍ حسنة ) فيا أخي ! احذر أن تهجر القرآن أو تغفل عنه! فكل بُعْدٍ عن القرآن هلاكٌ للنفس واختناق! قال تعالى : ﴿ وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ) أي يبعدون عنه ثم قال:( وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ أقسم بالله إن الغافل عن القرآن لفي خسارة وحسرة عظيمة! ، وما أَحَـبَّ اللهُ أحداً حُـبَّـهُ لأهل القرآن! فجاهد نفسك يا أخي لتكون منهم، فإن لم تستطع فزاحمهم ؛ هم القوم لا يشقى جليسهم، قال تعالى: ﴿ ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه ﴾ ، وقال تعالى: ﴿ إن هو إلا ذكر للعالمين ولتعلمن نبأه بعد حين ﴾ . اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور أبصارنا .

 

من أعرض عن القرآن ومن اطاع

خلق الخلق لعبادته، وأمرهم بطاعته، وأوضح لهم دينه، وفصل لهم شريعته، وبين لهم حدوده، ووعد الطائعين أجرًا عظيمًا، وفوزًا كبيرًا، وتوعد العاصين بعذاب أليم، وخسران مبين ، أما من أطاعوا القرآن فقد نالوا به الشرف ، وجاهدوا وضحوا ، وبذلوا وأعطوا  وحكموا العالم وأقاموا خلافة ، وبنوا مجداً وصنعوا حضارة ، ومن قالوا لا في أمور الحياة  وقضايا الأمة وقعوا في الترف وأصيبوا بالتلف ، ومن وصل إلى سدّة الحكم عزل القرآن عن الحياة ، ونفى القرآن عن مسرح الأحداث ، وعطل القرآن عن التحكيم ، عند اصدار الحكم وزمن التنفيذ ، ﴿ أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقومٍ يوقنون﴾ ولو كان القرآن في قلوب الظالمين ، لما دمروا العمران وأزهقوا الأرواح ، لأن القرآن يحرِّم هذا الصنيع ، والفعل الشنيع ، والعمل الفظيع ، ويوم فصلت السياسة عن القرآن بزغ ساسة طغاة ، عتاة قساة ، جبارون سفاكون سفاحون ، ويوم قطع عن الاقتصاد ، نتجت تجارة محرَّمة ومعاملات ربوية ، ويوم فقدت التربية روحه ، شب جيلٌ عاق متهتك ، وهانت أمةٌ لا تحكم بالقرآن ، فخرج جيل لا يعرف إلا طعامه وشرابه 

ومن قالوا للقرآن نعم قي المآتم والأعيادِ ، والاحتفالات والمهرجانات ، وعند عقد النكاح ، وعلى روح الميت ، في المسجد والمقبرة والمأتم ، أولئك هم الخاسرون ، أما من قالوا للقرآن نعم فقد فقهوا دينهم ودنياهم ، فأرادوا الدنيا بحكمة ، وعيونهم على الآخرة فتحقق لهم عزٌ في الدنيا ، وعزٌ في الآخرة ، ومجدٌ في الدنيا ، ومجدٌ في الاخرة ، وملك في الدنيا وملك في الآخرة ، جمعوا كل ذلك مع سلامة العقيدة وصحة العبادة ، وصدق التوجه ونبل الغاية ، وصدق الله : ﴿ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ﴾ .     

 

 

 

ما المسموح به من الإسلام

الإسلام المسموخ به ، اسلام الدراويش ، اسلام محترفي التجارة بالدين ، اسلام عصور التخلف والانحطاط ، اسلام المناسبات الذي يسير في ركاب الطغاة ، ويدعو لهم بطول البقاء ، اسلام الابتداع في العبادة ، والسلبية في الأخلاق ، والجمود في التفكير ، هذا هو الإسلام المسموح به المشمول بالرعاية والتأييد من قبل سلاطين الجور وحكام السوء ، حتى العلمانيون يحتفون بهذا النوع من التدين ويباركونه ، ويظهرون التكريم لرجاله ، والتعظيم لدعاته ، ليقوموا بدور التخدير للشعوب المقهورة ، والطبقات المطحونة ، ويغرقوا الشباب في الشطحات والرسوم والشكليات ، مما يخمد روح الجهاد للطاغوت ، والمقاومة للظلم ، والتغيير للمنكر والفساد .

أما الإسلام الحقيقي ، فهو إسلام القرأن والسنة ، إسلام الحق والقوة ، إسلام العزة والكرامة ، إسلام البذل والجهاد ، الإسلام المرفوض من أصحاب السلطاان ، لأنه يحمل روح الثورة على ظلم الحكام ، وحكم الظلام ، ويربي أبناءه على أن يكونوا من { الذين يبلّغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله } الأحزاب 39 . إسلام المؤمنين بأن الرزق واحد ، والعمر واعد ، والرب واحد ، ولا محل للخوف إلا منه ،ولا اعتماد إلا عليه .

ماذا يصنع المسلمون الذين يريدوا أن يعيشوا وفقاً لعقيدة الإسلام وهم يرون الكفر مفروضاً والإيمان مرفوضا ، والحرام حلالاً ، والحلال حراما  ؟ ان استمرار هذا الحال من التضييق على الإسلام ، حال لا يمكن أن يدوم ، ولا بد أن يجد أهلاً وأنصارا ، ولا تزال طائفة من هذه الأمة ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم أو خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك .    

قصة الظالم والمظلوم يوم القيامة

 الظلم: هو الجَور وانتهاك حقوق الآخرين والاعتداء عليهم ، و الظالم: هو الجائر على الناس المعتدي عليهم دون وجه حقٍّ،  والمظلوم : هو من اعتُدي عليه أو وقع عليه الظلم.   

 وقد حذّر الإسلام شديد التحذير من الظلم ، وأكل الحقوق دون وجه حقٍّ، لأن الظلم سببٌ لنزول المحن والابتلاءات على الظالم في حياته، والظلم سببٌ لنيل العذاب في الدنيا والآخرة؛   وسبب لفناء الحسنات وتوزيعها على الذين ظلمهم يوم الحساب، والمفلس الذي ذكره النبيّ -عليه السّلام- في الحديث؛ هو من جاء بطاعات وحسنات، لكنّه كان ظالماً للناس في أفعاله وأقواله، فكان القصاص منه في الآخرة بتوزيع حسناته عليهم حتى فنيت.

وللظالم والمظلوم قصة يوم القيامة : عن انس رضي الله عنه قال : ( بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس  إذ رأيناه ضحك حتى بدت ثناياه فقال له عمر : ما أضحكك يا رسول الله ؟ قال : رجلان من أمتي جثيا بين يدي رب العزة فقال أحدهما : يا رب خذ لي مظلمتي من أخي . فقال الله : كيف تصنع بأخيك ولم يبق من حسناته شيء . قال : إن ذلك ليوم عظيم يحتاج الناس أن يحمل من أوزارهم . فقال الله للطالب : ارفع بصرك فانظر . فرفع فقال : يا رب أرى مدائن من ذهب وقصوراً من ذهب مكللة باللؤلؤ لأي نبي هذا أو لأي صديق هذا أو لأي شهيد هذا . قال : لمن أعطى الثمن . قال : يا رب ومن يملك ذلك ؟ قال : أنت تملكه . قال : بماذا ؟ قال : بعفوك عن أخيك . قال : يا رب ، إني قد عفوت عنه . قال الله : فخذ بيد أخيك وأدخله الجنة " . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم  عند ذلك : ( اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم فإن الله يصلح بين المسلمين ) . رواه الحاكم والبيهقي في البعث وقال صحيح الإسناد.  

دروس وخطب

نقدم بين يديكم مجموعة من الدروس والخطب والمواعظ 

واسال الله ان يتقبل منا جميعا